info@suwar-magazine.org

يوم نموت بلا جنازة ولا جنّازين

يوم نموت بلا جنازة ولا جنّازين
Whatsapp
Facebook Share

 

 

 

 *نبيل الملحم

 

يوم ذهب هوشيه منه (واسمه الأصلي نجوين نات تان) ليفاوض الأمريكان، فاوض ومسدسه على الطاولة.. فعل ذلك لأنه هوشيه منه، ذاك الرجل الذي خرج من حقول الأرزّ، ومن عذابات الفيتناميين، وانتهت مفاوضاته بمشهد يذكره مجايليه"حطمت دبابات جيش فيتنام الشمالية باب القصر الرئاسي في "سايغون"، وكانت مروحيتان تنتظران على الحدود لإجلاء الأمريكيين.. وبعدها انتهت حرب فيتنام".

 

أتعرفون هذا الرجل؟ لم يكن أقل زهداً من المهاتما غاندي، وقد كان الثاني قد فاوض الإنكليز بكمشة ملح ورفيقته عنزته.

 

الأول وضع مسدسه على مائدة التفاوض، والثاني رشق الإنكليز بكمشة ملح.

 

أتعرفون سلطان الأطرش؟

 

يوم جاءه الإنكليز إلى منفاه في الصحراء، متوسطين ما بينه وبين الفرنسيين، لم يصعد السيارة الإنكليزية برفقة سفير بريطانيا العظمى.. فقط لأن عليها العلم الإنكليزي. فـ :"هو سوري".

 

هل من واجبنا أن  نسأل إذا كنا نعرف نيلسون مانديلا يوم فتح باب سجنه في فيكتور فيرستر، وخرج بتواضع أغصان غابات البروطيا، حرّاً ومعه مليار حرية لبشرية تبحث عن صلاة استسقاء لطفل بلا قيود؟

 

لا لسنا مرغمين على معرفة هؤلاء، أقلّه، لأننا في زمن الشركات لا الأوطان، الزبون لا المواطن، خطوط النفط لا خطوط أكفّ تزرع اليانسون أو الياسمين.

 

نعرف كل ذلك، ولهذا، وبسببه، ومن أجله، حلّ حمد بن جاسم محلّ تشي غيفارا، وبرنارد هنري ليفي مكان المعرّي، وقصمت داعش ظهر التاريخ، ولهذا كانت الفنادق هي المكان المناسب لمندوبي الشركات.. ثوار وحكومات.. مسدساتهم مرهونة، ولا ملح يفلح في تأصيل "كلمة شرف" كانت ذات يوم راية محترقة يتقاسمها الهنود مع الكاميكاز.

 

لهذا بتنا جزءاً من أدغال النفط.. أدغال الممالك المرهونة، ولهذا لم نعد كما يجدر بالبلاد أن تكون.

 

تقولون: لسنا بحاجة لأبطال تاريخيين؟

 

نعم، سنكون بحاجة لشعب تاريخي، حسناً.

 

غير أننا في الزمن الآخر، في زمن "السوشيال ميديا"، حيث لا أحد يصغي إلى أحد، زمن الزلزال والمال والقنوط والكراسي الخاصة بالمعوقين، هو الأمر كذلك ولو لم يكن الحال على هذا الحال، لما قتل مليون سوري مليون سوري، وشًرّد نصف شعب، وهدّم الباقي على ما تبقى من خراب البلاد، وما زلنا مُمَثلين بمعتوهين، ذروة طلباتهم ترجمة مصطلح "هوت دوغ"، وتعلم الأكل بالشوكة والسكين، وبعدها، ساعات عمل بالأجرة، مياومة أو بالمقطوع.

 

نعرف ذلك ولهذا لسنا بحاجة لهوشيه منه، ولا لمانديلا، ولا للمهاتما.. سنكون بحاجة للإمام القرضاوي المؤتمن على الجنة وحامل مفاتيحها لنغرق في جحيمنا وقد أغلقت علينا الأبواب.

 

لسنا بحاجة لأبطال تاريخيين، نحن الأحوج إلى ناطقين رسميين.

 

ناطقون مكممو الأفواه.. من موديل (اللحظة)، من آخر منتجات المال السياسي، والسلاح القاتل والضمائر الميتة.

 

نحن الأحوج لنكون الإصبع التي تضغط من سلاح الغير، يتقاسمنا الأمريكاني مع الإسرائيلي مع الروسي مع التركي مع الإيراني، ووحدها بلادنا لا قسمة لها سوى التقسيم.

 

الصواريخ تسقط فوقنا بهدوء.. نعم بكل الهدوء المطلوب لموت بلا جنازة ولا جنّازين.

 

هكذا نحن، وهكذا لسنا بحاجة ليكون بيننا أبطال تاريخيين.

.

.

اقرأ المزيد للكاتب.. 

 

  

      

 

 

 

 

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard