فريق كرة القدم للمبتورين في إدلب … تجاوزٌ للإعاقة بالرياضة
منذ سنوات والحرب السورية تفتك بالسوريين، تسرق منهم بهجتهم وأحلامهم، أحباءهم وبيوتهم، البعض سرقت منه قطعة من جسده، كذراعه أو كساقه، فتحطمت أحلامه، آماله وطموحاته، وتوقفت كل مخططاته، منهم من فقد عمله، وآخرون فقدوا الرغبة في الحياة، الكثير منهم انزووا على أنفسهم وابتعدوا عن المجتمع.
محمد كدرش، شاب في الثلاثينات من عمره، فقد ذراعه إثر إصابته جراء قصف طائرات النظام السوري لمدينة إدلب، سمع من أحد أصدقائه عن فريق المبتورين، وأنهم يريدونه حارساً للمرمى مع الفريق، يوضح محمد لـ مجلّة صُوَر أنه تردد في البداية لأنه لا يهوى لعبة كرة القدم، إلا أنه قرر أن يعطي التجربة فرصة، يقول "أحببتها على الفور، اللعب ضمن فريق، مع أصدقاء يجمعنا شغف كل أسبوع يومين، أدائي أصبح جيداً، وحالتي النفسية تحسنت، أحسست بالانتماء".
فكرة تشكيل فريق المبتورين
محمد شيخ حدادين، في العقد الثالث من عمره، يعمل في مجال العلاج الفيزيائي منذ سنوات، ويحب الرياضة، لاعب كرة قدم، ويقوم بتحكيم المباريات التي تقام في مدينة إدلب، من خلال عمله في العلاج الفيزيائي، وجد محمد أن العديد من الذين يتعالجون في مركزه من المبتورين، حالتهم النفسية سيئة، لكنهم في الوقت نفسه يجمعهم شيء واحد، حبهم لرياضة كرة القدم، الكثير منهم يتابعون الدوريات الأوربية والمباريات العالمية بشغف.
بينما كان محمد يقلّب الفيديوهات على اليوتيوب وجد مباراة فريدة من نوعها، كانت لنهائي كأس العالم لكرة القدم للمبتورين بين إنكلترا وتركيا، لمعت في رأسه الفكرة، فجمع أصدقاءه من المبتورين، وعرض عليهم المباراة كاملة، الجميع كانوا مبهورين بالمباراة، البعض كان مستغرباً من طريقة اللعب، وآخرون لم يكونوا يعلمون بوجود مثل هذه المباريات.
عرض محمد فكرة تشكيل فريق للعب كرة القدم من المبتورين، على أصدقائه، الكل تفاجأ من الطرح، فهم في منطقة غير آمنة، لا يمكن أن ينجح هكذا مشروع في مثل هذه البلاد.
تحدث محمد لـ صُوَر عن ردّات الفعل عندما طرح موضوع تشكيل الفريق على المصابين، فقال: "البعض اتهمني بعدم الواقعية، فكيف بمن يبحث عن لقمة عيشه وهو معاق، أن يلعب كرة القدم في ظروف سيئة جداً، البعض رأى أن الموضوع لا يمكن أن يتم بسبب الوضع الأمني السيء، من قصف للطيران الحربي، ودمار معظم الملاعب في المدينة، وهناك القليل ممن كانوا مبهورين، ومتحمسين للفكرة".
تشكيل الفريق بستة لاعبين
يتابع محمد حديثه عن تشكيل الفريق، والبدايات، فيقول: "بدأ الفريق عام 2016، وكان عدد اللاعبين 6 أشخاص من المبتورين فقط، كان الأمر في البداية صعباً، ليس من السهل أن تقنع أحدهم بعد إصابته وبظروف صعبة أن ينضم لفريق كرة قدم، هذه يعني أنه عليه أن يتدرب يومين أسبوعياً، أن يمارس الرياضة بانتظام، أن يهتم بلياقته وصحته، ومع الإصرار والتحدي أصبح اللاعبون يتدربون، ويتعلمون اللعب مع إعاقتهم، وبدأ أصدقاءهم بمتابعتهم، وحضور تدريباتهم، وخلال أسابيع قليلة أصبح الفريق أكبر، وانضم العديد من المصابين للفريق، وبدأت المباريات والمنافسات جنباً إلى جنب مع التدريبات".
ولم يقتصر اللعب على كرة القدم فقط، بل أصبح الفريق يلعب كرة الطائرة، ألعاب القوى، السباحة، وغيرها الكثير. ومع مرور الأشهر تحسنت نفسية المصابين المبتورين وأصبحت أفضل بكثير عما كانت عليه.
عن تجربته في اللعب أمام الآخرين، أخبرنا اللاعب محمد أنه كان يشعر بالخجل في البداية من اللعب أمام جمهور، يقول محمد: "كان من الصعب أن ألعب أمام الآخرين، أن يأتي الناس ويروني ألعب وأنا مصاب وبهذا العمر، ولكنني عندما رأيت اللاعبين الآخرين، أحدهم في الرابعة والخمسين من عمره، والآخر بالثامنة والأربعين، بهمّة عالية يلعبون، وبنشاط كبير، تحول شعور الخجل إلى تحدي لأطور من نفسي وأصقل مهاراتي، وأصبحت بعد فترة وجيزة، بلياقة جيدة وبصحة جسدية ممتازة، وانعكس هذا على حالتي النفسية مع الجميع، كنت سعيداً جداً، ولست وحدي، أصبحت جزءاً من فريق عظيم، كان بالنسبة لي عائلتي الثانية".
انتشر خبر تأسيس فريق الأمل في المنطقة، وأصبح العديد يتحدث عن هذا الفريق الفريد من نوعه، وأصبح الفريق يستقبل العديد من ذوي الاحتياجات الخاصة من المبتورين، الفريق الذي بدأ بستة لاعبين أصبح اليوم يضم سبعاً وثلاثين لاعباً، يقول محمد شيخ الحدادين، مؤسس الفريق ومدربه: "لم أتوقع أن يصبح الفريق بهذا الحجم، وبهذا الإقبال، منذ شهرين، استقبلنا آخر لاعب انضم لنا، خلال أربع سنوات استطعنا الاستمرار رغم كل الظروف التي مررنا بها، أحد اللاعبين يقطع عشرات الكيلومترات لينضم للتدريب أسبوعياً، لم أكن أتوقع هذه النتيجة".
مشجعي الفريق من النساء والرجال
يحضر العشرات من المشجعين الذين يستمتعون بالمباريات التي يقيمها فريق الأمل، وكونه من أبناء المنطقة، وأهلها، وجد تفاعلاً جماهيرياً كبيراً، سامر بكور، شاب في الرابعة والعشرين من عمره، سمع على الفيس بوك عن مباراة لفريق الأمل، فقرر أن يحضرها، يقول سامر: "لم أكن أتوقع هكذا مبارة شيقة، ذهلت بما رأيت من إصرار وقوة لدى اللاعبين، أصبحت بعدها أحضر كل مباريات الفريق، رغم أنهم فقدوا جزءاً من جسدهم، إلا أن أرواحهم أجمل من أرواح الكثير من المعافين، أعتبر نفسي المشجع الأول للفريق".
يخبرنا محمد مدرب الفريق، بأنه في إحدى المباريات تفاجأ بالحضور، فيقول: "في إحدى المباريات قمت بتوجيه الدعوات على السوشيال ميديا، على غرف الواتساب وعلى مجموعات الفيس بوك، وساعدني العديد من الأصدقاء، وفي وقت المباراة، تفاجأت بالعدد الكبير الذي حضر، كان هناك ما يقارب 500 مشجع، والذي أسعدني حقاً أنه كان هنالك ما يقارب 60 سيدة من المشجعات بين الحضور، هذا الحضور أسعد الفريق كثيراً ورأيتهم يقدمون أفضل ما لديهم في تلك المباراة".
انتشرت أخبار فريق الأمل في مناطق الشمال الغربي بأكمله، مما شجع آخرين على تأسيس فرق مشابهة له، يقول محمد مؤسس الفريق أنهم لعبوا منذ أسبوعين مع فريق من المبتورين في ريف حلب الشمالي، فريق تأسس من جديد ودعا فريق الأمل كي يشاركهم اللعب، يقول محمد: "شعرت بالفخر الكبير على الإنجاز الذي حققناه، ربح فريق الأمل على الفريق المضيف، لكن الفوز الحقيقي هو برؤية هؤلاء الشباب يلعبون رغم إصاباتهم، ورغم كل الظروف التي تمر بها المنطقة".
يحتاج الفريق الكثير من المعدات
يواجه فريق الأمل الكثير من التحديات، رغم الروح العالية التي يمتلكها الفريق، والإصرار الكبير على الحياة بوجود الإعاقة، فالصعوبات المادية هي أكبر تحدٍ يواجه الفريق منذ تأسيسه، حيث يعتمد على تبرعات بسيطة من الأصدقاء والنوادي الرياضية الأخرى، إلا أنه ما زال يعاني نقصاً كبيراً في التمويل، يقول محمد: "نحتاج الكثير من الأشياء، لا يوجد اهتمام كبير من قبل المنظمات أو السلطات بذوي الاحتياجات الخاصة، فبالرغم من محاولتي الوصول للكثير من الجهات كي أؤمن بعض الاحتياجات للفريق وللمبتورين، إلا أنه لا يوجد استجابة، قامت إحدى المنظمات بدعم مركزنا للعلاج الفيزيائي، واستطعت من خلال المركز تأمين العكاكيز وقطع الغيار لها".
وبحسب محمد، فإن ذوي الاحتياجات الخاصة في الشمال الغربي يعانون في الحياة، للحصول على دعم، أو عمل، ولتأمين معيشتهم، في ظل ظروف معيشية صعبة، ويأمل من جميع الجهات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية توجيه اهتمام أكبر لذوي الاحتياجات الخاصة، وتقديم الدعم اللازم لهم.