بغياب الحل السياسي السوري... التعافي المبكر ضربٌ من الخيال
بات التركيز على التعافي المبكر كأحد أهم الأولويات في مناقشة القضايا المتعلقة بالملف السوري أثناء انعقاد مؤتمر بروكسل بنسخته الثامنة ل"دعم مستقبل سوريا والمنطقة" في 30/4/2024 بدعم من الاتحاد الأوروبي وبحضور الجهات الفاعلة مثل الشركاء التنفيذيين والذين لهم دور في كيفية الاستجابة للأزمة السورية، والمجتمع المدني السوري داخل سوريا، والذي يرتبط بالدرجة الأولى بغياب الحل السياسي وكذلك غياب الدعم الإنساني في المنطقة في ظل الظروف والتحديات الراهنة.
منذ بدء الأزمة السورية وإلى الآن يتوجّب علينا أن نطرح على أنفسنا سؤالاً هل بتنا في مستوى الحل السياسي المعالج و الموائم لحالة التشرذم التي تعيشها سوريا والذي من المفترض أن يكون بوابة لحلّ أزمة المجتمع السوري ككل، أم أنّنا أصبحنا نبحث عن هوامش الحلول المتعلقة بالتعافي المبكر والذي قد يكون بدوره مدمراً رئيسياً للحل السياسي؟
الحلّ السياسي في المنطقة يتمحور حول مدى إدراك كافة أطراف الصراع فيها بأنّه لا حلّ للتخفيف من وطأة الأزمة السورية وخاصّة فيما يتعلق بتأمين الاحتياجات الأساسية للسوريات والسوريين، لذلك فكرة تجاوز الحل السياسي و القفز إلى التعافي المبكر غير واضح المعالم والحرج في المجتمع السوري حتى هذه اللحظة من خلال الاستثمار في كافة القوى الصحية التي تعمل في سوريا، دعم وجهات نظر الشباب حول فرص الوصول إلى التعليم، تعزيز الاستدامة للخدمات والاحتياجات الأساسية ل اللاجئين وكذلك المجتمعات المضيفة في البلدان المجاورة، الحماية الفعّالة وتقديم المساعدات الإنسانية، العدالة والسلام ومعالجة حالات المفقودين والمعتقلين كشرط أساسي للمصالحة المستقبلية، دور الإعلام المستقل في العملية السياسية وبناء السلام، يُعتبر ضرباً من الخيال .
تعميق الحوار مع المجتمع السوري وخاصة المدني يجب أن يتماشى مع سير الوصول للحل السياسي والتفاوضي للنزاع والصراع في المنطقة، وفي ذات الإطار بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم "2254" المتعلق بالتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا ووقف إطلاق النار.
اقرأ أيضاً:
حيال الوضع الراهن في سوريا يترتب علينا تعميق التفكير بالرسائل التي سنُقدِم على تحقيقها وإيصالها لسدّ الفجوة السياسية بما يتناسب مع المشهد السوري بكلّ تجلياته والوقوف بجدية لترميم وبناء سوريا الجديدة ومضاعفة الجهود في تحقيق التعافي المبكر في منظومة الحل السياسي التي باتت متردية منذ أكثر من 13 عاماً بعد اندلاع الثورة السورية بل وأكثر من قبل، والوصول إلى حل سياسي مستدام يشمل سوريا مراعياً كافة الاختلافات وعلى جميع الأصعدة .
مع ملاحظة المستجدات على الساحة محلياً وإقليمياً وعدم الاكتراث لِما تتطلبه مرحلة الحل السياسي في سوريا فإن مسألة التعافي المبكر تتفاقم باعتبار أن البحث في جوهرها وتطبيقه عملياً على أرض الواقع سياسي بالدرجة الأولى ولا يمكن الفصل بينهما إطلاقاً، بالإضافة إلى ضرورة البحث في عملية التعافي المبكر كأحد الأسس الأساسية في حل الأزمة السياسية وتحقيقها مرتبط بعملية التغيير السياسي بحيث يكون بعيداً عن الانقسام الحاصل منذ أعوام وهذه لا تُعتَبَر مسألة تفاوضية بل خطوة رئيسية في تطبيق حوار سوري-سوري لامركزي يعترف بحقوق الجميع وممارستها كما يجب أن يكون بعيداً عن المحسوبيات التي تقيّد حرية طرف على حساب آخر وتعيد استلابه، بمعايير واحدة جامعة ضمن إطار إنساني قانوني على أسس الدمقراطية.
كان الأولى بالطرح الذي أعده المجتمع المدني السوري لمناقشته في مؤتمر بروكسل الثامن المنعقد أواخر الشهر الفائت ضمن متن البحث في القضية السورية أن يُطرح بذكاء و حنكة أدق على مستوى السياق السياسي السوري الذي بات مؤكداً سيره في طريق مجهول ومظلم، وتنظيم تبعات ما آلت إليه إشكالية الموقف السياسي بالبلد، بل كان يجب التركيز بشكل أكبر على الضغط الديبلوماسي على كافة أطراف النزاع في سوريا للوصول إلى تسوية لشدّ العصب السياسي الذي يرضي الجميع ويحقق مآربهم المُفضية إلى بناء السلام الحقيقي، وبناءً عليه ستُعزَّز عملية التعافي المبكر تلقائياً ومحاورة الأطراف الخارجية بهدف إبعاد الدول الخارجية التي تسببت وعلى قدم المساواة بمحنة السّوريّين الرهيبة كما بمحنة العديد من الدول، مع استجلاب الكثير من العطاء المالي من قبل المانحين على مستوى العالم والذي بدورهم سيساهمون جاهدين في بناء عملية السلام والتماسك المجتمعي ومناهضة خطاب الكراهية ضمن إطار خطة التعافي ذاتها.
التمستُ من خلال متابعتي عن بعد لمجريات وأحداث مؤتمر بروكسل وما تمت فيه من مناقشات تخص الشأن السوري أن المؤتمر بطابعه العام كان دون مستوى تطلعات السوريين واحتياجاتهم السياسية بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى أنه لم يكن الطرح بالجديد الذي كنا نأمله وإنّما جرت العادة كما هي العادة سابقاً، دون تغيير في تقديم الدعم السياسي الأوروبي وموقفه حيال الملف السوري بل وافتقار لدور دولي خلال أيام وفعاليات الحوار والذي من شأنه أن يساهم في إحضار وإيجاد حل سياسي مشترك، مع ملاحظة إبقاء الرسائل السياسية ذاتها دون أن تحرك ساكناً وكما أن خطاب المؤتمر بات متراجعاً عن نسخته في السنوات السابقة، الأمر الذي يدعو إلى المزيد من التساؤلات والاستفهامات حول مستقبل سوريا القادم على الرغم من حضور السوريات والسوريين بنسبة كبيرة جداً هذا العام، والحديث عن أزمة سوريا الإنسانية والبحث عن إيجاد الحلول لها وما تقوم به اللجنة الدستورية يعتبر قفزاً غير مقبول نهائياً لأنّه يتجاهل بذلك المطلب الأساسي للسوريات والسوريين.
وكان من الملاحظ خلال الجلسة الخاصة بالإعلام والصحافة ضمن المؤتمر اعتراف أوروبي بتعثر وعرقلة آليات الوصول إلى الحل السياسي واستحقاقه مما يعطل بذلك استمرار المفاوضات والمحادثات مع اللجنة الدستورية، لذلك كان لابد من اتخاذ موقف حازم وخاصة أن العقوبات من الدول الغربية لم تكن كافية للضغط على كافة الأطراف السياسية وتطبيق القرار الدولي "2245" باعتباره الطريقة الأمثل لضمان الاستقرار وتطبيق التسوية السياسية لإنهاء الأزمة السورية وإيقاف معاناة الشعب السوري، لذلك التعويل على مؤتمر بروكسل في تحريك ملف سوريا السياسي انخفض نوعاً ما وخاصة أن الاجتماع الوزاري قد تم تأجيله لأواخر شهر أيار/مايو الحالي.
وبسبب تعدّد الأزمات الحالية في بلدان العالم أجمع فلم يعد الملف السوري من ضمن أولويات الدول الداعمة له وبالتالي عدم وجود أي تغيير جوهري بملف الدعم المالي وانخفاض بالموازنات المالية، وهذا ما أثار قلق الشعب السوري بسبب الظروف السيئة المتفاقمة التي يعيشونها والحاجة الماسّة لتقديم المساعدات لهم بشكل مبكّر ومجدٍ كما أنّه أثار الكثير من التساؤلات حول ما سيقدمه المانحون وهل من إيفاء بالتعهدات المالية أم لا؟، وهذا ما سيتضح لنا أكثر خلال المؤتمر الوزاري للمانحين و الذي سيُعقَد خلال الشهر الحالي.