سلطة النص ونص السلطة
كلُّ سعي الإنسان في الحياة ورائه هدفان لا ثالث لهما، الحقيقة والسعادة، سواء أكان يعي ذلك أم لا، وللأسف بسبب التلوث الذي أصاب عقله ومن ثم قلبه تاه عن طريقهما، فاختلطت عليه الوسائل بالأهداف، الأساسيات بالنوافل، فغدا يبحث عنهما في غير مكانها وهذا الخلط أطلق عليه حكماء الصين: التباس القمر بالإصبع الذي يشير إليه. ولكن لماذا؟ وما علاقة الكتَّاب والمفكرين بموضوعنا هذا؟
إنَّ الكاتب من خلال نصه ينسج مع القارئ علاقة، فالنص صلة الكاتب بقرائه، فما هو المهم بالنص شكله أم فحواه؟
يرى البعض وهم قلة قليلة أن ما يقوله الكاتب للقارئ من خلال النص ليس مهما بل ما لا يقوله، أي ما يريد إخفاءه، وما يضمره، أي ما بين السطور، فكيف لك عزيزي القارئ أن تدرك ما يضمره الكاتب من وراء نصه وليس ما يعلنه؟ وكيف لك أن تدرك أن ما تقرأه مفيد لك أم ضار؟
إن أحد أهم أسباب لجوء البشر للقراءة هو البحث عن الحقيقة، وهنالك أسباب أخرى لسنا بصدد التطرق لها هنا، فالحقيقة تقود إلى التحرر كما قال ذات مرة المخلص، إن كنت تذكر، ولكن أين هي هذه الحقيقة التي نبحث عنها من خلال القراءة؟ هل هي عند الكاتب الذي نقرأ نصه أم في أعماقنا وقلوبنا؟ وهل دور الكاتب أن يقدمها لنا جاهزة ومقشرة أم أن يعلمنا كيف نبحث عنها وأين؟
وما علاقة ذلك بقول ابن عربي: وتعتقد أنك جرم صغير وقد انطوى فيك العالم الأكبر.
اقرأ أيضاً:
وبالعودة إلى العلاقة وأشكالها يمكننا القول إن تحليل وتبيان شكل العلاقة التي يقيمها الكاتب مع القارئ من خلال النص هو فقط ما يستحق الانتباه والحذر، أي شكل النص وليس فحواه، هل هو نص مغلق أم مفتوح، هل يقدم النص أجوبة وآراء جاهزة أم أسئلة واستفسارات وإشارات؟ هل يسعى الكاتب من خلال النص إلى إنشاء علاقة أبوية وفوقية، أي استلابية واستبدادية، مع القارئ أم علاقة ندية وحوارية؟
وعلى كل حال كان قد تطرق مصطفى حجازي لهذا الموضوع وهذه الإشكالية، أي علاقة الكاتب بالقارئ، في عالمنا العربي وشبهها بعملية الرضاع، حيث يسعى الكاتب، من خلال نصه الكامل، لزق القارئ بآرائه وتحليلاته واستنتاجاته الجاهزة فينعم من بعدها، كلا الطرفان، بنوم عميق.