info@suwar-magazine.org

عن الهويّة الجامعة والوطنيّة السوريّة

عن الهويّة الجامعة والوطنيّة السوريّة
Whatsapp
Facebook Share

 

 

على الأرجح سقوط مفردات القوميّة الجامعة، القوميّة الجغرافيّة والمجتمعيّة، العربية، النسيج الاجتماعيّ السوريّ، على إثر الحرب الأهليّة في سوريا، ستقابلها مفردات جديدة ومختلفة، لكن دون اختلاف المضمون. بمعنى آخر، سقوط الهويّة العرقيّة للمجتمع السوريّ، التي كانت توصف بها، ولّد مفردة الهويّة الجامعة، التي في مضمونها هويّة عرقيّة أخرى، تهدف إلى رغبة الأكثريّة في استيعاب الأقليّة ضمن محدّدات الهويّة العرقيّة ذاتها، باختلاف الواجهة التوصيفيّة لها. أي أنّ الهويّة الجامعة المتداولة في النقاشات هو المصطلح الوظيفيّ لبلورة الهويّة العرقيّة للمجتمع السوريّ، كما كان في سابقه.

 

هذا هو المنطق التأسيسيّ للهويّة السوريّة في منظور حزب البعث، حاكم الدولة والمجتمع في سوريا، وبذات المنطق تُعامل المعارضة مسألة هويّة سوريا والمجتمع السوريّ العرقيّ العربيّ. المجتمع السوريّ غير المتقارب في الأساس، لاختلاف الدين والطائفة والمذهب والقوميّة والعرق بين مكوّناته المختلفة. كان تعريف حزب البعث لمفردة العربيّ واضحاً، إذ أنّ كلّ من يتحدّث أو يُجيد العربيّة في سورية فهو عربي، بمعنى أنّ كلّ السوريين عرب، طالما أنّ لغة التعليم والمؤسسات الرسميّة في البلاد هي العربيّة، وهو ما لا يختلف عن مفهوم الهويّة الجامعة في العموم.

 

بمقاربة أخرى، تعتبر قوى سوريا السياسيّة العرقيّة- معارضة ونظام- أنّ الهويّة الجامعة، التي ظهرت بعد الثورة السوريّة، يمكنها أن تعتبر القوميات غير العربيّة في سوريا مُتميّزة ببعض المزايا الثقافيّة والفولكلوريّة، لكنها تظلّ جزءاً من الهويّة العرقيّة العربيّة. هذه القوى ترى قوميات سوريا المختلفة (الكرديّة والسريانيّة الآشوريّة والأرمنيّة والشركسيّة والتركمانيّة) جزءاً من الهويّة العربيّة. كانت تركيا تقول إنّ الكُرد أتراك نسوا هويّتهم في الجبال، وكان ثمّة نظريّة حول الأصول العربيّة للكرد، وهكذا يُسحب الأمر على باقي القوميات.

 

مثالاً؛ الإيزيديون يختلفون عن أغلبيّة الكرد في انتمائهم الدينيّ، لكنهم يتملكون الهويّة الكرديّة وينضوون تحت عباءتها، لأنّها هويتهم القوميّة والعرقيّة، والكرديّة الكرمانجيّة لغة تراتيلهم الدينيّة؛ فبذلك يصحّ أن نقول إنّ الهويّة القوميّة الجامعة تجمع الكُرد بمختلف طوائفهم ودياناتهم لارتباطاتهم اللغويّة والعرقيّة والجغرافيّة وطموحاتهم. ورغم أنّ هذا المثال لا يمكن أن يطبّق على قوميات سوريا المختلفة ومفهوم الهويّة الجامعة السوريّة، إلا أنّ أقطاب المعارضة والنظام تودّ أن تفعل شيئاً في ذات المستوى. أي أنّ الكُرد والسريان الآشوريين والتركمان يملكون خصوصيّة وعادات مُتمايزة عن الأكثريّة العربيّة، لكن تعود هذه الخصوصيّة بالنهاية إلى ذات الهويّة الّتي يُجمع الجميع عليها- أقصد العربيّة السوريّة، والإسلاميّة السُنيّة بعد أن أُضيفت في توصيفات وأدبيات المُعارضة السوريّة كجزء من الهوية الجامعة العامّة.

 

أمّا المسألة الثانيّة، هي الوطنيّة، التي لا يُمكن أن تضمن على سبيل المثال أن لا تكون سوريا جزءاً من جامعة الدول العربيّة، ولا يمكن أن تفرض اللغات القوميّة في جغرافيا سوريا، كلغاتٍ أساسيّة لا فرعيّة، ضمن الوثائق الثبوتيّة لأصحاب هذه اللغات، ولا تؤمّن لأصحاب اللغات الحديث فيها ضمن البرلمان. فطالما كانت هناك لغة واحدة تمثّل الدولة، وطالما كانت الدولة ضمن إطار جامع مع دول ثانيّة وفق المُحدّد العرقيّ، فحتى لو صار اسم سوريا "الجمهوريّة السوريّة- لا العربيّة السوريّة" وحتى لو صار اعترافٌ بالقوميات، وبحدودها الأقاليميّة، فالمواطنة غير متوفّرة. بمكاشفة أكبر، صارت الأقاليم واللغات والقوميات جزءاً من هويّة عرقيّة، وصارت العربيّة، عرقيّة لعِدّة لغات وقوميات، وصارت هي بذلك مفهوم المواطنة.

 

على العموم، حقوق القوميات في سوريا، وبشكل خاص الكُرد، لما يُعانوه من أزمةٍ في الانتماء والهويّة، ليست مرتبطة بافتتاح جامعة كرديّة، أو مدرسة باللغة الكرديّة، أو اعترافٌ بوجود القوميّة الكرديّة، وإنما تكون بالسعي نحو إصلاح أخطاء الحدود السياسيّة السابقة لسوريا، والاعتراف بوجود هويّة كردستانيّة ضمن الحدود السوريّة الحاليّة، وبالتاليّ إقليم يمثّل هذه الهويّة، ذلك يمكن أن يكون مؤسّساً للمواطنة الحقيقيّة، والهويّة السوريّة، المختلفة عن التوصيفات الحاليّة للمواطنة، والهويّة السوريّة الجامعة. 

 

دون أن تكون سوريا دولة لا مركزيّة، لا مركزيّة سياسيّة- اجتماعيّة- ثقافيّة، لا يُمكن أن تتأسّس الهويّة السوريّة، الأصحّ، لا يمكن أن تتأسّس الهويات السوريّة، لا توجد هويّة سوريّة جامعة حتى الآن. عبر التاريخ لم تكن سوريا، كدولة، ذات حدود جغرافيّة واضحة المعالم، فتارةً تمتدّ في حدود تركيا الحاليّة، وتتقلّص، وكذلك ضمن حدود العراق الحاليّ. بشكلٍ أدقّ، عدم تأسيس أقاليم ذات هويّة مستقلّة عن هويّة دمشق المركز، لا يُمكنها أن تولّد نقاط سياسيّة وثقافيّة واجتماعيّة مُشتركة، طالما أن المُجتمعات المتداخلة في سوريا، مرتبطة، ضمن حدود الإكراه، لا طواعية فيها.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard