info@suwar-magazine.org

قراءة في مسارات وتحالفات الحلّ السوريّ

قراءة في مسارات وتحالفات الحلّ السوريّ
Whatsapp
Facebook Share

 

 

ماذا لو انتصر الأسد في إدلب؟  ماذا لو انسحبت قوات التحالف الدولي من سوريا؟: ماذا لو بقي الوضع على حاله ثماني سنوات أخرى؟

 

ثلاثة أسئلة تشكّل الإجابة على كلّ منها مساراً سياسياً بذاته، يختلف عن الآخر، ويفرض تبعاً لذلك مخرجات وتحالفات مختلفة، وكلّ منها له ما له وعليه ما عليه.

 

فمن شأن الاول أن يُحكم النظام قبضته على غالبية سوريا، وستكون المعارضة "الهيئة العليا للمفاوضات" أكبر الخاسرين، وقد يمهّد الطريق لنهايتها، ومن شأن الثاني: ان يجرد مسد من حلفائها وتركها عرضة للتهديدات المحلية والإقليمية وسوف يواجه المدنيين في شرق الفرات نفس مصير المدنيين في عفرين، وستنتهي تجربة الإدارة الذاتية ولن يكون للمعارضة فيها لا ناقة ولا جمل الا إذا قدمت الطاعة للنظام وقبلت بالأسد ونظامه، أمّا الثالث وهو المرجح لدى الكثيرين، فسوف يؤدّي- إن تحقّق- إلى استنزاف ما تبقّى من سوريا والسوريّين، وعلى الرغم من اختلاف هذه المسارات في تحديد المنتصر والمهزوم، إلا أن لها الآثار نفسها، استمراراً في النزوح واللجوء السوريّ، وزيادة كبيرة في حجم الانتهاكات، وانتكاسة لحلم الديمقراطية.

 

ولا شكّ أن تشكّل هذه المسارات السياسية سيؤدّي، تبعاً لذلك، إلى إعادة تشكيل خارطة التحالفات السياسية المرحلية، وإعادة توزيع موازين القوة بين الأطراف والواقع يشير إلى أنه منذ بدأ مسار أستانا وتوقّف مسار جنيف، فإن الموازين تميل شيئاً فشيئاً لصالح النظام وحلفائه على حساب المعارضة، فغالبية الأراضي السوريّة أصبحت تحت سيطرتهم، باستثناء الشمال السوريّ ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

 

إن استمرار الميلان سيؤدّي إلى إعادتنا إلى ما قبل ٢٠١١، حيث النظام الأمنيّ القويّ، والحكومة المستبدّة في وجه معارضة متعدّدة الألوان، وسوف يزيد الوضع سوءاً، التمزّق الاجتماعي والانهيار الاقتصادي الذي آلت إليه سوريا بعد سنوات الحرب.

 

كما لا يمكن استبعاد فرضية أخرى تكمن في تلاقي المصالح الدولية عند نقطة ما، ويتمّ التوصّل إلى اتفاق بين جميع هذه الأطراف، وإلزام الأطراف المحلّية بها بشكل أو بآخر، وبما أن هناك إمكانية لتلاقي مصالح الأطراف الدولية، فالأطراف المحلية أيضاً يمكن أن تلتقي مصالحها، إذا ما وصلت إلى طريق مسدود ونال منها التعب، ثم يكون قرارها الجلوس إلى طاولة مفاوضات واحدة، بحسن نيّة وفي إطار الحديث عن المصالح، ودون نسيان أصحاب المصلحة الأكبر في إيقاف هذه الحرب العبثية، وهم السوريّاتوالسوريّين فلا يمكن استبعاد حراكٍ شعبيٍّ يقلب موازين القوة، وإن بدا صعباً؛ لقسوة الأوضاع الإنسانية التي يعيشها السوريّون وتفتّتهم وتوزّعهم، ليس فقط بين مدن، بل بين دول وقارات.

 

كل ذلك من شانه إعادة فرز التحالفات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ولكن مشكلة هذا النوع من الاتفاقيات تكمن في هشاشتها، فلا استراتيجية للاستقرار السياسي، ولا معايير سلام عميقة ودائمة تتوفّر فيها فهي أما ان تنتجب فوضى كبيرة ومنظمة او فوضى كبيرة غير منظمة.

 

إن أكثر التحالفات واقعية، هو التحالف والشراكة التي نكون فيها فعلاً، وليس ردّة فعل، وأن تكون نتاجاً محلّياً، وأن تتوفّر فيها معايير الهدف الذكيّ "محدّد، واقعيّ، قابل للقياس، إطار زمنيّ"، والأهمّ أن يحقّق قدراً كبيراً من الاستقرار، وقد تناولت هذا التحالف في مقال سابق منشور في مجلة صور تحت عنوان بناء الشراكات في ظلّ حساسيّات الصراع ويتمثّل في تحالف بين (مسد والهيئة العليا للتفاوض)، فهو الأكثر منطقيّة، فالطرفان لهما مصلحة مشتركة في إنهاء الدكتاتورية، وفتح الأبواب على مصاريعها لنظام تشاركي حقيقيّ في الحكم، وإرساء الديمقراطية، وأهمّية هذا التحالف يدركه الكثيرون، سواء من أطراف محلّية أو دولية.

 

فللطرفين مصالح مشتركة كبيرة، إذ أن الواقع السياسي يقول إن من مصلحة "الإدارة الذاتية" عدم انتصار النظام على المعارضة بشكل كامل وسحقها، كما من مصلحة المعارضة عدم سيطرة النظام على مناطق "الإدارة الذاتية"، فالمعارضة تدرك جيداً أنها خسرت أغلب مناطق سيطرتها، وتراجع تأثيرها السياسي نتيجة تراجع تأييد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لها، كما تعلم مسد أنه إذا ما انتصر النظام في إدلب، فسوف يتفرّغ بشكل كامل لها، كما تدرك تماماً أنه لا يمكن الوثوق بالإدارة الأمريكية المتذبذبة، ويخيفها توصّل الإدارة الحالية إلى اتفاق مع إيران بشان ملفّها النووي. كما أن كلا الطرفين يدركان تماماً أن فرص الالتقاء بين مصالح حلفائهم الدولية أكبر بكثير من فرص تلاقي مصالحهما مع مجموعة أستانا، وخاصة إيران وروسيا.

 

ويدرك الطرفان أن من شأن هذه الشراكة تحقيق الكثير من المكاسب لكليهما، إذ يمكن أن تعيد التساوي في موازين القوة، وستؤدّي إلى سيطرتها على ٤٥٪ من مساحة سوريا، وهي سوريا المفيدة اقتصادياً، والسيطرة على المنافذ الحدودية مع العراق وتركيا، والأهمّ أنه سيساهم في تخفيف خطاب الكراهية بين جميع الأطراف.

 

ولكن هذا التحالف يتطلّب أوّلاً توفّر الإرادة السياسية بين الأطراف المحلّية، وإعادة بناء الثقة بين الطرفين، فهي متضرّرة، وأعمق ممّا يظهر إلى العلن، فالمعارضة تعلم جيداً أن "الإدارة الذاتية"، وأدواتها المتعدّد من قسد ومسد وغيرهما، هو تكريس لوجود قوة كوردية قادرة ومتمكّنة، أولاً، وثانياً هو تخلّي تركيا عن موقفها اليميني المتعصّب من الكرد، وقبولها بوجود أي قوة كوردية سياسية متمكّنة، أو بوجود شكل من أشكال الحكم المحلّي للكرد على حدودها.

 

إن مثّلث القوة "النظام، الإدارة الذاتية، المعارضة" يمثّل تعبيراً حقيقياً عن شكل من أشكال صراع الهويّات والمصالح الاقتصادية التي تتجاوز الحدود، وإمكانية التحالفات بينهم ممكنة، وهي-إن تحقّقت- ستحدّد شكل سوريا وهويّتها الوطنية.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard