info@suwar-magazine.org

الغوطة الشرقية: الحكاية الكاملة

الغوطة الشرقية: الحكاية الكاملة
Whatsapp
Facebook Share

 

- الغوطة الشرقية: الحكاية الكاملة.

الحصاد المرّ للعمل المدني في الغوطة الشرقية.

- نازحو الغوطة الشرقية بين المعاناة ومخاوف الاستثمار السياسي.

آلاف المدنيين بقبضة النظام، وتحريض إعلامي متزايد.

 

 

الغوطة الشرقية: الحكاية الكاملة

 

كمال السروجي

 

تعرّضت الغوطة الشرقية منذ بداية الحراك الشعبي المناهض للنظام السوري لعمليات تدمير ممنهج، استهدفت البنية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة، على يد النظام السوري وحلفائه من الروس والإيرانيين والميليشيات الأجنبية المساندة له. مارست هذه  القوى المتحالفة انتهاكات ترقى لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، كالقتل خارج القانون والاختفاء القسري والتعذيب والقصف العشوائي المتعمَّد والحصار والعنف الجنسي، والاستهداف المتعمَّد للأهداف المشمولة بالحماية بموجب الاتفاقيات الدولية واتفاقيات الحرب، وصولاً للتهجير القسري والتغيير الديمغرافي.

 

وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان منذ آذار 2011 حتى الرابع والعشرين من شباط 2018، مقتل ما لا يقلّ عن 12763 مدنيّ، بينهم 1463 طفل و1127 أنثى بالغة.

 

وحسب الشبكة فإن 6583 ما يزالون قيد الاعتقال التعسّفي والتغييب القسري، كما قتل تحت التعذيب 1218 شخصاً، بينهم ثلاثة أطفال وسبع إناث بالغات.

 

كما وثّقت الشبكة وفاة 427 شخصاً، بينهم 221 طفلاً، و72 أنثى بالغة جرّاء حصار الغوطة منذ بداية تشرين الأول 2017.

 

ومع نهاية عام 2017 بدأ النظام السوري بالتمهيد السياسي والعسكري للسيطرة على الغوطة الشرقية، دون اكتراث بمصير قرابة أربعمئة ألف مدني يسكنون فيها.

 

وحسب أرقام الشبكة في الفترة الممتدة منذ 14 تشرين الثاني 2017 حتى 24 شباط 2018، تمّ توثيق مقتل 1121 مدنيّ، بينهم 281 طفل و171 أنثى بالغة، واستهداف 18 منشأة طبّية، و32 سوقاً شعبياً، و11 مدرسة، واستخدم أسلحة محرّمة دولياً، إضافة لمختلف أصناف الأسلحة التقليدية.

 

بالمقابل يرى كثير من النشطاء أن الخسائر البشرية أكبر من ذلك بكثير، إلا أن توثيقها يعاني من صعوبات شديدة، نتيجة تعذّر التواجد على الأرض، والتعتيم الإعلامي على الكثير من الملفّات، لا سيما أعداد القتلى الذين انضمّوا للفصائل العسكرية المعارضة، وهم من أبناء تلك المدن والبلدات.

 

وفي أثناء الحملة العسكرية الأخيرة صعّدت قوات النظام العنف، وبدأت بقضم أجزاء من الغوطة تدريجياً، وبعد حوالي 50 يوماً، تمكّنت من السيطرة على 80 بالمئة منها، عن طريق تقسيمها لثلاثة قطاعات، وعقد اتفاقيات انفرادية مع كل قطاع على حدة.

 

 في الخامس والعشرين من آذار تمّ الاتفاق مع جهات من مدينة دوما، كبرى بلدات الغوطة الشرقية، على خروج مَن يرغب من السكان والمقاتلين بالسلاح الخفيف، وبقاء مَن يرغب من الأهالي شريطة تسوية أوضاعهم، لكن الاتفاقية نُقضت، وعاود النظام تكثيف حملته على المدينة، وفي السابع من نيسان تعرّضت المدينة لهجومين بالأسلحة الكيماوية المحرّمة دولياً، قتل جرّائهما ما يقارب 60 مدنياً، وأصيب حوالي الألف، ما أدّى لمتابعة المفاوضات، والتي أفضت لخروج الأهالي باتجاه الشمال السوري.

 

 

بعد استخدام الكيماوي مجدّداً، عاد الحراك للشارع السوري المعارض، وعمّت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية دول اللجوء في الجوار السوري، والمدن الأوروبية، وخرجت بيانات تنديد واسعة من منظمات وهيئات دولية غير حكومية. وعاد الخبر السوري لشاشات التلفزة الأوروبية والصحف الأوروبية، بعدما غيّب لفترات طويلة.

 

ونتيجة للضغوط حول العالم، نشط من جديد الحراك السياسي لمجلس الأمن، مع تصاعد النبرة الدولية بضرورة معاقبة النظام السوري. وبمبادرة من دول الكويت وفرنسا والسويد، تمّ عقد عدّة جلسات ماراثونية في مجلس الأمن، على أمل الخروج باتفاق يفضي لمعاقبة النظام السوري، لكن العرقلة الروسية والتهديد الدائم باستخدام الفيتو دفع المجلس للخروج بقرار اعتبره كثير من السوريين لا يحقّق نتائج عملية، وأن قيمته لا تتعدّى الحبر الذي كُتب به، ما شكّل خيبة أمل للسوريين، والمتعاطفين معهم حول العالم.

 

العرقلة في مجلس الأمن دفعت كلّاً من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا للتدخّل بشكل منفرد، وتوجيه ضربات جوية لمواقع للنظام السوري.

 

وفي منتصف نيسان الماضي، أطلقت القوات المتحالفة أكثر من 100 صاروخ، في أول ضربات غربية منسّقة موجّهة إلى الحكومة السورية، استهدفت مواقع للأسلحة الكيماوية.

 

سياسياً مثّلت الضربات الغربية المحدودة درساً تأديبياً أكثر منه تدميرياً للنظام السوري، وجّهت من خلاله رسائل لروسيا حول سلوكها في سوريا، وملفّات سياسية دولية أخرى عالقة تتعلّق بأزمة القرم والعلاقات مع أوروبا.

 

كما تضمّنت الضربة رسائل لإيران تتعلّق بنفوذها العسكري في سوريا والمنطقة بشكل عام، في ضوء عدم الرضا الإسرائيلي من ازدياد النفود العسكري الإيراني وتمدّده نحو جنوب سوريا، الأمر الذي يهدّد الأمن القومي الإسرائيلي.

 

ويرى متابعون أن هناك رسائل وُجّهت لتركيا حول سياستها بالتحالف مع روسيا وإيران لتحقيق توازن في سوريا، وذلك لثنيها عن هذا التحالف.

 

أمّا في الشارع السوري المعارض، فانقسم السوريون حول مدى جدوى العمليات العسكرية وفعاليّتها في ردع النظام السوري، وتجدّدت التساؤلات حول المسموح والممنوع استخدامه ضد المدنيين، خصوصاً أن التصريحات الأمريكية أكّدت أن الضربة أتت لمحاسبة النظام نتيجة استخدامه السلاح الكيماوي، ولا سيما غاز السارين المحظور دولياً.

 

سخر كثير من الناشطين من هذه التصريحات، التي تبدو كأنها تعطي إشعاراً للنظام السوري بقتل المدنيين بكل أشكال الأسلحة إلا الكيماوي منها، فيما بدت الضربة محبطة لكثير من المتابعين، نتيجة عدم فعاليّتها ومحدودية قدرتها على ردع النظام من استخدام الكيماوي مجدّداً.

 

تفتح مجلة صُوَر ملفّ الغوطة الشرقية، منذ انطلاق الحراك الشعبي، مروراً  بتجارب المجتمع المدني وصعوبات عمله، وصولاً للتهجير وأحوال النازحين، ومستقبل قرابة أربعمئة ألف مدني أُجبروا على ترك منازلهم، وساروا نحو مستقبل مجهول غير آمن.

- - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

 

الحصاد المرّ للعمل المدني في الغوطة الشرقية

 

جورج.ك.ميالة

 

بعد خروج غوطة دمشق عن سيطرة النظام السوري، بدأ المجتمع الأهلي بإفراز أشكال تنظيمية أولية، تطوّرت لتأخذ طابعاً أكثر تطوّراً عبر جمعيات ومنظمات ومجالس محلية.

 

تشمل هذه التنظيمات المؤسّسات الخدمية التابعة للفصائل العسكرية، ومنظمات المجتمع المدني، والمجالس المحلية التي تطوّرت عبر عمليات انتخابية حقيقية، لم تخلُ من شوائب، إلا أنها نالت رغم ذلك استحسان كثيرين، قياساً بالمدة القصيرة لتجاربها الديمقراطية والانتخابية على الصعيد المحلي، والتي لم يعتدِ السوريون عليها سابقاً.

 

 تحوّلت هذه الكيانات الجديدة لبديل عن سلطة النظام السوري، في ظلّ ظروف حصار خانق ومعاناة إنسانية شديدة، طالما شغلت وسائل الإعلام حول العالم.

 

ما تبقّى من المجتمع المدني

 

تقدّر أرقام غير رسمية وجود 160 منظمة وجمعية أُحدثت بعد انطلاق الاحتجاجات السورية في مختلف مدن وبلدات الغوطة الشرقية، لتأخذ على عاتقها القسم الأساسي من المسؤوليات الخدمية للسكان. وامتدّ نشاطها ليشمل جميع مناحي الحياة من الصحة والتعليم والإغاثة والشؤون المدنية، وصولاً للدفاع المدني الذي تحمّل جانباً كبيراً من المهمّات الصعبة.

 

ومع تصاعد الحصار على الغوطة الشرقية، والذي استمرّ لسنوات، تعاظمت جهود المنظمات ونشاطها. وحصلت مواجهات بين الناشطبن والسلطات العسكرية في المنطقة، نتيجة تدخّلها في عمل المجتمع المدني، وصلت إلى حدّ اعتقال نشطاء دون سبب وجيه، وقيام مظاهرات ضد هذه الفصائل.

 

ومع سيطرة النظام على المناطق تباعاً في الغوطة الشرقية، اضطرّ غالبية القائمين على هذه المنظمات للخروج نحو الشمال السوري، نتيجة المخاوف من تصفيتهم واعتقالهم في حال بقائهم في المنطقة أسوة بالمدنيين الآخرين.

 

 

تقول الناشطة هبة عواد (اسم مستعار للضرورة الأمنية) للمجلّة:  "قليلون من تجرّؤوا على البقاء في الغوطة، لأن غالبيتهم من المطلوبين للنظام منذ بداية الثورة. هناك قوائم تمّ تحضيرها منذ سنوات لاعتقالهم وتصفيتهم، فالناشط المدني على رأس المستهدفين من النظام السوري".

 

وتضيف هبة: "بعض المطلوبين ليسوا من أبناء الغوطة، بل هم أفراد من مناطق أخرى، شكّلت الغوطة لهم سابقاً ملاذاً آمناً من قبضة النظام الأمنية، وظلّوا أوفياء للأهالي وقضيتهم حتى لحظة خروجنا جميعاً".

 

اختلفت تجارب المنظمات أثناء التحضيرات للخروج، فبعض الجمعيات تمّ نهب مقرّاتها، وسرقة محتويات مستودعاتها من قبل أشخاص من الغوطة، أو من قوات النظام التي سيطرت على هذه المقرّات، ما اضطرّ عديداً من العاملين فيها للهروب وتركها عند اقتراب قوات النظام، نحو مناطق في عمق الغوطة أكثر أمناً.

 

يقول الناشط المدني أوس المبارك لمجلّة صُوَر: "هناك منظمات خرجت بمحتويات مكاتبها الورقية والإدارية، إضافة لصناديقها المالية، وترك كوادرها خلفهم سنوات من العمل المدني المرّ، سنوات من الحصار والموت والاستهداف اليومي للناشطين المدنيين لم يعرف العالم له مثيلاً من قبل".

 

ويتابع: "تعدّدت خسائر المنظمات: بعضها خسر كل شيء، خصوصاً المنظمات العاملة في المجال الطبّي والإغاثي، التي خسرت ما راكمته من فكر مؤسّساتي هناك طيلة السنوات الماضية، ومنها من لم يخسر شيئاً، خصوصاً المنظمات التي كانت توجّه عملها لمساعدة السكان المحليين على تعزيز قيم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، ومراقبة الانتخابات والحَوْكَمة وتشجيع مشاركة المجتمعات المحلية في اتّخاذ القرار".

 

وعن مستقبل هذه الجمعيات يقول المبارك للمجلّة: "بعضهم سيتوقّف عن العمل، وبعضهم سوف يندمج مع هيئات أخرى، وقسم منهم سوف يتابع عمله مع مكاتب تابعة لنفس المنظمة في فروعها الأخرى بريف حلب".

 

ويتابع: "هناك جهود حثيثة للاستمرار في العمل رغم كل الصعوبات، بعض المنظمات في صدد تحضير خطط جديدة لدمج بعض الكوادر الواصلة حديثاً في مكاتب الشمال السوري، كما يعملون على إنشاء مكاتب جديدة كانت موجودة في الغوطة وغير متواجدة في شمال سوريا، لتطوير العمل في مناطق النزوح الجديدة".

 

المجالس المحلّيّة

 

شكّلت تجربة المجالس المحلية في ريف دمشق خطوة متقدّمة نحو تعزيز قِيَم الديمقراطية، وتعزيز ودعم أفراد المجتمعات المحلّية لتمثيل أنفسهم ضمن مجالس منتخبة تحقّق تطلّعاتهم ورغباتهم، ولعبت المجالس المحلية دوراً محورياً في تقديم الخدمات الأساسية واكتسبت ثقة الناس، من خلال المشاريع الخدمية والتنموية التي نفّذتها ضمن ظروف الحصار، إضافة لوقوفها في وجه كثير من التجاوزات التي قامت بها الفصائل العسكرية المسيطرة على المنطقة. كما قدّمت هذه المجالس، أسوة بمختلف شرائح المجتمع، العديد من الضحايا والمصابين أثناء ممارسة عملهم، وصولاً للحظة إخلاء المنطقة.

 

يقول ممثّل مجلس محافظة ريف دمشق في تركيا مهران عيون لمجلّة صُوَر:  "قرابة 70 بالمئة من كوادر مجلس المحافظة والمجالس الفرعية، وحوالي 50 بالمئة من الكادر التعليمي و70 بالمئة من الكادر الطبّي، خرجوا باتجاه الشمال السوري".

 

عانت المجالس المحلية في الفترات السابقة من نقص تدريجي في تمويل ودعم المشاريع التنموية التي تعزّز صمود الأهالي، الأمر الذي دفع كثيراً من المتابعين لاعتبار تخفيض الدعم أحد أوراق الضغط السياسية غير المباشرة على المجالس والسكان لدفعهم للخروج من مناطقهم. 

 

وعن الموضوع يقول عيون لصُوَر:  "انخفض الدعم عن المجالس المحلية لغوطة دمشق بشكل ملحوظ، وبقيت مجموعة مشاريع كنّا نعمل عليها في الغوطة، يمكن أن يستمرّ تمويلها حتى تنتهي قريباً، ومع نهاية العام الجاري نتوقّع توقّف الدعم بشكل كامل، حجم الدعم المقدّم خلال 2018 يساوي 20 بالمئة فقط من الدعم الذي كان يقدّم في عام 2015".

 

وعن مستقبل المجالس والهيئات التابعة لها يقول عيون: "ستكون مهمّتنا إعادة تجميع الكوادر التعليمية والطبّية وغيرها، وإعادة تفعليها في المناطق التي وصلت إليها، كما سنحاول تشكيل لجان وهيئات للإشراف على شؤون المهجّرين من ريف دمشق، كلٌّ حسب منطقته، وأتوقّع أن يتمّ حلّ هذه اللجان جميعاً عند انتهاء هذه الأمور التنظيمية".

 

نشطاء يصلون إلى مناطق النظام

 

نسبة قليلة من ناشطي المجتمع المدني فضّلوا البقاء في الغوطة على مسؤوليّتهم الشخصية، منهم مجموعة من الأطباء العاملين، تلقّوا وعوداً بمتابعة حياتهم الطبيعة ودراستهم الجامعية  من أطراف دولية، وبعض السوريين الذين لعبوا دوراً كبيراً في إبرام اتفاقية الخروج، لكن النظام سرعان ما نكص بالوعود التي قدّمتها هذه الجهات، وعرض على شاشة تلفزته الرسمية اثنين من هؤلاء الأطباء أدليا بشهادات معاكسة، قِيل أنها تدحض مجزرة الكيماوي الأخيرة، وأرسلهما ليكرّرا أقوالهما هذه في مقرّ منظمة حظر الأسلحة الكيمائية بمدينة لاهاي الهولندية.

 

يقلّل حقوقيون من شأن هده الشهادات التي قدّمها النظام السوري عبر العاملين في الحقل الطبي.  يقول المحامي أحمد سيفان لمجلّة صُوَر: "الأشخاص الذين تمّ عرضهم على شاشات التلفاز لم يعودوا صالحين كشهود أمام فرق التحقيق الدولية ومحاكمها، نتيجة كشف هويّتهم الحقيقية، فالتحقيقات الدولية تتكتّم على هوية الشهود، كما في ملفّ قيصر الذي كشف صُور ضحايا التعذيب في سجون النظام، ومن الناحية القانونية تتعارض شهاداتهم نتيجة اعتبارهم جزءاً من القضية، إضافة لوجود عشرات الضحايا والشهود الآخرين، قدّموا روايات مخالفة لما جاء على لسان هؤلاء".

 

ويتابع: "القاصي والداني يعرف أن النظام السوري هو من جاء بهم، وهو المتّهم الأول بجرائم الكيماوي، لن يكون لشهاداتهم أي صدى سوى لدى بعض الدوائر الإعلامية الدولية التي تساند النظام السوري وتدور في فلكه".

 

رزان زيتونة ورفاقها: الملفّ الحاضر الغائب 

 

شكّل اختطاف مديرة مكتب توثيق الانتهاكات رزان زيتونة وزملائها من قلب مدينة دوما صفعة مبكرة للمجتمع المدني السوري عموماً، ولم تفلح الجهود المدنية والسياسية بالكشف عن مصيرهم، ومع بدء خروج القوى العسكرية المسيطرة نحو الشمال السوري، وجهت أطياف من المجتمع المدني السوري مناشدات لجيش الإسلام، أحد المتّهمين بالقضية، بضرورة الكشف عن الحقيقة. ورغم الجهود المكثّفة والحملات والمناشدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم يتمّ تحقيق أي خرق في هذا الملفّ، الذي لطالما بقي عالقاً ومسار جدال بين الأوساط السورية المعارضة.

 

ومع سيطرة النظام على المنطقة يزداد موضوع الكشف عن مصير المغيبين تعقيداً وصعوبة، نتيجة صعوبة وصول فرق تحقيق محايدة، ليتحوّل ملفّ اختفائهم للغز يزداد تعقيداً، يُضاف إلى قوائم الانتهاكات التي طالت النشطاء المدنيين.

 

 

استجابات طارئة

 

سارعت الكثير من التجمعّات المدنية المنتشرة في تركيا والشمال السوري للاستجابة لحاجات ومطالب أهالي الغوطة، رغم ضعف إمكانياتها.

 

تقول الناشطة هبة عوار لصُوَر: “كثير من التجمّعات الشبابية رحّبت بنا في تركيا، وعرضوا المساعدة، كلٌّ حسب قدرته، ندرك أن الأزمة أكبر من قدرة الجميع، معظم من يحاول مساعدتنا يحتاج هو نفسه للمساعدة، وهنا تكمن عظمة الشعب السوري، منكوب يساعد منكوباً آخر".

 

في جنوب تركيا سارعت الهيئة الطلابية في مدينة غازي عينتاب، وهي تجمّع شبابي أسّسه طلاب سوريون يدرسون في جامعة المدينة، لتنظيم ندوات خاصة تحمل عنوان: "الدراسة في تركيا لأهل الغوطة"، في محاولة منهم لمساعدة الراغبين بمتابعة تحصيلهم العلمي في معرفة مضمون وشروط الدراسة في تركيا ومعاييرها، إضافة للمنح الدراسية المقدّمة، والإجراءات اللازم اتّباعها من أجل القبول الجامعي.

 

في سياق آخر تصّر مبادرة "الغوطة"، التي أطلقها نشطاء سوريون للتعريف بالحصار الخانق التي كانت تعيشه المنطقة، على ألّا تنتهي حكاية أهلها بمجرّد خروجهم منها، وذلك عن طريق الحشد عبر وسائل الإعلام، والتواصل مع نشطاء حول العالم. ويقوم متطوّعو المبادرة بمشروع لمساعدة الطلاب الراغبين بمتابعة تحصيلهم العلمي، لخلق فرص حقيقية لمتابعة دراستهم الجامعية التي حرموا منها منذ سنوات.

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

 

.

نازحو الغوطة الشرقية بين المعاناة ومخاوف الاستثمار السياسي

 

ليليا نحاس

 

مع وصول ما يزيد عن أربعين ألفاً من أهالي الغوطة الشرقية للشمال السوري، بدأت المنظمات والمجتمعات المحلية في محافظة إدلب وريف حلب، بالاستنفار لتقديم العون والمساعدة للهم. ووضعت الكثير من المحلات في إدلب عبارات الترحيب بأهالي الغوطة واعلانات تقديم المواد الغذائية والخدمات بالمجان لهم، وتم تداول هذه الصور بكثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وبالتزامن مع ذلك سارع الأفراد بتقديم وجبات الطعام وجميع أنواع المساعدات  للنازحين، في نوع من رد الجميل لصمودهم في وجه حصار النظام السوري لعدة سنوات.كما قامت المنظمات والجمعيات بإعلان حالة الطوارئ لتقديم المساعدات المستعجلة.

 

 لكن المشاكل بدأت بالظهور بعد أسابيع قليلة، بسبب قلة الدعم الدولي المخصص لأهالي الغوطة، واستنفاذ المنظمات لمخصصاتها للاستجابة للنازحين الذين وصلوا سابقاً.

 

النازحون إلى مناطق سيطرة المعارضة

 

يغيب دور منظمات الأمم المتحدة في الشمال السوري نتيجة لعدة أسباب، أبرزها حالة عدم الاستقرار الأمني التي خلفتها حالة الصراع المتبادل بين الفصائل المسلحة هناك، وتقتصر المساعدات المقدمة على جمعيات تركية ومحلية، هذا الواقع جعل مكاتب الأمم المتحدة تتعرض لانتقادات كثيرة، ومطالبات بالابتعاد عن أي صراع سياسي والوقوف إلى جانب المدنيين.

 

أم أنور، ممرضة في إحدى المشافي بالقرب من باب الهوى على الحدود السورية التركية، تقول لمجلة صور: "تعمل المنظمات بطاقتها القصوى بغية الاستجابة الطارئة للواصلين حديثاً من الغوطة في جميع المجالات، كتأمين المسكن والغذاء، والرعاية الصحية. نرسل الحالات الطبية الخطرة التي لا يمكن علاجها بشكل فوري لتركيا، الأقل خطورة نقدم لها جميع الخدمات المطلوبة. الكثير من الواصلين بحاجة للرعاية والرقابة الطبية المستمرة، غالبية الأطفال والنساء مصابين بنقص التغذية جراء الحصار الطويل".

 

استطلعت مجلة صور مخيماً عشوائياً بني على عجل بالقرب من مدينة معرة مصرين شمال إدلب.

 

يقول أبو خالد، وهو رجل خمسيني قادم من بلدة حمورية: "يضم المخيم مئة خيمة، قمنا ببنائه بجهودنا الذاتية بالقرب من مخيم القرية الطينية، للاستفادة من الحمامات الموجودة فيه".

 

ويتابع: "في الأسبوع الأول تم توزع وجبات غذائية جاهزة، بالإضافة للخيم وبعض الفرش والأغطية، لكنها لا تسد الحاجة، نعيش في خيام قماشية، ومقبلون على صيف حار، بحاجة لعوازل تقينا الحر، ووجود مصادر مستمرة للكهرباء، إضافة لتجهيز أرضية المخيم، لمنع انتشار الحشرات والقوارض".

 

ويضيف أبو خالد: "نستخدم الحمامات ودورات المياه في المخيم المجاور، ما زاد الضغط عليه، نحن بحاجة مستعجلة لهده الأشياء الأساسية، ولحاويات القمامة منعاً لانتشار الأمراض نتيجة قلة النظافة".

 

أما أم خالد فتقول للمجلة:  "كما ترون نحن 6 أشخاص ولدينا أربع فرشات وأربعة أغطية، قبلنا بالسكن في خيمة بدلاً من بيوتنا هناك، أتمنى من المنظمات الدولية التي سارعت لرعاية اتفاقية تهجيرنا أن تؤمن لنا أساسيات الحياة التي شاركوا برسمها لنا".

 

 

النازحون إلى مناطق السيطرة التركية في عفرين

 

تبدي بعض الأوساط السورية المعارضة أو المقربة من قوات سوريا الديمقراطية تخوفات من أن يفضي النزاع في سوريا إلى تشكيل كانتون موالي لتركيا في الشمال السوري، خصوصاً بعد وصول كبرى الفصائل المعارضة من ريف دمشق كجيش الإسلام المقرب من السعودية، في حين تؤكد أوساط أخرى أن هذه المخاوف هي مجرد دعايات إعلامية مصدرها تيارات مقربة من حزب العمال الكردستاني وقوات حماية الشعب.

 

يقول المقدم المنشق أبو إبراهيم لمجلة صور: "تم تخفيف الدعم المقدم من السعودية لجيش الإسلام بشكل كبير، لذلك رأينا محاولات من قيادات جيش الإسلام للتقرب من تركيا عبر فصائل درع الفرات، لكن المؤكد أن جيش الإسلام في أضعف حالاته، وعلى ما يظهر أن اتفاقيات التهدئة تسير قدماً بموجب التفاهمات التي ترعاها روسيا وتركيا، ويبدو أن الصراع المسلح سوف يتم تجميده على المدى القريب بشكل كامل، وغالباُ ما ستندمج جميع الفصائل في الجيش الوطني الذي بدأ تأسيسه في الشمال. أما مخاوف التغيير الديمغرافي فهي حملات إعلامية منظمة من تيارات أصبحت معروفة للجميع. بالمقابل علينا جميعاً إيجاد توافقات، تكفل الحفاظ على التركيبة السكانية لجميع المناطق في الشمال السوري، وأهمها الحفاظ على الطابع الكردي لمنطقة عفرين".

 

الهام، وهي  سيدة أربعينية، تقول لمجلة صور: "وصلنا في البداية لمدينة إدلب، حاولنا البحث عن سكن هناك، فلم نوفق بذلك، مخاطر أمنية كبيرة تحيط بزوجي نتيجة انتمائه لجيش الإسلام المعادي لجبهة النصرة، الأحاديث المستمرة حول احتمالية تعرض المحافظة لعمليات عسكرية دفعتنا للبحث عن مكان أكثر أمناً. لم نعد قادرين على تحمل المزيد، فقد خرجنا من موت محتم، هل نذهب لنفس المصير؟ يجب أن يرتاح أطفالنا من القصف اليومي الذي كبروا معه".

 

تتابع الهام: " انتقلنا لعفرين ووجدنا هناك بعض المنازل المهجورة والمدمرة جزئياً، استقرينا في أحدها. المنزل شبه خال من التجهيزات، في أول ليلة وجدنا حولنا بعض الفرش والأغطية، جلبناها لكل نبيت ليلتنا الأولى. لسنا سعداء بالسكن في بيوت مدمرة، ولا أتمنى لأهل عفرين أن تدمر بيوتهم، هم أشخاص طيبون، لكن الظروف أوصلتنا لهذا. يجب أن نبدأ حياتنا من نقطة الصفر. نحن متعبون، والغد مجهول بالنسبة لنا".

 

أحمد، وهو شاب يبلغ الخامسة والعشرين من العمر، يقول للمجلة: "عاهدت نفسي أن أترك السلاح، في الغوطة كنت أحارب النظام، المسؤول عن مقتل أخي وأسرته، هنا على ما يبدو لا حرب مع النظام، سأسعى للتطوع مع الشرطة الحرة، وإن لم أنجح سأفتح بسطة أعتاش منها، لأتمكن من متابعة حياتي".

 

بالمقابل هنالك مخاوف لدى بعض شرائح الشارع الكردي مما يحصل، نتيجة السياسات المجحفة من قبل السلطات المحلية والعسكرية التي أصبحت تسيطر على المدينة، لفرض تغيرات طويلة الأمد، تؤدي لفرار الكثير من السوريين من أصل كردي من مناطق سكنهم الأصلية لأسباب متعددة، أهمها الفقر وقلة فرص العمل وغياب التعليم، والمضايقات الأمنية.

 

تقول نارين، وهي سيدة خمسينية لمجلة صور: "ابنتي تحضّر لامتحانات الشهادة الثانوية، وابني سيقدمها في العام القادم، سابقاً كانا يستطيعان بعد النجاح بالامتحانات متابعة دراستهم في الجامعات التابعة للنظام، أما اليوم الأمر غير ممكن، لذلك نفكر جدياً ببيع بيتنا والانتقال لحلب، من أجل مستقبل أولادي وليس حباً بالنظام، لكنه الخيار الأفضل، ففي مناطق المعارضة لا يوجد جامعات، وليس لنا قدرة مادية لإرسالهم للدراسة في الخارج".

 

أما أبو كرمو فيقول لصور: "أهل الغوطة وجميع السوريين هم أهلنا، حارتنا ممتلئة بالساكنين الجدد، أتمنى أن يحافظوا على أخلاقهم التي طالما عرفوا بها، ولا ينجرّوا خلف المفسدين، كنا نكره قوات الأسايش، واليوم نكره قوات درع الفرات، أتمنى أن يبقى الود بيننا بعيداً عن كل المشاكل السياسية، كي نستمر بالتعايش واقتسام رغيف الخبز".

 

بالمقابل يقول جانو، وهو صاحب أحد محلات البقالة في منطقة عفرين لصور: "كثرة الوافدين الجدد زادت المبيعات ورفعت الأسعار، كما عززت الفوارق بين الناس، بعضهم ازداد فقراً نتيجة قلة فرص العمل، أما تجار الحروب والأزمات فزادت ثرواتهم".

 

يبدي جانو تخوفه من المستقبل بقوله: "لدينا تخوفات من قيام تجار الحروب والأزمات بافتتاح مشاريع والسيطرة على الأسواق، وبالتالي يكون مصير مئات التجار الصغار كحالتي مجهولاً في المستقبل".

 

الأطفال مجدداً

 

يعاني أطفال الغوطة الواصلين حديثاً من مشاكل متعددة، أهمها حالة الحصار والحرب التي عايشوها طوال السنوات السابقة، إضافة لتقطع في التعليم، ومشاكل نفسية جراء ما شهدوه من عنف منظم.

 

 

تحدثت مجلة صور مع إحدى المعلمات في منطقة الأتارب عن أحوال هؤلاء الأطفال فأكدت للمجلة: "أطفال الغوطة الشرقية بحاجة لرعاية خاصة، الكثير منهم كبر وهو لا يعرف سوى الحرب والقصف والدمار, إنهم لا يعرفون الوجه الآخر للحياة، لذلك هم بحاجة لرعاية وبرامج خاصة بهم على عدة مستويات، أولها مستعجل، يتضمن أنشطة وبرامج ترفيهية، وهذا ما نطالب جميع المنظمات المعنية بالاهتمام به. ثم خطط متوسطة المدى، وهذا واجب مديريات التربية والتعليم، من خلال إجراء تقييم شامل لمستوياتهم التعليمية، تمهيداً لإدخالهم في الدورة التعليمية الموجودة لدينا".

 

وتتابع المعلمة: "هناك حالات بحاجة لرعاية خاصة، لأطفال لديهم مشاكل نفسية، كحالات الهلع والخوف الدائم نتيجة ما عاشوه لسنوات، أو نتيجة صدمات تعرضوا لها نتيجة فقدانهم أحد الأبوين أو كليهما، وهؤلاء بحاجة لجلسات علاجية كل حسب حالته، بدءاً من الأنشطة الترفيهية كالرسم والرياضة التي تحفزهم على إخراج ما في نفوسهم من طاقة سلبية، وصولاً للعلاجات السلوكية والدوائية".

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

آلاف المدنيين بقبضة النظام، وتحريض إعلامي متزايد

 

محمد همام زيادة

 

مع سيطرة النظام تدريجياً على مدن وبلدات الغوطة الشرقية، اضطرّ آلاف من السكان للتوجّه نحو العاصمة دمشق، رغبة منهم بعدم ترك مدينتهم التي عاشوا فيها، رغم المخاطر الأمنية المحدقة بهم من جانب الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري.

 

وكان النظام قد صرح عبر جريدة الوطن المقرّبة منه أن قرابة 42 ألفاً من أهالي الغوطة قد وصلوا إلى مراكز الإيواء التي أقامها، في حين ذكرت مصادر روسية مسؤولة عن المصالحة ومقرّبة من قاعدة حميميم العسكرية الروسية أن الأعداد قد فاقت مئة ألف.

 

أوضاع لا إنسانية

 

في الأسابيع القليلة اللاحقة لخروج النازحين، تمّ توزيعهم على عدة مناطق ومراكز إيواء، كمنطقة الدوير في عدرا، ومركز حرجلة بريف دمشق الغربي، بالإضافة إلى مراكز أخرى في قلب العاصمة.

 

يقول أحد هؤلاء النازحين، رفض ذكر اسمه للضرورة الأمنية، مقيم في مركز حرجلة بالقرب من الكسوة بريف دمشق: "هذه الأماكن أشبه بالمعتقلات، وضعونا في أحد المدارس ووزّعوا علينا حاجات بسيطة كالفرش وبعض الأغطية، النظافة العامة سيّئة ودورات المياه لا تعمل بشكل جيد".

 

ومن الناحية الأمنية يقول: "هناك مضايقات أمنية كثيرة، تعرّضنا للشتائم والسباب من قبل الشبيحة وعناصر الدفاع الوطني أمام أعين موظفي ومتطوّعي الهلال الأحمر. الذكور بين 16-50 يساقون لتسوية أوضاعهم، بعضهم أُجبر على التوقيع على أوراق أنه تعاون مع المجموعات الإرهابية المسلحة وتمّ اعتقاله، ولم نعرف مصيره حتى الآن".

 

 

الأوضاع السيّئة التي يعاني منها النازحون، دفعت علي الزعتري، الممثّل المقيم لأنشطة الأمم المتحدة في سوريا، للخروج عن صمته في تصريحات صحفية لوكالة فرانس بريس، بعد زيارته لبعض مراكز الإيواء، أكّد فيها أن الوضع مأساوي في مراكز الإيواء في عدرا، فهي غير مهيّأة لاستقبال المدنيين. وأضاف: "لايوجد أحد يقبل بالبقاء هنا لخمس دقائق. هؤلاء أشخاص هربوا من القتال وعدم الأمن في الغوطة إلى مكان لا يجدون فيه مكانًا للاستحمام".

 

بعد أسابيع قليلة بدأ النظام السوري بالسماح لبعض الأهالي بالعودة لمناطقهم، بعد تسوية أوضاعهم، كبلدات حمورية وسقبا.

 

يقول أحد العائدين: "قبلنا بالعودة بعدما رأينا أن الحياة مستحيلة في مراكز الإيواء، فهي أشبه بالمعتقلات، رضيت بالسكن في بيتي المهدّم، الذي فوجئت بسرقة ما تركته فيه من أثاث قديم، "عفّشوا" المروحة والبراد، ولم يتركوا لنا شيئاً، لكن لا بأس. الحياة هنا أفضل من الحياة الجماعية في مراكز الإيواء، هنا تتمتّع ببعض من حرّيتك الشخصية داخل بيتك المهدّم والمسروق".

 

ويبدي أبو كمال تخوّفه من المستقبل قائلاً: "عداك عن الفقر وغياب فرص العمل، أتخوّف من أن يساق ولداي للخدمة العسكرية بعدما وقّعوا على تسوية أوضاعهم، هل يُعقل بعدما عشناه طيلة السنوات الماضية، أن يحملوا السلاح مجدّداً ويتوجّهوا إلى جبهات القتال؟".

 

نصر مؤزّر

 

مع سيطرة النظام الكاملة على الغوطة الشرقية برعاية روسية، بدأ الموالون له باحتفالات كبيرة في قلب العاصمة دمشق، ومسيرات مؤيّدة للنظام السوري، الأمر الذي جعلهم مثار انتقاد أوساط موالية أخرى للنظام، نتيجة حجم المأساة التي تعرّفوا عليها من خلال أهالي الغوطة الواصلين لمراكز الإيواء.

 

وبالتزامن مع ذلك انطلقت وسائل إعلام تابعة للنظام، وأخرى لبنانية مقرّبة من دوائر حزب الله، في تغطية إعلامية غير مسبوقة، وقدّمت عشرات التقارير المصوّرة عن الأنفاق التي كانت تُستخدم لتهريب المواد الغذائية.

 

يقول المصور والناشط الإعلامي محمد كركص لمجلّة صُوَر: "لم أرَ مسبقاً تغطية إعلامية بهذه القوة، صوّروا الأنفاق التي كانت تستخدم لإدخال المواد الغذائية الأساسية والأدوية، وقدّموها بأسلوب أسطوري، هذا العرض بهذه الطريقة موجّه بشكل خاص للموالين، بغرض زيادة شيطنة الثوار والمدنيين المقيمين هناك، يريد النظام بعدما دمّر مدنهم ونهبها، أن يعزّز الحقد تجاههم".

 

ويتابع كركص: "هناك تقارير أخرى عرضت كمّيات كبيرة من الأسلحة، قالت وسائل إعلام النظام أن الإرهابيين قد تركوها، في رسالة واضحة لعناصره وميليشياته لتعزيز الكراهية والعنف تجاه أي أحد ينتمي للمناطق التي انتفضت في وجه النظام على المدى الطويل، وهو نوع من التحريض سيترك آثاره لسنوات طويلة، حتى لو تمّ التوصّل لحلّ سياسي ما في سوريا".

 

إعادة الإعمار

 

نقلت وسائل إعلام تابعة للنظام السوري أنباء عن عدّة اجتماعات قام مجلس وزرائه بعقدها بهدف وضع خطط لإعادة إعمار الغوطة الشرقية، لإعادة هويّتها الزراعية والحرفية التي طالما اشتهرت بها على مدى عشرات السنوات.

 

بالمقابل يقلّل متابعون للشأن السوري من قدرة النظام على القيام بأي شيء حقيقي تجاه الغوطة الشرقية.

 

يقول كركص المتابع لشؤون الغوطة: "اعتدنا على تصريحات النظام والدوائر المقربة من إيران وروسيا بإعادة الإعمار والتأهيل السريع للكثير من المناطق، لو كان النظام جدياً لكان أعاد إعمار حمص التي سيطر عليها منذ عدة سنوات وكذلك حلب، حتى آثار القصف لم يستطع ترحيلها حتى الآن، كلها وعود واهية يقدّمها لأنصاره ولرجال أعمال مقرّبين منه، لدفعهم للدخول في مشاريع اقتصادية في هذه المناطق".

 

ويتابع كركص: "رؤوس الأموال الكبيرة القادرة للتصدّي لهذه المشاريع لا تعمل في مثل هذه الظروف الأمنية، فلا ثقة بالنظام أبداُ، النظام لا يرغب بالقيام بشيء حقيقي تجاه هذا الملفّ، فهو يريد متابعة مخطط التغيير الديمغرافي الذي بدأه منذ سنوات، ويريد حصد نتائجه التي قدّم من أجلها الكثير".

 

 

 

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard