من الذي سقط وانتهى؟

من الذي سقطَ وانتهى؟ هل من كان على المنصة وامام الجمهور، أمْ أولئك الذين كانوا يقبعون خلف الستارة ويلعبون بالدمى؟ ومن حيث المبدأ من الذي وضع قواعد اللعبة وخطَّ حدودها وآفاقها؟ هل كان بشار الأسد وابيه من قبله أمْ أنَّ هنالك من هو أكبر منهما؟ سيدهم إنْ شئت القول؟
ساد الاعتقاد لدى الكثيرين أنَّ الثورة السورية التي اندلعت بُعيد انطلاق الربيع العربي واستمرت لسنوات طويلة هي ضد النظام السوري فقط، بما هو هياكل ومؤسسات امنية وعسكرية وعائلة حاكمة؟ وأنَّ النظام السوري هو من سيواجه ثورتهم وهو عدوهم الذين عليهم ازاحته واسقاطه؟
فهل كان هذا واقع الحال أمْ أنَّهُ، أي النظام السوري مجرد واجهه للنظام الدولي واحد قلاعه الرئيسية في المنطقة؟
وماذا لو كان حكم آل الأسد، بما حكم هو حكم أقلوي، بشكل من الأشكال امتداداً للاستعمار الفرنسي، وليس قطعا عنه، فالمشروع الفرنسي في المنطقة بدأ منذ قرنين من الزمن وظهر أيضا بشكل واضح من خلال تشكيل جيش الشرق الذي كان قوامه الأقليات والاخص العلوية منها والذي عند خروجه من سوريا اخذ معه العشرات من افراد هذا الجيش مع عائلاتهم الى فرنسا والذين ظلوا مقربين من مراكز القرار في فرنسا، والذين كانوا النواة التي دعمت، من خلف الستار، حكم آل الأسد لعقود طويلة. وهنا يمكننا القول، بعبارة أخرى، أنَّ رفعت الأسد، وحاشيته، لم يكونوا منفيين في باريس، عاصمة النور كما يُقال، بل كانوا في بيتهم ايضاً..
اقرأ أيضاً:
لم تك قوة النظام السوري وقدرته على الصمود لعقود طويلة لأسباب ذاتية فقط، بل خاضعة أيضا لإرادة دولية ولا نستطيع ان ننسى في هذا الإطار الزيارة الشهيرة لمادلين اولبريت الى دمشق عقب تولي الأسد الابن للسلطة ومباركتها هذا الانتقال السلمي على حد تعبيرها وكذلك استقبال ساركوزي لبشار الأسد في قصر الاليزيه من أجل منحة الشريعة تحت ستار مشروع شراكة من اجل المتوسط.
إنَّ وجود حكم آل الأسد، كان له فوائد عدة للغرب منها ضمان عدم قيام دولة قوية في المشرق بعد انهيار الدولة العثمانية وقطع الطريق على قيام أي تحالف او تواصل تركي عربي، وفي الوقت نفسه تأجيج الصراع السني الشيعي في المنطقة ولا ننسى في هذا الإطار الدعم الذي قدمه حافظ الأسد لإيران في حربها مع العراق التي دامت ثمان سنوات.
ولكن ما لذي تبدل وتغير حتى يتم تعديل قواعد اللعبة والاشتباك، وما علاقة ذلك بوصول ترامب الى سدة الرئاسة الأمريكية والحرب الروسية الأوكرانية؟
لقد حاول الفرنسيون جاهدين في السنوات الأولى للثورة السورية الحفاظ على نفوذهم في المنطقة وقد سعوا بكل قوة من أجل انهاء حكم الأسد، وبالطبع ليس من أجل سواد عيون السوريين، بل من أجل استبدال حكم الطائفة العلوية بالطائفة الدرزية، ولا ننسى في هذا السياق الزيارات الشهيرة لبشار الأسد مع زوجته وأولاده الى قرى السويداء في بداية العام 2011 وكذلك زيارة أخيه ماهر، والدعم الذي قدمه الفرنسيون لبعض الناشطين الدروز تحت ستار مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عُقد في باريس على مستوى وزراء الخارجية بتاريخ 6 تموز من العام 2012 وحضرته وزيرة الخارجية الامريكية في حينها وكان الهدف الغير معلن من وراءه إعادة تفعيل مشروع قديم كان طي الكتمان في أروقة الدبلوماسية الامريكية منذ العام 2004. ولأنَّها كانت من أخطر الأوراق التي استخدمها الفرنسيون ضد النظام السوري في حينها، فهو يعي تماما ماذا يدور في مطابخ السياسة الدولية وكيف تدار المشاريع الكبرى في الخفاء، لم يتوانَ عن الرد والانتقام حين حانت الفرصة المناسبة بعد ان تراجعت الإدارة الامريكية في عهد أوباما عن ضربتها العسكرية المزعومة ضد النظام، وبقي حينها الفرنسيون وحدهم في الساحة، فرد النظام السوري لهم الصاع صاعين من خلال العمليات الإرهابية المنسقة والمعقدة التي كان مسرحها عدة مواقع في باريس بتاريخ 13 نوفمبر 2015.
إنَّ تراجع اهتمام الإدارة الامريكية بالمنطقة بالعموم بدأ يظهر بوضوح منذ سنوات ولأسباب عدة منها اكتفاءها بمصادر الطاقة ولذلك، وبسببه أيضا، بدأ يتراجع النفوذ الفرنسي لحساب دول إقليمية كبرى، وصولا الى اندلاع حرب غزة وما نتج عنها من تهديد وفوضى جعلا الإسرائيليين يعيدون حساباتهم وتحالفاتهم غير المعلنة مع بيت الأسد في سوريا، فاتخذوا قرارا لا رجعة عنه بالتخلي ورفع الغطاء عنهم دوليا، فهل الذي سقط وانتهى في سوريا كان حكم عائلة الأسد فقط أمْ نهاية النفوذ الفرنسي الذي كان احتلالاً بالوكالة؟