info@suwar-magazine.org

رصد قضايا المرأة.. البحث عن الإشكالات قبل الحلول

رصد قضايا المرأة.. البحث عن الإشكالات قبل الحلول
Whatsapp
Facebook Share

 

 

52% من العاملين في منظمات المجتمع المدني داخل المناطق الكردية نساء

 غير أن الواقع لا يعكس بشكل كامل !

 

 

عباس علي موسى

 

 

يأخذ الحديث عن قضايا المرأة حيّزاً كبيراً وخاصة في القرن العشرين وبواكر الحادي والعشرين مدوّنة ضخمة من السجالات والنقاشات حول المرأة وحقوقها وأدوارها في الحياة اليومية والحياة الثقافية ومشاركتها في مجالات الشأن العام، وبدأت تلك السجالات بحق المرأة في التصويت ومساواتها أمام القانون وفرص العمل ..إلخ، وأما سقف تلك المطالبات فلا تقف حتى تصل إلى المطالبة بالتحرّر للمجتمع – المرأة والرجل- سواء بسواء وخاصة في أوطان غدت فيها الحرية مخضّبة بالأحمر، وتحمل الحياة ثمناً لأجلها، وما الذي جرى ويجري في سوريا يدل على ذلك الثمن الباهظ الذي ندفعه جرّاء المطالبة بالحرية، ولأنّ الوقت طال في الحدث السوريّ_ الحدث الاستثناء في المنطقة_ فقد برزت إلى السطح كلّ القضايا الإشكالية التي أراد البعض المرور عليها سريعاً دون إشباعها بالنقاش، ودون أن يميطوا اللثام عن تفصيلاتها الموجعة، ومنها ملف الديمقراطية والتعددية وتقبّل الآخر، والمواطنة، وقضية حقوق المرأة.

 

وربّما تكون قضية المرأة من القضايا التي برزت أكثر في وقت يرتفع فيه صوت الأصولية الدينية والجماعات الإسلامية المتشددة أكثر فأكثر، ولربما يبرز التشدد هذا أكثر في التعامل مع المرأة.

 

في الجزيرة السورية "محافظة الحسكة"، أيضاً ثمة تداولٌ على حق المرأة وقضاياها، وهو موضوع في سياق المواضيع الكثيرة المطروحة على الساحة سواء السياسية، أو المدنية، لكنّها تبدو أكثر بروزاً في الساحة المدنية، نظراً للجوء منظمات المجتمع المدني إلى دعم ملف المرأة وتحريكه، وإخراجه من نمطية طرح قضايا المرأة التي كانت تعالج في السابق بسطحية كثيرة، فغالباً ما كان يتم طرح أسماء بعض النساء القياديات أو الرائدات في مجال ما، للتدليل على خلوّ ملف المرأة من الانتهاكات، وأنّه يتم دعمه أبداً من قبل الجميع.

 

على المستوى الشعبي حين يكون الحديث عن قضايا المرأة نافلاً، تزداد الإشارة إلى أنّ المرأة في أحسن أحوالها، وخاصة بعد ظهور منظمات المجتمع المدني والتي تبدو للمراقب من بعيد وكأنّها قد أخذت جلّ حقوقها من خلالها، إضافة إلى كونها صانعة للقرار لا منفّذ له، وكذلك بعد إعلان "الإدارة الذاتية الديمقراطية" في معظم أنحاء الجزيرة، والتي تستلهم أدبياتها من حزب العمال الكردستاني ومن ملهمها عبد الله أوجلان والتي تمنح للمرأة أدوارا أوسع، تبدأ من الإدارات المشتركة بين الرجل والمرأة، وتنتهي بمقاتلات ضمن تنظيم YPJ الذي يضم في صفوفه النساء من المقاتلات فقط.

 

لكن هل هذه حقيقة، وإلى أي مدى يمكن للمرأة النظر إلى بعض حقوقها التي هي حقّ طبيعي لها بعين المكاسب المحققة؟!

 

يبدو الأمر وكأنّك تلتقط تفاحة سقطت من البائع وتعطيه إياها، سيبتسم البائع حقاً، لكنّه لن يعتبرها هبة من يديك في جميع الأحوال!

 

بحث جديد يرصد واقع النساء في المناطق الكردية 

 

يرصد البحث الذي حمل عنوان " واقع المرأة السورية في منظمات المجتمع المدني في محافظة الحسكة" واقع المرأة في قطّاع يعدّ من القطاعات التي تحترم حقوق المرأة وهو منظمات المجتمع المدني، في محاولة بحثية هي الأولى من نوعها في الجزيرة، حيث لم يتم تناول واقع النساء في المنظمات في بحث مستقل، ليتم البناء عليه والانطلاق منه لتكوين فكرة عن واقعها في قطاع يعد قطاعاً مناصراً لدور المرأة وحقّها في العمل.

 

البحث قام به فريق من النساء من حلقات السلام في شبكة " أناهي" في الجزيرة في مناطق (قامشلي عامودا ديريك ومنطقة الكوجرات)، بالتعاقد مع الباحث شيار عيسى .

 

ينطلق البحث من مشكلة أساسها أنّه وفي المجتمع المحلي في الجزيرة، وفي ظلّ انتشار ثقافة عشائرية قوامها تهميش الشباب والنساء، لم تستطع المرأة أن تلعب دوراً كبيراً في عملية التغيير قبل الثورة، كان من أسبابها أيضاً عدم وجود قوانين تهيّئ الأرضية نحو تغيير تلك القيم العشائرية، وكذلك عدم وجود منظمات مجتمع مدني تُعنى بثقافة تأمين أكبر مشاركة مجتمعية، خاصة من النساء، في العمل المدني وللتأثير والمُساهمة في صناعة القرار في مختلف الميادين السياسية منها والمدنية.

 

كلّ ما سبق أدّى إلى تكريس تهميش المرأة ودورها في المشاركة في صناعة القرار، حتى بعد تأسيس المنظّمات المدنية بسبب رسوخ الموروث الثقافي القائم على إلغاء دور المرأة.


   تأتي أهمية البحث في التعريف بالدور الذي تلعبه المرأة حالياً في العمل المدني، وكذلك أهمية إدماجها في العمل المدني، كسبيل للدفع بعجلة التنمية، حيث أنّ نسبة النساء وخاصة الشابات منهنّ تفوق نسبة الرجال، لأسباب عدّة من أهمّها الهجرة غير المسبوقة للشباب، بالتالي فإنّ تهميش المرأة وإبعادها عن العمل المدني وصناعة القرار فيه يعني بالضرورة تعطيل الفئة الأكبر من المجتمع، والمساهمة في عرقلة عجلة التنمية وخاصة في مجال البنى الفوقية.

 

ومن نتائج الدراسة يتبين مدى الغبن الذي تعيشه المرأة في هذا القطاع الذي سبق وذكرنا أنّه ينبغي أن يكون الأكثر دعما لدور المرأة وحقّها في العمل ومساواتها أمام الرجل فيه، لكن النتائج تُظهر حقائق أخرى، تفتح باب الأسئلة على قضايا أكثر، فهل المرأة بحق مغبونة.

 

من خلال دراسة الاستبيانات في البحث تبيّن أنّ عدد الموظفين في تلك المنظمات –وهي ثلاثون منظمة- هو 1184، منهم 563 رجلاً ؛ أي ما يقارب 48 % من نسبة الموظفين، وعدد النساء621؛ أي ما يقارب نسبة 52 % من نسبة العاملين في تلك المنظمات.

 

تعدّ هذه النسبة ممتازة بشكل نظري، لكن بنظرة أكثر تمعّناً يظهر أنّها لا تعكس الواقع بشكل كامل، حيث أنّه يوجد على سبيل المثال منظمة لديها 121 موظفاً، منهم 90 امرأة، ومنظمة أخرى لديها 100 موظف، منهم 75 امرأة، ومنظمة ثالثة لديها 300 موظفاً، منهم 215 امرأة. المنظمات الثلاثة المذكورة رجحت الكفة لصالح النساء، لكن في المنظمات المتبقية يلحظ تفوّق كبير للرجال من حيث العدد على النساء.

 

ثمة ملاحظة أخرى هنا، وهي أنّ الراتب في منظمتين من المنظمات الثلاثة المذكورة، لا يتجاوز 50 دولاراً أمريكياً، وهو راتب متدنٍ جداً، لا يعمل به الرجال على الأغلب، الأمر الذي يمكن أن يفسّر العدد الكبير للنساء في تلك المنظمات، وما يدعم هذا الاستنتاج هو أنّه رغم العدد القليل للرجال في تلك المنظمات فإنّهم يشكلون الغالبية الساحقة في إدارتها، مقابل دور صغير وثانوي للنساء في الإدارة كما سيتبين لاحقاً.

 

يخلُص البحث في النهاية إلى نتائج وتوصيات تضمنت نقاط أساسية نجملها في ضرورة توظيف عدد أكبر من النساء في المنظمات المدنية في محافظة الحسكة، ليكون تمثيل النساء عادلاً في تلك المنظمات ومنحها أدواراً إدارية في المقابل من أدوار الرجال، واعتماد معايير أكثر شفافية في التوظيف في المنظمات المدنية، وتكييف العمل بشكل أكبر مع احتياجات المرأة، كتخصيص إجازة مدفوعة الأجر للأمومة وتخصيص ساعة للرضاعة أثناء العمل.

 

ربما نحتاج أبحاثاً لتتناول قضايا المرأة من زوايا مختلفة، لأنّه وكما يبدو أنّ وجهات نظرنا حيال مواضيع كثيراً تتكوّن عبر انطباعات لا تنقل الواقع كما هو دوماً، لأنّ ما يرسم الحقيقة ليس شيئاً واحداً ولا ينبغي النظر إليها بعين واحدة، ولمعرفة واقع المرأة أو أي واقع آخر ينبغي إشباعه بالدراسات والأبحاث، وتجاوز مرحلة تكوين صور نمطية عن طريق التقارير الإعلامية التي لا تتغلغل في خلفية المواضيع وجوانبها الإشكالية غالباً، وإن حصل فإنّها لا تتناولها بتواتر يسمح لها بأن تكون مرجعاً لتكوين نظرتنا حيال الأمور.

 

 

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard