info@suwar-magazine.org

ياسين الحاج صالح في منتدى المعرفة وحرية التعبير

ياسين الحاج صالح في منتدى المعرفة وحرية التعبير
Whatsapp
Facebook Share

 
متحدثاً عن الثورة و سيادة الدولة وتشكل الهوية الوطنية 

 

*كمال أوسكان 


 
 يثير مبدأ "سيادة الدولة"  أسئلة كبرى في ظل الصراع الذي تشهده سوريا منذ أكثر من سنتين إذ يتنصل النظام من استحقاقاته في حماية الشعب، بل يقف على الطرف المعاكس حين يمارس القمع والمجازر ضده، كما تبرز ظاهرة التنظيمات ذات الأجندات العابرة للحدود السورية والتي تفرض رؤيتها وسلطتها على أجزاء من الكيان السوري وتسعى لاحتكار العنف في المناطق التي تسيطر عليها.


كانت هذه التساؤلات محور النقاش في جلسة منتدى المعرفة وحرية التعبير المنعقدة تحت عنوان (فوضى السيادة .. قراءة في المشهد السوري) وذلك يوم السبت 26/10/2013 بحضور كل من ضيفي المنتدى الكاتب والمفكر ياسين الحاج صالح والصحفية هالة قضماني، وبمشاركة جمهور من السوريين المقيمين في مدينة غازي عنتاب التركية.


تحدث  الحاج صالح عن مفهوم السيادة من حيث كونها  السلطة العليا غير القابلة للتقسيم والتي تحوز على الولاية العامة وتمارس العنف وتحدد هوية الكيانات السياسية،فقد برز هذا المفهوم في القرن السابع عشر في أوروبا خلال فترة ما بعد الإصلاح الديني وظهور الدولة الوطنية، أي في الفترة التي تلت معاهدة وستفال 1648 إرساءً لفكرة عدم التدخل في الشؤون الداخلية بوجود جهة سيدة وسلطة عليا في هذا المجال وانطلاقاً من  مبدأ "الناس على دين ملوكهم".


وانتشر مبدأ السيادة  الوطنية والدولة القومية خلال الحقبة الاستعمارية  في كافة  أنحاء العالم، والذي يعني أن الدولة هي التي تملك السيادة والولاية العامة على السكان في نطاقها الجغرافي وتحتكر الحق بممارسة العنف، وهي من تحدد أو تعرّف بهوية السكان في الحيز الجغرافي الواقع تحت سيادتها؛ وبهذا المفهوم نجد أن أياً من دول المنطقة لم يستكمل عناصر السيادة بالمعنى الذي استقرّ عليه الأمر  في أوروبا، وذلك كون منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق تدويلاً في العالم وبالتالي بقيت هذه الدول منقوصة السيادة.



سيادة الدولة مرتبطة بقدرتها على شن الحرب خارجياً


بيّن الحاج صالح في حديثه أن أهم مظهر من مظاهر نقص السيادة في بلدان الشرق الأوسط تكمن في فقدان  هذه الدول القدرة على شن الحرب خارجياً والتي تعتبر أحد الخصائص الأساسية والسيادية للدولة، وبالنظر إلى واقع الدول العربية نجد أنها بالمجمل فقدت القدرة على ممارسة الحرب منذ  السبعينات من القرن الماضي، وبالتالي فقدت القدرة على ممارسة السيادة في حيزها الجغرافي، وترتب على فقدان هذا العنصر شيء مهم جداً: وهو أن من يمارس العنف في المجال العربي ليس الدول، وإنما منظمات تعبر عن حالة ما دون الدولة (طبعا وضع الفلسطيني خاص) وقد برزت هذه الحالة مع ظهور حركة حماس وحزب الله واليوم في السياق السوري تبرز قوى  تقوم بممارسة الحرب.


إن عجز الدول في مجالنا عن ممارسة هذه الوظيفة السيادية الغائبة أدت إلى ظهور القوى والمنظمات ما دون الدولة ذات الطابع الإسلامي والتي تمارس الحرب والعنف مع تراجع المنظمات العلمانية واليسارية والقومية، ترافق ظهور هذه القوى والعثور على منبع للتبريرات الأيديولوجية (في 30 سنة الماضية كان منبع التسويغات الأيديولوجية للحرب في مجالنا هو الدين الإسلامي سواء بصيغته السنية أو الشيعية).
ومن ثم عرج الحاج صالح على واقع الدولة السورية والتجسيدات السياسية للسيدة فيها منطلقاً من تعريف السيادة على أنها الولاية العامة للدولة وقدرتها على ممارسة الحرب واحتكار العنف، وهي الجهة الوحيدة التي تحدد الهوية الوطنية، حيث يرى الحاج صالح أن سيادة الدولة في سوريا وفق هذه الخصائص كانت منقوصة وتعرضت إلى تحديات في هذه المسائل، ولم تكن الدولة تمارس كافة الوظائف التي يجب أن تمارسها حتى في أوقات الاستقرار، وذلك لوجود أجزاء من الأراضي السورية تحت الاحتلال والذي يعتبر مساساً بسيادة الدولة وبكيانها الوطني وعندما نتحدث عن "الجمهورية العربية السورية" نعني سلطة تسيطر على كافة المجال التراب الوطني لسوريا التي تعترف بها الهيئات الدولية بما فيها الجولان.


 
تحدي الإسلاميين لسيادة الدولة


يرى الحاج صالح أن انتقاص السيادة في سوريا ليس فقط مصدره عجز الدولة عن ممارسة الحرب، إنما مرده إلى وضع تاريخي خاص يكمن في  ضعف تشكل الهوية الوطنية، وعلى مستوى الولاية العامة كان الإسلاميون يتحدون سيادة الدولة  منذ زمن و يتطلّعون إلى ممارسة ولاية عامة وتغيير كيان الدولة باتجاه إسلامي نابع عن مفهوم الأمة الإسلامية المتخيلة ويعتبرون سوريا جزءاً أو إقليماً من هذه الأمة، حيث يوجد في سوريا بشكل من الأشكال سيادتان: سيادة الدولة ومؤسساتها الوطنية الحديثة التي تشكلت عبر مراحل معروفة، وسيادة أخرى تتمثل في جهة تمارس وظائف سيادية باسم الدين الإسلامي خصوصاً في مجال الأحوال الشخصية؛ هذا يدل على ضعف التشكل الوطني، وهي ليست مشكلة سياسية مرتبطة بوجود أحزاب إسلامية من عدمها بل مرتبطة بمدى التشكل الوطني لسوريا كدولة وطنية حديثة، والمسالة ليست مسألة الاستفادة من عقائد الشعب إنما هناك قانون ديني مستمد من الشريعة الإسلامية غير قابل للتغيير  ولا تستطيع الهيئات "المنتخبة" المساس به، لأن سلطة تعريف الإسلام في سوريا تقع بيد رجال الدين السنة كما تقع سلطة تعريف الوطنية بيد النظام، والمجموعات الإسلامية تمارس بشكل أساسي الولاية العامة على السوريين جميعاً وعلى ما يتجاوز حدودها؛ وأكبر مثال على ذلك الدولة الإسلامية في العراق والشام التي تمثل ذروة التفكير بسيادة جديدة، حيث أنها تسمي نفسها دولة، يعني كلية السلطة والسيادة على كامل المجال التي تسيطر عليه بما فيها من احتكار العنف والقمع الداخلي وولاية عامة على كل الناس، على حد تعبيره.
 
احتكار العنف داخلياً


الانتقاص الآخر لسيادة الدولة يتمثل في احتكار العنف الداخلي، حيث كان النظام قادرأ على احتكار هذا العنف تماماً، وهو الجهة الوحيدة التي كانت تقمع وتعتقل وتعذب وتحاكم، غير أن السوريين اليوم أمام حالة من الكسر الهائل لهذا الاحتكار من قبل الثورة في محاولتها  نزع سلاح الحرب والقمع من يد الدولة، وهذا بحد ذاته تغير كبير بغض النظر عن كونها ذهبت باتجاه خلق وضع منفلت من الصعب لملمته أو الذهاب باتجاه تأسيس سيادة جديدة تحتكر العنف.


ويرى الحاج صالح أيضاً أنه لابد من أجل تملّك السيادة من تملّك قرار الحرب واحتكار العنف الداخلي وهذا ما أصبح معروفاً لدى الجميع من خلال ما حدث خلال السنتين والنصف التي تجسد فيها كسر احتكار النظام للعنف من قبل الجيش الحر والمجموعات المقاتلة التي  تتطلع إلى ممارسة العنف باسم الدين، بما في ذلك ممارسة العقوبة العظمى (الإعدام) والتي  تعتبر من خصائص السيادة الأساسية المرتبطة بالعنف، الجهة السيدة هي وحدها من تقرر الموت أي هي التي تملك حق تنفيذ الإعدام.


سلطة تعريف السكان في الدولة 


التجسد أو الوظيفة الثالثة للسيادة هي تعريف الهوية الوطنية والوطن وبالتالي تعريف الخيانة ومن هو غير وطني ومتآمر ضد الوطن أي تعريف الصديق من العدو.


في عهد البعث حدث شي أثّر على جيلين، وهو الخلط بين مسائل السياسة ومسائل السيادة حيث تعتبر الاختلاف بالرأي من القضايا السياسية، لكن النظام كان يخون المختلفين مع السلطات الحاكمة بالرأي، بمعنى أنه يحول القضايا السياسية إلى قضايا سيادية، ويعتبر كل من يخالفه بالرأي خائن، فإذا كنت تمارس الرأي المخالف فأنت تمارس الخيانة للوطن، وهذا إن لم يكن يبيح الدم كان يستبيح سنوات من عمرك في السجون.


اليوم يمارس هذا الدور -تعريف العدو والصديق- بطريقة أخرى لدى الإسلاميين، أي بدل التخوين الذي كان يوجه من قبل البعثيين والذي مارسوه ممارسة شرعية لوظيفة سيادية لكن مفرطة وخارج مجالها، اليوم لدينا تهمة التكفير الخاص بالإسلاميين.


يمكننا أن نجد اليوم في الثورة السورية وبشكل خاص لدى الإسلامين والسلفية الجهادية الخروج على كامل نظام السيادة الذي تأسس منذ عقود، أي على كامل تأسيس الدولة الوطنية إن كان من خلال الولاية العامة وتعريفها كأمة إسلامية أو من حيث العنف الذي هو مرتبط بالدين وليس مرتبطاً بالفكر الوطني والدولة الوطنية أو من حيث تعريف الصديق والعدو والوطني والخائن، حيث يوجد لدى السلفيين الجهاديين عقيدة الولاء والبراء لتقول أن الذي معنا له ولاءنا ويبذل ولائه لنا، والذي ضدنا نتبرأ منه وهو كافر وبالتالي مباح الدم.


مدى ارتباط مبدأ السيادة بتشكل الهوية الوطنية


الهوية الوطنية هي إحدى الوظائف المرتبطة بالسيادة ومدى تشكلها، وهي أحد الإشكاليات الكبرى التي كانت تعاني منها سوريا، ولاتزال بعض الجهات حتى الآن تحاول فرض هوية معنية وتعرقل تشكيل هوية جامعة لكل السوريين.


وتعرف سوريا على أنها قطر عربي أي أن الكيان السوري يستمد شرعيته من ذوبانه في شيء آخر، وهذه المسألة تطرح تناقضا كبيراً وإشكالية مع تكون البلاد، أي أن الأيدولوجيا الرسمية تنكر شرعية الكيان السوري وترى شرعيته بقدر ذوبانه في تطلع أكبر نحو أمة عربية كبيرة، هذا الفكر في أزمة لكن عملياً لم يكن هناك أي عمليات سياسية لمواجهة هذه الأزمة والنتاقض منذ 40 سنة، ولم يتم يحصل إنتاج فكري له قيمة في هذا الاتجاه.


هذه الأزمة هي أزمة على مستوى السيادة وليست مرتبطة بظهور الثورة، وهي تحتاج إلى عملية تاريخية قد تأخذ عقوداً إلى أن يستقر كيان البلد وتتشكل الهوية أو نوع من الإجماع الوطني، حيث لا يوجد إجماع وطني على أي مستوى من المستويات في سوريا حتى على كوننا سوريين، ولا أعتقد أن الثورة قادرة على أن تجيب على هذا السؤال، لكن الثورة وضعتنا في مواجهته وحتماً ستأخذ سنوات طويلة إلى أن تتبلور هوية، أو بالحد الأدنى تتشكل إجماعات وطنية ونقبل بعض الأمور كوننا سوريين.


غير أن الصحفية بسمة قضماني لم تتفق مع هذا الطرح واستغربت من السؤال عن الهوية السورية وبرأيها أن الثورة أحيت الهوية السورية أو أعادتها من الضياع وأن فكرة الأمة العربية انتهت مع بداية الثورة وبرزت الهوية السورية، حيث أن الثورة جمعت كل السوريين.
 
الثورة وسيادة الدولة


كل الثورات تفضي إلى نوع من الفوضى، والثورة السورية ليست استثناءً لأنه لا يمكن  تقويض نظام جامد ومتحجر إلا من خلال المرور بمرحلة الفوضى التي قد تطول أو تقصر وقد تكلف قليلاً أو كثيراً، هذا يحدث في كل الثورات، فالثورة إلغاء لسيادة الدولة وتعني عدم الاعتراف بسيادة الدولة القائمة وتؤسس لنظام جديد وتقطيع جديد للسلطات يختلف كلياً عن ما هو قائم.


فالثورة إذاً ليست أزمة سياسية بل هي أزمة تأسيسية، وهي ليست أزمة على مستوى السلطة بل على مستوى السيادة بمعنى أنها مساس ليس بكيان الدولة فقط بل بالمصلحة السياسية، حيث زجت الثورة اليوم السوريين  وجهاً لوجه مع  كل هذه المشاكل والتساؤلات والتناقضات التي تبحث عن معنى أن نكون سوريين ومعنى سوريا وكيف يعرّف السوريين أنفسهم كسوريين، هل هم مسلمون؟ وما هو المقصود بذلك بالضبط؟ ....لأن هناك طوائف أخرى، وإذا تم تعريف سوريا على أنها بلد عربي  سنقع في نفس الإشكالية وقد دفع السوريون ثمن هذا الطرح منذ زمن وأدخلهم في نفق مظلم.


هذه هي التحديات التي تواجه سيادة الدولة السورية بمعنى الكيان الوطني وليست مؤسسات الحكم، وإن كان الاسلاميون هم الشكل الأبرز غير أن هناك تياراً كردياً لديه تطلعات في هذا المجال ويحتكر العنف ويمارس ولاية عامة متميزةعن ولاية الدولة على قطاع من السوريين. وعندما نقول "فصيل كردي" لا يعني هذا بطبيعة الحال المساس بحقوق الكرد في سوريا وشرعية مطالبهم، بل الأمر مرتبط بمسألة انتقاص السيادة والمساس بسيادة الكيان الوطني.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard