info@suwar-magazine.org

الدعارة والإباحية وازدواجيّة نظرة المجتمع

الدعارة والإباحية وازدواجيّة نظرة المجتمع
Whatsapp
Facebook Share

                                               

 

(الدعارة )

*دارين عيسى

 

 

الدعارة المهنة  الأقدم عبر التاريخ ومثار جدل لكثير من أديان العصور القديمة التي بمعظمها اعتبرت الدعارة عملاً مقبولاً في المعابد تشجيعاً لدخولها واعتناق عقائدها ووصف بالعهر المقدس في سبيل الرب، حتى أن قصص العاهرات ملأ ت الأساطير القديمة "ألم يرسل جلجامش عاهرة إلى أنكيدو تعلمه كيف يعيش بين الناس كإنسان وكيف يأكل الخبز ويشرب الخمر بعد أن كان يحيا حياة البراري" وكان يسمح لعاهرة المعبد بالإنجاب ويطلقون على طفلها ابن الرب!!.  

 

هذا  في ماضي الأسطورة والخرافة ولكن هل يحدث أن يتدفق التاريخ ويتابع سيره ليبدأ في كل لحظة، مع وجودنا الزمني في العصر الحديث هل أسقطنا  القداسة عن العهر أم أبدلناها بالعهر الشرعي !!.

 وهل اقتصرت الدعارة على الكرخانات وبيوت البغاء أم اتسعت لتشمل حتى أوساط الثقافة والفن والسياسة ولكن تحت اسم "أخلاق المصلحة".

 

إن الأحداث والأشياء التي تجري حولنا لاترصد من ناحيتها الشكلية فقط بل من ناحية معناها الذي يحيلنا إلى نقد القوى التي تحدد هذه المفاهيم المنطوية على صفات سيئة للواقع الراهن..

 

مثلاً من هي المومس ؟ امرأة من الحفاة عملت بالدعارة تحت التنكيل وعاشت مسار طويل من تحطيم المجتمع لها وبالمقابل هناك الكثير من النساء في أوساط الثقافة والفن والسياسة والموْسسات الراقية تبيع الجنس للرجال مقابل المناصب والمزيد من المال والشهرة.

 

إذاً المومس امرأة تعاني الخيبة والعوز ولو كان لديها القليل من المعرفة والحنكة والحضور لكانت حصلت على بعض الألقاب "ممثلة" في عصر الدراما مذيعة"تلفزيون, رئيسة حزب في بلد الأزمة أو صحفية يعاشرها أحد الكتاب ويكتب لها مقالات عن اختلاط سوائلهما ....إلخ..

 

طبعاً مع هامش من القبول المتواطئ من تحت لتحت...اجتماعياً...فالمجتمع يفرض قواعده على الحفاة فقط.

 

ولكن ماهي الأسباب الدفينة لمراهنة المرأة على جسدها الرجل, المجتمع, أم هناك أسباب منذ الأزل؟ طبعاً هذه الظاهرة تنتشر أكثر في المجتمعات المحافظة التي فرضت مجموعة من القواعد وعلينا الطاعة (لإنها هيك) وهي" مقدسة"والسؤال ؟هل تنطبق هويتنا أو سلوكنا مع هذه القواعد التي قررها المجتمع أم أنها أعطت نتيجة عكسية تماماً؟ وهل تستطيع المرأة التحرر من سلطة الجسد وبناء شخصيتها الذاتية حسبما ترغب لا كما تأمرها أخلاق المصلحة؟.

 

باعتقادي التحرر يجب أن يطال الرجل أولاً بجميع شرائح المجتمع السوري من العامل البسيط إلى المثقف الذي يعتقد بحرية المرأة وبنفس الوقت يحولها إلى جسد لتفريغ شهواته التي لاتنتهي إيماناً منه أنه إذا اخترق جسدها سيضعها على أول درجة من درجات الصعود نحو الديمقراطية الخالية من الركائز الإنسانية ..لاأدري هل هذا مثقف ؟ نعم، هو هكذا مثقف يعيش حالة فصام بين تابوهاته ورغباته الدفينة في شرقنا الممزّق، المهزوم، فكرياً وجسدياً، أذاهل المرأة في وسط الثقافة والفن محمية أم منتهكة تماماً لا سيما أن أغلب هذا الوسط لم يتحرر بالعمق ..ربما بالمظهر والقشور فقط...

 

أعتقد أننا نعيش في واقع يحتاج إلى تقييم جديد.ومفاهيم جديدة... إنه زمن عصي على الإدراك. ..لماذا لانتطلع إلى الفجر كما كنا في ماضٍ ليس ببعيد جداً.

 

فكثيراً ما أسمع عن فترة الستينات في سوريا ومصر والعراق الجزائر وتونس...وعن رجالاتها الذين كانوا يؤاخون بين أحلامهم ومشاريعهم في "زمن الاختلاف المعلن "التي كان من ضمنها صحوة المرأة ولكن ذلك الزمن الجميل الذي كان يعم المنطقة بأسرها لامسه حاضر مغلق، حاضر صامت كموت جاثم على أكتافنا.

 

تراها الشمس تتلألأ على عرق ملايين النساء في العالم.

                       

 

المرأة الإباحية (صفاء)

 

كنا ثلاث نساء في الغرفة المخصصة للعزاء بالشهيد عندما دخلت صفاء وهي المرأة المحجبة الأقرب إلى الضألة ذات البنية الرقيقة وتبلغ الحادية والثلاثين من عمرها وقد انقضى على زواجها ثمانية أعوام.

 

 لم تكن صفاء توّاقة إلى الأحاديث التي تدور حول الإنتصارات والهزائم التي تلحق بصفوف الجيش السوري أو المعارضة بقدر هتمامها بالضحك وسط همزات وغمزات ولكنات جنسية واضحة كنت أتأملها ونحن نشرب فناجين القهوة متسائلة  في حديثي مع نفسي إن كانت صفاء تستطيع كبح رغبتها في الهمز والغمز وسط صراخ وهياج عائلة الشهيد . طبعاً هي تحاول أن تكون رزينة ووقورة بما يناسب الموت من وقار، بينما صوت أحد المعزيين يأتي من خارج الغرفة يقول الشهادة نفق لانهاية له في ظل الأزمة التي تمر بها سوريا .

 

كنا نحن نسرع في إنهاء فناجين القهوة والخروج من الغرفة باتجاه الممر المودي إلى البوابة الخارجية حيث نكون بذلك أنهينا واجب العزاء، وبينما كنت أسير ، مازال وجه صفاء بمخيلتي، ولدي الكثير من التساؤلات حول شخصية صفاء وقبول المجتمع لها ببساطة وهي المرأة التي ليس لديها أي تحفّظ اجتماعي وتتجاوز جميع الحدود عن طريق الدعابة واللمسات التي تتحرش بها النسوة جاراتها في الحي ضمن وابل من الضحكات والهرج وهي بنفس الوقت تشتم من يتعرض لها بألفاظ يستخدمها الرجال عندما يشتمون النساء في مجتمعاتنا العربية بالإضافة لاستخدامها العضو الذكري كشتيمة.

 

 لا أدري إن كانت صفاء تظهر عريها أم تخفيه بجنون، ولا أعلم إن كانت مثلية بالعمق، فهي امرأة شعبيّة في حي شعبي، وبالتأكيد ستكون رافضة لهذه التسميات التي يطلقها مصنفو الجنس في العالم وتفضل أن يبقى جنسها بلا اسم. وفي نفس الوقت ممكن لصفاء أيضاً أن تكون المرأة الواعظة التي تتحدث عن الرذيلة والفضيلة وتصدر أحكاماً تتعلق بالشرف والعار . فقد سمعتها في إحدى صباحات الحي المستيقظة ببطء من على شرفة منزلها وهي تتحدث إلى إحدى نساء الحي ممن ينتظرن السفر  إلى أوربا تقول لها: "انتبهي ها، هدول الأوربيين كفار  لا بيحللو ولا بيحرمو  وبيتزوجو  من بعض ها.. وبكرة بنتك بس تكبر بتتركك وبدّور عاحل شعرها". واسترسلت صفاء بالحديث واستعراض نقائها إذا ما قورنت بالغرب الفاسق من وجهة نظرها!.

 

ترى ما هذا التناقض الذي تعيشه صفاء! كيف جعلت من رغباتها الجنسية صريحة ودفينة بنفس الوقت؟ وما يحيرني أنها كيف استطاعت أن تكون محبوبة ومقربة وهي الإباحية من قبل جميع أفراد الحي الذي يعتبر جزءاً من هذا المجتمع الذكوري المنغلق بظاهره!، الرافض لتحرره من عبودية العار المرتبط بالجنس والمقدسات والمحرمات.

 

 وكيف لمجتمع يرفض مساوة الرجل بالمرأة أن يقارن بالمجتمعات المتقدمة التي تصرّح بزواج " المثليين" ومع أن مجتمعاتنا لها تاريخ عريق مع المثلية، إلا أن  الشرائع والعادات والتقاليد لا تسمح بالتصريح بها، فتبقى طي الكتمان وتضاف إلى قائمة "المخفيات".

 

نعم نحن مجتمع نمارس الجنس بجميع أشكاله بالخفاء ونقتل ونهدم في وضح النهار؛  إذن، كيف لمجتمع بهذه الصفات أن يسعد بهذا  النوع من الشخصيات   مثل صفاء؟!  هل هذه ازدواجية أم تناقض؟

 ومما يدعو للغرابة أكثر من وجهة نظري، لماذا هذه الأفكار المصطنعة البائسة عن الغرب لدى أصحاب الأمزجة الغريبة  كـ "صفاء"؟.

 

 وكيف لامرأة بهذه الإباحية المعلنة أن تعتقد نفسها أنها أكثر تحفظاً من الغربيين!!  ومن الذي يروج بالاكتفاء باالسلاح والتقدم التكنولوجي دون المساس بالفكر الغربي؟.. ترى من هو قرصان أحلامنا العتيق الذي جعلنا مجرد كائنات تعتقد الشرف والعار وتنتقص كرامة المرأة من" غشاء بكارتها" أليس من العار ربط الشرف " بين فخذي امراة".

 

صحيح أن المرأة في عصور الإنحطاط في أوروبا عانت الظلم وتتبيعها للرجل وربطها بحزام العفة، ولكن هذا كان في الماضي السحيق لأوروبا، وكانت وقتها المرأة مضطهدة في كل أنحاء العالم،  أما الأن، في العصر الحديث، نجد أن عقارب الساعة تتوقّف في بلادنا، بينما تسير بانتظام في أنحاء العالم؛ و"للتنويه" ،  يجب ألا ننسى أن الغربيين قد عاشوا ثلاث ثورات جعلت من مجتمعاتهم ماهي عليه اليوم. فهل تستطيع هذه الثورات المشتعلة في الوطن العربي أن تهدم  هذا الجدار" العاري".. وبإمكان كل عربي أن يفعل مايشاء وهو يحمل وردة!.. أم ستساهم أكثر  برفع هذا الجدار الوهمي من المحرمات ونجد عند كل زلة قدم من ينتظرنا برصاصة وساطور يعيدنا إلى قوقعة الماضي المظلمة.

إننا نعيش لحظات ضياع مع استمرار لعبة الصراع اليومي لأحلامنا وآمالنا المترنحة كآلهة محطمة على الأرض.

 

وها نحن نعود للاستيقاظ من جديد، عابرين الصباح نحو أعمالنا المنهكة حيث لم يعد الصباح تغريدة عصفور سريع.

إنه الآن ضوء الخلاص لليل معتم لزج ومطبق.

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard