info@suwar-magazine.org

انتخابات محلية في شمال شرق سوريا رغم الجدليات المتباينة

انتخابات محلية في شمال شرق سوريا رغم الجدليات المتباينة
Whatsapp
Facebook Share

 

الجدلية السياسية معروفة منذ أيام الثورة الفرنسية وإلى الآن والوضع السياسي في سوريا والذي بات يتأفّف منه السوريون والسوريات في أسوأ حالاته ولا سيما بعد عام 2011 ولكن ما يتوجّب على السلطات المحلية التي باتت تحكم كلّ جغرافيا على حداً، ومنها الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، أن تراعي مصلحة الشعب أكثر وتسعى لتحسين الواقع المعيشي باعتباره من أولويات الأنظمة المتقدّمة والناجحة على كافة الصعد، ويبقى بصيص الأمل مهيمناً حتى نبقى بُعَيد ذات المصير كما العديد من البلدان.

 

طبعاً لا يخفى علينا جميعاً ما حققته الإدارة الذاتية من انتصارات على المستوى العسكري إبان القضاء على تنظيم داعش الإرهابي عام 2018 ورسّخت وجودها بالفعل وكانت هذه نقطة مهمة في إقناع الشعب بأنّها سلطة قادرة على حمايته، بالإضافة إلى الشعبية التي اكتسبتها في بداياتها من خلال الخدمات التي قدمتها وهذان المحوران كانا هما الأساسيان لبقائها واستمراريتها. 

 

من الضروري أن تدرك الإدارة الذاتية أنّ ملء الفجوة وترميمها بينها وبين الشعب أمر بغاية الأهمية لذلك يتوجّب عليها تكوين بنية سياسية واقتصادية متينة بما فيها البنية التحتية لبناء مستقبل المنطقة بشكل أفضل وعدم الانجرار وراء المصالح وإباحة الحق أمامها وهضمه وأن تحافظ على سمة التفاني في العمل كما بدأتها في السنوات الأولى من تشكيلها وأن تكون لسان حال الشعب لا ضدّه وترسيخ جهودها في سبيل البناء القويم وإقناع الجماهير بقوة وجودهم من خلال الأخذ برأيهم وإيلائه الأهمية التي تجعلهم في مستوى من الرضا عن إدارتهم للمنطقة ككل بعيداً عن السذاجة.

 

الوقوف على هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها مناطق شمال وشرق سوريا وهي مرحلة الانتخابات التي كانت من  المقررة إجراؤها في 11 الشهر الجاري حزيران/ يونيو في كلّ من الرقة ودير الزور ومنبج والجزيرة والطبقة باستثناء الشهباء وعفرين اللتان يسيطر عليهما الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا، والتي تم تأجيلها إلى أغسطس/آب القادم.

 

 ما مهّدت لهذه الانتخابات أنّها لا تستهدف أية أطراف سياسية داخلية أو خارجية وانما كان الهدف منها تقديم خدمات بما يتناسب مع احتياجات المواطنين وفق الادارة الذاتية وخاصّة بعد الردود الايجابية المتبادلة بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية في ظلّ الأجواء الجيوسياسية العامة في المنطقة حيث الحملة العسكرية التي تسعى لها الدولة التركية ضدّ حزب العمال الكردستاني في مناطق شمال شرق سوريا بهدف استئصاله عسكرياً وسياسياً، بالإضافة إلى أحداث غزة الأخيرة والتي لا تزال مستمرة حتى الآن مع تزايد التوتر بين أمريكا وإسرائيل، في حين اعتبرها البعض أنها تمهيدٌ لتشكيل نظام لامركزي في البلاد.

 

 

اقرأ أيضاً:

 

         بغياب الحل السياسي السوري... التعافي المبكر ضربٌ من الخيال

 

 

اعلان إجراء هذه الانتخابات أثارت موجة من التصريحات، كان من أبرزها تصريح الخارجية الأميركية وتركيا وكذلك المجلس الوطني الكردي والذي يُعتَبر أحد أبرز الأجسام السياسية الكردية معتبرةً أنّ هذه الانتخابات هي تكريس لهيمنة حزب الاتحاد الديمقراطي وهي محسومة النتائج وتفتقر إلى كافّة المقومات التي تجعلها شرعية خاصّةً أنّها تجري في وسط غير آمن حالياً.

 

 رغم إجراء مباحثات بين أحزاب المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي بوساطة أمريكية عام 2020 والتي أفضت في نهاية المطاف إلى الاتفاق سياسياً متضمنةً رؤية كردية مشتركة، ولكن سرعان ما تلاشى وانتهى، إلّا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تحاول مجدداً إعادة إجراء المفاوضات والحوار الكردي-الكردي. 

 

الموقف الكردي من الانتخابات أكثر ما يثير التساؤل من أيّ موقف آخر والذي من المفترض أن يكون داعماً بل ويثير سخطي كثيراً لأنّه يصبح الداعم بشكل غير مباشر لأيّة جهة معادية للكُرد وخاصّةً في ظلّ الظروف والتحديات الراهنة التي نعيشها حاليّاً لبناء مسار صحيح وسلمي وديمقراطي في المنطقة، وبالأخص بعد ما صعَّدت تركيا هجومها على الاستحقاق الانتخابي من قبل الإدارة الذاتية مؤكّدةً بأنّها لن تسمح لأيّة تهديدات بأن تمسّ وحدة أراضيها على الحدود الجنوبية شمالي سوريا، إلّا أنّه برأيي فإنّ ردود الفعل التركية هذه لن تؤثّر في المضي قُدماً نحو إجراء هذه الانتخابات سوى إضافة طابع التخويف وزعزعة الاستقرار في المنطقة من خلال التدخّل في الشؤون الداخلية للبلاد ومعاداة الكرد كما العادة من الجانب التركي.

 

وبغض النظر عن الموقف من الانتخابات يبدو أنّ العمل باتّ شاقّاً ويتطلّب من الإدارة الذاتية أن تنقذ نفسها أولاً  وأن لا تظنّ أنّ الفراغ المتراكم والمتفاقم من الممكن أن تكون في صالحها بل ويجب عليها أن تعيد النظر في مواقفها مع الشعب وخاصة في الآونة الأخيرة فيما يتعلّق بمسألة تسعيرة القمح والتي أهملت فيها وبشكل مباشر مطالب الشعب بتعديل التسعيرة بما يتناسب، من خلال البيان الذي أصدرته والذي دلّ على التهميش الجامع والجامح لصوت الفرد والمجتمع، وأن تدرك أنّ ما تمارسه حالياً كسلطة لن تعود عليها بالنتائج الإيجابية بل بالخسارات الكبيرة والثقيلة، لذلك يتوجّب عليها أن تقلل من الأخطاء التي بدورها تزيل كافّة الاحتمالات الممكنة للنجاح ونأمل أن تتدارك الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية ذلك وتصل إلى مرحلة أفضل لأنّها قطعت مراحل وأشواط عملية كثيرة ممهدة لسلطة ديمقراطية نوعاً ما.

 

وفي ذات الإطار تؤكّد الولايات المتحدة الأمريكية موقفها الرافض لهذه الانتخابات في الوقت الحالي معزية ذلك لعدم توفر الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات، الأمر الذي أقلق الإدارة الذاتية وهذا دليل واضح من الإدارة الأمريكية تبرئتها الصريحة من إجراء هكذا انتخابات في شمال شرق سوريا رغم دعمها العسكري الكامل لقوات سوريا الديمقراطية (الجناح العسكري للإدارة الذاتية) ضمن إطار التحالف الدولي في محاربته لتنظيم داعش، كما أن موقفها يشير إلى تخليها عن تقديم أيّ دعم للإدارة الذاتية وحمايتها في حال شنّت تركيا هجوماً عليها بل تؤكّد بشكل مبطن أنّها غير معنية بالأمر وهذا ما طمأن الجانب التركي الذي يخلق على الدوام حججاً واهية لا عدَّ لها للاعتداء والهجوم على الكرد.

 

المواقف المتباينة من الأطراف المحيطة بالإدارة الذاتية تفرض عليها إعادة النظر في المنهجية المتّبعة وخاصّة أنّها تملك إمكانيات جيدة لبناء دائرة ومحيط متينين ذات قوة تُبعِد جميع التدخلات وترسم المسار الصحيح للبلاد بمشاركة الأطراف السورية ذات التطلعات نفسها، ولكن هل ستتمكّن الإدارة بالفعل من خلال قيامها بهذا الاستحقاق الانتخابي في شهر آب القادم في حال حدوثه من توسيع دائرة التغيير بشكل جوهري نحو الأفضل وخاصّةً مع دمشق أم فقط لتدوم؟، أعتقد أنّ جميع الاستفسارات التي تدور في أذهاننا مرتبطة بشكل مباشر  بالدور الكردي بالدرجة الأولى وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة الداخلية بينها وبين الأطراف السورية جميعها دون استثناء ومن ثمّ العراق وأيضاً بالأحداث التي تجري في غزة وأوكرانيا على العموم، كما أنّه يتوجّب عليها الاستفادة من الدروس السابقة واعتماد مبدأ التعقّل لحين تُصبح الظروف موائمة لإجراء هذه الانتخابات لنعيد ترتيب جميع الخطوات مع بعضنا بشكل أفضل وأشمل دون أن يورث نتائج عكسية على الإدارة والمجتمع ونكون بذلك قد قدّمنا المبررات الكافية للجهات المعادية للقيام بأيّ عدوان على المنطقة ونحن بغنى عنها.        

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard