info@suwar-magazine.org

الاحتجاج السلمي وأشكاله في الثورة السورية 1

الاحتجاج السلمي وأشكاله في الثورة السورية 1
Whatsapp
Facebook Share

 

*نارت عبد الكريم 

 

 

بالنظر إلى تاريخ انطلاقتها وقدرتها على المحافظة على سلميتها طوال شهور عديدة، على الرغم من القمع الوحشي والممنهج من قبل النظام الحاكم في دمشق، لا يمكن اعتبار الثورة السورية امتداداً لثورات الربيع العربي ومن قبلها الثورات الملونة التي ظهرت في أوروبا الشرقية بداية القرن الحالي رداً على الاستبداد والفساد وهي -أي هذه الثورات- جاءتْ في سياقٍ طبيعي كنتيجة ومُحصلة لما سُمِّي بالعولمة وثورة الاتصالات والمعلومات، وليس لأسباب طائفية أو عرقية كما يعتقد الموالون للنظام في الحالة السورية على سبيل المثال، أو لمجرد الوصول الى السلطة. ولأنها كذلك فقد استلهم السوريون من تلك التجارب أساليب الاحتجاج وزادوا عليها، وانتقلَ الإنسان السوري من مرحلة الرضوخ واليأس والاستسلام لقدره إلى مرحلة أخرى، مرحلة من النشاط والفعالية العالية هدفها التغير والحرية والكرامة معتمداً أساليب عدة لتحقيق تلك الأهداف، فكانت البداية مع الحراك السلمي وأشكاله المختلفة والتي اتخذت عناوين متعددة، لكن كلها كان هدفها بالنهاية تحقيق التغير المنشود كما في تونس ومصر على سبيل المثال.

• الأفكار قبل الوقائع


يقول أحمد حذيفة مؤسس منتديات أبو الخير والذي اعتقل بتاريخ 19 /شباط/ 2011 بسبب نشاطاته وكتاباته: «كنتُ أعمل في مدينة دمشق ولديّ مكتب في حي الحلبوني وسط العاصمة، كنَّا نجتمع فيه أنا ومجموعة من الشباب والصبايا، نتناقش ونخطط ونوزع كتب جين شارب التي تدعو للنضال السلمي وتشرح آلياتهِ» وفي الفترة نفسها أسس الدكتور محي الدين قصار، المقيم في أمريكا، موقعاً على الفيسبوك اسمه «مجموعة اللاعنف والنضال السلمي » وتهدف المجموعة إلى نشر أفكار والتعريف بآليات وتطبيقات النضال السلمي وخصوصاً أفكار جين شارب، وترجمة مقالات أجنبية متعلقة بهذا الموضوع؛ ضمت المجموعة لاحقاً آلاف السوريين الراغبين بالتغير. وقبل ذلك كله كانت هنالك أفكار الشيخ جودت سعيد داعية اللاعنف قد انتشرت في أوساط الشباب في مناطق عدة من سورية مثل داريا ودوما وبانياس ومن خلال محاضراته وكتبه التي ألفها، وكذلك نشاطات كوكب اللاعنف لداعية اللاعنف السيدة سحر أبو حرب.

• الفعاليات وأشكالها


وكانت حادثة البوعزيزي التي أشعلت فتيل الثورات في العالم العربي، وبُعيد سقوط حكم بن علي في تونس ظهرتْ أولى أشكال الاحتجاج السلمي في سوريا وكان أولها اعتصام الشموع تحت شعار التضامن مع ثورة مصر وذلك بتاريخ 28 / 1/ 2011 أمام السفارة المصرية في حي كفرسوسة حيث تداعى مجموعة من الناشطين والصحفيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم هذا الاعتصام وما تلاه من اعتصامات أخرى تحت الشعار نفسه ومن ثم كانت الدعوة للاعتصام وحمل اللافتات المنددة باحتكار شركات الخليوي وبالفساد بتاريخ 3/ 2/ 2011 أمام البرلمان. ومن يومها تتالت النشاطات الاحتجاجية واتخذت أشكالا مختلفة ومبتكرة منها:


1- المظاهرات الإلكترونية: وهي مظاهرة يتم الدعوة لها في العالم الافتراضي وتخرج أيضاً في العالم الافتراضي باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصاً الفيسبوك وهو الأكثر شهرة واستخداماً في سوريا. وقد استخدمت وسيلة الاحتجاج هذه لأول مرة في العام 2010 تنديداً باعتقال المدونة طل الملوحي، ولاحقاً في العام 2011 بتاريخ 5/شباط كان هنالك مظاهرة أخرى تدعو لإلغاء حالة الطوارئ وتندد بالفساد.


2- المظاهرات المنزلية: بما أنَّ حشود الجيش والأمن وغيرها كانت تقف بالمرصاد لأي حركة جماعية في الشارع كان لابدَّ من اجتراح طريقة «يخرج » فيها الناس من غير أن يخرجوا من بيوتهم، فكانت المظاهرة المنزلية، حيث يتم الاتفاق على ساعة معينة يقوم خلالها المواطنون بالطَرق على كل ما تقع عليه أيديهم ويصدر أصواتا حادة: أوانٍ من المطبخ، قارورات الغاز... مما يخلق لدى رجل الأمن المتربص في الشارع شعوراً بالرهبة ويبعث لدى أهل الحي شعوراً بوحدتهم وقوتهم.


3- تلوين مياه النافورات والبحرات التزيينية: لتذكير المواطنين العابرين في الشوارع الرئيسية هذه بالدم المسفوح في الشارع كل يوم، تسلل شباب الانتفاضة إلى بعض الساحات المركزية وسكبوا فيها مادة حمراء ملوّنة وما هي إن دقائق حتى أخذت النافورات تضخ لونا أحمر بلون الدم وكأن الأرض تنزف من كثرة ما شربت من دماء.


4- إذاعة أغاني الثورة في الأماكن العامة باستخدام السبيكرات: ظهرت في الأشهر الأخيرة مجموعة من الأغاني التي يضعها شباب الانتفاضة على ألحان أغانٍ معروفة  أو على ألحان يؤلفونها. ويقوم بعض الشباب بوضع أجهزة صوت ومكبرات على سطح بناية في حي تجاري مثلاً، أو في الأماكن العامة والمزدحمة بالمارة ويقومون بتشغيلهاعن بعد.


5- استخدام كرات تنس الطاولة (البينغ بونغ):استُخدمت تلك الطريقة في مدينة دمشق، وبالتحديد في الأحياء الواقعة على كتف جبل قاسيون. حيث قام الشباب بجمع مئات كرات تنس الطاولة البيضاء وكتبوا عليها شعارات ضد النظام وضد الرئيس بشار الأسد. وفي ساعة خروج الطلاب من المدارس، حيث يزدحم الشارع بالمارة والسيارات، فَتحت سيارات شحن صغيرة صناديقها لتتدفق منها الكرات وتبدأ بالتدحرج على الإسفلت. وفي أسفل الشارع، كان الناس والتلاميذ يلتقطون هذه الكرات المعارِضة الهابطة من حيث لا يدرون.


6- مقاطعة شركات الخليوي بالإضراب: يكتسب هذا الإضراب في سورية أهمية خاصة، وذلك لأن شركتي الخليوي مملوكتان لرامي مخلوف وهو ابن خالة الرئيس السوري. يتم الاتفاق بين الشباب عبر الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وغيره على الامتناع عن استخدام الهاتف المحمول لعدد محدد من الساعات يومياً، معتقدين أن إضراباً كهذا سيضعف الأرباح التي تحققها هذه الشركات وسيؤثر بالتالي على التمويل المقدّم لقوات الأمن.


7- المناطيد والبالونات التي تحمل عبارات وشعارات ضد النظام وتُطلق في السماء فينقلها الهواء من مكان إلى آخر إلى أن يسقطها رجال الأمن بالرصاص.


8- توزيع المنشورات الورقية التي تحض على الثورة وتندد بالقتل وعنف النظام وفساده.


9- المظاهرات الطيارة: وهي مظاهرة سريعة يتم تحديدها مكانها وزمانها مُسبقاً وبشكل سري لتجنب الوقوع بين يدي الأمن والشبيحة وغالباً ما تستمر لمدة دقائق قليلة وتنتهي بعدها، ويكتفي الناشطون بتصويرها وبثها على وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.


10- البخ وكتابة الشعارات على الجدران التي تدعو للثورة وتدين النظام: وكانت حادثة أطفال درعا الذين كتبوا شعارات مناهضة للنظام ومن ثم تم اعتقالهم وتعذيبهم الشرارة التي فجرت الاحتجاجات الضخمة في منطقة حوران كلها.


11- استخدام اللافتات للتعبير عن مطالب الثوار وأهدافهم، ومن أشهرها لافتات كفرنبل.


12- الاعتصامات السلمية الكبيرة كاعتصام جامع العمري في درعا واعتصام ساحة الساحة الشهير في مدينة حمص بتاريخ 18 / نيسان/ 2011 والذي جوبه باطلاق النار الكثيف من قبل قوات النظام مما أودى بحياة العشرات من المدنيين.


13-  المظاهرات الكبيرة والعلنية والتي بدأت من درعا وانتقلت لاحقاً إلى دوما وبانياس وحماة ودير الزور وأغلب المدن السورية.

• بلا نهاية


لجأ السوريون إلى اعتماد كل أساليب الاحتجاج السلمي المعروفة عالمياً بل حتى انهم أبدعوا في هذا المجال أساليب جديدة ومبتكرة، على الرغم من العنف الشديد والوحشي الذي جوبه به المحتجون طوال الأشهر الأولى من الثورة وحتى نهاية العام الأول، وحتى بعدما ظهر ما يطلق عليه بالجيش الحر الذي اعتمد أسلوب العمل المسلح لحماية المدنيين وللدفاع عن النفس. لم يتخل السوريون عن أساليبهم السلمية، وما زالوا مصممين على تحقيق أهداف ثورتهم في مواجهة النظام من جهة أولى وفي مواجهة التنظيمات المتطرفة من جهة أخرى فالمظاهرات السلمية التي تخرج تنديداً بسلوكيات تلك التنظيمات المتطرفة والمحسوبة على الثورة وفي أكثر من مدينة وقرية هي خير دليل على ذلك.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard