info@suwar-magazine.org

"الاختيار" سعاد حسني والريّس السيسي

"الاختيار" سعاد حسني والريّس السيسي
Whatsapp
Facebook Share

 

 

لحظة سمعت الإعلان عن "الاختيار"، اختلط عليّ الأمر، فالاختيار بالنسبة لي، لم يكن سوى نجيب محفوظ بشراكته الفذّة مع يوسف شاهين، وقد أطلقا عزّت العلايلي وسعاد حسني، في دورين لفيلم يحمل اسم "الاختيار" ربما تنتج السينما ما يماثلهما، ومن الصعب أن تنتج ما يتجاوزهما، وباعتراف متأخّر أقول: "هذا الفلم ورّطني ودفع حياتي نحو هاوية سؤال، كلّما سعيت إلى إجابته أعلن السؤال عن عجزي"، ومع الإعلان عن المسلسل أدركت أنّ الأمر قد اختلط عليّ، فالمقصود بالإعلان، مسلسل يحمل هذا الإسم وفي هويته مسلسل يؤرّخ لـ "تولّي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم"، وبما أنّني رجل نزق، لم أتابع أيّ من المسلسلات طيلة عمري بفعل "النزق"، وهو ميّزة أتمسك بها، ولعنة لا تحلّ عني، ولابدّ ويضاف إلى اللعنة والميزة، أنّني لا أطيق رجلاً لا تعشقه النساء، ولا يستحضرنه في مناماتهن ويقظتهن، ولهذا طالما أحببت بيل كلينتون، وكرهت جورج بوش، ولا أظنّ أنّ امرأة تتوحّم على شخص السيسي لتنجب سيسي جديد، يملأ الدنيا ويشغل الناس، ويوزّع قبلاته كما حال العندليب الأسمر، وقد رصد له جيلنا 56 قبلة التقطتها ناديا لطفي في فيلمه "أبي فوق الشجرة" كي أتفرج عليه. والسيسي لابدّ وأنّه مضاد للقبلات، أقلّه بفعل الزبيبة المطبوعة على جبينه، علامة لسجود وركوع حتى تخاله ينافس جماعة الإخوان في الإعلان عن الضغوط السيكولوجيّة الحافلة بالأهوال التي يمارسها الله على خلقه.

 

بلا كثير من الفطنة، كان الاستخلاص الأقرب بعد مشاهدة حلقة واحدة من المسلسل، أنّه مسلسل من إنتاج القوّات المسلحة، قام على كتابته فوج من مغاوير المحروسة، بدءاً من الصول حفناوي، وصولاً إلى ألوية لم تتغبّر أحذيتهم بغبار المعركة، وليس السيسي وحده من افتتن بنفسه، فقد استورد القذّافي كُتّاباً وصنّاع سينما، ليؤرخونه، وسبقه صدّام حسين يوم استحضر توفيق صالح ليكتب سيرته سينمائيّاً بفيلم الأيام الطويلة، الذي أدّى فيما أدّى إلى عزلة سينمائيّة قاتلة أصابت توفيق صالح، وقد قرّر بعده الخروج من البلاتوهات والاستديوهات نهائيّاً وارتضى الصمت تعبيراً وبوحاً وانكفاءً مثقلاً بألف سؤال وسؤال بمجموعها جعلته ينظر إلى الجدار بعين هادئة وصمت عظيم انتهى به إلى الموت ندماً، أقلّه وهو يصغي إلى ملاحظات صدّام حسين على النسخة النهائيّة للفلم محتجّاً، وكان موضوع احتجاجه أنّ الفلم جعل صدام يتألّم لحظة انتزاع رصاصة من قدمه، والأبطال لا يتألّمون، وكان على توفيق صالح أن ينتزع الرصاصة بلا ألم، ولا حتى باستخدام المخدر، فالرئيس لا يتألم ولا يتخدّر فالأمّة تتطلب صحوته.

 

ولع الكاميرا أصاب جوزيف ستالين، وقد تكون السينما واحدة من أبرز محطّات سيرته، فقد كان مراقباً أعلى يقترح عناوين الأفلام وأفكارها وقصصها ويضع السيناريوهات وكلمات الأغاني ويحاضر بالمخرجين ويدرّب الممثلين ويأمر بإعادة التصوير وأخيراً يمرر الأفلام من أجل عرضها، حتّى جاء في سيرته أنّه "قام بتمويل ثلاثة من كوميديات الجاز بضمنها فيلمه المفضل "فولغا، فولغا"، وأضيف إلى سيرته أنّه كتب بخطّ يده الأشعار المقفّاة لبعض الأغاني، وأكثر من ذلك أنّه زجر أزنشتاين على فيلمه "إيفان الرهيب" معتبراً أنّه هستيريا، وحين عرض عليه بولشاكوف فيلماً فيه راقصة عارية صرخ ستالين بوجه بولشاكوف قائلاً: "ماهذا يا بولشاكوف؟ ثم خرج غاضباً، ويوم صنع الفيلم الذي يحمل اسمه "ستالين"، أصرّ على أن ينتهي فيلمه، وهو يتجوّل في برلين التي حرّرها من النازية برفقة جنوده، مع أنّه لم يدخل برلين يوماً.

 

إنّه الولع بـ "الكاميرا"، حتّى أنّ أحد الصحفيين أجرى محادثة مع بنت في تظاهرة، وحين جاء ليلتقط لها صورة صرخت بوجهه: "عيب.. ما معي مصاري أعمل فيلر" وأشارت إلى شفتها العليا الضامرة.

 

لن يحدث هذا مع صدّام ولا السيسي ولا جوزيف ستالين، فـ "الفيلر" متوفّر، وشفاههم ليست ضامرة، والرعايا باقون، في الثلّاجة أو في الزنزانة أو في المقبرة.

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard