العنف الأُسَري والعنف الجنسي
العرف أقوى من القانون ( 5)
تتعرض جيهان الأم لطفلين ومدرِّسة اللغة العربية من مدينة حلب للضرب بشكل دائم من زوجها، وأمام أطفالها دون وجود أي سبب أو لفعل أمر ما لا يرغب به زوجها، يطالبها بالمزيد من الأطفال، ولا يسمح لها بترك العمل بحجّة الوضع المادي. تقول جيهان " ممكن أن أُضرَب إذا وجد بعض الغبار على التلفاز.. متعبة من العمل داخل المنزل وخارجه، لم يكن هذا ما يدعوني لترك المنزل والأطفال، لكن ما يجعل حياتي جحيماً أنني أعلم أن لديه علاقات مع نساء أخريات، وقد رأيته مرة بأمّ عيني. لكن كلّما أردت ترك المنزل، لا أجد سبيلاً أذهب إليه، فشكواي لأبي كانت بلا فائدة، وجوابه دائماً لي إنه الرجل ويجب أن تحتملي، وهذا نصيبك ولسنا مسؤولين عن تربية أطفالك، بالإضافة لسمعتك كمطلّقة، ماذا تريدين من الناس أن تتحدّث عنّا"
العنف الأسريّ
يجرّم القانون العنف الأسريّ بعقوبات مخفّفة، بشكل عامّ، لكن قلّما تصل حالات العنف الأسري إلى المحاكم أو القانون، فيشرّعها المجتمع، بشكل عامّ، ويتستّر عليها في الكثير من الأحيان، فتتعرّض النساء والفتيات إمّا للضرب أو الحدّ من الحرية في حياتهن ككلّ، وتجبر على اختيار النمط التي تفرضه العائلة إن كان في العمل أو الخدمة والزواج والدراسة وشكل اللباس، وبالتأكيد هناك ارتباط وثيق بقضايا الشرف، فتحليل القتل للفتاة سيحلّل جميع أشكال العنف ضدها، ولن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها.
العنف الجنسيّ
تروي إحدى النساء التي أجرَتْ مُعِدّة البحث مقابلة معها قصتها بقولها " قلت لزوجي إن جارنا يحاول التحرّش بي فطلّقني فوراً، ربما تبدو قصتي غريبة، لكن هذا ما حصل، وبعدها علمت أنها كانت مجرّد حجّة ليطلقني دون أن أجرؤ على المطالبة بحقي لأنه هدّد بفضحي"
إن أكثر شكل من أشكال العنف الجنسيّ المنتشر، هو التحرّش اللفظي في المجتمع، والذي تحوّل إلى ثقافة عامّة، وحتى في الإعلام لما لمواضيع الشرف والعرض في مجتمعاتنا من قيمة كبيرة، والذي يدعمها القانون.
اقرأ أيضاً:
العرف أقوى من القانون (4)
يحلّل القانون والمجتمع أيضاً الاغتصاب الزوجي، فالمرأة هي ملك لزوجها في المجتمع والقانون، ويُتاح التحكّم بها في كل شيء. ووسط كل هذه القوانين والعادات والتقاليد تمّ استغلال ثقافة المجتمع في الحرب السورية بشكل واسع وممنهج، فبات استغلال النساء في لقمة العيش، بالإضافة للاغتصاب في المعتقلات السورية والتحرّش على الحواجز، يُستخدم كسلاح ممنهج ضد المجتمع وذوي الضحايا، وفي جرائم بشعة جداً تتحمّل النساء عواقبها حتى بعد نجاتها منها؛ لأنها تُعامَل كناقصة شرف. كما تجرّم المرأة التي يتمّ استغلالها فتُتّهم بالعهر، وتُنبَذ اجتماعياً.
ومن ناحية أخرى تُستغل مواضيع الشرف بشكل واسع في الهجوم على النساء التي تحمل آراء تخالف رأي المهاجمين، ونرى هذه الممارسات بشكل واسع على النساء القياديات والسياسيات، فدائماً أسهل طريقة للهجوم عليهنّ، هو اتّهامهنّ بما يسمّى قضايا الشرف.
- الاعتداء على العِرض بحسب المادتين 489 و 508 من قانون العقوبات، حيث ينص المادة 489 على ما يلي (مَن أكرهَ غير زوجه بالعنف أو التهديد على الجماع عُوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقلّ.)
- نصّت المادة 506 على معاقبة من عَرض على قاصر لم يتمّ الخامسة عشرة من عمره، أو على فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة عملاً منافياً للحياء، أو وجّه إلى أحدهم كلاماً مُخِلّ بالحشمة، بالسجن التكديري ثلاثة أيام، أو بغرامة لا تزيد عن خمس وسبعين ليرة أو بالعقوبتين معاً.
- ونصّت المادة 505 من قانون العقوبات السوري العامّ على (معاقبة من لمس أو داعب بصورة منافية للحياء قاصراً لم يتمّ الخامسة عشرة من العمر ذكراً كان أم أنثى أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمسة عشرة عاماً دون رضاهما عُوقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر).
تروي جمانة ( الاسم مستعار) خريجة معهد الفنون من سكان حي المزة في دمشق قصتها مع صاحب مشغل الخياطة الذي كانت تعمل فيها بعد وفاة زوجها بقولها " كانت تسير الأمور على ما يرام إلى أن توفي زوجي، عدت إلى العمل بعد قضاء العدّة، لكن كان شيء قد تغيّر، وبدأ مالك المشغل يطالبني بالبقاء لمدة أطول في الدوام بحجج كثيرة، ويتبادل معي الأحاديث والنكات الغريبة، وأحياناً يتقصّد لمسي بحركات مبتذلة، وقد لاحظت جميع النساء في المشغل حركاته الغريبة، وحذّروني منه، وبعدها علمت أنه يتحرّش بالنساء المطلّقات أو الأرامل بشكل دائم، وقد تركْنَ معظمهنّ العمل لنفس السبب".
وتضيف جمانة " لم أعرف ماذا أفعل، ولا أريد ترك عملي الذي يعيلني مع أولادي، فصرت أسايره دائماً، وحاولت التأقلم مع تصرّفاته، ومع الوقت تطوّرت العلاقة بيننا بشكل كبير، وزاد راتبي وأخذت راحتي في العمل. نعم أنا أكره نفسي لهذا، لكنني بحاجة هذا العمل، خصوصاً وسط هذه الظروف التي نعيشها، وأنا متأكّدة أنني لن أجد عملاً بديلاً الآن، رغم أنني أبحث بشكل يومي وسأترك المشغل حال حصولي على عمل جديد".
- يُنشر هذا البحث بالتعاون بين مجلّة صُوَر وشبكة أنا هي