info@suwar-magazine.org

مونديال البرازيل: حرّمته داعش وسيّسه النظام.. وتابعه السوريون على طريقتهم

مونديال البرازيل: حرّمته داعش وسيّسه النظام.. وتابعه السوريون على طريقتهم
Whatsapp
Facebook Share

 

 

عثمان إدلبي

 

يتابع ملايين السوريين مجريات كأس العالم المقام في البرازيل، محاولين أن يستمدّوا منه فرحةً غابت عنهم منذ زمن. يشجّعون فرقهم، ويفرحون للاعبيهم المفضلين، ويتناقشون في نتائج المباريات ومستويات الفرق، متناسين الموت الذي يلاحقهم، ومظاهر الحرب والدمار التي باتت من مفردات حياتهم اليومية.

 

مونديال البرازيل هو المونديال الأوّل بعد الحرب السورية، ولكن مظاهر الاهتمام بهذه البطولة لم تنته أو تخفت. فمنذ اليوم الأوّل لبداية المونديال والسوريون يبتكرون الطرق والأساليب لمتابعة المباريات والحصول على أفضل التغطيات للحدث الرياضيّ الأبرز عالمياً. وسرعان ما أخذت أخبار القنوات الناقلة للمباريات وأساليب فك التشفير صدارة اهتمامهم، فالظروف والأوضاع المعيشية السيئة لم تمنع السوريين من ملاحقة شغفهم الكرويّ.

 

في دمشق هناك إقبالٌ كبيرٌ على المقاهي والأماكن العامة التي تعرض مباريات كأس العالم على شاشاتٍ كبيرة. وكذلك الحال في المدن الساحلية التي يتفاعل أهلها مع المونديال بشكل أكبر، فالشاشات الكبيرة وأجهزة الإسقاط تملأ الشوارع لكي تعرض مباريات هذه البطولة. كما يتابع أهالي حلب مونديال كرة القدم بشغفٍ كبير، فأخبار المونديال تسمع على ألسنة المارّة وفي وسائل النقل العام، ولكن الوضع الأمنيّ المتردّي منع الكثير من الحلبيين من الذهاب إلى المقاهي ومتابعة المباريات مع الأصدقاء، فيتابع أغلبهم منافسات هذه البطولة في بيته خوفاً من القذائف العشوائية التي تنهال على الأحياء المدنية الخاضعة لسيطرة النظام. بينما لا يحظى المونديال بمتابعة الكثيرين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب، بسبب انشغال أهلها بتحسين أوضاعهم المعيشية، ولعدم توفر الأمان والراحة النفسية، لأنهم يتعرّضون يومياً للقصف من طائرات النظام ومدافعه.

 

القناة القطرية تحتكر المونديال، والسوريون يتابعونه على القمر الإسرائيليّ

 

 

يلاحق السوريون أخبار القنوات الأجنبية الناقلة لمباريات المونديال، لأن قناةbein sport القطرية احتكرت بثّ مباريات كأس العالم في الشرق الأوسط، وتقوم بعرضها على قنواتها المأجورة. وقد حال هذا الاحتكار دون مشاهدة الكثير من السوريين لمنافسات هذه البطولة لأن تكلفة الاشتراك مرتفعة، إضافةً إلى ثمن جهاز الرسيفر الخاص بالقناة، إذ تصل قيمة الاشتراك وثمن الجهاز إلى 75 ألف ليرةٍ سورية. فلجأ أغلب السوريين إلى توجيه صحونهم اللاقطة إلى الأقمار الأجنبية، كالقمر الإسرائيليّ والقمر التركيّ اللذين يعرضان منافسات المونديال على قنواتهما المفتوحة. كما يسعى أصحاب محلات (الستلايتات) إلى الاحتيال على القناة القطرية وفك تشفيرها مقابل مبالغ مقبولةٍ، كي يتمكن السوريون من متابعة منافسات المونديال. فأصبحت أخبار القنوات الناقلة تتداول يومياً بين السوريين؛ فأهالي دمشق يتمكنون من مشاهدة منافسات المونديال على قناة الدنيا الأرضية التي تنقل بعض المباريات من قناة bein sport بطريقةٍ غير شرعية، أما السوريون في باقي المحافظات فيقومون، قبل كل مباراةٍ، بالبحث بين الأقمار الأجنبية عن قناةٍ مفتوحةٍ تبثّ المباريات.

 

 

يقول مسعود، وهو من مدينة إدلب: "يمنعنا التقنين الكثيف في الكهرباء من مشاهدة مباريات كأس العالم. كما أن القنوات الأجنبية لا تنقل جميع المباريات. ومحطة بثّ التلفزيون الأرضي مخرّبة في محافظة إدلب، وبالتالي لا نستطيع مشاهدة المباريات على القنوات الأرضية".

 

داعش تحرّم متابعة المونديال

 

تمنع بعض الفصائل الإسلامية سكان المناطق الخاضعة لسيطرتها من متابعة كأس العالم في الأماكن العامة. وكانت أولى هذه الفصائل (داعش)، التي منعت عرض المباريات في المقاهي والأماكن العامة، وحرّمت هذه الظاهرة. ففي الرقة أغلقت جميع المقاهي، وأصبح سكان هذه المحافظة يتابعون منافسات هذه البطولة سرّاً، خوفاً من عقاب (داعش).

 

أما بعض فصائل المعارضة الأخرى فقامت بعرض منافسات المونديال في مقرّاتها، كي يتمكن المقاتلون من مشاهدة المباريات، كما في حلب، حيث بثّ ناشطون صوراً لمجموعةٍ من مقاتلي الجيش الحرّ يتابعون إحدى مباريات المونديال، فلم تمنع المعارك المحتدمة على جبهات حلب المرابطين على هذه الجبهات من متابعة المونديال.

 

 

يقول لنا أبو فيصل، وهو قائد إحدى المجموعات المرابطة على جبهة الراموسة بحلب: "الكثير من المقاتلين في الجيش الحرّ هم من محبّي الرياضة، وأنا أولهم. فعندما تنتهي مناوبة مجموعتي من رباطها على الجبهة نذهب لمشاهدة إحدى المباريات في مقرّ الكتيبة، ونعتبر مشاهدة المباراة استراحة مقاتل. كتيبتنا لا تمنع عناصرها من متابعة المونديال لأنه لا يلهيهم عن دينهم ولا عن جهادهم".

 

المقاتلون الأجانب يتابعون منتخبات بلادهم المشاركة في المونديال

 

يتابع بعض المقاتلين الأجانب، الذين أتوا إلى سوريا للقتال بجانب قوات المعارضة، منتخبات بلادهم المشاركة في المونديال، كالمقاتلين القادمين من بريطانيا وأميركا وأستراليا واليابان وبعض الدول الأفريقية. ويقول رامي، وهو ممرّضٌ في إحدى المستشفيات الحدودية في ريف إدلب: "تفاجأت عندما طلب المرضى الأجانب الموجودون في مستشفانا مشاهدة مباريات منتخبات بلادهم المشاركة في كأس العالم. فهناك شابان يابانيان بقيا مستيقظين حتى منتصف الليل كي يشاهدا مباراة فريقهما، وكانا يتواصلان مع أصدقائهما المقاتلين ويتناقشون حول مباريات المونديال".

 

مقاتلو النظام يتابعون المونديال ويشجّعون منتخبي إيران وروسيا

 

يتابع عناصر النظام منافسات المونديال ويتفاعلون معها. وتشجيعهم للمنتخبات في المونديال يكون على أساس المواقف السياسية لحكومات الدول المشاركة، ولذلك فأغلب عناصر النظام يشجّعون المنتخبين الروسيّ والإيرانيّ.

 

في دمشق قامت بعض الحواجز المتمركزة داخل المدينة بإطلاق الرصاص بشكلٍ كثيفٍ عندما أحرز المنتحب الروسيّ هدفاً في مرمى منتخب كوريا الجنوبية. أما في حلب فقد وضع بعض العناصر أعلاماً لمنتخباتٍ أخرى على الحواجز، كعلم المنتخب البرازيليّ، باعتبار أن البرازيل من الدول التي تتخذ موقفاً سياسياً قريباً من النظام بخصوص الحرب السورية.

 

 يقول محمد، وهو من سكان حلب: "عندما كنت ذاهباً إلى مركز المدينة، مستقلاً باص النقل الداخليّ، أوقفنا أحد حواجز حيّ الحمدانية، وصعد أحد الضباط إلى الباص وصار يسأل الشبّان عن المنتخبات التي يشجّعونها. وبعد أن سأل الجميع أمر شابين بأن ينزلا من الباص ويكملا طريقهما سيراً على الأقدام، لأنهما أجاباه أنهما يشجّعان المنتخب الألمانيّ، الذي يكرهه هذا الضابط لأسبابٍ سياسية!!".

 

المونديال ضيّع الدم السوريّ!

 

يهاجم الكثير من الناشطين والإعلاميين متابعي كأس العالم، مستهجنين انشغالهم بمناسبةٍ لا تعني الشعب السوريّ في شيءٍ، في حين يراق الدم السوريّ يومياً. ويقول نادر، وهو ناشطٌ في مدينة الزبداني: "بعد أن بدأ المونديال أصبحت أقرأ أخبار الثورة على هامش مواقع التواصل الاجتماعي. فيوم الثلاثاء الماضي، وبعد قراءة أكثر من عشرين خبراً عن المونديال، وقعت بالصدفة على خبرٍ هامشيٍّ حول مجزرةٍ في حيّ السكري بحلب، راح ضحيتها أكثر من 20 مدنياً. ولكن، للأسف، لم يلق هذا الخبر اهتمام الكثيرين، في ظلّ انشغال الناس بمباريات المونديال".

 

ورغم هذا فإن عدداً من الناشطين يرون في هذا مبالغة، وأن من حقّ الناس أن يروّحوا عن أنفسهم بهذه التسلية البريئة. أما أخبار الحرب السورية فهي حاضرةٌ دوماً في كلّ وسائل الإعلام، وإن كان من المتعذّر أن تتصدّر قائمة الأخبار دوماً، فللناس أهواؤها واهتماماتها التي لا يمكن أن تقتصر على أخبار الموت والدمار.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard