info@suwar-magazine.org

الأثرُ العميقُ للمبادراتِ بتداعياتِها الإيجابيّةِ وأهدافِها المخفيّةِ

الأثرُ العميقُ للمبادراتِ بتداعياتِها الإيجابيّةِ وأهدافِها المخفيّةِ
Whatsapp
Facebook Share

 

 

مُنذ بداية الحرب السّوريّة ومع تراجع دور مؤسّسات الدّولة، برزتِ الحلول الّتي تتوجّه إلى معالجة مسائل الحياة اليوميّة والمعيشيّة وترميم آثار الحرب على مستوى الأفراد والجماعات الصّغيرة، بطرقٍ عاجلةٍ وإسعافيّةٍ بعيدةٍ عن التّفكير بالحلول الاستراتيجيّة على مستوى البلاد، ومن ضمن تلك الحلول؛ ظهرت المبادرات الّتي تعمل ضمن سياق من المعالجة الجزئيّة والمؤقّتة.

 

شهدت محافظة السويداء العديدَ من هذه المبادرات الّتي سنأتي على ذكرها ضمن هذا المقال، ومناقشة دورها وآثارها، وآراء النّاس فيها؛ من حيث أهمّيّتها وتقديمها العديد من الخدمات وفي مجالاتٍ متنوعةٍ.

 

في البداية علينا أن نميّز بين المبادراتِ الأهليّة والمبادراتِ المدنيّة، حيث ظهرت المبادرات الأهليّة لتلبية حاجاتٍ معيّنةٍ للمجتمع، وانطلاقاً من الإحساس بالواجب تجاهه، وبأيدي أبناء ذلك المجتمع وإمكانياتهم وإدارتهم، مثل مبادرة "المِنحة الدّراسيّة"، والّتي يتمّ تمويلها من أعضائها، حيث يقوم عملها على تقديم الدّعم المادّيّ للطلاب مُنذ دخولهم الجامعة إلى حين تخرجهم، وكثيرٌ من الطّلاب بعد تخرجهم انضمّوا لهذه المبادرة ليكونوا داعماً لها، بالإضافة إلى الدّعم المقدّم لها من أبناء السويداء المغتربين.

 

ومن المبادرات الأهليّة أيضاَ، مبادرة "أبناء السّنديان"، الّتي انطلقت عام 2017، للقيام بزرع الأشجار تعويضاً عمّا تمّ قطعه بغرض المتاجرة أو التّدفئة، واستطاعت أن تستقطب الكثيرين من أبناء السويداء.

 

يقول الأستاذ حسن وهو مُدرِّس: "عُرفت مجموعة (أبناء السّنديان) على امتداد المحافظة، وشارك فيها الكثيرون ومن كلّ الفئات الاجتماعيّة، علاوةً عن أهمّيّة الهدف الّذي نشأت من أجله، فقد أوجدت حالة من التّضامن، والحماسة تجاه شأنٍ عامٍّ، وثروةٍ هي رأسُمالٍ أساسيٍّ للسكّان والمستقبل، وجاءت في مرحلةٍ بلغ التّوتّر والانقسام فيها اجتماعيّاً حدّه الأقصى، لتخلق حالةً من الانفراج النّسبيّ، واستعادة التّواصل بين النّاس، الّذين فرّقت بينهم مفاعيل الأحداث، والتّصنيفات المتعسّفة حينها، ورسّخت القناعة بجدوى العمل المدنيّ والدّور الذّاتيّ للمجتمع".

 

 

كذلك قام الأهالي بمبادرةٍ ذاتيةٍ من خلال توزيع المعونات والأطعمة والأدوية وتأمين أماكن إقامةٍ للنازحين من المحافظات الأخرى في بداية الحرب السّوريّة، حيث تميّزت تلك المبادرة بمشاركة الغالبية من تلقاء نفسهم، وانطلاقاً من واجبهم ودافعهم الإنسانيّ، وما اعتادوا عليه من إكرام الضّيف، ولم ينتظروا أحداً ليملي عليهم ما يجب القيام به.

 

ومع ازدياد انتشار منظّمات العمل المدنيّ في البلاد، بدأت تظهر المبادرات عبر تلك المنظّمات، والّتي اتّصفت بعملها ضمن نهج المنظّمة نفسها وإبراز اسمها وفق برامج جاهزةٍ أنشأت المنظّمة لأجل القيام بها، بما يتوافق مع المخطّط المرسوم لها من قبل المنظّمة الأكبر التّابعة لها المنظّمة المحلّيّة.

 

فظهرت العديد من المبادرات الّتي تُنادي بتحرّر المرأة، ومناهضة العنف الّذي تتعرّض له، والمطالبة بالمساواة مع الرّجل في الحقوق. ومن تلك المبادرات حملة (16 يوم لمناهضة العنف ضدّ المرأة)، حيث أطلق القائمون عليها ماراثونٍ رياضيٍّ لدعم قضية المرأة، والرّسم على الجدران والقيام بورشاتٍ ودوراتٍ تتعلّق بتحرّر المرأة.

 

تقول دارين وهي موظفةٌ: "هذا النّوع من المبادرات لديه من الإشكاليّات الّتي لا تحلّ إلا بالقانون الّذي سيفرضه بدوره على المجتمع".

 

في حين ترى لمى وهي طالبةٌ جامعيّةٌ أن "مجرّد الإضاءة على قضية المرأة وتنبيه المجتمع إليها قد يخدم قضيتها، ويرسّخها في وعي النّاس وسلوكهم، ممّا قد يغيّر من نظرة المجتمع إليها وتعاملهم معها".

 

ومُنذ بداية موجات النّزوح أيضاً ظهرت العديد من المبادرات الّتي تتعلّق بمجال العمل الإغاثيّ وتقديم المساعدات، يقول أ. حسن: "الأثر العميق لهذه المبادرات لا يمكن أن يُصنّف من الآثار الإيجابيّة بتداعياته على الحالة النّفسيّة، خاصّةً على أبناء الأسر الّتي تشهد العمليّة بشكلٍ متكرّرٍ أثناء توزيع السّلل الإغاثيّة، بحيث لن يجد الطّفل لاحقاً بديلاً يعتز به، وهذا الجانب مخفيٌّ بالنّسبة للقائمين بالمهمّة".

 

وانتشرت في هذه الفترة أيضاً المبادرات القائمة على تقديم الدّعم النّفسيّ والاجتماعيّ للمتضرّرين، في هذا الصّدد تقول الإخصّائيّة النّفسيّة خلود: "بغضّ النّظر عن النّوايا الحسنة التي حرّكت معظم من تبنّوا هذه البرامج، فإنّها وفي كثيرٍ من الأحيان أدّت لنتائج (كارثيةٍ) سواءً على من تُقدّم لهم الخدمة أو الّذين كُلفوا بتقديمها وذلك لأسبابٍ منها، أنه لم يتمّ العمل على إعداد كوادر مؤهّلةٍ فعلاً للقيام بما يتطلّبه الدّعم  النّفسيّ نظريّاً أو على صعيد الخبرة العمليّة، كما تمّ زجّ مجموعاتٍ كبيرةٍ من الشّبّان والشّابّات في دوراتٍ (تدريبيّةٍ) غير مهنيّةٍ بما يكفي، بحجة ضرورة تقديم الدّعم الإسعافيّ. مع العلم أنّ الإسعاف النّفسيّ في الكوارث هو اختصاصٌ من أصعب الاختصاصات النّفسيّة ويحتاج تأهيلاً خاصّاً. أيضاً لم يستطع القائمون على برامج الدّعم النّفسيّ حماية العاملين معهم كمتطوعين من الغرق في الصّدمات النّفسيّة، فأصبح عدد طالبي العلاج النّفسيّ بسبب تعرّضهم للاستماع لصدمات الوافدين كبيراً جداً. وفي العديد من الحالات تمّ استثمار القصص العيادية والمتاجرة بها من قبل عددٍ من (الدّاعمين) كطريقةٍ للكسب المادّيّ أو للفت النّظر".

 

وتُكمل خلود، "مع الأسف لم يتحقّق أيّ تطوّرٍ في مجال الدّعم النّفسيّ مع مرور الوقت، بل على العكس إذ بدأ يتمّ التّعامل معه كموضةٍ أو (برستيج) لا بدّ من تقديمه مع جملةٍ أو سلة مساعداتٍ تُظهر هيئات المجتمع المدنيّ بمظهر المُجتهد، رغم كلّ الدّلائل الّتي تُشير جميعها إلى خطر تبني هذه البرامج الّتي لم تستطع فعل شيءٍ أكثر من زيادة الطّين بلّة".

 

بالمقابل تضيف خلود: "هناك أشخاصٌ بذلوا جهوداً للقيام بعملٍ متقنٍ ومهنيٍّ، فشكّلوا مجموعة من الأخصّائيّين عملت بمهنيّةٍ، وبنوا أُسُساً صحيحةً لعملهم في الدّعم النّفسيّ، ووصلوا إلى نتائج جيّدةٍ على الرّغم من أن تجربتهم لم تستمرّ طويلاً، وتوقّفت بعد فترةٍ".

 

 

وأمام تفاقم الوضع المعيشيّ المتدنّي وغلاء الأسعار، قامت مبادرات مثل توزيع (مُدّ قمحٍ) على الأسر الفقيرة وتوزيع السّلل الغذائيّة، وأيضاً مع بداية العام الدّراسيّ بدأت مبادرات توزيع الحقائب المدرسيّة والقرطاسيّة، وتوزيع الكمامات على طلاب المدارس للحماية من فيروس كورونا.

 

تقول أمية وهي معلّمةٌ: "المبادرات الإنسانيّة جعلتنا نرى أنّ الخير أكثر تأثيراً من الشّرّ في هذا الوضع الّذي نعيشه، لكن هناك الكثير من المبادرات لديها رؤيةٌ ضيّقةٌ وغير مستقبليّةٍ، ويمكن أن تفشل لأنها آنيةٌ، سواءً كانت مساعدات أو فيما يتعلّق بحملات الحماية من فيروس كورونا، لأنّها من غير تنظيمٍ".

 

ويذكر أنّ مبادراتٍ كثيرةٍ استهدفت المدارس من أجل توزيع الكمامات على الأطفال خوفاً من انتشار فيروس كورونا، وتمّ صرف مبالغ طائلةٍ عليها، تقول أمية: "تمّ توزيع 700 كمامةٍ على طلاب مدرستي، ولكن ما فائدة هذه الكمامة إذا كانت مصمّمة للاستخدام لمرّةٍ واحدةٍ، والمبالغ الكثيرة الّتي تدفع عليها، ما دام كلّ ثلاثة طلابٍ جالسين في مقعدٍ واحدٍ، وتلاصقهم دائمٌ مع بعضهم في باحة المدرسة".

 

وتضيف معلّمةٌ أخرى، "أرى أنّ هذه المبادرات ضئيلةٌ جداً أمام الوضع المعيشيّ السّيّء، فتوزيع كمامةٍ أو حقيبةٍ مدرسيّةٍ أو (مُدّ قمحٍ)، لن يجدي نفعاً لحلّ وضع الأسرة المتردّي، هذه المبادرات على جماليتها وإنسانيّتها لكنّها ضئيلةٌ جداً أمام المستوى المعيشيّ الذي تعيشه الأسر، كما أن أيّ عملٍ مدنيٍّ هو فعلٌ إيجابيٌّ لأنه يدلّ على التّفاعل والتّشارك والحسّ بالمسؤوليّة في المجتمع".

 

وظهرت مبادراتٌ حاولت التّعويض عن غياب دور الدّولة بالقيام بحملات تنظيفٍ وتزيين بعض المرافق العامّة، كالحملة الّتي قامت من أجل جمع القمامة وترحيلها، وحملةٍ قام فيها مجموعةٌ من الشّباب بتزيين وزرع حديقة المركز الثّقافيّ في السويداء.

 

تقول منتهى وهي معلّمةٌ: "أنا مع أيّ مبادرةٍ إيجابيّة تقوم فيها النّاس، ولكن أنا ضدّ أن تقوم هذه المبادرة كتعويضٍ عن عمل مؤسّسات الدّولة، فهذه المبادرة يمكن أن تساعدهم لا أن تقوم بعملهم"، وحول مبادرة جمع الكتب وتوزيعها على الطّلاب، تؤكّد منتهى، "إنّ هذا العمل من شأن مديريّة التّربية، فنحن عندما نقوم به سنزيد من البطالة، ومن جهةٍ أخرى سنزيد من اِتكالية مؤسّسات الدّولة، فيجب أن تكون هذه المبادرات مدروسةً وفي مكانها الصّحيح".

 

ختاماً، هناك الكثير من الآراء الّتي تؤيّد وتشجّع عمل مثل هذه المبادرات، فهي برأيهم تقوم بسدِّ الثّغرات والتّقصير القائم في الدّولة، كما أنّها تشجّع على العمل الجماعيّ بين الأفراد، وتحفّز الشّباب على القيام بأفكارٍ جديدةٍ تهمّ المجتمع.

 

في حين يرى آخرون أنّها تشذب الواقع وتسكن الفقر وتستبدل العلاقات الاجتماعيّة بعلاقات السّوق، كما أنّها تبعد النّظر عن غياب مؤسّسات الدّولة بتعويض غيابها بدل وضعها أمام مسؤوليّاتها، وتفرّق القضايا إلى جزئيّاتٍ بعيدةٍ عن السّياسة في حين لا يجمعها ويحقّقها إلا العمل السّياسيّ. لتبقى هذه المبادرات رهن المستقبل بنتائجها واستمرارها.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard