info@suwar-magazine.org

السِلم الأهلي على سُلَّم الضّرورات القصوى

السِلم الأهلي على سُلَّم الضّرورات القصوى
Whatsapp
Facebook Share

 

تحوي مدينة القامشلي (قامشلو- قاميشلية) العديد من القوميات والأديان والطوائف، كل منها تحمل في داخلها ألماً لما تعرّضت له على يد شركائها المتعايشين معها في هذه المدينة، فالمنغصات والقلاقل الّتي شابت العلاقات فيما بينها جرت بتأثير مخططات الدول التي كانت تحكم المنطقة، إلّا أنّ إدراك ووعي كل من مكونات المنطقة خفّف من وطأة الضغينة في قلوبها تجاه بعضها، واقتصر الأمر على حمل الجراح في الذوات دون أن تترجم إلى أفعالٍ قد تندرج في خانة الانتقام.


المشهد العام للتعايش كان في صورته الطبيعية رغم محاولة النظام السوري استغلال تلك الجروح المرتبطة بمرحلة معيّنة من التاريخ بالنسبة لمكوّنات المدينة من خلال بثّ فكرة خلق المخاوف من جديد في نفوس تلك المكونات؛ فغدا –بذلك- الكلّ يخاف من الكلّ، وبنفس الوقت كان النظام يعطي الامتيازات والقوة لمكوّن حتى يكون في مواجهة دائمة مع المكوّن الآخر، ربما هذه السياسة كانت ناجعة إلى حدٍ ما، لكنها لم تخرج من نطاق بعض الشرائح المستفيدة من تلك السياسة لتخدم مصالحها الشخصية ضمن كل مكوّن دون أن تصبح ثقافة جمعية ذات أبعاد وتعبيرات صادمة، حيث أن طبيعة المجتمع العشائري وصلات القرابة التي نشأت بين تلك المكوّنات خلقت نوعاً من التعايش المتراكم حضارياً بينها لتغلق بذلك الأبواب أمام أي محاولة للنظام في انتهاك حَرم التعايش التي تأسست عليها هذه المدينة منذ نشأتها في بداية التسعينيات من القرن الماضي.


مع بداية الثورة في سوريا كانت هذه المدينة من أولى المدن التي خرجت في المظاهرات، والألوان التي كانت ترفع بأيادي المتظاهرين كانت تؤكد على مشاركة كل المكوّنات، ومن جهةٍ أخرى تؤكد على وقوف الكل جنباً إلى جنب في مواجهة الظلم، وكانت المدينة الأكثر تماسكاً أمام مخاوف الصراع الطائفي والأهلي أو الاقتتال فيما بين المكوّنات وخاصةً في ظلّ رجحان كفة القوة في يد مكوّن كان المكوّن المسحوق في المدينة في ما مضى، ومع أن قضية العرب "الغمر" التي تشكل عبئاً كبيراً خلفته سياسات النظام العنصرية لكن التعاطي الشعبي والسياسي مع هذه القضية ومن قبل الكرد وباقي المكونات – على العكس من مناطق كثيرة من سوريا- طغى عليه التروي وتلمس المصلحة العامة ومقتضيات السلم الأهلي دون نسيان جذور القضية وسبل حلها أو ترحيلها.


التعايش المشترك بين المكوّنات غدا الآن مترجماً ضمن البيئة الموجودة ولعب عامل القوى السياسية والعسكرية المؤثرة دوراً كبيراً في هذا المضمار، حيث ترفض الغالبية العظمى من سكان المنطقة طغيان الإرهاب والعقلية الإقصائية ويتوجب على الجميع توفير الجو الذي تبنى على مفهوم الشراكة الحقيقية،

رغم التباين الملحوظ في أماكن تجمّع المكوّنات، فكلٌّ حيٍّ يتسم بخصوصية كل مكوّن إلّا أنّ ذلك لم يتجسد في التعامل اليومي، السوق، ومظاهر الحياة العامة من مناسبات وأعياد، فالكل متفاعل مع الكل، وخاصةً في ظلّ نشوء منظمات مدنية تعمل في ظروف جيدة وضمن مجتمع يقبل أفكارها و توجهها.


شيرو هندي/ إعلامي "التعايش في الفترات الماضية كان مفروضاً بشكل قسري"
"في الفترات الماضية كان التعايش مفروضاً بشكل قسري لدرجة وصول هذا التعايش إلى نوع من القطيعة والانطواء، كل طرف من هذا المجتمع كان يجد صيغة اجتماعية معيّنة للاحتكاك مع الطرف الآخر، ويختصر كل هذا التعايش على ملازمة كل طائفة أو أثنية لمجموعته بإطارها الاجتماعي والثقافي وحتى السياسي، الأمر الذي كان يشذّ عن القاعدة هو الوضع الاقتصادي الذي كان ينجو أحياناً من فرضيات الاختلافات السلبية.

 

أمّا في الوضع الراهن ثمة أمور أكثر عملية يزداد فرضها على صيغة التعايش وهو تعرّض المنطقة للخطر الأمني والتناحر السياسي، مما شكّل في الكثير من الأحيان متّسعاً جيداً إلى حدٍّ ما لتعارف وتقارب أكثر بين فئات المجتمع المتنوعة، أصبح هناك أولويات البقاء والأمن ويتبعها الوضع المعيشي في هذه البقعة من سوريا".



سليمان نيفو/ موظف "أنا عربي وأتقن اللغة الكردية"
"رغم كل المخاوف بين المكوّنات المتعايشة في هذه المدينة إلّا أنّنا نمارس حياتنا في المجتمع دون كره أحدنا للآخر، وأنا أعيش بين الكرد وأتقن لغتهم ومعظم أصدقائي هم من الكرد، وكذلك في الوظيفة ثمة عرب، كرد وسريان ونحن منسجمين مع بعضنا البض نزور بيوت بعضنا ونتواصل في المناسبات، لم أشعر يوماً باغتراب عن مجتمع هذه المدينة، العرب أيضاً كانوا ضحية سياسات معيّنة وهم أيضاً دفعوا ضريبة ذلك، لكن مع ذلك الشعور الذي يمنحنا الأمان والطمأنينة في هذه المدينة وخاصةً في ظل ما يجري الآن في سوريا دليلٌ على مدى انسجام كل المكوّنات مع بعضها البعض".


هاكوب / مواطن  "يجب أن نكون على قدر من المسؤولية"
"نحن متعايشون مع بعضنا البعض منذ عشرات السنين، والعلاقة المبنية بين كل المكوّنات هي على أساس بناء مجتمع للجميع بعيد عن الصراعات والأحقاد التاريخية، على الرغم من أني أرمني الأصل إلّا أنني أتقن الكردية والعربية ولي صداقات مع الجميع وسنكون دائماً على درجة من المسؤولية تجاه مجتمعنا ومدينتنا.


عدم الإقدام على التفوّه بنظرة كل مكوّن للآخر بجرأة وشفافية ربما سيترك الاحتمال أمام عدم اندمال الجروح الموروثة بين المكوّنات مفتوحة على الرغم من الصورة الواضحة للتعايش المشترك والسلم الأهلي في المجتمع، لذا لا بدّ من دورٍ رائد للشريحة الواعية لدى كل مكوّن في تجسيد تلك المفاهيم حتى تغدو ثقافة متأصلة في المجتمع".

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard