info@suwar-magazine.org

مقاتلو الحرب السورية سير مأساوية وأفق مسدود !

مقاتلو الحرب السورية سير مأساوية وأفق مسدود !
Whatsapp
Facebook Share

تصاعد العنف يزيد التطرّف عند المقاتلين في سوريا

 

(1)

كمال سروجي

 

بعد مرور أربع سنواتٍ على انتفاضة السوريين، وتحوّلها إلى صراعٍ مسلح واضح المعالم، انشقّ عشرات الآلاف من المجنّدين الذين يؤدّون الخدمة الإلزامية، وبضعة آلافٍ من الضباط برتبٍ مختلفة، وانضمّ الكثير من المدنيين إلى قوّات المعارضة المسلحة. ولجأ النظام، بعد تسارع الانشقاق في جيشه، إلى فتح باب التطوّع لعشرات الآلاف من السوريين في ميليشياتٍ منظّمةٍ، حملت تسمياتٍ كثيرةً، كجيش الدفاع الوطنيّ وكتائب البعث وغيرها. وبعد الخسائر المدوية، التي فقد فيها السيطرة على أجزاء واسعةٍ من سوريا، استقدم النظام، كتعويضٍ عن خسائره البشرية، ميليشياتٍ أجنبيةً. فاستعان بفصائل فلسطينيةٍ مواليةٍ له، كما استجلب فصائل لبنانيةً تابعةً لحزب الله، تقدّر أعدادها بعشرات الألوف، وعناصر تابعين للحرس الثوريّ الإيراني، وميليشياتٍ طائفيةً من العراق. وسجّلت منظّماتٌ حقوقيةٌ وجود مقاتلين أفغان، دربّتهم الحكومة الإيرانية وأرسلتهم للقتال لصالح النظام في سوريا.

 

في سياقٍ آخر، يشكّل العنصر الأجنبيّ العمود الفقريّ في تنظيم داعش، إذ تقدّر تقارير صحفيةٌ أعدادهم بما يزيد عن عشرين ألف مقاتلٍ، حتى بات سكان محافظة الرقة يسمعون لغاتٍ لم يعتادوا عليها، كالإنكليزية والروسية والفرنسية، ولهجاتٍ عربيةً أخرى.

 

أما فصائل المعارضة المسلحة فهي الأقلّ استجلاباً للعناصر الأجنبية. إذ ينحصر المقاتلون الأجانب في جبهة النصرة، بنسبةٍ لا تتعدى الـ15%، حسبما يؤكّد نشطاء استطلعت مجلة "صوَر" رأيهم.

 

ومع ازدياد العنف الذي يستخدمه النظام، ولا سيّما استخدام الطيران الحربيّ والبراميل المتفجرة، ما تسبّب في مقتل آلاف المدنيين الأبرياء، صارت المعارك تأخذ طابعاً أعنف وأكثر تطرّفاً. فالأطفال الذين كانوا في عمر الطفولة منذ أربع سنواتٍ باتوا اليوم شباباً، كبروا مع القصف اليوميّ بمختلف صنوف الأسلحة، واعتادوا مشاهد الدمار وانتشار السلاح في الشوارع.

 

يقول أحد الاختصاصيين الاجتماعيين لمجلة "صوَر": "خرج المقاتلون الأوائل لحماية المدنيين في المظاهرات السلمية، كما انشقّ عشرات الألوف من عناصر الجيش وأجهزة الأمن والشرطة، رفضاً لأوامر قتل المدنيين. غالبيتهم كانوا يؤمنون أن السلاح سوف يسقط النظام ويحقق أهداف ثورتهم. أما المنتمون حديثاً إلى فصائل المعارضة المسلحة، فهم يحملون أفكاراً أكثر تطرّفاً وجذريةً، لأنهم نشأوا في رحم المعاناة، ولم يروا الوجه الآخر للحياة".

 

 

ويضيف الباحث الاجتماعيّ: "يبثّ تنظيم الدولة الإسلامية أفكاره الجهادية في نفوس الآلاف من أطفال المناطق الواقعة تحت سيطرته، ما يهدّد الكثير من أبناء تلك المناطق بالتحوّل إلى مقاتلين متطرّفين والابتعاد عن الحياة المدنية".

 

وبالتزامن مع كلّ ما يحصل، هجر الكثير من المقاتلين صفوفَ المعارضة والنظام، لأسبابٍ عديدةٍ ومتشعّبةٍ، منها أسبابٌ شخصيةٌ ومنها أسبابٌ سياسيةٌ، كغياب آفاق الحلّ، والتدخلات الدولية في سوريا، والتي يرى فيها الكثير من المقاتلين ضرراً بمصلحة البلد.

 

***

مسلّحون يتخلّون عن مساندتهم لأجندات النظام

 

(2)

 

أحمد العلي

 

مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاطه، زجّ النظام السوريّ الجيشَ مقابل الشعب، وأجبر الكثير من أفراد القوّات المسلّحة على أن يكونوا في مواجهة أبناء بلدهم، كلٍّ حسب موقعه. ومع امتداد رقعة الصراع المسلح على كامل أنحاء سوريا، وازدياد العنف؛ توقّف الكثير من الجنود عن القتال إلى جانب النظام، نتيجة أسبابٍ عديدةٍ، تبدأ بالخوف من الموت أثناء المعارك، إضافةً إلى التململ من حربٍ طال أمدها وعطّلت حياة الناس، وصولاً إلى اقتناع بعضهم أن السلاح ليس هو الحلّ.

 

 

حياة (43 عاماً)، من اللاذقية، زوجة ضابطٍ برتبة عقيدٍ ركن، قُتل خلال المعارك ضد قوّات المعارضة بريف دمشق منتصف 2014. تتحدّث لـ"صوَر" قائلةً: "تطوّع ابني مع اللجان الشعبية في مدينة دمشق. وبعد استشهاد زوجي قرّرتُ العودة إلى قريتنا. وبضغطٍ مني أجبرتُ ابني على ترك اللجان الشعبية والعودة معي إلى القرية".

 

وتضيف حياة: "لا أريد خسارة ابني كما خسرت زوجي، فهو أملي الوحيد في الحياة. لا شيء يعوّض خسارتنا لرجالنا".

وهيب (اسمٌ مستعارٌ للضرورة الأمنية) ضابطٌ برتبة ملازمٍ أوّل (25 عاماً)، من ريف حمص. يقول لمجلة "صوَر": "أصبتُ في معارك بريف درعا، مما أدّى إلى بتر قدمي اليسرى، ولم أعد أستطيع القتال مجدّداً. عرضتْ عليّ القيادة العمل في مكاتب إداريةٍ تابعةٍ للجيش في العاصمة دمشق. لكنني، بعد فقدان قدمي، كرهتُ الحرب والقتال. فقرّرتُ العودة إلى حمص وممارسة مهنةٍ بعيدةٍ عن العمل العسكريّ".

 

أما نبيل، وهو ضابطٌ يحمل الماجستير في الحقوق، فيروي لمجلة "صوَر": "أؤدّي الخدمة الإلزامية منذ بداية 2011. نُقِلتُ من عملي الإداريّ، منتصف 2014، إلى أحد الحواجز المحيطة بدمشق. بعد تكرار سقوط القذائف في المنطقة المحيطة بنا، واستهداف حواجزنا بالعبوات الناسفة، قرّرتُ ترك الجيش. كانت لديّ في البداية تخوّفاتٌ كبيرةٌ من أن أُعتَبَر منشقاً، ولكن أقربائي نصحوني أن أسافر إلى قرية أمي في محافظة السويداء".

 

ويضيف نبيل: "رغم أن حياتي مجمّدةٌ، ولا أستطيع متابعة دراسة الدكتوراه، لكن حياتي الآن أفضل. تحوّلتُ إلى شخص ٍ مدنيٍّ بعيدٍ عن الحياة العسكرية، أساعد أخوالي في الأعمال الزراعية".

ضرار شابٌّ آخر كان يؤدّي الخدمة الإلزامية بريف إدلب. يتحدّث لـ"صوَر": "مع اشتداد المعارك بريف إدلب، منذ حوالي ثلاثة أشهرٍ، أدركتُ أننا سوف نهزم هناك، وربما نموت في أية لحظةٍ. منذ أكثر من عامٍ أحاول ترك الجيش والسفر خارج سوريا، لكن قلة فرص العمل في دول الجوار، وخوفي من أن يتمّ إيذاء أهلي في سوريا، منعاني من ذلك. قبيل هجوم قوّات المعارضة على مدينة إدلب قرّرت الفرار. طلبتُ إجازةً مرَضيةً، دفعت لقاءها 10 آلاف ليرةٍ كرشوةٍ لقائدي، وسافرت إلى مدينتي".

 

 

ويضيف: "لا أخرج من بيتي إلا في الحالات الضرورية، خوفاً من وشاية عملاء النظام بأنني فارٌّ من الجيش. حياتي متوقفةٌ؛ لا أستطيع العودة إلى وظيفتي، وراتبي في الجيش قد أوقف. رغم كلّ هذه الظروف السيئة تبقى ظروفي اليوم أفضل من حالة الحرب التي كنت أعيشها طوال الفترة الماضية".

 

أحمد (21 عاماً) متطوّعٌ مع جيش الدفاع الوطنيّ بمحافظة حماة. يروي لمجلة "صوَر": "أخدم في جيش الدفاع الوطنيّ منذ أكثر من عامين. انتسبتُ إليهم وأنا على قناعةٍ تامّةٍ أنه من واجبي أن أدافع عن بلدي حتى عودة الأمن والاستقرار كما كنا نعيش في السابق. لكنّ سلوكياتهم لم تعد تعجبني، وخصوصاً في موضوع سرقات بيوت المدنيين. انتسبتُ إلى جيش الدفاع الوطنيّ من أجل حماية الأهالي من الإرهاب، لا لسرقتهم. ولذلك قرّرتُ فسخ العقد، والعودة إلى العمل كبائعٍ للخضار والفواكه".

 

ويضيف أحمد: "أتحمّل نتائج قراري، رغم التهديدات التي تأتيني يومياً من رفاقي المتورّطين بهذه الجرائم، إنْ فضحتُهم ونشرتُ ما يقومون به".

علي متطوّعٌ في المخابرات الجوّية بدرعا. يتحدّث لمجلة "صوَر": "بحكم عملي اعتدنا على مداهمة بيوت المدنيين بمحافظة درعا، بحثاً عن المطلوبين، كما خضتُ عدّة معارك. لم أكن أتأثر لسقوط جرحى وقتلى من الطرف الآخر، ولكن حادثةً وحيدةً غيّرت كلّ قناعتي بعملي. في أحد الاقتحامات دخلنا إلى بيت أحد المدنيين في بلدة الحراك، وأثناء تكسير فرش البيت وسرقة الأجهزة الإلكترونية من قبل عناصر مرافقين لي، خرج طفلٌ من غرفة النوم. فوجئت به وسألته أين أبوك؟ فأجاب دون تفكيرٍ أنه قتل بقذيفة مدفعيةٍ. لذتُ بالصمت لدقائق أمام جواب الطفل، ثم خرجتُ من المنزل. ظلت كلماته تدور في ذهني لمدّة عشرة أيامٍ. طوال هذه الأيام تخيّلت ابنتي مكانه. بعد طول تفكيرٍ بهؤلاء الأيتام الذين فقدوا ذويهم على أيدي الجيش السوريّ، قرّرتُ الهروب والعودة إلى بيتي، دون التفكير بمخاطر الفرار من الأجهزة الأمنية".

 

أما روني، من مدينة السقليبية بريف حماة، الذي قاتل مع قوّات النظام في منطقة مورك وقلعة المضيق، فيقول لـ"صوَر": "كنتُ في البداية مقتنعاً بضرورة الدفاع عن الوطن. ولكن، بعد رؤية الخراب والدمار المتعمّد للمدن من طيران النظام، أدركتُ أن النظام لا يحارب مقاتلي المعارضة والإرهابيين بل يدمّر حياة المدنيين".

 

 

ويضيف: "أخجل من نفسي عندما أتحدّث عن هذه المرحلة من حياتي، إذ كنت أدافع عن نظامٍ وعائلةٍ حاكمةٍ وليس عن سوريا والوطن".

يبلغ الدكتور إسماعيل (اسمٌ مستعارٌ للضرورة الأمنية) 38 عاماً. وكان ضابطاً طبيباً في أحد المشافي العسكرية بدمشق. يتحدّث لمجلة "صوَر": "أنا ابن محافظة درعا. منذ بداية الأحداث هناك كنتُ أسعى إلى أن أكون وسيطاً بين النظام وبين أبناء مدينتي لتهدئة الأمور وإيجاد حلولٍ سلميةٍ للأزمة. ولكن العنف تصاعد، وأصبحتُ غير قادرٍ على التدخل، وصرتُ محلّ عدم ثقةٍ من قبل ضباط الأمن المسؤولين عن المشفى. قرّرتُ، بعد هذه المواقف، ترك عملي وتقديم استقالةٍ مستعجلة".

 

ويتابع قائلاً لـ"صوَر": "افتتحتُ عيادةً خاصّةً في دمشق. ورغم ابتعادي عن عملي السابق، بقيتْ بعض الأصوات المعارضة في مدينتي تتهمني بالتواطؤ مع النظام وتقديم العلاج لعناصره. كما وصلت إليّ عدّة رسائل تهديدٍ بالتصفية من قبل جماعاتٍ معارضةٍ متطرّفة".

ويضيف: "لم يفلح بُعْدُ تخصّصي الطبيّ، بالأمراض النسائية والتوليد، عن الجيش والحرب الدائرة في إثبات براءتي لدى الطرفين، فقرّرتُ الرحيل والابتعاد، علّ صوت العقل يعود مرّةً أخرى إلى الكثير من السوريين المتحاربين".

 

 

***

 

غياب أفق الحلّ وطول أمد الصراع يدفعان بمقاتلي المعارضة إلى هجر السلاح

 

(3)

 

جورج.ك.ميالة

 

مع طول أمد الصراع المسلّح في سوريا، وازدياد بطش النظام السوريّ في العامين الماضيين، وانتشار وتوسّع التنظيمات المتطرّفة، ترك الكثيرُ من المقاتلين فصائلَ المعارضة المسلحة، فيما انضمّ بالمقابل أفرادٌ جددٌ إليها. تتنوّع أسباب ترك العمل المسلح؛ وتبدأ بغياب أفقٍ للحلّ وانتهاء النزاع، إلى توسّع نفوذ التنظيمات المتطرّفة.

 

التحق محمد (25 عاماً)، من حيّ السكري بحلب، مبكّراً بلواء التوحيد، في العام 2012. وشارك في تحرير مدرسة المشاة بقيادة العقيد أبو الفرات. يقول لمجلة "صوَر": "أثناء مشاركتي بالمظاهرات السلمية، كان المتظاهرون يُقتلون أمام عيني. رأيتُ حينها أن النشاط السلميّ لم يعد كافياً، فالتحقتُ بلواء التوحيد في بدايته، وأسهمتُ معه في تحرير المدينة".

 

 

ويتابع حديثه: "في معركة تحرير مدرسة المشاة استشهد خالي أمام عيني. رغم أن الحادثة شكّلت صدمةً لي، إلا أنني قرّرت الاستمرار. لكن خوف أمي المستمرّ عليَّ، لأنني ولدها الوحيد، وبعد استشهاد خالي الذي يكبرني بعامين، دفعني إلى الخروج إلى تركيا".

 

إبراهيم ضابطٌ مهندسٌ برتبة مقدّم (45 عاماً). انشقّ من مطار التيفور بحمص في نهاية العام 2013. يروي لمجلة "صوَر": "لم أرضَ أن أصلح طائراتٍ يرسلها النظام لقتل أبناء شعبي. كنتُ مسؤولاً عن رحبة الصيانة الميكانيكية للطائرات في المطار. خرجتُ، قاصداً تركيا، بالتعاون مع ضباطٍ زملاء سبقوني في الانشقاق. مكثتُ في تركيا قرابة العام. حاولتُ التعاون مع فصائل المعارضة، لكن اختصاصي كمهندس صيانةٍ غير فعّالٍ لدى الجيش الحرّ. إضافةً إلى مضايقاتٍ تعرّضتُ لها من بعض التيارات السياسية المحسوبة على الثورة، جعلتني أترك العمل المسلح وأبحث عن عملٍ آخر".

 

ويشرح المقدّم: "لم أفلح في تأمين فرصة عملٍ، فقرّرت شراء جواز سفرٍ مزوّرٍ، بقيمة ألفي دولار، وسافرتُ إلى مصر. اليوم أعيش في مدينة 6 أكتوبر بالقاهرة، وأعمل محاسباً في أحد المطاعم السورية".

ويضيف: "لم تفلح المعارضة السياسية حتى الآن في تشكيل رؤيةٍ سياسيةٍ واضحةٍ لسوريا المستقبل. هذا الواقع يجعل الكثير من المنشقّين يتركون القتال إلى جانب قوّات المعارضة، والبحث عن فرصٍ أخرى في الحياة".

 

أما سامر، وهو مهندسٌ زراعيٌّ من محافظة السويداء (30 عاماً)، فكان يؤدي الخدمة الإلزامية في ريف حماة. يروي لـ"صوَر": "في منتصف 2012 تكرّرت حالات الاعتقال على حاجز مطار حماة العسكريّ في حقّ أبناء ريف حماة الثائر في وجه النظام. لم أعد أحتمل الوضع؛ عمليات التصفية تتمّ على الهوية دون أيّ مبرّرٍ أو محاكمةٍ أو دليلٍ يثبت علاقة المعتقلين بالفصائل المعارضة".

 

وعن قصة انشقاقه يقول للمجلة: "الطريف أنني انشققت بكامل سلاحي، بالتعاون مع أهالي مدينة خان شيخون. توجّهتُ بعدها إلى ريف إدلب، وعملتُ في مجال المعلومات الاستخباراتية مع أحد الفصائل لمدّة 9 أشهر. بعد ذلك استدعتني جبهة النصرة وطلبت مني إعلان إسلامي أمام القاضي الشرعيّ. خفتُ أن تتمّ تصفيتي في حال رفضي الأمر، فقبلتُ وأعلنتُ إسلامي، رغم أنني من الطائفة الدرزية. قرّرتُ بعد ذلك السفر إلى تركيا، وترك كلّ شيء".

 

يتابع سامر حديثه لـ"صوَر": "وصلتُ إلى تركيا ولا أعرف أيّ أحدٍ، وبحوزتي مئة دولارٍ، وليست لديّ أية وثيقةٍ ثبوتية؛ فالضباط في سوريا لا يُسمح لهم باستخراج جوازات سفرٍ أو هويّاتٍ مدنيةٍ. حاولتُ التواصل مع المجالس العسكرية ووزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة دون أية نتيجةٍ، فقرّرتُ الاعتماد على نفسي والبحث عن أيّ عملٍ يؤمّن حياتي. أمضيتُ أياماً آكل الخبز الحاف، ولا أملك ثمن علبة السجائر. وبعد رحلة بحثٍ طويلةٍ وجدتُ عملاً في معملٍ للأدوات المنزلية في أنطاكية. أتقاضى 800 ليرةٍ تركيةٍ شهرياً، توفر لي متطلباتي الأساسية".

 

 

وعن المستقبل يقول سامر: "اليوم أعيش بلا أحلامٍ أو تفكيرٍ في المستقبل. كنت أحبّ فتاةً في سوريا، وكنا متَّفِقَين على الزواج، وأنا اليوم عاجزٌ عن تحقيق ذلك. الحرب مستمرّةٌ ولا أحد يعرف في أيّ وقتٍ ستنتهي، ومستقبلي المهنيّ ضاع. أحسّ أحياناً أنني سوف أمضي حياتي في هذا المعمل وراء فرن البلاستيك".

 

ويضيف: "أتخوّف مستقبلاً من إجبار النظام على حلٍّ سياسيٍّ ما، لا يتضمّن حلولاً للضباط المنشقّين، وبالتالي لا أستطيع العودة إلى سوريا أبداً، نتيجة الخوف من عنف النظام في حقّ أمثالي ممّن انشقوا عنه".

عمر من منطقة سلمى بريف اللاذقية (26 عاماً). ترك السلاح بعد أن كان مقاتلاً في صفوف كتائب الهجرة إلى الله. التقته المجلة في مدينة مرسين جنوبيّ تركيا، بعد عدّة محاولاتٍ رفض فيها الحديث معنا لمخاوف أمنيةٍ. يتحدّث قائلاً: "تمّ أسري في المعارك التي خضناها مع تنظيم داعش في ريف اللاذقية. وخرجتُ، بعد 5 شهورٍ، بصفقة تبادلٍ معهم. قضيتُ مدّةً في بيتي بجبل الأكراد، ولكن محاولة اغتيال "أبو رحال"، قائد كتائب الهجرة إلى الله، والتصفيات التي طالت قياداتٍ عسكريةً تابعةً لقوّات المعارضة على يد عملاء للتنظيم، دفعتني إلى الهروب إلى تركيا".

 

 

ويضيف عمر: "تعقيد الوضع العسكريّ في سوريا، وكثرة التدخلات الخارجية في سياسات كتائب الجيش الحرّ، دفعتني إلى الابتعاد، منتظراً لحظةً أخرى أستطيع من خلالها تحقيق حلمي بتحرير سوريا من هذا النظام".

 

أما محمود (24 عاماً)، من منطقة الباب، فكان طالباً في السنة الخامسة بأكاديمية الأسد للهندسة العسكرية. وهو يقول لـ"صوَر": "بعد انشقاقي حاربتُ في صفوف حركة أحرار الشام الإسلامية. وبعد المعارك العنيفة مع داعش في الباب، والتي انتهت بسيطرته على المدينة، خرجتُ قاصداً تركيا".

 

وعن سبب تركه القتال ضدَّ النظام يقول للمجلة: "لم تكن خسارتنا للمعارك مع داعش هي السبب، بل سقوط برميلٍ متفجّرٍ أدّى إلى استشهاد أبي وإصابة أمي وإخوتي الصغار هو السبب الرئيسيّ".

 

ويضيف، وهو يتحدّث بصوتٍ حزينٍ: "حاجتنا موت. ماعد عنّا قدرة نتحمّل. دقنا كلّ طعمات الموت، وما سقط النظام ولا تحقّقت أحلامنا".

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard