info@suwar-magazine.org

الحراك السوري إذ يعترف بأخطائه

الحراك السوري إذ يعترف بأخطائه
Whatsapp
Facebook Share

 

 

فراس سعد

 

للحراك السوري الكثير من المرحل المفصلية ونقاط الضعف والقوة، وإذا كان أنصار الحراك يؤمنون بتسميته ثورة، وأنا ممن يوافقهم على هذا، فالمقصود بـ"الثورة" الثوار أي الناس الذين حملوا هذا الحراك وضحوا لأجله، فلا انفصام بين المعنيين، الأول هو الكلمة الفعل والصورة، والثاني هو الفاعل متلبساً الثورة، الإنسان في حالة ثورة، هو الفاعل والفعل،هو الصورة وقد صارت حقيقة فخلقت صوراً أخرى أجمل وأبهى أو أقسى وأدنى.

 

 

الغيرة الشخصية

 

أولى أخطاء الثوار في الثورة السورية، بدأت في السنة الأولى بل في الشهور الأولى من الثورة، كان خطأ كبيراً ومردّه التنافس أو الغيرة الشخصية. الخطأ وقع حين أُعلن عن اتحاد تنسيقيات الثورة بعد شهر أو شهرين من الإعلان عن ولادة لجان التنسيق المحلية، تلك الخطوة المبدعة في الثورة السورية.

 

فما معنى ان يكون لدينا مجموعتان تعملان بآلية واحدة وأسلوب واحد؟

هذا الخطأ الذي أدى إلى ازدواجية الوظيفة لربما تكرر في كل مدينة وحي وقرية حيث نجد تنسيقية تتبع اللجان وأخرى تتبع الاتحاد، وقد يكون التنافس خيراً لكنه في بلد يفتقد إلى الأخلاق الديمقراطية بسبب غياب كلي للسلوك الديمقراطي في المجتمع والسلطة والنخب سيتحول إلى صراع وربما صراع مؤذي للثورة.  

 

الصمت عن قتل وخطف قادة الثورة من قبل مسلحين محسوبين على المعارضة

 

كثير من القادة الميدانيين للثورة السورية تمت تصفيتهم في الداخل من قبل جهات دخيلة على الثورة، جهات إسلامية أو جهات تابعة لما يمكن تسميتهم شبيحة ولصوص الثورة، وأغلبهم كانوا يعملون كمهربين أو "صيّع" قبل الثورة. 

 

كما عمدت جهات إسلامية محسوبة على الثورة إلى اختطاف أو اعتقال قادة أو معارضين في الداخل لمجرد اختلاف الرأي أو الموقف أو الأداء السياسي بين الجانبين،  قضية رزان زيتونة ورفاقها سميرة خليل ووائل وناظم مثال واحد فقط، وهو المثال الأقوى والأكثر سطوعاً، ولا يخفى على كثيرين أن جهات إسلامية عديدة في الداخل كمّت الأفواه وصادرت الحريات.

 

الأسوأ من كل ذلك أن المجلس الوطني والائتلاف كجهات أساسية في تمثيل الثورة لم تعبّر عن رفضها لهذه الممارسات في كثير من الحالات، بل وصلت الوقاحة ببعض المعارضين للدفاع بشكل غير مباشر عن المرتكبين، أو تجاهل حالات القتل والخطف، ومثال ذلك موقف هيثم المالح بتبرير حادثة اختطاف رزان زيتونة ورفاقها، حيث قال مبرراً تلك الحادثة الإجرامية الشنيعة ما معناه أن المخطوفين "لم يراعوا الأعراف الاجتماعية" ؟؟

 

الصمت على استهداف المدنيين الموالين للنظام

 

خطأ آخر يتعلق بمقتل صحفي فرنسي في حمص ادّعى النظام أن المعارضة قتلته، وقالت المعارضة أن النظام هو الفاعل لكن الحقيقة أن الصحفي كان يغطي مظاهرة مؤيدة للنظام في أحد أحياء حمص الموالية للنظام، فتعرضت المظاهرة لقذيفتي "ار بي جي" أدت إلى مقتل الصحفي، الخطأ كان أن المعارضة صمتت ولم تدن إطلاق النار على المدنيين حتى لو كانوا موالين للنظام، كان ذلك أواخر عام 2012.

 

التسلح غير المنضبط

 

الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه الثورة السورية هو انجرارها إلى التسلّح العشوائي غير المنضبط وفقدان الخطة والإستراتيجية، فإذا كانت الثورة السورية ثورة شعبية عفوية لم يتصد أحد لقيادتها في الداخل، فإن الجريمة كانت إذعان الداخل لجهات خارجية غير سورية.

 

 

يدافع الكثيرون عن التسلح وكنت احدهم، لكن بعد دمار أربع مدن سورية لا يجوز الإيغال في الدفاع عنه لأنه بمثابة انتحار، فما الفائدة من سقوط النظام بعد تدمير سورية؟ فما بالنا لو دمرت سورية ولم يسقط النظام؟ ألا نكون في هذه الحال كمن يساعد النظام على أن يطبق حرفياً أسوأ مقولاته: "الأسد او نحرق البلد"،  بل نساعده على حذف الـ"أو" فيصبح واقع الحال "الأسد ونحرق البلد"، لهؤلاء الذين مازالوا يدافعون عن التسلّح نسألهم لماذا لم تندفع مدينة حماه إلى التسلّح؟ أليس لأن تجربتها التاريخية علمتها أن السلاح كان أحد وسائل النظام لارتكاب مجزرة حماه الشهيرة؟ ألا يجب أن نتعلم من حماه أم يجب على كل مدينة سورية ان "تتعلم من كيسها"؟!

 

إذا كانت الثورة عفوية، فلا يجوز أن يكون التسلّح عفوياً على الإطلاق.

 

تطويب رجال الدين قادة للثورة

 

الشيخ عدنان العرعور كان أحد الذين يلهمون السوريين عبر وسائل الإعلام باتخاذ خطوات جديدة للتعبير عن الرفض الشعبي، وأغلب تلك الخطوات مكرسة في النضال اللاعنفي ومعروفة منذ عقود، لكن الجموع السورية تلك لم تجد معارضاً معروفاً عبر أي وسيلة إعلامية يقوم بما فعله العرعور، أي أن يكون ملهماً للجموع السورية المتعاطفة مع الثورة للقيام بأفعال او إجراءات ضمن وسائل النضال اللاعنفي.

 

فهمت الجموع السورية التي هي خارج نطاق الثورة تلك الإجراءات اللاعنفية فهماً دينياً أو طائفياً باعتبارها كانت تستخدم عبارات دينية، وباعتبار أن الداعي لها رجل دين سلفي عبر قناة سلفية تكفّر طوائف إسلامية واديان غير إسلامية، فكان هذا كافياً لبقاء تلك الجموع خارج الثورة أو خارج التعاطف معها، وأعطى إشارة أو دليلاً قوياً على أن الثورة هي ثورة دينية إسلامية أو مذهبية سنّية.

 

ولقد كان للشيخ العرعور دور جذري شديد الفاعلية في تقبّل الثوار الحركيين على الأرض لمزيد من رجال الدين غير السوريين الذين زودوا الثوار المقاتلين بالمال أولاً ثم بالسلاح والتعليمات، وأخيراً حولوا أنفسهم إلى قادة للحراك العسكري ولو من بعيد.

 

إلى أن وصلنا إلى المرحلة الثالثة وهي قبول تدفق المقاتلين الإسلاميين من دول عربية وأجنبية إلى سورية للقتال إلى جانب الثوار السوريين.

 

احتكار الإسلاميين والمتأسلمين للإعلام الحربي

 

الأمر الذي أعطى الانطباع بأن الثورة السورية صارت ثورة إسلامية، فطريقة تقديم الأخبار والتغطيات الإعلامية صارت ذات طابع إسلامي، إن كان من حيث المصطلحات الإسلامية في البداية، ثم الطائفية لاحقاً، الدخيلة على الثقافة المرئية والسمعية للشعب السوري، واكتفاء المراسلين الهواة الذين يصورون قصف وجرائم النظام بعبارتين؛ الأولى: النظام يقصف أو يقتل أو يرتكب مجزرة في المكان الفلاني، والثانية: عبارة "الله اكبر"، دون تقديم أي تفاصيل عن الحدث.  

 

الاعتراف بالأخطاء شرط النجاح

 

الثورة مثل الكائن الإنساني أو الكائن الاجتماعي، إن لم تعترف بأخطاء وقعت كما تقع كل يوم أخطاء بشرية واجتماعية قسراً او لسوء تقدير فلا يمكن لها ان تستمر. الاعتراف بالخطأ يشبه أخذ جرعة من الأوكسجين النقي، أما الإنكار والدفاع عن الأخطاء أو تصويرها كإنجازات فهو يشبه محاولة خنق للثورة يقوم بها أفضل وأكثر الثوار إيمانا بثورتهم، يقتلونها دون قصد منهم من فرط محبتهم أو من فرط خوفهم أو بسبب الجهل، هكذا تتعدد أسباب إجهاض الثورات من داخلها، ولو كان الدافع حباً، فلطالما كان الحب دافعاً للقتل، ومن الحب ما قتل  كما يقول الشاعر العربي.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard