info@suwar-magazine.org

إدلب: جدلية التحرير والتدمير

إدلب: جدلية التحرير والتدمير
Whatsapp
Facebook Share

 

كمال سروجي 

 

شكلت سيطرة جيش الفتح، المؤلّف من عدّة فصائل عسكريةٍ معارضة، مع نهاية شهر آذار، على مدينة إدلب، مفاجأةً كبيرةً للمدنيين هناك، فقد استمرّت المعارك عدّة أيامٍ في محيط المدينة، ليتمّ اقتحامها والسيطرة عليها.

 

تروي لميس، إحدى النازحات من حي الميسّر بحلب إلى إدلب: "قضينا طيلة أيام المعارك في الملجأ. لحسن الحظّ يوجد في بنايتنا قبوٌ التجأنا إليه. كنا خمس عائلاتٍ نقيم فيه. الكهرباء مقطوعةٌ، والطعام قليلٌ جداً، والمياه كذلك، والاتصالات شبه مقطوعةٍ. خلال هذه المدّة استطعت إرسال عدّة رسائل عبر الواتس آب لأهلي في دمشق أخبرهم أنني وعائلتي ما زلنا على قيد الحياة."

 

وتضيف: "كانت القذائف تتساقط حول بنايتنا، فدمّرت بنايتين مجاورتين. لا أحد يستطيع التجوّل في الشوارع لأن القناصة يستهدفون المارّة ليلاً نهاراً. كانت هناك فرحةٌ بقرب التخلص من النظام، ولكن الخوف من الغد طغى على كلّ شيء".

 

وبعد معارك عنيفةٍ سيطرت المعارضة المسلحة على منطقة المربع الأمنيّ، واقتحمت الفروع الأمنية. يقول الناشط الإعلاميّ أحمد الإدلبي لـ"صوَر": "عند اقتحام جيش الفتح للأمن العسكريّ وجد المقاتلون حوالي خمس عشرة جثةً لمعتقلين تمّت تصفيتهم قبل هروب عناصر الفرع، وفي فرع أمن الدولة استطاع المقاتلون تحرير السجناء دون أية خسائر. كانت هذه اللحظة الأجمل عندي منذ بداية الثورة، بدت الفرحة الغامرة على وجوه المعتقلين المحرّرين، وأغلبهم من المعارضين للنظام. بعضهم مضى على سجنه أكثر من عامين. كما كانت هناك عدّة نسوةٍ معتقلات."

 

النظام يبدأ بقصف المدينة

 

لم تمرّ أيامٌ على سيطرة المعارضة على المدينة حتى بدأ النظام باستهدافها بالطيران الحربيّ والبراميل المتفجّرة والمدفعية الثقيلة، وسط حركة نزوحٍ قويةٍ باتجاه الأرياف المجاورة.

يقول أحمد الإدلبي: "بدأ النظام باستهداف البنى التحتية، فقصف مشفيي الهلال الأحمر والوطنيّ ومبنى المحافظة، ما أوقع عدداً من الشهداء والجرحى، إضافةً إلى دمارٍ واسع."

 

ويشرح مفصِّلاً: "على ما يبدو يريد النظام تدمير أية مدينةٍ تخرج عن سيطرته، وكأن مصير إدلب كمصير حلب، فهو يحارب من أجل منع قيام أية حاضنةٍ أو مركز حكمٍ مدنيٍّ حقيقيٍّ تنطلق منه قوّات المعارضة ليكون قدوةً للمدن السورية."

 

غياب النظام وسلطةٌ جديدة

 

شكّلت سيطرة قوّات المعارضة صدمةً للمدنيين، نتيجة السرعة التي تمت بها، وشابت فرحة الكثير منهم تخوّفاتٌ من المستقبل المجهول. يقول (محمد.ق): "خلال أيامٍ تبدّل كلّ شيءٍ في المدينة، انتقلنا من سلطة النظام إلى سلطةٍ مجهولةٍ بالنسبة إلينا. لدينا تخوّفاتٌ على عدّة أصعدة؛ أوّلها أن يكون مصير المدينة الدمار والتهجير كما حصل في حلب، وثانيها أن يكون مصير المدينة مشابهاً لما حصل للرقة، تسيطر عليها قوى دينيةٌ متطرفةٌ كداعش أو أشباهها، كما أن هناك تخوّفاتٌ من صراعاتٍ مستقبليةٍ حول حكم المدينة من قبل الفصائل العسكرية، كما حصل في عددٍ من المناطق الأخرى من إدلب، إضافةً إلى حالة الفوضى التي تسود المدينة."

 

ويضيف: "نحن الآن في حيرةٍ من أمرنا، كيف سوف نتدبر حياتنا. أنا وزوجتي مدرّسان، كنا نقبض رواتبنا من مديرية التربية، واليوم لا نعرف كيف سنعيش، هل سيستمرّ النظام في دفع رواتبنا أو سيوقفها؟."

وتشيع حالة قلقٍ كبيرٍ على كلّ الأصعدة، فطلاب الشهادات الثانوية لا يعرفون أين سوف يقدّمون امتحاناتهم. يقول الأستاذ محمد: "سمعت من زملائي أن وزارة التربية في الحكومة المؤقتة ستشرف على المدارس وعلى امتحانات الشهادة الثانوية."

 

 

ويضيف: "هناك كارثةٌ حقيقيةٌ للكثيرين؛ فطالب الشهادة الثانوية عليه السفر وتقديم الامتحانات في مدينةٍ تحت سيطرة النظام، إما حلب أو الساحل، أو عليه تقديم امتحانات الائتلاف (الشهادة الليبية)، وبالتالي سيصبح وضعه صعباً جداً، فحكومة النظام لا تعترف بهذه الشهادة وتمنع التسجيل بموجبها في الجامعات، بل تعتقل كلّ من يحملها، ولا قدرة مادية للأهالي على إرسال أولادهم إلى تركيا للدراسة الجامعية."

 

ويردف: "من يستطيع تأمين مستقبل هذه الأجيال؟."

 

أما أبو علي، الرجل السبعينيّ، فيتحدّث لمجلة "صوَر" قائلاً: "لديّ فشلٌ كلويٌّ، أحتاج إلى ثلاث جلسات غسيلٍ كلويٍّ اصطناعيٍّ أسبوعياً. كنت أجريها مجاناً في المشفى الوطنيّ. اليوم الكهرباء شبه مقطوعةٍ وطبيبي سافر إلى حلب، وأنا لا أملك المال للذهاب إلى المشافي الخاصّة أو للسفر إلى مدنٍ أخرى للعلاج. حياتنا تغيّرت خلال أيامٍ، والمستقبل مجهول".

 

وهناك مخاوف أخرى لدى بعض المدنيين على مصير أبنائهم الذين تمّ اعتقالهم على يد الفصائل المعارضة، إذ تمّ بعد السيطرة اعتقال بعض القضاة في القصر العدليّ، إضافةً إلى مدراء بعض الدوائر الرسمية كالكهرباء والمياه والخدمات الفنية.

وعن هذا الموضوع يقول الناشط الإعلاميّ أحمد الإدلبي: "ما سمعته من قيادات الفصائل أنه سيتمّ تقديم هؤلاء إلى محاكم شرعية، ومن تثبت إدانته بأيّ جرمٍ تجاه المدنيين ستتمّ محاكمته، ومن تثبت براءته سوف يطلق سراحه."

 

ومن هذه التخوّفات ما يرويه أحد أقرباء مدير الخدمات الفنية بإدلب من أنّ "عناصر من جيش الفتح اعتقلته من داخل بيته وصادرت سيارته الخاصة". ويضيف: "هناك حالة خوفٍ لدى أهله، وخصوصاً في ضوء أنباء تقول إنه سيتمّ إعدام جميع الموقوفين."

 

 

جدلٌ شعبيٌّ

 

فتحت السيطرة على مدينة إدلب، وما تبعها من قصفٍ للنظام وتدمير أجزاء من المدينة، جدلاً شعبياً بين السوريين حول الغاية من تحرير المدن.

 

يقول عمر اليوسف، من مدينة خان شيخون، لمجلة "صوَر": "ماذا نستفيد من تحريرٍ جلب لنا عشرات القتلى والجرحى يومياً، إضافةً إلى نزوح الكثير من أبناء المدينة؟ رغم إجرام النظام ومضايقاته اليومية واعتقالاته للمدنيين، فالحياة كانت مستمرّةً نوعاً في المدينة، أما اليوم فهي شبه مشلولة، فالطيران لا يفارق سماء إدلب إلا عندما تتلبّد السماء بالغيوم. كنت لا أتمنى أن تتكرّر تجربتنا في خان شيخون، حيث دُمِّرت حياتنا وأرزاقنا وبيوتنا".

 

ويضيف: "أثناء صلاتي أدعو ألا تفارق الغيوم سماء إدلب، فهي المضاد الأرضيّ الوحيد الذي نمتلكه لمنع الطيران من التحليق وقصفنا بالبراميل المتفجّرة."

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard