info@suwar-magazine.org

الحرب في سوريا أغلقتْ أبواب السّياسة أمامَ الشّباب وفتحتْ ساحةَ العسكرة لهم

الحرب في سوريا أغلقتْ أبواب السّياسة أمامَ الشّباب وفتحتْ ساحةَ العسكرة لهم
Whatsapp
Facebook Share

 

 

وُصفت الانتفاضات العربيّة الأخيرة، أو ما سمّي بـ (انتفاضات الرّبيع العربيّ) بأنّها شبابيّةٌ، في حين يجد المراقب للمشهد السّياسيّ الآن، في تلك البلدان عزوف أولئك الشّباب عن الانخراط في العمل السّياسيّ المنظّم؛ الذي يؤطّر تطلعاتهم ويتضمّنها في التّغيير المطلوب، ما أدّى إلى فقدان الشّباب لدفّة التّغيير، وابتعادهم عن مِقود التّحكّم بمصيرهم.

 

قبل البدء بالبحث عن أسباب عزوف الشّباب عن العمل السّياسيّ المنظّم في سوريا اليوم، وهي محطّ بحثنا هنا، علينا أن نتذكّر؛ أنّ الشّباب كانوا في صُلب العمل السّياسيّ في القرن الفائت، وشكّلوا بنيته الصُلبة، وقادوا تغيّراتٍ كبيرةٍ حينها. ذلك التّاريخ في العشرينيّات وصولاً إلى ستينيّات القرن الفائت، حيث توفّرت ظروفٌ عديدةٌ ساعدت في انخراط الشّباب في العمل السّياسيّ وقيادته. وكان من أبرز ما دفعهم حينها إلى دخول المعترك السّياسيّ هو ارتباط مستقبلهم بمستقبل بلادهم السّياسيّ، وتحرّرها من التّبعيّة والإقطاع، بالإضافة إلى المدّ الأيديولوجيّ حينها، ومساحة الحرّيّة التي كانت تُسمح لهم بممارسة عملهم السّياسيّ والجهور به. إضافةً إلى الشّعور بارتباط مصير الشّعوب بعضها مع بعض، فظهرت النّظريّات التي تؤسّس لوحدة المصير العربيّ، أو القوميّ السّوريّ، أو الإسلاميّ، أو حتّى الأمميّ، وكانت شدّة التّنافس بينها تلقي بظلالها على الشّباب المتحمّس للمساهمة بدوره فيها، وهي التي صبغت فترةً؛ لا بأس بها من تاريخ البلاد بصبغة أفكارها، ومدى انتشارها، وصولاً إلى استيلاء البعث على السّلطة وطمسه السّاحة السّياسيّة بأفكاره وشعاراته وحده.

 

عاد الشّباب بعد العام 2011 إلى السّاحة السّياسيّة، وانخرطوا في الشّأن العامّ بغزارةٍ مفاجئةٍ، لكن دون انخراطهم في العمل السّياسيّ المنظّم، ذلك العمل الذي ابتعدوا عنه على اعتباره من مخلّفات العهد القديم، والذي رأوا بأن انتفاضتهم تجاوزته هو وأدواته، خاصّةً مع عدم قدرة الأحزاب التّقليديّة على استيعاب الشّباب لديها، وإعطائهم مكانةً تليق بتحركهم الجديد واندفاعهم، وساد ما يسمّى تقديس العفويّة، والتي أدّت إلى طغيان جوٍّ من نبذ العمل المنظّم، واعتبار أيّ دخولٍ فيه تحويراً للانتفاضة، ومصادرةً لنقاوتها المحمودة.

 

اقرأ أيضاً:

 

الخدمة العسكرية..عقبة في طريق عودة اللاجئين من الخارج ومعضلة اجتماعية في الداخل

 

لكنّ ذلك الجوّ لم يطل كثيراً؛ حتّى بدأ العمل المنظّم بفرض ضرورة وجوده، وبدأت التّيّارات والتّكتّلات تظهر على السّاحة أكثر، وتسعى لاستقطاب الفاعلين إليها.

 

مقابل ذلك لم يُلاحظ انجذاب الشّباب كثيراً؛ للانخراط في العمل السّياسيّ المنظّم وتكتّلاته وتجمّعاته، وهنا ما يمكن أن نعزوه لأسبابٍ عديدةٍ سنأتي على ذكرها.

 

في البداية علينا أن نلحظ؛ أنّ ساحة العمل السّياسيّ في سوريا، هي ساحةٌ غير آمنةٍ، وقد تكلّف الفرد حياته، فالنّظام؛ وكما كان يمنع مجرّد الحديث في السّياسة قبل حراك 2011، فإنه لم يغيّر من سياسته بعد، واستمرّ في محاربة الانتظام في العمل السّياسيّ، الأمر الذي أدّى إلى خشية الشّباب من الدّخول في العمل السّياسيّ، والذي بالإضافة لمنعه فقد رأوا أنّ العمل السّياسيّ الهادئ لا يعبِّر عن مطامحهم في التّغيير السّريع المنشود من قبلهم. خاصّةً مع تسخين ساحة الصّراع في سوريا من قبل الإعلام العربيّ، ونشر جوٍّ من الشّعور باقتراب نهاية النّظام، مقابل نشر إعلام النّظام لجوٍّ من الشّعور باقتراب النّصر. الأمر الذي جعل من الشّباب ينجذبون أكثر للعمل العسكريّ، خاصّةً مع شدّة الاستقطاب الحاصل ودخول الفرد في دوامةٍ يصعب الخروج منها، كاضطرار الشّباب في مناطق المعارضة للدخول في القتال؛ طالما هم بتلك المناطق، أو اضطرار الشّباب في مناطق النّظام للانخراط في التّشكيلات العسكريّة الرّديفة، أو الذّهاب للقتال في ليبيا كخيارٍ بديلٍ عن ضرورة التّجنيد في الجيش النّظاميّ أحياناً. وبذلك بات الفرد أمام خياراتٍ عسكريّةٍ في جميع الحالات.

 

بالإضافة إلى ذلك فقد تحوّلت ساحة الصّراع في سوريا من صراعٍ سياسيٍّ في البداية إلى صراعٍ عسكريٍّ أبعد فاعليّة العمل السّياسيّ. الأمر الذي أدّى إلى ظهور العمل السّياسيّ بمظهر العمل غير الفاعل، أو العمل الذي لا تأثير له، خاصّةً مع تحوّل المِلفّ السّوريّ إلى ملفٍّ دوليٍّ تتحكّم فيه الدّول الخارجيّة أكثر ممّا يتحكّم فيه السّوريّين. ليأتي انغماس الشّباب في تأمين أمنهم ولقمة عيشهم، ويزيد من شعورهم بابتعاد العمل السّياسيّ عن واقعهم ووعورة طريقه، وتضاربه مع يوميات حياتهم، مقابل دخول منظّمات العمل المدنيّ التي أعطتهم شعوراً بسهولة العمل في الشّأن العامّ بتجزئتها للقضايا، وابتعادها عن السّياسة واهتمامها بقضايا منفردةٍ دون وصلها بالسّياسة، الأمر الذي أدّى إلى توجّه الكثير من الشّباب نحوها لما تعطيه من شعورٍ بالدّخول في الشّأن العامّ ودون خطرٍ، بالإضافة إلى ما توفّره من جوٍّ يوهم الشّباب بدورهم وبقدراتهم، وفوق ذلك ما تقدّمه من إغراءاتٍ مادّيّةٍ تحقّق للفرد العمل في الشّأن العامّ بأمانٍ، والكسب المادّيّ في الوقت نفسه، والسّفر أحياناً.

 

في المقابل فإنّ الأحزاب التّقليديّة التي لها تاريخٌ في العمل السّياسيّ المنظّم؛ قد حافظت على رتابة عملها، وهيكليّة بنيتها ولم تسعَ لتغيير نفسها كي تستوعب الشّباب بداخلها، بالإضافة إلى اقتراب عملها من العمل المكتبيّ وليس الجماهيريّ، وهو ما جعل الشّباب لا يرون أنفسهم في هكذا عملٍ. في حين استطاعت الأحزاب المتشكّلة حديثاً استقطاب عددٍ من الشّباب لصفوفها، لكن سرعان ما انفضّوا من حولها مثلما اجتمعوا، لضبابيّة أهدافها وبرامجها، وأسباب تشكيلها، وأسلوبها في التّجميع الكميّ، مقابل ملاحظة استمرار حزب الإرادة الشّعبيّة مثلاً، وهو حديث النّشأة، حيث تمّ تأسيسه نهاية عام 2011، وقد يعود ذلك إلى اقتراب خطابه الاقتصاديّ والسّياسيّ من جزءٍ من الشّباب، ولإعطاء دورهم حقّه داخل صفوفه، لكنّه؛ ومع ذلك لم يحقّق الإقبال الكبير، والثّابت رغم استمرار عمله، وقد يعود ذلك إلى ضبابيّة تحالفاته السّياسيّة، ومثله الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ، والذي أعاد ضخّ عددٍ من الشّباب في صفوفه في فترةٍ معيّنةٍ، لكن دون اعتبار ذلك استقطاباً له وزنه، خاصّةً وأنه كان متذبذباً وغير مستقرٍّ.

 

باختصارٍ، إنّ دور العمل السّياسيّ المنظّم اليوم يختلف عن دوره ومنهجيّته في الأمس البعيد في القرن الفائت، وهي منهجيّةٌ لم تغرِ الشّباب باتّباعها، ولم يتمّ ابتكار منهجيّةٍ جديدةٍ تعيد للعمل السّياسيّ دوره وحضوره، وهو ما قد يؤدّي إلى إعادة النّظر من قبل الشّباب بالعمل السّياسيّ والدّخول فيه، وإلى ذلك الحين سيبقى ربّما معنى كلمة سياسةٍ أو عملٍ سياسيٍّ في سوريا، هو أنك إما تعمل مع النّظام أو تعمل ضدّه بثنائيّةٍ حكمت هذه البلاد طيلة العشر سنواتٍ الأخيرة، ولن يأخذ العمل السّياسيّ سياقه الصّحيح طالما هذه الثّنائيّة هي المتحكّمة.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard