شرقي الفرات على وقع التصريحات الأمريكية والتهديدات التركية
فاجأت أمريكا سكان منطقة شرقي الفرات بسحب قواتها من منطقتي سري كانيه / رأس العين وتل أبيض /كري سبي الواقعتين ضمن مناطق شرقي الفرات، فيما تصاعدت التهديدات التركية بشن هجوم عسكري على تلك المناطق في ذات الوقت.
بدأت التهديدات التركية بالهجوم على مناطق شرقي الفرات بذريعة "حماية حدودها من الإرهاب المتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي"، على حد تعبير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، منذ أكثر من سنة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب قواته من تلك المناطق، لكن لم يتم التنفيذ حتى الآن.
أوضح المسؤول في الإدارة الذاتية عبد السلام أحمد لـ مجلّة صُوَر بأن التهديدات التركية باجتياح شمال شرقي سوريا في هذا الوقت مرتبط بالتفاهم الروسي التركي حول إدلب، حيث سبق للروس أن عقدوا هكذا صفقات مع الحكومة التركية، وبموجبها تم السماح لتركيا باحتلال جرابلس، والباب مقابل انسحاب مقاتلي المعارضة من حلب وهكذا دواليك، واليوم تجري ترتيبات لإعادة سيطرة النظام على إدلب مقابل السماح لتركيا بعملية عسكرية في شرقي الفرات.
ورغم عدم إعلان القوات التركية عن المناطق التي ستستهدفها بداية في هجومها إلا أن التوقعات بحسب عبد السلام لـ مجلة صُوَر بأن العملية العسكرية ستطال المساحة الجغرافية الممتدة بين بلدة رأس العين وتل أبيض بمسافة تقارب ١٤٠كم ، وتوسع مساحة العدوان في مرحلة تالية مرتبط بنجاح المرحلة الأولى.
تناقض في التصريحات الأمريكية ما بين تخلٍّ من الرئيس الأمريكي ترامب الذي قال في تغريدة له أنه لن يبقي قواته في حرب لانهائية "سخيفة" وعلى إيران وسوريا والعراق وتركيا حل مشاكلهم بأنفسهم، وبين تصريحات البنتاغون بإظهار قلقهم على الحلفاء الكرد. يقول عبد السلام أحمد لـ صُوَر تعليقاً على ذلك "القوات العسكرية الأمريكية الموجودة على الأرض هي أكثر صوابية في قراءة المشهد السوري والأقرب لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية من قراءة ترامب الذي يبدو قاصراً في هذا الجانب لأن الموقف الأخير للرئيس هو ضد مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية".
الأصوات المعارضة للقرار الأمريكي من الداخل تتصاعد خوفاً من نتائج هذا القرار فقد رأى زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش مكونيل، في بيان، أن "الانسحاب المتسرّع للقوات الأميركية من سوريا لن يصبَّ سوى في مصلحة روسيا وإيران ونظام الأسد وسيزيد من خطر نهوض داعش وغيرها من الجماعات المتشدّدة مرة أخرى، بينما أبدت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي قلقها من أن يبعث هذا القرار برسالة خطيرة لإيران وروسيا وكذلك لحلفاء أمريكا مفادها أن الولايات المتحدة لم تعد شريكاً مؤتمناً".
ليندسي غراهام السيناتور الجمهوري وصف القرار بـ"الكارثي"، معتبراً أن "التخلي عن الأكراد سيُعتبَر وصمة عار على جبين أميركا". وهدّد غراهام بتقديم مشروع قرار إلى مجلس الشيوخ لإجبار الرئيس على التراجع عن قراره. السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي قالت إنه من المناسب تذكير الرئيس ترمب بمبدأ بسيط في العلاقات الدولية مفاده أن "علينا دعم حلفائنا إذا كنا نريد أن نتوقّع منهم دعمنا". وأضافت "كان للأكراد دور حاسم في معركتنا التي تكللت بالنجاح ضد تنظيم داعش في سوريا. تَرْكهم يلقون مصيرهم المحتوم بهذه الطريقة خطأ فادح". ليظهر ترامب مجدداً في المساء بمؤتمر صحفي يهدد تركيا بعد إعطاءها الضوء الأخضر بالهجوم، ويعلن أنه سيدمّر الاقتصاد التركي في حال تجاوزت تركيا الحد المسموح لها فما هو الحد المسموح؟
أكد البنتاغون، في بيان، أنه لا يؤيد العملية التركية في شمال سوريا. ولفت البيان إلى أن "وزارة الدفاع قالت بشكل واضح لتركيا- كما فعل الرئيس- أننا لا نؤيد عملية تركية في شمال سوريا". وأكد أن "القوات المسلحة الأميركية لن تؤيد أو تشارك في عملية من هذا النوع". كل ذلك عدا عن المعارضة الأوروبية للقرار فهل سيؤدي كل هذا الضغط والمعارضة لعدول ترامب عن قراره، وإيقاف الهجوم التركي المرتقب على مناطق شرقي الفرات وتجنيب المنطقة كارثة إنسانية جديدة؟
سيناريو عفرين سيتكرر في شرق الفرات
هذا حال الوضع السياسي وما يتداوله الإعلام فما حال المدنيين؟ وهل ستتوفر لهم الحماية اللازمة في حال تم الهجوم، أم سيتكرر نفس السيناريو كما الحال في باقي المدن السورية التي طالتها القذائف؟
حذر وتخوف يطال أهالي المناطق المهددة بالهجوم التركي من الدمار والنزوح الذي سينال مناطقهم في حال التنفيذ. يبيّن رضوان بيزار وهو صحفي من مدينة تل أبيض ذلك لـ صُوَر ويوضح كم كان الأمر مفاجئاً لأهالي المنطقة، وهناك تخوفات كبيرة من تكرار سيناريو عفرين الذي مرّ أمام أعينهم بما حدث فيه من خطف ونهب وسرقة وقتل وطلبات للفدية خصوصاً مع تواجد الفصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا.
يضيف رضوان إلى قائمة التخوفات رعب الأهالي من عملية تهجير جديدة ستحصل سواء للعرب أم للكرد لأن المنطقة عشائرية، وحدثت فيها ثارات وانقسامات بين من كان علماني وبقي مع الإدارة الذاتية وبين من كان متشدداً داعماً لداعش أو الفصائل الإسلامية وهرب إلى تركيا، وانضم للفصائل لاحقاً وحارب معهم.
اقرأ المزيد
"تركيّـا... فَرْضُ التتريكُ الناعمِ شمالي سوريا وأوهامٌ بدولةٍ عثمانيّةٍ جديدة"
حصرت نوجين يوسف عضو المجلس الرئاسي لمجلس سوريا الديمقراطية خيارات الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا بقولها "ليس أمامنا إلا المقاومة، فالتهديدات التركية ليست جديدة علينا، لقد بدأتْ منذ أن أصبح للإدارة الذاتية مؤسسات وأرست الأمن والاستقرار في المنطقة، منذ ذلك الحين وتركيا تحاول الدخول إلى مناطقنا بشتى الوسائل، وبما أنها ليست المرة الأولى وبما أن ما حدث اليوم حدث قبل ستة أشهر فلم نتفاجأ، وسنعتمد على أنفسنا وكردة فعل للشعب يقف الكثيرون اليوم على الحدود من ديريك حتى تل أبيض يستخدمون أنفسهم دروعا بشرية أمام التقدم التركي."
وأضافت" الخوف الوحيد هو على النساء والأطفال وكبار السن لكن سنضع كامل إمكاناتنا لحماية المدنيين رغم أننا لا نضع حل النزوح باعتباراتنا".
يوضح زكي حاجي لـ صور وهو مدني من سري كانيه / رأس العين ردة فعل المدنيين على هذا الخبر، فيقول لقد تعودنا في المناطق الكردية المتاخمة للحدود مع الجارة التركية على مثل هذه التهديدات من رئيسهم وحكومتهم لكن هذه المرة كانت أكثر جدية مع إعلان انسحاب القوات الأمريكية من نقطتين غربي سري كانيه وزرعت قلقا ورعباً لدى المدنيين الذين ما زالت صور أطفال ونساء عفرين أمام أعينهم وما فعلوه الأتراك و"مرتزقتهم" هناك. ذلك بالإضافة إلى مشكلة قلّة الأقبية والملاجئ التي من الممكن أن يحتمي فيها المدنيون إذا حصل الهجوم. ويضيف أن أهم الاحتياطات المتخذة وجود الغرفة الطبية (مشفى روج) وبعض المشافي الخاصة تعمل هذا في المجال الطبي، و"على حسب علمي هناك خطة من الإدارة الذاتية من الناحية الطبية، وتوفير المواد الغذائية، وتم تحديد بعض النقاط للعمل عليها".
أفاد عبد السلام أحمد أن للإدارة الذاتية استعدادات في هذا الجانب وفق الإمكانات المتوفرة، لكن أمام الآلة الحربية التركية المدمرة سيكون هناك ضحايا مدنيين، خاصة إذا علمنا بأن البنية التحتية في منطقة تعد نامية ليست بالمستوى المطلوب. وليس أمام قوات سوريا الديمقراطية من خيار سوى المقاومة، وحشد كل الإمكانات من أجل التصدي "للعدوان التركي" الذي لايستند لأي مبرر شرعي سوى تحقيق طموحات أردوغان التوسعية، ما سيفتح الباب على صراع طويل الأمد، واستمرار نزيف الدم وهجرة سكان المنطقة، وتغيير ديموغرافيتها وإعادة الحياة لداعش وخلاياه النائمة.
يذكر أن ترامب أعلن أن قواته ستنسحب من مناطق شرقي الفرات في وقت سابق لكن اعتراض البنتاغون، وأعضاء الكونغرس على العملية أدى إلى تراجعه عن القرار.