قراءة في رواية (لسع الثلج)
عبر كمائنه الإحدى عشرة يجمع طه خليل روايته "لسع الثلج"، أحداثاً مستمدة من الواقع ناهيك عن الصور التي اعتمد فيها الروائي على مخيّلته الخصبة، عبر الغوص في المشاهد والوقائع يعرفها القارئ تماماً ويعيش تفاصيلها بشكل يومي، إنّما الغريب بوح الكاتب على لسان شخصياته، ما يدفع بالقارئ للاندماج في أحداث الرواية إلى حدّ التماهي مع أحداثها.
تفاصيل الحبكة الروائية المشوّقة، حيث اتخذ الكاتب من زوايا تاريخيّة لسرد سياقات الأحداث والعودة إلى الوراء لكشف تشابك العلاقات التي جمعت الشيوعي بالأيّوبي والأوروبي والكردي.
في كمين الوصول يسرد الكاتب بشكل أو بآخر مصير كلّ شخصية من شخصياته، "هيلا" التي تقتنع بفكر و"ليلى" الآشوريّة و"هيلين" و"نورا" و"إسماعيل" الذي أجّر بيته لياروا وهو يدرس في جامعة دمشق و"فاليتسيا" التي حضنت بطل الرواية يارو بجناحها.
ندرك من خلال شخصيات الرواية بأنّ مساحة الجنس الأدبي الذي اختاره الكاتب الكردي طه خليل والتي تدور أحداثها في أواخر القرن الماضي هي الأحداث التاريخية والسياسية التي لطالما كانت جلّ اهتمامه، حيث يعتمد الروائي هنا على سرد التاريخ بتقنية حديثة وكنايات وصور مأساوية بحتة لأسباب تتعلّق بفقدان الأمل من الوضع الحالي، وذكر قضية التغيير التي دائماً تكون سيّد السرد فتترسّم من خلالها خرائط في مخيلة القارئ: "أيّها الرفاق إنّكم الآن في حرب أخرى، حرب لا قنابل ولا طلقات فيها، هي حرب الطبيعة بل هي حرب الله، وفي هذه الحرب ليست هناك إمكانية للفرار أو الهروب، عليكم أن تواجهوها بعزيمة وحركة دائمة، حذار أن تتباطؤوا، سيبرد دمكم وإن بردت الدماء فالموت محقّق."(ص، 138)
أمّا السبب الآخر فهو وضوح الموضوع الذي يريد الكاتب سرده بطريقته سواء على لسان الشخوصه أم تكوين شخوص خياليّة كالشبح وصلاح الدين...:
"ألم تحب يا يارو؟"
فأجابها: "لقد تورّطنا بالقضايا الكبيرة يا فليتسيا، ونسينا قلوبنا، وقضايانا، كنّا في الجامعة مجرد أفواه وألسنة تردّد ما يطلبه منا الآخرون، وهؤلاء أبعدونا عن قلوبنا كثيراً وعن بلادنا وأوطاننا، فقد قال لنا المعلّمون الشيوعيّون، أنّ الشيخ الأكبر كارل ماركس أو أحد تلامذته قال: إنّ انتصار قضية عادلة في العالم هو انتصار لقضيتنا، لذلك تركنا قضيّتنا، ورحنا نبحث عن أيّة قضيّة عادلة في العالم لندعمها."(ص، 98)
ومن هذا المنطلق يثبّت الكاتب للقرّاء بأنّ محاولة الجميع ومن ضمنها الروائي هي لهدف معين ألا وهو التحرير والحصول على الحقوق المشروعة.
رَبَط الكاتب بين الحاضر والماضي في زمن الرواية إلّا أنّ هنالك مفارقة كلا الزمنين مكتوبين حسب تفكير اليوم ورأيه، أي الروائي: "لن تغيّروا العالم يا يارو! العالم سيغيّرونه أناس آخرون، يجلسون وراء مكتبات ضخمة في البنتاغون، أو وراء جبال قندهار. من أنت من المعادلات الدوليّة؟ لستم إلّا أوراق ضغط كلٌّ يستخدمه لوقت الحاجة."(ص، 151)
المفارقة الأخرى في كمين الرحيل لماذا صلاح الدين الأيوبي وبفرسه لا يعبر النهران في يوم واحد دجلة أولاً والفرات ثانياً، ثم لماذا الكُرد في جنوبي كردستان بتروا رجله وبقي برجل واحدة ودون تفسير...
أخيراً ليس بوسعي سوى أن أقول إنّها رواية جميلة والأروع كانت نوم فيليتسا السويسرية وعطش الكاتب القروي يارو... لا شيء غير أنّها شرحت لنا مواقع وودياناً، وقد تكون هذه نقطة تحسب ليس للكاتب وإنّما لجغرافية الحرب.
رواية لسع الثلج جديرة بالقراءة أكثر من مرّة. إنّها كأغنية طويلة بحاجة إلى الاستماع لها لنحفظ كلماتها وندندن معها حتى نغفو عليها، أبدع الكاتب طه خليل في السرد وجمالية الكلمات كأنّها قصيدة كُتبت بإتقان وحب وقوافي مترتّلة.