info@suwar-magazine.org

خطوات لزيادة فعاليّة مشاريع الإسكان الإنسانيّة في الشمال السوري

خطوات لزيادة فعاليّة مشاريع الإسكان الإنسانيّة في الشمال السوري
Whatsapp
Facebook Share

مؤيد الشيخ حسن[1]

 

 

تضرب منذ عدة أيّام عاصفة ثلجيّة دول شرق المتوسّط عموماً وسوريا وتركيا خصوصاً، خلّفت أضراراً كبيرة لم يعرف حجمها حتّى الآن، ومن المتوقع أن تستمر العاصفة في الأيّام القادمة.

 

ويعتبر سكّان المخيمات في شمالي سوريا أكثر المتضررين من جرّاء هذه الأحوال الجويّة الشديدة، الأمر الذي دفع بعض المنظّمات السوريّة والسوريّين حول العالم لإطلاق نداءات الاستغاثة، والبدء بجمع التبرعات العاجلة لتأمين ألبسة شتويّة ووقود للتدفئة وحاجات إنسانيّة مستعجلة أخرى.

 

فيما اتجهت منظّمات أخرى لجمع التبرعات من أجل بناء مساكن ثابتة كبديل عن الخيام التي لا تقي حرّ الصيف ولا برد الشتاء، وهو أمر إيجابي كان يجب البدء به منذ سنوات، فعلى سبيل المثال هناك حملة أطلقت تحت وسم #حتّى_أخر_خيمة، الأمر الذي يوحي أن حملة التبرعات مستمرة حتّى إغلاق آخر خيمة في الشمال السوري، وتمكّنت الحملة من جمع أرقام قياسيّة قاربت مليوني دولار أمريكي حتّى اللحظة بحسب القائمين عليها.

 

تزايدت في السنوات الأخيرة ملاحظات السوريّين على أداء المنظّمات الإنسانيّة، وسط اتهامات بالفساد، ويزداد الأمر سوءاً نتيجة غياب المساءلة القانونيّة والشفافيّة الموجودة في الدول المستقرّة، إضافة لاختلاف آليات وصعوبة التدقيق المالي من قبل الشركات المختصّة.

 

هذه الحملات، تعكس حالة التكافل بين السوريّين وبين المتعاطفين مع قضيتهم السياسيّة والإنسانيّة في الدول العربية وحول العالم. والتي يريد القائمين عليها، استمرار ما بدأوه، ونقل فئات من سكان المخيّمات لمساكن ثابتة مستقرة.

 

حالة التفاعل الإيجابي من السوريّين وغيرهم تُوجب القائمين على الحملة مزيداً من الشفافيّة والتفكير بالحلول المستدامة، ليكونوا قدوة لغيرهم، وليكون عملهم انطلاقة جديدة لإعادة ثقة السوريّين بأهميّة العمل الجماعي.

 

بيوت مسبقة الصنع (كرفانات)

 

ينتشر اليوم في العالم نوع من المساكن المبتكرة مسبقة الصنع على شكل "كرفانات" مصنعة من الأخشاب والصفائح المعدنية والبلاستيكيّة تشبه المنازل السكنيّة التقليديّة أو مسبقة الصنع، وقابلة للنقل على عجلات أو بواسطة شاحنات كبيرة، وتعتبر هذه المساكن الحلّ الأمثل للأزمة الإنسانيّة في شمال سوريا، فهي تؤمّن مسكناً طبيعيّاً للنازحين يعيدهم لدورة الحياة شبه الطبيعية ويبعدهم عن معاناة الخيام المستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات، هذا المسكن المتنقل يمكن نقله في حال تجدّد الهجمات ضدّ المدنيين وتحوّل المناطق المستقرة عسكريّاً اليوم، لمناطق غير مستقرة مستقبلاً، هذه الميزة لا توفرها المباني الثابتة التي تقوم المنظمات بتنفيذها.

 

كما تنتشر حول العالم حلول مبتكرة أخرى كإعادة تصنيع "الكونتيرات" المنسقة التي تستخدم في النقل البحري، وهي واسعة الانتشار ورخيصة السعر.


وفي العشرين سنة السابقة انتشرت البيوت التي تعتمد على مخلفات الطبيعة والنفايات، كالمساكن التي تعتمد على الرمال وعبوات المياه المنسقة، وعمارة أكياس الرمل، وغيرها من التقنيات التي بدأت تظهر في الدول الفقيرة كإفريقيا، وسرعان ما انتشرت لتغزو العالم وصولاً للدول الغنية، نتيجة لكونها حلول إبداعية وصديقة للبيئة ورخيصة الثمن.

 

في سياق مشابه يجب العودة إلى العمارة البيئية التي طالما اشتهرت سوريا بها على مر التاريخ، والتي تعتمد على المواد المحلية كمادة أساسية، فتاريخياً اشتهرت السويداء باستخدام الحجار البركانية السوداء اللون في بناء البيوت، والمنتشرة بكثرة فيها نتيجة وجود براكين خمدت منذ فترات طويلة.


وفي شرق وشمالي سوريا، انتشرت منذ آلاف السنين العمارة الطينية ذات الأسقف المقببة، والتي تعتمد على التربة والأخشاب المحلية كمادة أولية، والتي تتميز بانسجامها مع البيئة المحلية من ناحية الحرارة، حيث تتميز بدفئها شتاء وبرودتها صيفاً نتيجة تصميمها التقليدي المبتكر منذ عهود قديمة.

 

من المهم جداً تعليم السكان المحليين تقنيات البناء ليتمكنوا بأنفسهم من بناء مساكنهم الخاصة، الأمر الذي يوفر مبالغ ضخمة، إضافة لخلق حالة اجتماعية تفاعلية تعود بالنفع على المجتمع أفراداً وجماعات.


هذه الثقافة انتشرت بعد نهاية الحروب الكبرى كالحربين العالميتين الأولى والثانية، نتيجة لقلّة اليد العاملة وارتفاع سعرها، إضافة لذلك تتيح هذه الثقافة مشاركة المرأة كعنصر أساسي في عملية البناء التي تنعكس على مشاركتها العامة في جميع مناحي الحياة.

 

وفي سياق مرتبط يدور منذ عدّة سنوات حديث في الأوساط المهتمة بشأن الوضع الإغاثي السوري، بأنّ الدول المعنيّة بالشأن السوري والتي تقدّم الدعم بشكل أساسي كــ أوروبا وأمريكا تمنع من بناء وحدات سكنيّة ثابتة على نطاق واسع في الشمال السوري، خوفاً من التغيير الديموغرافي وتوطين النازحين، وهو أمر له دلائل واضحة على أرض الواقع في بعض المناطق مثل عفرين  وهنا تبرز أهميّة المباني المتنقّلة كحلّ يمكن مواجهة أيّ قوّة قد تعيق حلّ أزمة المخيّمات بشكل كامل، إذ يمكن مستقبلاً أن تنقل لمناطق السكن الأصليّة عند عودة النازحين، وهو أمر إيجابي جدّاً خصوصاً للحكومة التي ستقود البلاد بعد التوصّل لحلّ ما، فالمباني المتنقّلة ستخفّف عن الحكومة المقبلة عبئاً سياسياً واقتصاديّاً واجتماعيّاً كبيراً لما يزيد عن مليون سوري، عائدين من النزوح لمناطق مدمّرة لا تمتلك من مقوّمات البنية التحتية شيئاً يذكر، خصوصاً أنّ الحكومة المقبلة ستكون عاجزة عن البدء بعجلة إعادة الإعمار سريعاً، نتيجة الفوضى المتوقّع أن تنشر، كما حصل في تجارب سابقة لبلدان خرجت من صراعات مشابهة لما جرى في سوريا.

 

اقرأ أيضاً:

 

اللاجئون السوريون في مخيمات عرسال في ظل العواصف الثلجية

 

وتطبيقاً للمثل الشعبي السوري المحقّ القائل "أعطي الخبّاز خبزه ولو أكل نصفه"، يجب إطلاق مسابقة لتصميم مسكن متنقّل متكامل بأدقّ التفاصيل مع مراعاة الكلفة الماديّة، هذه المسابقة يشترك فيها المهندسون السوريّون والمختصون وما أكثرهم من السوريّين والأجانب، للوصول للحلّ الأمثل لهذا المسكن، أسوة بالمشاريع المشابهة حول العالم، على أن يتمّ تقديم مكافأة رمزيّة للجهة الفائزة كنوع من التشجيع، كما يمكن تصنيع هذه المساكن في الشمال السوري المليء بالأيدي العاملة الماهرة القادرة على إنجاز هكذا نوع من الأبنية، الأمر الذي يخلق فرص عمل جديدة في الشمال السوري، ويساهم بتدوير الاقتصاد فيها.

 

الشفافيّة المطلوبة

 

من ناحية الشفافيّة، غالباً ما تقوم المنظمات السوريّة بتعيين محاسبين قانونيّين في دول الجوار لإجراء الحسابات واستصدار وثائق الشفافيّة التي ينشرونها على معرفاتهم الأساسيّة على شبكة الانترنت، لكن غالبيّة هؤلاء المحاسبين يقومون بالتدقيق على المبالغ الواردة والمبالغ المصروفة فقط، وتبقى بعض النقاط الهامّة الغائبة والتي تفتح باباً للتلاعب والفساد، فعلى سبيل المثال يرسل مدير المشروع في سوريا فاتورة شراء طنّ من الحديد بقيمة ألف دولار لمكتب المحاسبة في أيّ بلد في العالم، الذي يقوم بتدقيقها وإدخالها في الحسابات، علماً أنّ المحاسب لا يعرف القيمة الحقيقيّة لطنّ الحديد في الشمال السوري، فربما يكون بقيمة خمسمائة دولار أو أقل أو أكثر بقليل، وبالتالي يكون قد تمّ التلاعب بالفاتورة، وتسجيل سعر موادها بناء على رغبة المشتري، وهو أمر متعارف عليه منذ عقود في سوريا، ولا سيما في مؤسّسات القطاع العام، وكنوع من زيادة الشفافيّة وسدّ الذرائع فإن وجود جهتي تدقيق أو أكثر من أصحاب الاختصاص الدقيق، يتمتّعون بالاستقلاليّة التامّة، ومجهولي الهوية بالنسبة لبعضهم سيحقّق حالة شفافيّة أكبر، ستعزّز ثقة السوريّين بالمنظّمات التي نشأت كنتيجة لما تعيش به سوريا من ظروف استثنائيّة، هذه الخطوات ليست سهلة، ولكنّها في غاية الأهميّة لأيّ شعب يتطلّع لبناء دولة جديدة، وسيكون تدريباً أوليّاً على مرحلة إعادة الإعمار، فالسياسات العامة والثقة تبنى حجراً فوق حجر، والبدء بها منذ الآن وإن كان متأخراً سيؤدي لنتائج جيدة، أمّا السياسات غير المخطّطة والاستراتيجية، ستؤدي حتماً لنتائج غير ايجابيّة، ستساهم بهدم الاستقرار الأمني والاجتماعي والسياسي مستقبلاً، وصولاً لإمكانيّة عودة الصراع المسلّح!

 

مخاطر مستقبلية

 

ستواجه هذه المشاريع مستقبلاً تحديات حقيقية، ويجب التفكير ملياً بإجابات منطقية تضمن حفظ هذه الملكيات لتبقى ملكاً للشعب السوري ولدولته المستقبلية، وتضمن الحفاظ على خطها الإنساني. فعلى سبيل المثال ونتيجة لتعقيد المشهد السياسي والعسكري وانقسام سوريا بين مناطق نفوذ، من المؤكد سوف تتعرض بعض المنظمات للمساءلة القانونية، وقد تتم رفع دعاوى قضائية منظَّمة ضدها من قبل بعض الأفراد من أصحاب الأراضي التي تبنى عليها تلك المشاريع، كما قد تتعرض للحملات الإعلامية من إحدى سلطات الأمر الواقع، متهمة إياها بالمشاركة في عمليات تغيير ديموغرافي نتيجة المشاركة بتثبيت سكان قادمين من مناطق سورية أخرى في مساكن ثابتة، الأمر الذي يعتبر أحد أشكال الهندسة الديموغرافية، خاصة وأن أغلب تلك المشاريع تتم في مناطق تم تهجير قسم كبير من سكانها من قبل تركيا، وبعض الفصائل المرتبطة بها، وهذا ما يستدعي من المنظمات التنبه لهذه المخاطر والتحضير لمواجهتها.

 

في سياق آخر تشكّل ملكية هذه الأراضي التي يتم البناء عليها، وملكية الأبنية تحدياً آخر، فغالبية هذه الجمعيات التي تعمل على بناء المساكن الثابتة، تقول أنها ملك للجمعية، ويحق التصرف بها مسبقاً، وهنا يجب معرفة تفاصيل أكثر، حول القانون الناظم لهذه الملكية أهو القانون الذي رٌخصت به المنظمة؟، علماً أن غالبية هذه الجمعيات مرخصة في دول الجوار والدول الأوروبية وأمريكا وكندا، وغير خاضعة للقوانين المحلية.


كما تقول منظمات أخرى أنها أملاك وقف، وهنا يبرز تساؤل آخر: ما هي ماهية هذا الوقف، هل هناك في شمالي سوريا مؤسسة أوقاف شرعية مجمع عليها، تشبه مثيلاتها في تركيا وباقي الدول العربية، أم هي سلطات الأمر الواقع المدنية أو العسكرية صاحبة النفوذ في هذه المناطق؟

 

 

 

[1] * مهندس يعمل في مجالات الطاقة والتنمية المستدامة وحلول تغيّر المناخ

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard