info@suwar-magazine.org

آثار إدلب عرضة للضياع في ويلات الحرب

آثار إدلب عرضة للضياع في ويلات الحرب
Whatsapp
Facebook Share

لم تقتصر الآثار السلبية للحرب في سوريا على البشر فحسب، وإنما طالت أيضاً الإرث الحضاري و التاريخي من متاحف وقلاع وتلال وأسواق ومدن منسيّة، إذ تعرّضت الكثير من المواقع الأثرية لأعمال تنقيب وتخريب وسرقة، كما نشطت حركة تهريب الآثار حيث ظهرت مافيات وعصابات آثار مسلّحة للمتاجرة والتهريب إلى خارج سوريا في ظل ما تمتلكه الأرض السورية من تراث غنيّ يعكس جوانب التنوّع التاريخي والحضاري التي تتّسم به البلاد ،علماً أن المنظمات المحلّية والدولية لا تلقي اهتماماً لموضوع الآثار، ناهيك عن انشغال المدنيين عنها بسلامتهم الشخصية وأمورهم المعيشيّة. 
 

ومحافظة إدلب ليست بمنأى عن هذه المأساة، فالنظام يستهدف بشكل مستمرّ المناطق الأثرية فيها، ويعبّر بذلك عن عدم اكتراثه بأهمّيتها وقيمتها الحضارية والتاريخية وما تشكّله من قيمة مهمّة في الاقتصاد الوطني، ناهيك عن أعمال التنقيب العشوائي في معظم المواقع الأثرية التي ينتج عنها أحياناً لقى أثرية غاية في الأهمية .
 

فقد تحدّث أحد خبراء الآثار ويدعى أبو وائل عن عثور مجموعة من الأشخاص في مدينة (الحارّة) غربي حوران على تمثال برونزيّ هام جداً يمثّل الإله الكنعاني (حدد) في وضعيّته المعروفة، وهو يحمل رمحه، يرجّح أنه يعود للحقبة الكنعانية من تاريخ المدينة لأنهم عثروا عليه في طبقة أسفل الطبقة الحالية، والجدير بالذكر هو أن العثور على هذا التمثال في الموقع يؤكّد أن المدينة التي اشتهرت في العصر البيزنطي قائمة على موقع كنعاني أقدم .

كما يتوجّه الكثير من المنقّبين إلى هذا العمل نتيجة قلّة فرص العمل وتفشّي البطالة وطمعاً بالثراء السريع .
أمجد العبدو من قرية الدانا في ريف إدلب يعمل بالتنقيب والبحث عن الآثار يتحدّث عن عمله قائلاً :" أتوجّه كل يوم منذ الصباح الباكر إلى المواقع الأثرية أو الأراضي التي تكثر فيها المغاور الرومانية، مصطحباً عدّة الحفر، وبعد تحديد مكان المغارة أقوم بالحفر فيها، وفي بعض الأحيان أعمل لأشهر بدون فائدة، وحين يحالفني الحظّ أجد بعض العملات المعدنية أو تماثيل مختلفة الأحجام ونادراً ما أجد قطعاً ثمينة، ثم أبيع ما أجده للتجّار المنتشرين في المحافظة والذين يحدّدون السعر حسب معدن القطعة وحجمها والنقش المرسوم عليها." 

عبد الحميد العمر أحد المختصّين بعلم الآثار وأحد مرافقي البعثات الأثرية في إدلب سابقاً يتحدّث لمجلّة صُور عن الأضرار التي طالت أهمّ المواقع الأثريّة قائلاً :" تضمّ محافظة إدلب 760 موقعاً بما يعادل ثلثي آثار سوريا تقريباً، وقد حافظت على آثار فريدة منذ القدم يعود تاريخ معظمها إلى القرن الثاني الميلادي وحتى القرن السابع عشر،منها مملكة تل مرديخ ( إيبلا ) التي تعدّ من أهم المواقع الأثرية السورية، وتعود تاريخياً للألفين الثالث والثاني قبل الميلاد، حيث تمّ الكشف فيها عن قصور ومعابد وبوّابات إضافة إلى الرُّقم المسماريّة التي حملت لغة خاصّة بأهل المنطقة دعيت باللغة الإيبلائية، ولكن الأضرار طالت الموقع وذلك بتحوّله إلى ساحة للقتال والاشتباك خلال الحرب القائمة نظراً لضخامة الموقع وطبيعته الطبوغرافيّة، إضافة إلى أعمال التنقيب التي لوحظت مخلّفاتها وآثار تخريبها في القصور والأسوار، كما لوحظ آثار استخدام الآليات الثقيلة في أعمال الحفر، ناهيك عن أن العوامل الجوّية أدّت إلى انهيار بعض الجدران التي كانت تحظى بترميم سنوي من قبل البعثة الأثريّة العاملة في الموقع." 

ويشير العمر إلى أن المدن المنسيّة المدرجة على لائحة التراث العالميّ قد تعرّض عدد كبير منها لتعدّيات مختلفة طالت عدّة مواقع منها: كفر عقاب - بنصرة - قلب لوزة - بشلا - بعودا - سرجيلا - ربيعة، تراوحت أضرارها بين حفريّات التنقيب المنتشرة بكثرة مروراً بتكسير أحجار الأبنية القديمة فيها بغية الاستفادة منها في البناء الحديث، واستخدامها كمراكز إيواء للنازحين وصولاً إلى استهدافها من قبل الطيران الحربيّ .

كما يبيّن العمر في حديثه عن الأضرار، بأن موقع البارة التي تعدّ من أغنى المواقع في القرى الأثرية، تضررّت أيضاً بتخريب المدافن الموجودة فيها وخلع باب معصرة الزيتون وسرقة أربعة تيجان أثرية، والأخطر من ذلك هو تعرّض الموقع للقصف المباشر من طيران النظام على القبور والمغاور .

أمّا موقع كفرعقاب فهو يُعدّ من أكثر المواقع تضرّراً من عمليات التنقيب غير المشروع .

ويؤكّد العمر بأن تجارة الآثار وتهريبها ليست بجديدة، وإنما انتشرت بشكل أوسع في هذه الأيام حيث يتمّ تهريبها إلى خارج سوريا سواء إلى تركيا أو لبنان، كما يستغلّ بعض ضعاف النفوس حالة الفوضى للتعدّي بالبناء العشوائيّ على المواقع الأثرية ومواقع الحماية.  

من أجل حماية الآثار والحفاظ عليها قامت مجموعة من الآثاريين والأكاديميين بتشكيل مركز آثار إدلب، حيث يحدّثنا عنه المدير أيمن النابو قائلاً :" رغم المأساة الكبيرة والظروف الصعبة إلا أن الدفاع عن موروث أقدم الحضارات هو واجب إنسانيّ يحمي هويّة بلدنا، لذلك قمنا بتأسيس "مركز آثار إدلب" بشهر تموز عام 2012 للاهتمام بآثار المحافظة والعمل على الحماية والتوثيق والترميم، ونطمح مستقبلاً أن يحلّ محلّ مديرية الآثار والمتاحف في إدلب( سابقاً )"

ويضيف النابو، وقد تلقّى المركز الدعم من قبل الحكومة المؤقّتة في البداية، ثم فيما بعد من قِبل مجموعة من المغتربين السوريين المعنيين بحماية الآثار، ونعمل في هذا المركز على حماية المواقع الأثرية، ونمنع تهريبها ونقف بحزم في وجه تخريب الإرث الحضاري الإنسانيّ سواء من قِبَل الآلة العسكرية للنظام السوري أو عصابات تهريب الآثار.  

سمير الشيخ أحد المتطوّعين في "مركز آثار إدلب" يعمل مع زملائه في الحفاظ على الآثار وتوثيق المتضرّر منها، يحدّثنا قائلاً :" بذلنا جهوداً حثيثة للحدّ من تأثيرات الأزمة الراهنة على الآثار، وحقّقنا نجاحاً على صُعُد عدّة، حيث وضعنا حدّاً للتنقيب غير المشروع في المواقع الأثرية بعد القيام بعدة لقاءات مع الأهالي للتوصّل إلى حلول تؤمّن حماية المواقع إضافة إلى القيام بترميم ما أمكن منها ."

وعن التدابير والإجراءات التي اتّخذها "مركز آثار إدلب" لحماية الآثار يردف النابو قائلاً :"  عملنا على وضع القطع الأثرية في أماكن آمنة، وقمنا بالاهتمام باللوحات الفسيفسائية الموجودة داخل متحف معرّة النعمان عن طريق تنظيفها وطليها بمادّة مانعة للرطوبة، ثم تعزيزها بأكياس الرمل لحمايتها من القصف،بعد أن تكرّر قصف المتحف بالبراميل المتفجّرة من طائرات النظام، كما نعمل على مكافحة الاتّجار بالممتلكات الثقافية، ونعمل على تنمية الوعي الفكريّ والمعرفيّ بين شرائح المجتمع فيما يتعلق بالآثار والتراث، وقمنا أيضاً بعدّة نشاطات لتعليم أطفال المدارس أهمّية الحفاظ عليها بتعليمهم طرق التنقيب العلميّ وأساليب ترميم الفخّار أيام السلم بهدف لفت انتباه الأجيال القادمة لحماية التراث والآثار والحفاظ عليها .

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard