info@suwar-magazine.org

الجمعيات التعاونية السكنية .. تجار العرق و الدم

الجمعيات التعاونية السكنية .. تجار العرق و الدم
Whatsapp
Facebook Share

رؤى أحمد 

 

على الرغم من الوضع الكارثي الذي وصلت إليه البلاد لا زال "رامي " , يتابع سداد الاستكتاب الذي ورثه عن والده . يقول رامي: "مع أنني لم أستلم الشقة إلى الآن لكني لا زلت أدفع استكتاب والدي بعد وفاته ، و قد مضى على أول استكتاب دفعه والدي ثمان سنوات" ثم يضيف ساخراً " أخشى أن أموت دون أن أستلم هذه الشقة و أضطر إلى توريث استكتابها إلى ابني ".

 

الحصولُ على بيت في دمشق كان أشبهُ بهاجسٍ مرضي يساور الشباب الذين لم يحلموا بأكثرَ من عملٍ و منزلٍ صغير يؤمِن حياتهم فصارت شروط الحياة الطبيعية و الضرورية ضربٌ من الترفيهِ في ظل الحرب الدائرة في سوريا والذي يستنفد روحَ و جسدَ الشباب السوري.

 

و ليس خافياً على أحد أن سوريا تُعَد من الدول الست الأولى في غلاء العقارات و على سبيل المثال لا للحصر فقد كان البيت يصل في سوريا ما قبل الثورة إلى 6  مليون دولار في مناطق مثل المالكي و  200 الف دولار في المزة و 100 الف دولار لبيت صغير في العدوي , و أصبح الشاب الأكثر حظاً هو من يملك شقةً في الريف وصل سعرها إلى 40 الف دولار في أحسن أحوالها و لهذا فقد كانت الجمعيات السكنية هي الحل الأنجع للمواطن السوري الذي يجب عليه أن يسجل قبل عشر سنوات من استلامِ البيت على أمل الحصولِ عليه في هذه المدة المحددة من خلالِ دفعِ أقساط مالية أدناها 100 دولار شهرياً علماً أن هذا المبلغ ليس مبلغاً صغيراً بالنسبة لمتوسط دخل المواطن  السوري الذي بالكاد يتجاوز ال 250 دولار حينها.

 

 

و لقد بلغ عدد الجمعيات التعاونية السكنية في سوريا حوالي ثلاثة آلاف جمعية تعاونية 620 منها في دمشق لوحدها و للأسف أن قسم كبير من هذه الجمعيات كان حقلاً للنصب و الاحتيال الذي يمارسه التاجر و المسؤول على المواطن و لقد سُجلت العديد من قضايا النصب التي ملأت القصر العدلي و لكن دون جدوى فالقانون السوري لا يحمي المغفلين الذين وقعوا ضحايا لتجارِ العرق و الدمِ السوري.

 

شركات الاستثمار العقارية بعد الثورة السورية

 

جاءت الثورة السورية لتضيف فصلاً جديداً من فصول المأساة على مستوى غلاء أسعار العقارات و خاصة ضمن ما بات يصنف على أنه مناطق آمنة، و إضافة لذلك فقد كانت الثورة فرصة للمتهربين المطالَبين بتسليم بيوت المواطنين من أجل المماطلة بتسليمها و هم يعلقون أسبابهم على شماعة الحرب الدائرة ، و هذا ما قضى على آخر أمل لدى المواطن الذي ينتظر استلام منزله منذ عشر سنوات .

 

و الأدهى من ذلك أن الكثير من رؤساء هذه الجمعيات العقارية قاموا بتصفية أعمالهم و سافروا خارج البلاد غيرَ آبهين بإعادة مئات الملايين من الليرات التي دفعها السوري من قوته و قوت عياله.

 

و هناك المئات من القصص التي تروى عن شبابٍ أمضوا عمرهم و هم يدفعون اسكتاباتهم للجمعياتِ التعاونية فلا هم حصلوا على البيت ولا استعادوا أموالهم، و قد كان لمجلة صور وقفة مع البعض منهم "يوسف و" و هو مصور فوتوغرافي يقول " قمت بتسجيل اسمي في جمعية درة الشام منذ عام 2004 ، و بعد شهرين من تسجيلي بها هرب رئيس الجمعية إلى خارج البلاد بعد أن قام بسرقة جميع الأموال المدفوعة للجمعية و لأنني متأكدٌ من عدم قدرتي على شراء منزل اضطررت أن أغامر مجدداً و أسجل في جمعية الأمل السورية و التزمت بدفع مبلغ 4000 ليرة سوري شهرياً على أمل أن أستلم بيت في ضاحية قدسيا سنة 2014 و لكن بعد قيام الثورة تم حَل هذه الجمعية و هروب المسؤولين عنها إلى خارج البلاد من دون إرجاع النقود لأصحابها علماً أن ضاحية قدسيا تعتبر من المناطق الآمنة و التي تحوي وحدات سكنية كثيرة و فارغة من السكان".

 

أما جهاد، فيقول "بلغ مجموع الاستكتابات التي دفعتها حوالي سبع مائة ألف ليرة ، و الجمعية التي تعاملت معها تمتلك حسابات بنكية نظامية لذلك لم أخشَ شيئاً ، و بعد الثورة أوقفت الشركة أعمالها و قد قاموا بالاتصال بي من أجل إعادة استكتاباتي و بالفعل أعادت لي المبلغ و لكن بعد أن كان الدولار قد أصبح بقيمة 150 ليرة ، و بالكاد يكفي هذا المبلغ المستعاد لأجار منزل لمدة سنة في دمشق".

 

لقد توقفت نهائياً كل شركات الاستثمار العقارية عن العمل في سوريا ، مع العلم أن هذه الشركات -و بحسب قول أحد موظفي البنك العقاري- لم تكن صادقة النوايا و كان كل همها الحصول على التراخيص و الاراضي من أجل جمع أكبر مبلغ من المواطنين و هذا كله كان بالاتفاق مع مسؤولين من ذوي المناصب العليا و جاءت الثورة ليجد هؤلاء مطيتهم التي سيركبونها ليتهربوا من التزاماتهم اتجاه المستكتبين و للأسف فقد سُجلت شكاوى لمئات الآلاف من المواطنين الذين ذهبت أموالهم أدراج الرياح و إن أكثر المشاريع المتبقية – ولا زال الكلام للموظف- هي عبارة عن جمعيات تعاونية بسيطة لمتعهدي بناء و ملاك أراضي .

 

الحكومة  التي عاشت كالبعوضة على دم الشعب و أثقلت من همه لا تزال إلى الآن تدافع عن مصالح تجار الدم و العرق السوري من أجل الحفاظ على رؤوس أموالهم في خدمتها، و الذي يدعو للسخرية أن الكثير من المستكتبين استكتبوا على بيوت في المناطق التي تشهد حروب طاحنة، و عند مراجعة هؤلاء المستكتبين لدائرة الشؤون العقارية يتم إخبارهم أنه سيتم نقل استكتابهم إلى شركات إعمار روسية و صينية و إيرانية لضمان حقهم في الحصول على منزل في سورية ما بعد الحرب، فهل هذا ضربٌ من الأحلام التي اعتادت الحكومة السورية  أن توزعها خبزاً على الفقراء، أم أنه ضربٌ من الخيالِ الوقح الذي يصر أصحابه على أن النظام باقٍ إلى الأبد .؟

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard