عبد الله الفاضل.. ذاك الصامت الصارخ
من جورج أورويل إلى حنا بطاطو.. تلميذ السجون يترجمنا
*سناء إبراهيم
غفلت عيونه عن ذكر سنوات السجن. كان وجهه بلا دموع، بلا حزن، بلا تجاعيد. في آخر لقاءٍ معه جلس عبد الله الفاضل، مواليد (1967)، بهدوئه المتقن، ينصت مستمعاً ويهزّ رأسه موافقاً. يضحك بكلّيته على نكات صديقه نبيل ملحم وشتائم رفيقة عمره حسيبة عبد الرحمن. لا حديث عن الترجمة، ولا عن الحرب، ولا عن الأمس الذي يقبض على لحظتنا. بدت الجلسة كما لو أنها احتفالٌ بحياةٍ احتلها الموت، فانطلقت جحافل النكات، والشتائم، والثرثرة كي تحرّرها. وجوهٌ ضاحكةٌ كأنها الحرب قبل أن تقع. أيامٌ قليلةٌ بعدها، أمطرت السماء حظاً سيئاً على عبد الله، وامتدت يد الحارس مرّةً أخرى لتسرق ضحكته وتودعها ذلك القفص الصغير الضيق الذي أكل سنواتٍ من عمره.
لا يسكن عبد الله الفاضل بنايةً من 15 طابقاً، ولا يصعد المصعد الكهربائيّ، ينزل درجاتٍ تحت الأرض حيث يسكن. مهنته الترجمة، وعندما تشرد روحه تهفو إلى الشعر، كما قالت عنه حسيبة عبد الرحمن. تعكس ترجماته رؤيةً فكريةً تنويريةً كما كتبت عنه صحيفة تشرين، في أغرب مفارقةٍ قد تحصل، فالصحيفة الرسمية نشرت مقالاً احتفت فيه بإنجازات عبد الله وهو يقبع في السجن، دون أن تعلم (أو ربما تعلم) أن السجن يعيد اغتيال هذه الرؤية الفكرية التنويرية التي يحملها عبد الله، وأن أمثاله يُعامَلون في بلدهم كما لو أنهم مشعوذات، أو من ممارسي السحر الأسود. كان الأَولى بصاحب المقال أن يسأل: كيف لهذه البلاد أن تعيش بلا ظلٍّ ولا ماء؟ أمثال عبد الله هم ظلّ هذه البلاد وماؤها، هم من يروي عطشها ويحميها من جراد الصحراء، بعد أن غادرها الجميع كلٌّ باتجاه؛ بعضهم إلى الزعامة، وبعضهم اتخذ طريق الجنون، آخرون ماتوا، ومن بقي يستعد للرحيل هرباً من الفراغ، فراغ الموت من الحياة.
اعتُقل عبد الله الفاضل لأول مرّةٍ في التسعينيات، لمدة (10) سنوات، بتهمة الانتماء إلى حزب العمل الشيوعيّ. في اعتقاله الأخير، الذي استمرّ ثلاثة أشهر، لم يطالب دعاة حقوق الانسان والمعارضة السورية بالإفراج عنه، ربما لأنه لا يشبههم، أو ربما لأنه لا يحبّ الأفواه التي لا تتوقف عن الثرثرة، هو الذي يغرق في صمته.
آخر ترجمةٍ قدمها كانت لكتاب (فلاحو سورية: أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم)، للمؤرخ الراحل حنا بطاطو (1926- 2000)، والذي يعدّ مساهمةً تحليليةً لطبيعة السلطة السياسية القائمة في سورية، بالعودة إلى الجذور التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للفئات المشكّلة لها.
أما أولى ترجماته فكانت رواية (الخروج إلى الهواء الطلق) للكاتب الإنكليزيّ جورج أورويل، وبعدها توالت الترجمات، وأبرزها: (اللغز الأنثوي) للكاتبة الأميركية بيتي فريدان، (المرأة المخصيّة) للكاتبة الأسترالية جيرمين غرير، (دفاع عن حقوق المرأة) للمؤلفة الإنكليزية ماري ولستونكرافت، (مقالات في النسوية)، (الأنثروبولوجيا الاقتصادية، التاريخ والأثنوجرافيا والنّقد) للمؤلفين كريس هان وكيت هارت، (القومية والنسويّة في العالم الثالث) للكاتبة كوماريجايا واردينا.
عبد الله الفاضل: حاصلٌ على ليسانس تجارة وليسانس ترجمة. متزوّجٌ من عبير الصالح (محامية)، وله منها ولدان (همام وليلى).