إعلان ويندهوك..وحرية الصحافة إلى أين؟
يُعتبر الثالث من أيار /مايو اليوم العالمي لحرية الصحافة ويحتفل به الصحفيون والصحفيات والعالم أجمع في كل عام، وهو اليوم الذي حدّدته منظمة اليونسكو إحياءً لذكرى اعتماد إعلان "ويندهوك" التاريخي عبر اجتماع للصحفيين والصحفيات الأفارقة في ناميبيا في أيار/ مايو عام 1991م لتذكير الحكومات بوجوب احترامها للصحافة وحريتها.
ويمثّل الاحتفاء بهذا اليوم احتفاءً بتقييم واقع حرية الصحافة في العالم أجمع، و الدفاع عن الصحافة أو الإعلام الذي يواجه الانتهاكات ضد حريتها، بالإضافة إلى التذكير بالصحفيين والصحفيات الذين/اللواتي فقدوا/فقدن حياتهم/ن أثناء قيامهم/ن بعملهم/ن الصحفي.
هل القوانين الدولية ضامنة لحرية الصحافة؟
في إطار القوانين الدولية الصادرة لحماية الصحفيين والقدرة على تمكينهم للدفاع عن حقوقهم ضدّ الانتهاكات التي تُمارَس بحقّهم لأكثر من 70 عاماً لا تزال وتيرة الانتهاكات في تزايد مستمر بحقّ الحريّات الصحفية في عموم البلدان والتي قلّصت من دورها الحيوي الفاعل المنوط بها من خلال تقديم الواقع كما هو والمدعوم بالأفكار والمعلومات الحقيقية.
يوضّح الصحفي شيروان ابراهيم في هذا الإطار قائلاً: إنّ "القوانين الدولية ضامنة لحرية الصحافة فقط ضمن الدول التي تحترم المعاهدات الدولية بشكل حقيقي، وتلك الدول أساساً لديها تشريعات داخلية تضمن حرية التعبير عن الرأي ولا تحتاج لمواثيق دولية كي ترشدها إلى الطريق الصحيح في تطبيق الديمقراطية كحال الدول الأوروبية، أمّا بالنسبة للدول الأخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا فهي تخترق العديد من المواثيق ومنها ما يتعلّق بحرية الصحافة، إذ كيف لدولة فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من قتل ودمار وتخصيب للأسلحة المحرّمة دولياً وغيرها أن تلتزم بقوانين حرية الصحافة!! لأنّ هذه الحرية جزء من الكلّ التي لا تلتزم بها تلك الدول".
ويعتبر شيروان أنّ القوانين الدولية الموجودة فيما يخصّ حرية العمل الصحفي متكاملة و بالمستوى المتميّز من حيث النص، لكن من حيث التطبيق فهي تختلف من دولة إلى أخرى، وتطبيقها يكون بالشكل المطلوب في الدول التي تحترم قوانينها ومؤسساتها، وإنما في دول أخرى تكون أسيرة للجهات الحاكمة ولنوع علاقاتها مع الدول العظمى.
ويوضح شيروان حول موضوع فرض العقوبات من أجل حرية الصحافة قائلاً: "فرض العقوبات الصحفية من الملفات التي تعتمد على المصالح والعلاقات السياسية بالدرجة الأولى، فمثلاً تنتقد الولايات المتحدة قمع الحريات في تركيا لكنّها بذات الوقت تعقد معها صفقات بيع طائرات F16 كما حصل مؤخراً، أو أنّها تدعم قوات سوريا الديمقراطية بالسلاح والقوة لكن بذات الوقت لا تحرك ساكناً أمام بعض الإجراءات في مناطق سيطرة هذه القوات والتي تعيق عمل العديد من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، وفي العراق أيضاً يتعرّض الصحفيون لانتهاكات من نوع آخر على يد المجاميع المسلّحة، لذا نجد بين كلّ فترة وأخرى اغتيال شخصيات إعلامية أو حتّى مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي"، منوهاً أنّ: "هؤلاء لا يتم تصفيتهم أو اعتقالهم عبر جهات حكومية رسمية وهذا صحيح، ولكن مجموعات مسلحة مدعومة من إيران تهيمن على زمام الأمور من وراء الكواليس وبإمكانها قمع الأفواه التي لا تعمل لصالح أجنداتها، وحتّى السلطات العراقية نفسها تحسب ألف حساب لتلك التنظيمات التي كانت حتى الأمس القريب تتلقى الدعم العسكري من قوات التحالف الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش".
ويلفت شيروان الانتباه إلى أنّه: "لا شكّ أن جميع حريات التعبير عن الرأي ومن ضمنها حرية الصحافة تعتبر ركيزة أساسية لأيّ دولة مدنية ديمقراطية، فبدون حرية العمل الصحفي والمؤسسات المدنية في بقعة ما، يعني أن الكيان الحاكم فيها عبارة عن سلطة عسكرية بحتة بيد مجموعة تؤمن باللون الواحد فقط، وأن وجود مؤسّسات حكومية وإدارية لها هي عبارة عن واجهات مدنية شكلية لسلطة عسكرية وأمنية موازية خلف الكواليس، وحرية الرأي هنا نقصد الرأي الذي يساهم في تطوير وبناء المجتمع وليست تلك الحرية التي من شأنها أن تضر المجتمع أمنياً أو أخلاقياً أو مدنياً، فالنصوص والمواثيق الدولية حدّدت ما هي حرية الرأي وما هو الاعتداء على أمور أخرى بحجة الحرية".
المشهد الإعلامي العام في سوريا
بلد يعيش حالة من الصراعات و النزاعات منذ ما يزيد عقداً من الزمن وإلى الآن وحرية الصحافة على شفا الجرف والانهيار جملةً وتفصيلاً، بالإضافة إلى صعوبة التحرّك في الكثير من الجغرافيات السورية وذلك بسبب تواجد العديد من القوى المسيطرة (كلّ منها تابعة لأجندات معينة) على أرض الواقع مما يحفّز ويؤطر تواجد العديد من الوسائل الإعلامية المعارضة والمستقلة خارج البلاد وبالتالي القضاء على مبدأ التعددية، وفقاً لشهادات استقيناها (طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم).
ومن جهته أوضح محمد الصطوف مدير قسم الرصد في مركز الحريات برابطة الصحفيين السوريين: "في مثل هذا اليوم يحتفل العالم أجمع بحرية الصحافة ولكنّنا في سوريا لا نزال نعاني من غياب الحرية الصحفية ونفتقد إلى معناها الحقيقي ولا تزال حرية الصحافة شبه معدومة سواءً قبل انطلاق الثورة السورية عام 2011م أو بعدها، ومن المعروف لدى الجميع كيف كانت الحكومة السورية تتعامل مع الصحافة حيث كانت تسير على خطى المنهجية المرسومة لها مسبقاً والتي كانت تحظى بنفوذ كبير جداً وقتذاك، ولكن بعد عام2011م شهدنا تحسناً ملحوظاً بغض النظر عن حالة الحرب والنزاع في سوريا من خلال ولادة عدد كبير جداً من وسائل الإعلام والتنوع في المحتوى الصحفي والحرية الصحفية وتحديداً في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام".
وبحسب المؤشرات العالمية للحريات الصحفية وبشكل خاص حسب منظمة مراسلون بلا حدود فإن حرية الصحافة في سوريا لا تزال تقبع في مؤخرة الدول المنتهكة للحريات الصحفية، ولا يزال يفقد الكثير من الصحفيين حياتهم أثناء ممارستهم لعملهم الصحفي، فمنذ عام 2011م وحسب مركز الحريات برابطة الصحفيين السوريين فقد (668) إعلامي وصحفي حياتهم على كامل الجغرافيات السورية في سبيل إيصال رسالتهم الصحفية، وقُتِل معظمهم على يد النظام السوري أما الباقي فقد قُتل على يد أطراف الصراع المختلفة في سوريا حسب ما أدلى به الصطوف.
ويعتبر الصطوف هذا الرقم كبير جداً: "ويدل هذا على حجم المعاناة والضغوطات التي يتعرض لها الصحفيون بالإضافة إلى انتهاكات أخرى تمارس ضدّ الصحفيين من قبل العديد من الجهات من اعتقال وقتل وسجن و تهديدات بالقتل وإصابات مباشرة، كما أنّ المؤسسات الإعلامية لم تسلم من الانتهاكات فقد تمّ توثيق 130 انتهاك بحقها متمثلة بإغلاق تلك المؤسسات أو مداهمتها ومصادرة المعدات والأجهزة".
ومن جهتها تستنكر مراسلون بلا حدود في كافة التقارير التي تصدرها القيود المفروضة على الحقل الإعلامي في سوريا والتي تضيق الخناق على الصحفيين والصحفيات وبعض المؤسسات الإعلامية وبالتالي عدم القيام بعملهم الصحفي كما يجب واعتبرت أن المعلومات المضللة تمثل تهديداً حقيقياً بحق الحريات الصحفية وأشارت إلى أنّ سوريا تُعتَبر أكثر الدول خطورةً على حرية وسلامة الصحفيات والصحفيين بعد صدور تصنيف المنظمة الحقوقية عام 2023م واحتلت سوريا فيه المرتبة 175 والذي يشمل 180 بلداً.
ماذا نوثّق ..الحرية أم الانتهاك بحق الصحافة في شمال شرق سوريا؟
في ظلّ التحديات التي تواجهها الصحافة في مناطق شمال وشرق سوريا ومع مرور أكثر من عقدٍ على مزاولة الصحفيين والصحفيات للمهنة إلّا أنّه لا يزال المشهد الإعلامي في حالة من التعقيد بين الانتهاك والحرية التي من المفترض أن يتمتع به الوسط الصحفي بغض النظر عن أي انتماء أو توجه أو أيّة أجندات معينة تتبع لها الوسيلة الإعلامية أو الصحفي نفسه.
التضييق على حرية الرأي والتعبير ليس بالمنهجية المهنية في إسكات صوت قادر على إيصال صوت الحقيقة والواقع كما هو وإنّما نهج لتقييد حرية الرأي والتعبير والمنصوص عليها في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م وأيضاً المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وفي جميع الحالات لا بدّ من توثيق كافة الانتهاكات التي تمارس ضدّ الصحفيين والصحفيات وكذلك بحقّ المؤسسات الإعلامية التابعة لأجندات معينة أو مستقلة، ففي المنطقة وردت الكثير من القيود والشروط والمعايير التي تعيق العمل الصحفي والإعلامي على حدٍّ سواء تجعلهما خاضعتين لها.
خلال عام 2023 وثقت شبكة الصحفيين الكرد السوريين وهي كيان ونقابة صحفية مستقلة تدافع عن الصحفيات والصحفيين في حال حدوث أي انتهاك بحقهن/م، عدداً من الانتهاكات المرتكبة بحق الصحفيات والصحفيين والمؤسسات الإعلامية وبينت في تقريرها التراجع الملحوظ في عدد الانتهاكات مقارنةً بالأعوام السابقة واعتبرته خطوةً مهمة جداً في تعزيز مبدأ الحريات الصحفية.
اقرأ أيضاً:
وثّقت الشبكة في تقريرها وقوع 10 انتهاكاتٍ صحفية طوال العام 2023م ما بين حالة اعتقال /واحدة منها خارج المناطق التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية/ معتبرةً أن هذا الأمر إيجابي يمكن البناء عليه مستقبلا لتعزيز مفهوم حرية الصحافة بالاتجاه الصحيح وفقاً للقوانين والمعايير العالمية، وحالة استهداف للطواقم الصحفية وحالتي تهديد بالتصفية والتشهير، وحالة طرد تعسفيّ من العمل، وإغلاق وسيلة إعلامية وحيدة مع اعتقال أربع من كوادرها (إداريين، وصحفيين كما وثقت الشبكة في تقاريرها السنوية الخاصة بتوثيق الانتهاكات خلال السنوات الأربعة الماضية 50 حالة استيلاء على ممتلكات الصحفيات والصحفيين في مناطق عفرين، سري كانييه/رأس العين، گري سپي/ تل أبيض، وتل تمر، من قبل القوات التركية المحتلة لتلك المناطق مع الفصائل السورية التابعة لها.
من جانبها وثّقت منظمة سوريون من أجل الحقيقية والعدالة انتهاكات عدّة طالت الحريات الصحفية والرأي والتعبير في مناطق شمال وشرق سوريا، معتبرةً أن الإدارة الذاتية كانت قد وسعت دائرة القيود من خلال الاحتجاز والاعتقال وسحب العديد من رخص مزاولة المهنة من بعض المؤسسات الإعلامية والصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي في المنطقة، بالإضافة إلى فرض وإجبار الصحفيين للانضمام إلى اتحاد الإعلام الحر كشرط لازم لمزاولة مهنته وفي هذه الحالة يستحيل على الصحفيين آداء واجبهم الصحفي كما يجب.
وفي هذا الصدد، يشاطر الصحفي جانو شاكر ما وثقته منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً: "إنّ هناك تراجع تدريجي في مستوى الحرية الصحفية في مناطق شمال وشرق سوريا منذ العام 2021، لمجموعة من الأسباب تتلخّص بوجود تناقض بين قانون الإعلام وبين لائحته التنفيذية التي تمنح دائرة الإعلام في الإدارة الذاتية سلطات واسعة تسمح بتقييد الحريات والتحكم وتوجيه النشاط الصحفي في المنطقة، بالإضافة إلى أنّه ليس للصحفيين ووسائل الإعلام المستقلّة الحقّ في الحصول على المعلومة، بسبب وجود تمييز واضح في التعامل بينها وبين وسائل الإعلام والصحفيين المحسوبين على الإدارة الذاتية".
يتابع شاكر قائلاً: "إنّ الشروط المفروضة على الصحفي المستقل(الفريلانسر) مقابل السماح له بالعمل، تكاد تكون تعجيزية، كما أنّ شرط الانتساب إلى اتحاد الإعلام الحر، مقابل الحصول على المهمة الصحفية يُعتبَر نوعاً من التضييق الممنهج الممارس من قبل الإدارة".
وأوضح شاكر تراجع نسبة الانتهاكات في المنطقة بقوله: "اللافت أن تقارير صحفية أشارت في الفترة الأخيرة إلى تراجع في عدد ونسبة الانتهاكات بحق الصحفيين في مناطق الإدارة الذاتية، وهو مؤشر وإن بدا واقعياً، إلا أنّه في الحقيقة نتيجة طبيعية، لعدم وجود عمل صحفي حقيقي جراء غياب الوظيفة الرقابية للصحافة على السلطات الثلاثة في الإدارة؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية، وعلى بقيّة مؤسساتها، كما أنّ غالبية المؤسسات الإعلامية في المنطقة هي مؤسسات محسوبة على الإدارة أو ممولة منها، في حين تراجعت أعداد المؤسسات المستقلة بشكل كبير مؤخراً، نتيجة قلّة التمويل".
"عندما تكون الصحافة مستقلة مراعية في مضمارها ضمان حرية الرأي والتعبير ستعزز مسارها المهني بفعالية أكبر ضمن الحدود والضوابط والمعايير المهنية، وبذلك لن تنتهك دورها الرقابي المستقل الخالي من أيّة تأثيرات جانبية والتي بإمكانها عرقلة مسار العملية الإعلامية في المنطقة" هذا ما زودتنا به إحدى الصحفيات(فضلت عدم الكشف عن اسمها).
مردفةً أنّه: "بعد صدور قانون الإعلام في مناطق الإدارة الذاتية بات العمل الإعلامي أكثر تنظيماً سواءً بالصحافة المكتوبة أو المرئية أو المسموعة أو حتى السوشيال ميديا، والمنهجية المهنية لسير الصحافة والإعلام بالاتجاه الصحيح باتت واضحة نوعاً ما رغم وجود الكثير من التحديات والعوائق من قلة التمكين والتأهيل وغياب الدعم المادي واستقلاليته، ويمكننا اعتبارها بالمستوى المقبول لأنها صحافة وليدة بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011م أي ما يزيد عن عقد من الزمن وهذا محطّ تقدير للصحافة في المنطقة".