الفنون السورية: صور الواقع وأزمة النخب
السينما الوثائقيّة السوريّة الجديدة:
ثورة الصورة على الأنظمة والقوالب
(1)
*آراس سينو
أربعة أعوامٍ من عمر الثورة السورية، رافقتها، وبشكلٍ واضحٍ، ثورةٌ على الصعيد البصريّ والسمعيّ، كان للسينما فيها الحظّ الأوفر، وبالأخصّ السينما الوثائقية. ولم تكن الثورة في سوريا ثورةً على قوالب النظام فحسب، بل وعلى قواعد الصورة التقليدية نفسها، ما شكّل ثورةً على صعيد سينما الواقع.
في عام 2011، عند بداية الثورة، لعبت أجهزة الهاتف المحمول الدور الأكبر في نقل الحدث-الوثيقة، التي كانت حكراً على إعلام النظام فقط، واضعةً إياها في مكانها السليم، وفي حيّزٍ ديمقراطيٍّ في متناول الجميع، لتصبح المادّة الخام لصناعة أيّ فيلمٍ عن الثورة التي غيّرت وجه الشرق الأوسط برمّته. ولهذا سطع نجم الفيلم التوثيقيّ السوريّ على صعيد المنطقة والعالم.
من أوائل هذه الأفلام فيلمٌ عُرض على التلفزيون الرسميّ الفرنسيّ (فرانس 24)، لتتبعه أفلامٌ على شاشة العربية والجزيرة والـ(بي بي سي) وتلفزيون أورينت. ولكن نقطة التحوّل الكبرى كانت على يد السوريين أنفسهم، عند توجههم لصناعة أفلامٍ عن ثورتهم بإمكانياتهم الذاتية.
من التجارب الرائدة في هذا الاتجاه تجربة (سيماف)، الاسم المستعار لوئام بدرخان، التي وثّقت، منذ بداية الثورة، انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في حمص. وفي فيلمها الأوّل، مع المخرجة سارا ونيسي، عن بابا عمرو، المعروض على شاشة "أورينت"، حاولت بدرخان، بكلّ جهدها، إنتاج فيلمٍ احترافيٍّ. لينطلق المشوار فيما بعد مع نفس المخرجة بفيلمين آخرين، هما: "شارع الموت" و"حمص مقام الشوق"، اللذين عرضا على شاشة "العربية" أكثر من مرّةٍ، وفي مناسباتٍ مختلفة.
ورغم ذلك، لم ترتقِ هذه الأفلام إلى المستوى الأكاديميّ فيما يخصّ الصورة، بل على العكس تماماً، كانت قوة الوثيقة والحدث هي ما رفعها إلى مستوىً سينمائيٍّ مقبول. مع الأخذ بعين الاعتبار التصاق الحسّ الخبريّ بالعمل السينمائيّ، والذي فُرض من قبل الجهات العارضة دائماً، بالإضافة إلى أن هذه الأفلام قد صُوِّرت وأنتجت في ظروفٍ غير اعتياديةٍ أبداً.
كالعادة، لعب الإنتاج دوراً كبيراً في تغذية هذا التيار المتنامي، فقد كانت الأعمال دائماً تابعةً لجهةٍ ما فرضت، بشكلٍ أو بآخر، شروطاً قسريةً، واضعةً بذلك حدّاً كبيراً لإمكانات المخرجين الشباب. فعلى سبيل المثال، حُدّدت قيمة الفيلم التوثيقيّ، في كلٍّ من تلفزيون "أورينت" والعربية، بسعرٍ مجحفٍ قد لا يتجاوز قيمة راتب موظفٍ بسيطٍ في أحد فروع القناة. في حين كان منتجو الفيلم من الشباب يعانون القصف والقنص والملاحقة من قبل المخابرات السورية وداعش، كما في حالة عامر مطر، الشاب السوريّ الذي جهد منذ بداية الثورة لنقل الواقع السوريّ عبر أفلامه.
وفي هذا السياق، كانت أفلام أبو نضارة تجربةً مميّزةً في أعين الكثير من الصحفيين والنقاد السوريين. على الرغم من أن هذه التجربة، على الصعيد العمليّ، لم تتمتع بمزايا الفيلم التوثيقيّ أكاديمياً، وكانت تقتصر على كمٍّ من الصور والشهادات الشاعرية، في إطار مشهديةٍ غير معالجةٍ في سياقٍ دراميّ.
وبعد دخول رأس المال السوريّ في العملية، لعب تلفزيون "أورينت" دوراً كبيراً في تنشيط العملية الإنتاجية بشكلٍ متسارعٍ ومكثّف، فوصل الإنتاج إلى أربعة أفلامٍ في الشهر الواحد، وهو رقمٌ قياسيٌّ بالمقارنة مع عمليات الإنتاج التي قد تستمرّ لشهورٍ وسنين. والجدير بالذكر هنا أن التجربة لم تخلُ من الأعمال الناجحة، التي يُستشهد بها على الساحة الفنية، ولكن الكمّ طغى على الكيف، كما طغى الحسّ الخبريّ على النكهة السينمائية، بالإضافة إلى بيروقراطية العاملين في دوائر الأورينت، والذهنية التي لم تخلُ من الحسّ المناطقيّ و"البعثيّ" في كثيرٍ من الأحيان!
بشكلٍ أو بآخر، فإن البرجوازية الإعلامية السورية المعارضة، والتي كانت سابقاً في كنف النظام، استفادت من موقعها الاستراتيجيّ، الذي أمّن لها طيفاً واسعاً من العلاقات، استطاعت عن طريقه تمويل العديد من الأعمال التي مرّت بمراحل الإنتاج الاعتياديّ لأيّ فيلم، التي تكون باهظة التكلفة عادةً، لتشارك في مهرجاناتٍ عالميةٍ وتأخذ حيّزاً من الصخب الإعلاميّ المترافق بنقدٍ بنّاء، مع تجاهل طريقة التمويل وبناء السيناريو واختيار الأبطال، في كثيرٍ من الأحيان.
من جانبٍ آخر، كان لولادة مؤسّساتٍ جديدةٍ، كمؤسّسة الشارع ومشروع بدايات، أثرٌ بالغٌ في تنشيط عمليات إنتاج الفيلم التسجيليّ السوريّ، عبر أعمالٍ شبابيةٍ واعدةٍ، غُيّبت إعلامياً، على الرغم من نقائها وحسّها السينمائيّ التسجيليّ الواضح.
ومن أهمّ هذه الأعمال فيلم "حلم الوحوش القوّية" للمخرجة الواعدة لينا العبد، الذي ترصد فيه أحلام الأطفال السوريين اللاجئين في لبنان، ناقلةً ببساطةٍ وبلغةٍ سينمائيةٍ شبيهةٍ بلغة الأطفال، أحلام شعبٍ شُرّد وظُلم، ولتكون الصورة في المقابل البصريّ هي رسومات الأطفال وتعابير وجوههم البسيطة.
تجاوز الفيلم، على بساطته وقوّته، الكثير من الأفلام الأخرى التي طغى عليها الطابع الصحفيّ، كالعمل المصوّر عن مي سكاف، ليلة خروجها من سوريا، والذي أُطلق عليه اسم فيلم، تجاوزاً لكلّ التصنيفات السينمائية المتفق عليها عالمياً!!
أما في فيلم "ميغ" لثائر السهلي، عن مخيم اليرموك، والذي أنتج أيضاً من قبل بدايات، فإن الحسّ السرديّ، المرافق لترجمةٍ بصريةٍ عفويةٍ وبسيطةٍ، رفع مستوى العمل إلى مستوى أيّ فيلمٍ دراميٍّ عالميٍّ طويلٍ. إذ يشعر المشاهد للحظاتٍ أنه في قلب أحداث الفيلم، يعيش بين أبطاله ويقاسمهم معاناتهم، ما جعل "ميغ" حقاً فيلماً يرقى إلى مستوى الحدث السوريّ.
هكذا أُنتجت عشرات الأفلام التي نقلت، بشكلٍ أو بآخر، معاناة الشعب السوريّ، ونجحت في بعض من الأحيان وفشلت في أحيانٍ أخرى. وكان لها شرف المحاولة وشرف الثورة، لا على النظام فحسب، بل على المنظومة السينمائية السورية الموالية له، وعلى ذات العقلية المنهكة للحسّ البصريّ ولغة الصورة، متجاوزةً الكثير من القواعد والقوالب الأكاديمية، لتخفق أحياناً، وتبدع أحياناً أخرى، وتتابع هذا الطريق الطويل الذي بدأ بباسل شحادة مخرجاً شهيداً، واستمرّ مع وئام بدرخان سفيرةً للثورة في مهرجان كان السينمائيّ لهذا العام.
***
الدراما السوريّة: تقدّمٌ متعثّرٌ ومراوحةٌ في المكان
"شهدت الدراما السورية، ومنذ التسعينيات، ثورةً، مع الـ..."
(2)
*جوان بركات
هي الجملة المشهورة التي يحبّذ متابعو الإنتاج السمعيّ والبصريّ في العالم العربيّ قولها، وبصوتٍ عالٍ، مستشهدين بمسلسلاتٍ سوريةٍ، كـ"نهاية رجل شجاع"، و"أخوة التراب"، بوصفها أمثلةً حيّةً على تطوّر الدراما السورية. متناسين الإرث الكبير من التقاليد الفنية، الذي خلّفه كبار المخرجين السوريين، من أمثال هيثم حقي، والتي مهّدت لقيام هذه الأعمال. وناسين، أيضاً، الظروف التاريخية التقنية التي رافقت تلك الأعمال، كتوافر كاميرات فيديو خفيفة الوزن، تسمح بالتصوير الخارجيّ بشكلٍ أسهل، وتوافر أجهزة (الستالايت)، التي قامت بنشر الأعمال السورية بين جماهير العالم العربيّ، المتعطّشة إلى هويةٍ فنيةٍ موحّدة.
من ناحيةٍ أخرى، فإن التقييم الفعليّ الواجب إعطاؤه لأيّ عملٍ فنيٍّ، يرتبط، في النهاية، بالمؤسسات الأكاديمية الفنية، التي قلّما وُجدت في العالم العربي، واقتصرت على ثلاث عواصم فنية، اختلف دورها من فترةٍ لأخرى، بحسب الظروف التاريخية، ألا وهي القاهرة وبيروت وبغداد سابقاً.
هذه العواصم الثلاث، وبفعل استقلالها الجزئيّ، أو حتى الكليّ، في مراحل تاريخيةٍ معينةٍ، عن السلطة العثمانية المركزية، وطّدت علاقاتها الثقافية والفنية، وتبادلت الخبرات، مع عواصم العالم الفنية، كروما وباريس ونيويورك، تاركةً إرثاً من عادات وتقاليد الإنتاج.
وليس من الغريب، في المحصّلة، أن تكون أولى العروض السينمائية في العالم قد عُرضت في مصر، التي استقطبت خبراء وتقنيّي السينما الأجانب، الذين كنا نقرأ أسماءهم في نهاية أو بداية أغلب الأفلام المصرية القديمة.
مهَّد هذا الإرث من تقاليد الإنتاج والتسويق، وبشكلٍ صحيٍّ، لتدخل مصر عالم الدراما التلفزيونية، حاملةً راية الإنتاج التلفزيونيّ عربياً، ومعلنةً اللهجة المصرية لغةً للشاشة العربية.
ومع بزوغ نجم الاتحاد السوفياتيّ، وعواصمه الإنتاجية، من أوديسا إلى سان بترسبورغ، برز الاتجاه الواقعيّ الجديد في العالم العربي، الذي حاول السوفييت ضمّه إلى صفّهم، ناشرين بذلك تقاليدهم الفنية، ومدرستهم ذات الاتجاه الاشتراكيّ.
هذا المسار الجديد في الإنتاج الفنيّ، وما رافقه من تطوّرٍ في الرؤى وتبادلٍ للخبرات، أدّى إلى ظهور عواصم فنيةٍ أخرى في العالم العربيّ، كبغداد ودمشق، وألقى بظلاله أيضاً على التجربة المصرية، التي تأثرت سلباً به بشكلٍ أو بآخر.
ومع مرور الوقت وتراكم الخبرات تألّقت الدراما السورية، نصاً وتعبيراً بصرياً أكاديمياً، اعتمد المدرسة الروسية في التصوير والبناء الدراميّ قبلةً غير قابلةٍ للتغيير، ليتجلّى هذا في أعمالٍ (داخلية التصوير طبعاً) كمسلسل "أبو كامل"، على سبيل المثال لا الحصر. ولتمضي الدراما السورية قدماً في تطوير سبل التصوير والتقطيع والمونتاج، لتواكب، ولو بشكلٍ جزئيٍّ، الروح العالمية لقواعد التصوير، التي بقيت، بشكلٍ أو بآخر، متخلفةً في مصر، التي كان من المفترض أن تكون عاصمةً للفنّ العربيّ.
هكذا حملت دمشق راية الإنتاج الدراميّ العربيّ لفترةٍ طويلةٍ من الزمن. وبالتأكيد فإن ذلك لم يأتِ عن عبث؛ فهجرة العقول والخبرات الفنية العراقية إلى دمشق، هرباً من النظام القائم في بغداد، وتكاتف هذه القوى الفنية مع بعضها، إضافةً إلى استعانة النظام السوريّ بالفكاهة السياسية المسرحية، كمتنفسٍ شرعيٍّ مسموحٍ به لنقمة الناس، وصولاً إلى افتتاح المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق؛ كلّ هذا أدّى إلى صعود جيلٍ شابٍّ مفعمٍ بالموهبة والفهم العالي لأصول المهنة، مغذّياً بذلك حراك الدراما السورية المتعطشة إلى العمل، في الوقت الذي كانت فيه المسلسلات المصرية لا تزال تعتمد تقنية الزوم من بعيد، التي كانت مدعاةً لسخرية النقاد في الوسط الفنيّ، بوصفها تقنيةً منقرضةً منذ عشرين عاماً!
أدّى انفتاح السوق الإنتاجية في سوريا إلى دخول رؤوس الأموال السورية (المرتبطة بأجهزة النظام الاستخباراتية) في عملية الإنتاج، لتحصل على الحصّة الأكبر من الكعكة، ولتقوم أيضاً بالتحكّم بالعمل الإنتاجيّ، من لحظة كتابته إلى ساعة عرضه. رافعةً من شأن الفنان الفلانيّ على حساب آخر، ومجمّدةً العملية الإبداعية، التي تحوّلت بدورها إلى أنماطٍ متكرّرة، يُعاد إنتاجها بأسماء جديدةٍ، باستخدام نفس الممثلين والمخرجين والتقنيين.
مهّد هذا الصدأ الذي أصاب آلية الإنتاج السورية، بشكلٍ أو بآخر، لدخول العنصر الأجنبيّ إلى الساحة، عن طريق الجارة تركيا، التي كانت قد قطعت أشواطاً بعيدةً في تقاليد الإنتاج الفنيّ، ليأتي مسلسل "سنوات الضياع"، مثلاً، كسيلٍ جارفٍ أزاح معه صور الأبطال المكرّرين في الدراما السورية، كباراً أو صغاراً. هكذا غيّرت صورة "يحيى" العاشق الفقير، بشاربيه ومنظره الرجوليّ، مفهوم البطولة جذرياً في نظر المشاهد العربيّ. لتحقّق المسلسلات التركية، تباعاً، مساحةً هائلةً في ذائقة وذاكرة ثلاثمائة مليون إنسانٍ من المحيط إلى الخليج.
غير بعيدٍ عن ذلك، فإن الثورة الهائلة التي طرأت على تقنيات التصوير الضوئيّ، وظهور الكاميرا السينمائية بتقنية الفيديو، والتي وضعت في متناول الكثيرين، وبأسعارٍ مقبولة، تقنياتٍ تسمح بالتصوير السينمائيّ، جعلت الدراما العربية، سوريةً كانت أم مصرية، تواجه امتحاناً عسيراً. لتقوم الدراما المصرية بثوراتٍ تقنيةٍ جيدةٍ، لكن خجولة، تجسّدت في عدّة أعمالٍ، كمسلسل "الجماعة" مثلاً، في حين بقيت شقيقتها السورية، وبالمعنى الحرفيّ للكلمة، تراوح في مكانها.
***
مسرح الثورة السورية في الشتات: مسرحٌ جديدٌ بأدواتٍ مبتكرة
(3)
*مانيا نقوزي
بسبب الحرب غاب المسرح عن سورية التي أصبحت مسرحاً للموت بأبطالٍ لا يمثلون بل يعيشون أدوار البطولة التي ينتهي معظمها بالموت. على هذا النحو يستعيد السوريون مجد المسرح بشخوصهم الحيّة وبدمهم الحارّ.
وقد تكون بيروت، أكثر من أيّة عاصمةٍ عربيةٍ أخرى، هي الأنسب لتقديم المسرح السوريّ هذه الأيام، فهي الأقرب إلى سورية، والسوريون فيها باتوا يشكلون ربع سكان البلاد.
يقول مخرجٌ مسرحيٌّ شابٌّ، مبرّراً عمله في بيروت: "إن الوضع في دمشق صعبٌ جداً، وإقامتي حالياً في بيروت. أشعر أن جمهور المسرح في بيروت أكبر بكثيرٍ من أيّ بلدٍ عربيٍّ آخر، وخاصةً سوريا في واقعها الحاليّ".
ويضيف المخرج الشابّ: "في لبنان حرية التعبير مكفولةٌ ومقبولةٌ إلى حدٍّ بعيدٍ، مقارنةً ببقية العواصم العربية. لكن هذا لا يعني أن المسرح السوريّ في بيروت يعيش أفضل أوقاته، فالنظرة العنصرية في لبنان تجاه المسرح السوريّ، كما تجاه السوريين، أمرٌ ليس بالنادر، بل ربما كان هو الشائع".
في أمكنةٍ عربيةٍ أخرى، كما في عمّان بالأردن، اختار الفنانون السوريون المؤيدون للثورة العمل في المخيمات، مستخدمين الفنّ وسيلةً للترويح عن اللاجئين المتعبين والمعذّبين.
مسرحية "الغرف الصغيرة" لوائل قدّور، رغم بعدها عن الحدث السوريّ، عُرضت مؤخراً في عمّان، ومن بعدها قام قدّور بعرضها في بيروت. وهي عرضٌ من مئة دقيقةٍ يعالج فيه وائل قدّور قصة ثلاثة شبابٍ يقعون في الحبّ لكنهم يعجزون عن الاستمرار. فـ"صبا" تقضي ثماني سنوات في بيتها تلازم والدها الذي يعاني من غيبوبةٍ، وتعيش خسارتها لفرص العمل والحبّ، لكنها في النهاية تقع في حبّ رجل أعمالٍ، فتعيش صراعاً وخوفاً بين الاحتفاظ بالحبيب وعدم السماح لها بالزواج، وتنتهي إلى أن "قتل الوالد الذي يمثل السلطة هو الحلّ"!
وفي بيروت أيضاً قُدّم عرض «المراقب» ليامن محمد، عن نصٍّ لهارولد بنتر، إضافةً إلى مسرحية «سيلوفان» للمخرج أسامة حلال. كما قُدّمت مسرحية "عرض انفرادي" في زيكو هاوس بالصنايع، وهي من تمثيل حمود حسن، عن نصّ نبيل سايس وإخراجه.
أما مسرحية "تيكي كارديا"، المنتَجة من قبل الممثل مكسيم خليل، فقد عُرضت على خشبة مسرح بابل في بيروت، وهو المسرح الأكثر نشاطاً وتعاطفاً مع الفن السوريّ. "تيكي أركاديا" من إخراج جميل أرشيد وترجمته عن نصّ "الحقيقة" للكاتب المسرحيّ فولوريان زيلير.
وعودةً إلى عمّان حيث قدّم المخرج نوّار بلبل مسرحية "شكسبير في الزعتريّ"، واختار مخيم الزعتريّ ليكون موقعاً لعمله، معتبراً عمله على المسرحية أوّل عملٍ ذي قيمةٍ فنيةٍ حقيقيةٍ طوال تاريخه الفنيّ. فبمشاركة ستين طفلاً سورياً صنع نوّار بلبل عملاً فنياً لاقى نجاحاً وتشجيعاً ملفتين من جمهورٍ سوريٍّ وأردنيّ، رغم بساطة الأدوات المتوافرة من ديكورٍ وصوت، الأمر الذي دفع المخرج وطاقم العمل إلى تقديم العرض مرّةً أخرى في المدرج الروماني وسط العاصمة الأردنية.
وفي عمّان أيضاً قدّمت مجموعةٌ من النساء السوريات مسرحية "نساء طروادة – سورية". العرض مقتبسٌ من مسرحية "نساء طروادة" للكاتب اليوناني يوريبيدس، والذي يحكي قصّة معاناة النساء في زمن الحرب. إذ تروي مجموعةٌ من اللاجئات السوريات قصص تجربتهنّ مع الحرب والصراع في سورية، مع الحفاظ على بنية النصّ الأصليّ، واستبدال القصص الحقيقية للنساء اللاجئات بقصصه. يعتبر بعض النقاد "نساء طروادة – سورية" أوّل نصٍّ مسرحيٍّ عن الحرب في سورية.
وفي القاهرة قدّمت لويز عبد الكريم مسرحية "مندسّة"، تأليف خلف علي الخلف عن كتاباتٍ للشاعرة إيمان جانسيز. كذلك قُدّمت في القاهرة الشهر الفائت مسرحيةٌ تفاعليةٌ وفق مدرسة "مسرح المضطهدين"، مؤلفةٌ من عدّة اسكتشات، يتناول فيها المخرج عمر أبو سعدة المصاعب التي يمرّ بها السوريون في مصر، لاسيما قضية عمل الفتيات والتحرّش الذي يتعرضن له خلال عملهنّ وفي الشارع، وأعقب العرض حوارٌ مع الحضور.
وفي تركيا قُدّمت مسرحية "المعتقل" لفرقة "خطوة" الفنية ضمن فعاليات مهرجان "آن للقيد أن ينكسر" الذي أقيم في ساحة (أمينيونو) في اسطنبول. وفي تركيا أيضاً، وبرعاية تنسيقية "التآخي"، قدّمت فرقة خطوة مسرحية "الطاولة" التي لم تتجاوز مدّة عرضها الستّ دقائق.
كذلك في الريحانية في تركيا أدّى الفنانان جلال الطويل ولويز عبد الكريم مسرحيةً صامتةً للأطفال. تخللتها وصلاتٌ من الأغاني الوطنية والثورية ألهبت حماسة اللاجئين السوريين.
وفي باريس، وضمن فعاليات مهرجان أفينيون الدوليّ للفنون المسرحية، الذي يستقطب جمهوراً واسعاً من فرنسا والعالم، قدّمت الممثلة السورية دارين الجندي عرضاً مسرحياً قصيراً، قرأت خلاله نصاً طويلاً لفنانةٍ سوريةٍ شابةٍ، تحت عنوان "سورية محظوظة".
أما في لندن فقد عُرضت مسرحية "آه يا أرضي الحبيبة" وفق تقنية "ون وومن شو". وهي مسرحيةٌ تحكي المأساة الإنسانية في سوريا. المسرحية فكرة وتمثيل الفنانة الألمانية سورية الأب، كورين جابر، التي حاولت من خلال العرض كشف بعض جوانب محنة السوريين، مختزلةً ذلك في قصة امرأةٍ، أحد والديها من سوريا، تتعلّق بناشطٍ سوريٍّ فتبدأ بإعادة التواصل مع جذورها.
وتسعى المسرحية إلى إيصال صرخة ألمٍ، يشعر بها ملايين السوريين، إلى العالم بطريقةٍ جديدةٍ ومن منظورٍ مختلفٍ عن الأساليب الأخرى المستخدمة منذ اندلاع الثورة، كإظهار صفحاتٍ من مواقع التواصل الاجتماعي وعرض أشرطة فيديو من موقع يوتيوب.
***
"الثورة غداً تؤجّل إلى الغد"، عنوان المسرحية التي تمّ افتتاحها في غرفة الأخوين التوأم ملص في نيسان ٢٠١١، أي مع الشهر الثاني للثورة السورية. وقد عُرضت المسرحية في مهرجان أفنيون في فرنسا وفي سجن فرع الأمن الجنائيّ، بعد اعتقال الأخوين من مظاهرة المثقفين بحيّ الميدان، في تموز من ذلك العام. بعد ذلك تمّ عرض المسرحية في موسكو وبيروت. وبعد هروب الأخوين من سورية تمّ عرضها في تركيا وباريس والسودان وأميركا.
وفي باريس، وخلال شهر آذار الفائت، عرض الأخوان ملص مسرحية "لقاء مع الشيطان" على مسرح كلية العلوم السياسية، ضمن فعاليات الاحتفالية بالذكرى الثالثة لاندلاع الثورة السورية. ويجسّد العرض، الذي لم تتجاوز مدّته العشر دقائق، معاناة السوريين نتيجة حكم بشار الأسد ونظامه، وذلك عبر لقاءٍ بين واحدٍ من مؤيدي النظام والشيطان، وبلبوسٍ كوميديٍّ يظهر فيه الشيطان ضجراً من ممارسات بشار الأسد التي تجاوزت سلوكه الشيطانيّ.
وفي بيروت عُرضت مسرحيتان من تمثيل شبابٍ سوريين وإخراجهم، الأولى شارك فيها شبابٌ هواةٌ من مخيم المرج في البقاع، والثانية قدّمها شابان من المسرحيين المحترفين. ويقوم حالياً شابان وشابةٌ من خريجي المعهد المسرحيّ السوريّ بتدريب تسعة عشر طفلاً وطفلةً، منذ ثلاثة أشهر، على مسرحيةٍ سوف تعرض في شوارع بيروت، ويشارك فيها أطفال مدرسة بسمة وزيتونة. ويتمّ تدريب شبانٍ وشاباتٍ تتراوح أعمارهم بين خمسة عشر وثمانية عشر عاماً على مسرحيةٍ رابعةٍ سوف تعرض في أحد مسارح بيروت.
الملاحظ أن العمل المسرحيّ في المخيمات يغلب عليه الطابع التفاعليّ، ويقوم ببطولته أشخاصٌ عاديون من المخيم أو أطفال، على خلاف المسرحيات التي تُقدّم في العواصم للجمهور العام، كما في بيروت، إذ يقوم ببطولتها ممثلون محترفون. كما لا بدّ من الإشارة إلى أن المسرح السوريّ يتصف عموماً بالقوّة الدرامية، سواءً أكان العمل تراجيدياً أم كوميدياً، لكنه يعاني ضعفاً تقنياً. كما أن المؤدّين جيدون على المستوى الفرديّ، لكن أثناء تنفيذ عملٍ مسرحيٍّ جماعيٍّ تقوم النزاعات الشخصية بين الممثلين بإضعاف العمل.