info@suwar-magazine.org

أطباء محافظة إدلب تحوّلوا إلى تجّار

أطباء محافظة إدلب تحوّلوا إلى تجّار
Whatsapp
Facebook Share

 

 

*رزان السيد

 

أمام ألم زوجته وهي على وشك أن تضع مولودهما الأوّل اضطرّ حسام (38 عاماً) إلى أن يسعفها إلى أحد المشافي الخاصة في كفرنبل. فكان أوّل ما فعله كادر المشفى، بعد أن فحصت الطبيبة المختصّة الزوجة، أن طلب منه تسديد تكاليف العملية القيصرية التي ستخضع لها بعد قليل.

 

حسام واحدٌ من مئات السوريين الذين تعرّضوا لبتر أحد أعضائهم نتيجة الحرب، إثر إصابته بشظيةٍ تسبّبت في قطع يده اليمنى، ولذلك يعاني من أوضاعٍ ماديةٍ سيئةٍ وسط ظروفٍ معيشيةٍ مزرية.

 

يقول: ”طُلب مني دفع مبلغ /35/ ألف ليرة سورية مقابل عملية زوجتي التي لم تُجرَ بعد، وهو مبلغٌ كبيرٌ لم أتوقعه ولم أكن مستعداً له”.

 

احتار حسام كيف سيتدبر أمره، ومن أين سيأتي بالمال. كان قد جمع عشرين ألف ليرةٍ للولادة، فأعطاهم هذا المبلغ واعداً أنه سيكمل الدفع بعد الولادة، ولكن المحاسب لم يرضَ، موضحاً بأنه مكلفٌ باستلام المبلغ كاملاً.

 

 

لم يعد حسام يعرف كيف يتصرّف حيال ما يواجهه، فنصحه أحد أقربائه بالتوجه الى إحدى الجمعيات الخيرية العاملة في المنطقة علها تساعده. لم يكن سهلاً عليه أن يطلب المساعدة من أحدٍ وكأنه يتسول، ومع ذلك فقد آثر طلب المساعدة على تدهور وضع زوجته التي لا زالت تتألم.

 

وجد حسام تجاوباً من جمعية الهدى الخيرية التي ساعدته وقدمت له المبلغ فدفعه للمشفى، وأجريت العملية لزوجته ورزقا بطفل. ومع فرح حسام الشديد بولادة طفله إلا أن أسئلةً كثيرةً كانت تجول في خاطره، إذ يقول: ”أوَليست مهنة الطبّ بالذات مهنةً إنسانيةً بحتةً واجب العاملين فيها تقديم المساعدة للناس والتخفيف من آلامهم؟ هل مهمّة هؤلاء الأطباء فقط جمع ثرواتٍ من مواطن بائسين أنهكتهم الحرب؟!”.

 

من جهةٍ أخرى يتحدث الطبيب محمد المرعي، مدير المشفى، قائلاً: ”من الطبيعيّ أن ترتفع أسعار العمليات في المشافي الخاصّة بالتوازي مع ارتفاع أسعار الأجهزة والمعدّات الطبية والمحروقات اللازمة للمولدات الكهربائية وغيرها”.

 

رائدة العكل (25 عاماً) من مدينة كفرنبل، تعرّض طفلها محمد، ابن السموات الخمس، لصعوبةٍ في التنفس جرّاء إصابته بمرض ربو الأطفال، فقصدت طبيب الأطفال م. ب. ونظراً لعدم وجود ازدحامٍ في العيادة دخلت إلى غرفته مباشرةً وطلبت منه مساعدة طفلها، ولكنها فوجئت بالطبيب يقول لها بلهجةٍ حادة: ”ادفعي أولاً سبعمائة وخمسين ليرة”. تقول رائدة: ”لوهلةٍ شعرت أنني أمام تاجرٍ جشعٍ لا أمام طبيب أطفال.. طبعاً كنت سأدفع ولكن عليه إسعاف المريض أولاً!. لكن الطبيب تذرّع بأن البعض يتهرّبون من دفع أجرة المعاينة.

 

أما سارة (30 عاماً)، من كفرنبل أيضاً، فلها قصةٌ مؤلمةٌ مع جشع الأطباء واستهتارهم بحياة الناس. أنجبت سارة طفلتها مايا في أحد المشافي الخاصّة واضطرّت إلى أن تدفع لها كلّ ما تملكه من مال، ولكن الذي حدث بعدها أن الوليدة مرضت مرضاً شديداً، فقصدت سارة مع زوجها مشفى أورينت الميدانيّ في كفرنبل، علهما يستطيعان أن يعالجا ابنتهما دون أن يضطرّا إلى دفع المال الذي لا يملكان منه شيئاً.

 

 

في المشفى طلب طبيب الأطفال ذ. غ بعض الفحوصات، اكتشف إثرها إصابة الطفلة بمرض السكريّ، فأمر الوالدين بالتوجّه إلى أحد المشافي الخاصة لوضع الطفلة في حاضنة، مع العلم أن المشفى نفسه يحوي حواضن. أخبره الزوج أن أوضاعه المادية لا تسمح بدخول المشافي الخاصة نظراً لارتفاع أسعارها، وعندها أمر الطبيب الممرضة أن تضع للطفلة أوكسجين وسيروم وريدي في إحدى غرف المشفى.

 

تقول سارة: ”كانت مايا تتحسّن ولكن بشكلٍ بطيء، وهذا ما أزعج الطبيب ذ. غ الذي كان عليه أن يفحصها كلّ يومٍ وأن يصف لها دواءً جديداً”. وبعد مضيّ أسبوعٍ على بدء علاجها أمر الطبيب بتخريج الطفلة من المشفى رغم أنها لم تشفَ بعد، مؤكّداً لسارة أن وضعها بات أفضل وأن الأهل يمكن أن يتابعوا علاجها في المنزل باستمرار وضع السيروم لها.

 

ورغم أن سارة كانت متأكدةً من أن حالة طفلتها ستسوء دون أوكسجين، ولكنها اضطرّت إلى الوثوق بالطبيب الذي أمر بتخريجها من المشفى.

 

وفي أول ليلةٍ لمايا في منزلها ساءت صحتها، وكانت تتنفس بصعوبة، فانطلق والداها لإعادتها إلى المشفى الميدانيّ في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل. استدعى كادر المشفى الطبيب ذ. غ من منزله للاطلاع على وضع الطفلة، ولكنه ما إن دخل حتى نظر إلى والدي الطفلة قائلاً: ”لم تمت بعد؟”، وكأنه أرسلها إلى المنزل لتموت هناك، أو بالأحرى ليسرّع في موتها بعد أن منع عنها الأوكسجين. هذا ما تؤكده سارة، وتضيف متأثرةً لما حدث لابنتها: ”نعم لقد توفيت طفلتي في تلك الليلة”، جازمةً أن هذا الطبيب ”عديم المسؤولية والضمير هو من قام بقتلها. وكلّ ذنبنا أننا لا نملك مالاً”. ففي المشافي الخاصّة علينا دفع الكثير من المال، وفي المشافي المجانية علينا الاستعداد لفقد مريضنا نتيجة الإهمال.

 

من جهته ينتقد أبو حسن (48 عاماً)، وهو أحد أعضاء المجلس المحليّ في كفرنبل، جشع وقلة مسؤولية بعض الأطباء، قائلاً: ”لا شكّ أن السوريّ اليوم يعاني أزمة حربٍ خانقة، أزمةً جعلته نازحاً، جريحاً، فقيراً، مشرّداً. هي محنةٌ طالت، وهي الأقسى منذ عشرات السنين. وهناك من يضيف إلى أعباء هذا السوريّ المسكين عبئاً آخر جديداً ألا وهو الأجور المرتفعة والباهظة لبعض الأطباء”. ويتابع أبو حسن مردفاً: ”ما الذي جرى لهؤلاء؟ يرفعون أجور المعاينة حالهم كحال التجار الجشعين الذين قاموا برفع أسعار السلع الغذائية وغيرها مستغلين أوضاع الحرب وغياب الرقابة لزيادة ثرواتهم. كلّ ذلك على حساب أولئك الذين لا يجدون ما يقتات به أطفالهم نتيجة تهدم بيوتهم ومحلاتهم وغلاء كل شيء!”. ويلفت أبو حسن إلى أن هناك أطباء أجانب وعرباً قدموا من خارج البلاد لمساعدة الجرحى والمرضى والتخفيف عنهم دون أجور، لذلك كان الأَولى -بحسب أبو حسن- أن يساعد الطبيب السوريّ أخاه السوريّ في هذه الظروف. وينوّه أبو حسن إلى أنه لا يطلب من الأطباء عدم تقاضي أيّ أجور، ولكن فلتكن الأجور رمزيةً لا ترهق المريض وتزيد حالته النفسية سوءاً.

 

وتقول أم خالد (40 عاماً)، من قرية بسقلا المجاورة لمدينة كفرنبل: ”يعاني زوجي من ألمٍ في معدته، ومع ذلك لا يريد الذهاب إلى أيّ طبيب، لأنه لا يملك المال الكافي. فهو يعلم جيداً أن مراجعته للطبيب ستجعله يضحي بثمن الطعام الذي يحضره لعائلته لمدّة أسبوعٍ كامل”. وتشير أم خالد إلى وجود مشافٍ مجانيةٍ في المنطقة ولكن لا تتوافر فيها جميع الاختصاصات، فيضطرّ المريض إلى زيادة عيادات الأطباء، وهنا تكمن المشكلة بالنسبة إلى الفقراء على حدّ تعبير أم خالد.

 

ولكن، في الوقت نفسه، هناك أطباءٌ لا يزالون يتحلون بالأخلاق ويفعلون ما تمليه عليهم ضمائرهم تجاه مرضاهم. يقول أبو عمر (45 عاماً)، من معرّة النعمان: ”شعرت بألمٍ في قلبي فقصدت أحد أمهر الأطباء في مدينة كفرنبل، وهو الطبيب أ. غ، وفي العيادة استقبلني بأخلاقٍ عاليةٍ وبابتسامة”.

 

ويؤكد أبو عمر أن هذا الطبيب لم يطلب منه ثمن المعاينة حتى بعد أن انتهى من فحصه وكتابة الوصفة الطبية، فقام أبو عمر بدفع مبلغٍ بسيطٍ من المال فشكره الطبيب وودّعه دون أن ينظر إلى المبلغ حتى.

 

يشيد أبو عمر بأخلاق هذا الطبيب، فهو لا يطلب من المرضى دفع مبلغٍ محدد، وإنما يترك ذلك للمريض بحسب إمكانياته المادية، ويتمنى أبو عمر لو أن جميع الأطباء يملكون ما يملكه هذا الطبيب من أخلاقٍ نبيلة.

 

وقعت سعاد (28 عاماً) هي الأخرى ضحية جشع الأطباء، إذ فقدت جنينها في الشهر الخامس نتيجة إصابتها بمرضٍ أثناء حملها تسبّب في اجهاضها. تقول: ”لم أستطع زيارة عيادة الطبيبة النسائية نظراً لارتفاع تكاليف المعاينة والدواء التي تفوق قدرتنا المادية”. وتعبّر سعاد عن ألمها قائلة: ”لم يعد الفقير يستطيع أن يعيش في هذه البلاد”.

.

.

اقرأ المزيد للكاتبة..

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard