"غصن زيتون" تحوّل عفرين لمعتقلٍ تُمارس فيه الانتهاكات بحقّ سكّانها
مع إطلاق تركيا لعمليّتها العسكريّة الّتي أطلقت عليها عمليّة غصن الزّيتون في 20 كانون الثاني/ يناير 2018، والّتي استهدفت فيها عفرين، ومحيطها بهدف إجراء عمليّة تغييرٍ ديمغرافيٍ وتوطين الفصائل التّابعة لها في تلك المنطقة، فضلاً عن توطين المدنيّين الّتي هجّرهم الروس بالتعاون مع تركيا من مختلف مناطق سوريا، حسب اتّفاقيات أستانا في كلٍّ من "دمشق وريفها، وحمص وحماة، ومناطق مختلفةٍ من محافظة إدلب"، وعمدت تركيا خلال الفترة المنصرمة إلى العمل على تهجير من تبقوا من سكان عفرين من المكوّن الكرديّ الّذين رفضوا الخروج من بيوتهم وأرضهم إبّان المعركة الّتي أطلقتها تركيا وفصائلها، ما دفعها إلى تحريك أذرعها الّتي نشرتها في تلك المناطق للتضييق على المدنيّين، وإجبارهم على ترك منازلهم مرغمين، وذلك عبر طرقٍ متعدّدةٍ من خطفٍ واعتقالٍ، وطلب فدياتٍ ماليّةٍ، وحرمانهم من أبسط حقوقهم، والاستيلاء على منازلهم وأراضيهم الزّراعيّة.
عمليات اعتقالٍ بالجُملة
مع إحكام تركيا لقبضتها الأمنيّة على منطقة عفرين؛ أطلقت يد فصائل ما يسمى "الجيش الوطنيّ" وشرطتها العسكريّة والمدنيّة، واستخباراتها للقيام بعمليات الخطف والاعتقال بحقّ المدنيّين، والتّهمة دائماً جاهزةٌ وهي الانتماء إلى منظمة "PKK" الّتي تصنّفها تركيا كمنظّمة إرهابيّةً.
تمّ توثيق أكثر من "983" حالة اعتقالٍ تعسّفيٍّ منذ بداية عام 2019 حتّى لحظة إعداد هذا التّقرير توزّعت على مدن" عفرين – شران – الشّيخ حديد – راجو – معبطلي – جنديرس - بلبل" والقرى التّابعة لها، حيث تعمد القوّات المذكورة إلى إحالة جزءٍ من المختطفين لديها إلى جهاز قضاءٍ تابع لها ليُنظر في أمرهم، حيث يعرض القاضي على المختطف دفع فديةٍ ماليّةٍ تتراوح بين 150 دولارٍ أمريكيٍّ حتّى 400 دولارٍ حتّى يتمّ إطلاق سراحه، بينما تعتمد فصائل أخرى طريقة التّفاوض المباشر مع ذوي المختطفين والتّفاوض معهم على مبلغ محدّدٍ يتمّ دفعه؛ إما كدفعةٍ كاملةٍ أو بالتّقسيط، ويتراوح ما بين 1000 إلى 9000 دولارٍ أمريكيٍّ، كما وثّقت منظّمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة تقريراً في 10 كانون الثاني/ يناير وثّقت فيه اعتقال ما لا يقلّ 506 شخصٍ بينهم 30 امرأةً و8 أطفالٍ من قبل القوّات التّركيّة والفصائل التّابعة لها، وذلك خلال النّصف الثّاني من عام 2019 بتهمٍ وأسبابٍ مختلفةٍ.
عمليات الخطف هذه خلقت حالةً من الخوف والرّعب لدى المدنيّين الكرد المتواجدين في المنطقة حيث تواصل معدّ التّقرير مع العديد من الأشخاص الّذين تعرّضوا للاعتقال لدى الفصائل العسكريّة في منطقة عفرين للإدلاء بشهادتهم لكنهم رفضوا، خوفاً من الاعتقال مرّةً أخرى، وتمكّن معدّ التّقرير من التّواصل مع أحد أقرباء المسنّ الكرديّ (شكري مصطفى 60 سنة) طلب عدم نشر اسمه لأسبابٍ أمنيّةٍ/ المنحدر من قرية ميركان التّابعة لناحية معبطلي/ والّذي توفّي في مشفى الأهلي بمدينة إعزاز بعد 20 يوماً من إصابته بمرضٍ عضالٍ، حيث تعرّض شكري لعمليّة خطفٍ من منزله وذلك في 7/6/2019 من قبل فصيل الجبهة الشّاميّة المنضوي ضمن الجيش الوطنيّ، وتمّ اقتياده إلى سجن الشّرطة العسكريّة ضمن مدينة عفرين، تعرّض خلالها لعمليات تعذيبٍ وحشيٍ بالإضافة إلى فرض القضاء العسكريّ التّابع للفصيل المذكور مبلغٍ ماليٍّ قدره 300 ألف ليرة سوريّةٍ مقابل إطلاق سراحه.
ويتابع قريبه بالقول "بعد دفع المبلغ الماليّ تمّ إطلاق سراحه، ونتيجة عمليات التّعذيب والتّرهيب وقلّة الطّعام الّتي مرّت عليه وهن جسده كثيراً، ولحقت به عدّة أمراضٍ أبرزها الجفاف، وقد توفّي في مشفى الأهلي في مدينة إعزاز المجاورة.
قصة شكري ليست إلا واحدةً من عشرات الحالات المماثلة والمتكرّرة الّتي تشهدها مناطق سيطرة تركيا ضمن القرى الكرديّة شماليّ سوريا، وفي حادثةٍ مشابهةٍ في يوم السّبت 1/2/2020 تمّ العثور على جُثّة المواطن (سعيد رشيد مجيد 50 سنة)، وهو من أبناء قرية عتمانو التّابعة لناحية راجو شماليّ عفرين مرميّاً في أحد التّلال المحيطة بقرية حسه التّابعة لناحية معبطلي وعلى جسده آثار تعذيبٍ وحشيٍ و ضعفٍ شديدٍ في صحته، وقد اختطف سابقاً بتاريخ 06/11/2019 بعد استدعاء جميع تُجّار الزّيت في النّاحية من قبل المكتب الاقتصاديّ التّابع لفصيل أحرار الشّرقيّة بقيادة المدعو أبو حاتم وشقيقه أبو عمر طالبين منهم تلبية الشّروط التّالية لممارسة المهنة :
1 _ امتلاك رخصةٍ من المكتب الاقتصاديّ بعد دفع الرّسوم الماليّة المقدّرة بمبلغ 10 آلاف دولارٍ أمريكيٍّ.
2 _ كتابة تصريحٍ خطّيٍّ (تعهد) بدفع الضّريبة على كمية تنكات الزّيت الصّادرة من أراضي النّاحية تعادل قيمتها بنسبة 20% من القيمة الإجماليّة.
3 _ التّعامل في عمليات بيع الزّيت حصراً مع التّاجر تامر كريدي، ووكلائه في مدينة عفرين وناحية جنديرس.
وقبل نهاية الاجتماع قاموا بتهديد كلّ من يخالف تلك التّعليمات ،أو يقوم بتقديم شكوى لدى الجهات الرّسمية (الشّرطة المدنيّة _ العسكريّة _ القضاء _ القوّات التّركيّة).
ونتيجة إبداء التّاجر سعيد استيائه ورفضه لتلك الشّروط، قامت مجموعةٌ من عناصر الفصيل بقيادة المدعو أبو النّور بخطفه بتاريخ 06/11/2019، وبحوزته مبلغٌ ماليٌّ قدره 20 ألف دولارٍ أمريكيٍّ واقتياده لجهةٍ مجهولةٍ دون معرفة مصيره لغاية يوم السّبت بتاريخ 01/02/2020 الّذي وجدت فيه جثّته مقتولاً.
نهب خيرات المنطقة
لم تكتفِ تركيا وفصائلها بعمليات الخطف بل تعدّتها إلى سلب الأراضي الزّراعيّة من أصحابها، ومشاركتهم في قوت يومهم، حيث سيطرت الفصائل العسكريّة على معظم الأراضي الزّراعيّة للمدنيّين الّذين هجّروا قسراً خلال العمليّة العسكريّة، كما عمدت تركيا، وأذرعها إلى مشاركة من بقي من المدنيّين في محاصليهم الزّراعيّة، حيث أصدرت المجالس المحليّة في منطقة عفرين تعميماتٍ عدّةٍ لضبط عمليات جني المحاصيل الزّراعيّة، التّعميم رقم 1 تاريخ 29 أيلول/سبتمبر 2018، والممهور بختم وتوقيع رئيس المجلس المحليّ في ناحية بلبل، والّذي ينظّم عمليّة جني محصول الزّيتون، ويضع ضوابطاً وأطراً للعمليّة لتكفل حقوق المزارعين سواء القائمين على محاصيلهم أو الوكلاء، حيث يترتّب على من يجني محصوله دفع نسبٍ من محصوله لصالح المجالس المحليّة.
اقرأ أيضاً:
موسمُ الزيتون في عفرين قوت المدنيّين عرضة لنهب فصائل المُعارضة
وفي حال تمكّن المزارع في منطقة عفرين من جني محصوله بعد امتثاله لتعاميم المجالس المحليّة وأوامر الفصائل المسلّحة، فإنّ عقبةً أخرى ستقف أمامه وتمنعه من حرية التّصرف بمنتج أرضه، إذ لا يحقّ له بيع زيت الزّيتون إلا داخل عفرين وبأسعارٍ منخفضةٍ.
منعت الفصائل المسيطرة على كلّ ناحيةٍ حصول أيّ عمليات تصديرٍ للزيت خارج عفرين، وتداولت شبكات أخبارٍ محليّةٍ وروّاد مواقع التّواصل الاجتماعيّ وناشطون في 24 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، صدور قرارٍ بمنع بيع زيت الزّيتون خارج عفرين، وتمّ تحديد سعر صفيحة الزّيت (16 ليتراً) 14 ألف ليرةٍ سوريّةٍ (30 دولاراً)، فضلاً عن كون عمليّة بيع الزّيت محصورةً بالتّجّار المحليّين الّذين يتعاملون مع نظرائهم الأتراك”، حيث تتواجد لجنةٍ في كلّ معصرةٍ تضمّ مندوباً تركيّاً، يشرف على جمع ضرائب الزّيت، ليتمّ بعدها نقل أغلبه إلى تركيا، وبيعه هناك عبر المعابر المتواجدة في منطقة " باب السّلامة – ومعبر الرّاعي".
"وبموجب القانون الدّوليّ واتّفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، فإنّ عمليات مصادرة الممتلكات من قبل جماعات مسلّحةٍ، محرمةٌ بموجب القانون الإنسانيّ الدّوليّ، سواءً كانت القوّات الحكوميّة هي من ارتكبها أو جهاتٌ غير حكوميّة".
ولم يقتصر طمع وجشع المجالس المحليّة والفصائل العسكريّة على مقاسمة المواطن بأرزاقه فقط،
بل تعدّت ذلك إلى تدمير الثّروة الحراجيّة عبر قطع الأشجار، وبيع خشبها للمدنيّين لاستخدامه بالتّدفئة، حيث أصدرت تلك المجالس عدداً من التّعميمات الّتي تحدّد عمليات قطع الأشجار، وتحدّد سعر موادّ الحطب في السّوق، وبات القطع العشوائيّ للأشجار المثمرة والغابيّة يشكّل كارثةً حقيقيةً في منطقة عفرين، سواءً كان من النّاحية الاقتصاديّة أو البيئيّة خاصّةً بعد شرعنة غرفة الزّراعة في المجلس المحليّ لمدينة عفرين بتحديدها أسعار الحطب للتجارة. فقد قامت العناصر المسلّحة التّابعة لفصيل "لواء الوقاص" المسيطرين على قرية هيكجة التّابعة لناحية جنديرس يوم الاثنين بتاريخ 17/02/2020 بقطع ما يقارب 300 شجرة زيتونٍ عائدةٍ ملكيتها للمواطنين التّالية أسمائهم : "مصطفى حسن دالو" – " نوري حسن دالو" – " لقمان قازقلي دالو" – " وليد سليمان إبراهيم" – " مصطفى محمد محو"
كما واصلت الفصائل المواليّة لتركيا، ارتكاب انتهاكاتٍ في عفرين، وتركّزت هذه الانتهاكات على الممتلكات العامّة والآثار، وذلك بعمليّة سرقةٍ ممنهجةٍ لآثار منطقة النّبي هوري (سيروس)، الّتي تقع في شمال غرب سوريا، وتبعد نحو 30 كيلومتراً عن مركز مدينة عفرين بالقرب من الحدود السّوريّة-التّركيّة، وتُعرف هذه المنطقة بأسماء (سيروس) و(قورش) و(النّبي هوري) وتعود إلى عدّة حضاراتٍ أقدمها من الفترة الهلنستيّة عام 280 ق.م، وتتعرّض لانتهاكاتٍ ممنهجةٍ على أيدي الفصائل المواليّة لتركيا، بدءاً من القصف التّركيّ العنيف الّذي تعرّضت له منذ اليوم الأول لعمليّة ما يسمّى "غصن الزّيتون" في كانون الثاني 2018، وحتّى سيطرة الفصائل المواليّة لتركيا على المنطقة وبدء عمليّة سلبٍ وتخريبٍ هائلةٍ لها، وطالت أعمال الحفريات موقع نبي هوري الأثريّ الشّهير، والعديد من المواقع الأخرى في ريفي جنديرس وراجو.
تغييرٌ ديمغرافيٌ في قرى عفرين
مع مواصلة الحملات العسكريّة الّتي يقودها النّظام والرّوس على محافظتي إدلب وحلب بهدف إحكام السّيطرة عليها، وفرض واقعٍ ميدانيٍّ جديدٍ في المنطقة حملت معها انعكاساتٍ كبيرةٍ على منطقة غصن الزّيتون، أبرزها توطين العائلات المهجّرة في القرى والبلدات الكرديّة الّتي هُجّر سكّانها، حيث تستولي الفصائل العسكريّة على معظم المنازل السّكنية للمواطنين الكرد، وتقوم هذه الفصائل بتأجير المنازل للنازحين مقابل مبالغ ماليّةٍ تتراوح بين 15 ألف ليرةٍ سوريّةٍ و40 ألف ليرةٍ.
ومنذ أوائل كانون الأول/ديسمبر 2019 ولغاية إعداد هذا التّقرير وصل منطقة غصن الزّيتون ما يقارب 300 ألف مدنيٍّ من ريفي إدلب وحلب، تمّ توطينهم إما بمنازل المواطنين الكرد أو في مخيماتٍ أنشئت حديثاً في ضواحي القرى والبلدات بريف عفرين، وتركّزت تلك المخيمات في مناطق " قرية قورنة- قسطل مقداد - قرية كوليان تحتاني - قرية بربنة _ قرية مفرق شيخ بلو _ قرية كوران _ قرية حاج خليل _ قرية هوبكا في السّهل _ قرية خراب سلوك _ قرية عدامو هناك تجمعان للخيم – معبطلي – جنديرس".
كما أقدم عناصر فصيل لواء "الوقاص" على طرد المواطن الكرديّ "عبدو حمرش" من أهالي قرية أشكان غربي بقوّة السّلاح يوم الثّلاثاء بتاريخ 18/02/2020 من منزل قريبه "محمد رشيد" بهدف توطين عائلةٍ نازحةٍ من محافظة إدلب عوضاً عنه.
وأصدر المجلس المحليّ في مدينة جنديرس في 1/9/2019 قراراً يقضي بفصل 24 معلماً كرديّاً ليتمّ استبدالهم بمدرسين عرب من النّازحين إلى المدينة.
وكانت لجنة التّحقيق في الأمم المتّحدة أصدرت تقريراً في 12/9/2019 مكوّنناً من 21 صفحةً كنتيجةٍ للاجتماعات ومشاهد وصورٍ فوتوغرافيةٍ، وتحليلاتٍ عديدةٍ أكّدت من خلاله أن ما يحدث في منطقة عفرين الخاضعة لسيطرة تركيا من عمليات خطفٍ وتهجيرٍ قسريٍّ وتغييرٍ ديمغرافيٍ يرقى إلى جرائم حربٍ، وجاء فيه "ما تزال عمليات التّعذيب والنّفي وترحيل الشّعب الكوردي من موطنه مستمرّاً على أيدي الجماعات المسلّحة والعصابات، ولا يزال مكان وجود الكثيرين الّذين تمّ اختطافهم عند نقاط التّفتيش أو من منازلهم في اللّيل، مجهولاً".
وأكّد التّقرير أن عناصر الفصائل المسلّحة تطلب من أسر المخطوفين أموالاً باهظةً للإفراج عن بعضهم، كمان أنّه يتمّ اعتقال وتعذيب أيّ شخصٍ ينتقد تلك الجماعات، كما أنّ عمليات النّهب وترحيل المواطنين من وطنهم ومسكنهم مستمرّةٌ.
وخلص التّقرير إلى أنّ الجماعات المسلّحة وأسرهم، لا يعيدون منازل وأراضي المدنيّين العائدين لأرضهم، حيث قالت اللّجنة في تقريرها "لقد اضطّر كثيرٌ من النّاس إلى دفع أموالٍ باهظةٍ للجماعات المسلّحة للعودة إلى منازلهم. والأشخاص الّذين لديهم مزارع زيتونٍ، إما يتمّ الاستيلاء على منازلهم، أو أنّهم يدفعون الضّرائب".