قيدٌ مرغوب، حريةٌ مرهوبة
قد لا تكون الحكمة مَرتَبة من مراتب العلم ولا أَعْلاها، بل رُبَّما هي نقيضة تماماً، فلا مؤشِّرات تدل على وجود علاقة ما بين العلم الحديث من جهة والحكمة من جهة أخرى، وذلك لسببين على الأقل أولها أن العلم الحديث يقوم على الاكتساب والجمع بالدرجة الأولى، اكتساب المعارف والنظريات والقواعد، وثانيها أنَّ تحصيله يكون من خلال المرور بالحظائر حصراً، أي المدارس والجامعات، حيث حياة القطيع. في حين أن درب الحكمة يبدأ بالخروج من القطيع والابتعاد عن الحظائر، ويعتمد التخلي وطرح كل ما هو معلوم، أي كل ما دخل الى الذهن واستقر به.
وبالإضافة الى ما تقدم هنالك فرق جوهري آخر بينهما من جهة العلاقة مع "الأنا" حيث أن العلم الحديث، في شكله السائد، يغذي النرجسية ويتغذى منها أساساً، وهو بذلك يساعد على تقوية "الأنا" والتعظيم من شأنها، فيما تعمل الحكمة على تقويض سلطة "الأنا" وتفكيكها فوجودها سبب شقاء الإنسان ومعاناته لأنه، في واقع الأمر، حبيسها.