info@suwar-magazine.org

القمح السوري عنوان جديد للصراع

القمح السوري عنوان جديد للصراع
Whatsapp
Facebook Share

مستقبلُ المحصول الاستراتيجيّ في الجزيرة مُعلّقٌ بين حكومتين

والفلاح يبقى الخاسر الأكبر..!!

 

(1)

فريد إدوار

 

بينما يحاول "شيخموس" نقل ما تبقّى من أكياس قمحه المُكوّمة في البيدر إلى مخزن القرية، كان المبلغ الذي استدانه قبل عامٍ لتأمين ثمن البذار وحراثة الأرض وكيفية تسديده؛ لا يغيب عن مخيّلته.

فبعد سنةٍ من التّرقّب والانتظار، بقي محصول "أبو دلكش"، وقَرويين آخرين بريف القامشلي، رهين المخازن، وقد يطول الزمن شهوراً عدّةً دون بوادر لبيعه للحكومة السّورية.

 

للفلاحين أسبابهم للعزوف عن بيع محصولهم للحكومة السّوريّة:

 

مخاوف الفلاحين، التي تتكرّر كلّ عامٍ منذ بدء الأزمة التي اجتاحت البلاد في آذار/ مارس 2011، وتدفع بهم إلى العزوف عن بيع محاصيلهم للحكومة السورية، يختزلها "أبو دلكش" في تأخير تسديد الفواتير وعدم دفع المستحقات.

 

 

 فضلاً عن خصم قيمة فواتير الطاقة الكهربائية، المُتراكمة أصلاً منذ 4 سنواتٍ، وكذلك المبالغ المُترتّبة على الفلاح، إما كمستحقات ديون المصارف الزراعية أو كفيلاً لفلاحين آخرين.

عدا المبالغ التي يدفعها المزارعون كإتاواتٍ للقوّات الحكومية المُتمركزة في حواجز التفتيش على الطريق المؤدّي إلى مراكز التسليم، وليس آخراً تحكّم سائقي الشاحنات برفع أجرة النقل من القرية إلى تلك المراكز بكلفةٍ تصل أحياناً إلى 200 ألف ليرةٍ سوريةٍ.

 

للحكومة أيضاً مُحفّزاتٌ لوضع يدها على كامل المحصول..!!

 

وضعت الحكومة السورية هذا العام إجراءاتٍ تحفيزيةً نصب أعين الفلاح والتاجر معاً، لضمان نقل القمح من مناطق الحسكة، شماليّ شرقيّ البلاد، إلى جنوبها. في محاولةٍ منها للاستحواذ على إنتاج الأراضي الزراعية بأكملها، وضمان منع تهريبها إلى خارج الحدود، لا سيما إلى تركيا.

 

إضافةً إلى تحديد سعرٍ تشجيعيٍّ هو 61 ليرةً للكيلوغرام الواحد من القمح، وتخصيص مبلغ 10 ملياراتٍ كدفعةٍ أولى لتمويل عمليات شراء الحبوب.

 

 

وكذلك طمأنة المُزارعين إلى أنه سيتمّ خصم 5% فقط من الإنتاج الكليّ بدل الديون المُترتبة عليهم، مع إلغاء باقي الشروط التي حدّدتها لاستلام القمح، حسب ما جاءت في الاتفاقية التي أبرمتها هيئة الزراعة والريّ في مقاطعة الجزيرة مع مؤسّسة الحبوب.

 

مراكز استلام الحبوب ضمن مناطق سيطرة الجيش السوريّ والإدارة الذاتية تلتزم الصّمت:

 

عقدت الحكومة السورية سلسلةً من الاجتماعات، مطلع العام الجاري، لضمان تسويق كافة محصول القمح ضمن محافظة الحسكة أو، كما يُسمّيها الكرد السوريون، مقاطعة الجزيرة بعد إطلاق حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) مشروع الإدارة الذاتية في مناطق شماليّ شرقيّ سوريا عام 2013.

اقتصرت خطّة الحكومة، التي باتت تُسيطر على محافظةٍ زراعيةٍ وحيدةٍ هي الحسكة، على تجهيز ثلاثة مراكز لاستلام القمح في مناطق سيطرة الجيش السوريّ.

 

 

في الوقت الذي أحجمت فيه عن تحديد مراكز مُماثلةٍ ضمن المناطق التي تُديرها الإدارة الذاتية، عقب استيلاء الأخيرة على عددٍ من مراكز الحبوب، آخرها صوامع "ملا سباط" على طريق القامشلي-الحسكة.

ولم تُخفِ مؤسّسة الحبوب، التابعة للحكومة السورية، توقّعها ارتفاع إنتاج الأراضي في الحسكة لموسم 2015 إلى 500 ألف طنٍّ. ومن المُقرّر أن تُعزّز تلك الكمية حجم المخزون الحاليّ من الحبوب.

وجاءت توقّعات ارتفاع إنتاج القمح هذا العام نظراً إلى الظروف الجوّية الجيدة، وتحسّن الحالة الأمنية ضمن مدن وبلدات الحسكة، عقب سيطرة القوّات الحكومية من جهةٍ، ووحدات حماية الشعب التابعة للإدارة الذاتية، من جهةٍ أخرى، على مساحاتٍ واسعةٍ من الأرياف الشرقية والغربية والشمالية للمحافظة.

 

وضعت هيئة الزّراعة خطّةً لشراء كامل الإنتاج.. ولكن..!!

 

لم تكن استعدادات هيئة الزراعة والريّ، التابعة للإدارة الذاتية بمقاطعة الجزيرة، أقلّ من تحضيرات الحكومة السورية. فقد أكد رئيس هيئة الزّراعة "صالح الزّوبع" عن إطلاق برنامجٍ لشراء كافة محاصيل المقاطعة، بتكلفةٍ بلغت نحو 70 مليار ليرةٍ سوريةٍ، بعد توقّع الهيئة ارتفاع الإنتاج إلى مليون طنّ.

 

 

«لكن المشروع المطروح قُوبِل بالرفض من جانب حكومة المُقاطعة، بداعي ارتفاع التّكلفة وعدم توفّر الإمكانات المادية لتغطية النّفقات»، يقول "الزّوبع".

ليقتصر دور الهيئة على شراء بذار الموسم المُقبل، التي قدّرتها بـ40-50 ألف طنٍّ لأراضي مقاطعة الجزيرة، و1000 طنٍّ لمقاطعة كوباني. مع استعدادها لشراء محصول الفلاحين، بالتنسيق مع التّجار، في حال اعتذار مؤسّسة الحبوب عن استلامه.

رغم ضخّ الحكومة السّورية مبالغ كبيرةً بالليرة في المصارف الزراعية، إلا أن تسديد فواتير القمح تأخّر، ما دفع بمئات الفلاحين إلى التراجع عن تسليم محصولهم -رغم تطمينات الحكومة- وانتظار ما ستؤول إليه الأمور.

 

نقص أكياس الخيش خلق مشكلةً أخرى أمام الفلاحين:

 

لم تتوقف اتفاقية هيئة الزراعة في مقاطعة الجزيرة مع مؤسّسة الحبوب عند آلية التّسويق فحسب؛ بل شملت أيضاً ضرورة تأمين أكياس الخيش للفلاحين بسعر 240 ليرةً للكيس الواحد، على أن يبيعوه للمؤسّسة بسعر 210 ليراتٍ أثناء تسليم المحصول. وأرسلت 3 مليون كيسٍ إلى المنطقة. لكن شكاوى المُزارعين بدأت مع موسم الحصاد، فقد أجبرهم عدم توافر الكميات اللازمة من الأكياس على الالتجاء إلى التّجار وشراء حاجتهم بسعرٍ تجاوز 250 ليرةً للكيس الواحد، وبجودةٍ أقلّ من الصناعة المحلية. في خطوةٍ وصفتها هيئة الزراعة بجشع التّجار من جهةٍ، وعدم صحّة ما يتناقله الفلاحون بخصوص نقص كميات الأكياس من جهةٍ ثانية.

 

للمحاصيل العطريّة حكايةٌ أيضاً:

 

نتيجة سنوات الجفاف المُتتالية التي مرّت بها مناطق الجزيرة، وما لحق بالفلاحين من خسائر أثقلت كاهلهم على فتراتٍ، التجأ عددٌ كبير منهم إلى الاستغناء عن زراعة القمح والشعير والتّوجّه إلى زراعة بعض المحاصيل العطرية، كالكمّون والكزبرة وحبةّ البركة، لما لها من فوائد ماليةٍ أكبر من باقي المحاصيل، حسب تعبيرهم.

يقول "أبو دلكش"، الذي يزرع كمياتٍ من الكزبرة والكمّون إلى جانب محصولي القمح والشعير: «لا تحتاج المحاصيل العطرية إلى مصاريف إضافيةٍ، كما أن تسويقها أفضل بكثيرٍ من تسويق القمح».

 

غير أن الفلاحين لا يخفون قلقهم بشأن عدم بيع إنتاجهم من الكزبرة والكمّون هذا العام، بعد عزوف التجّار المحليين القادمين من حلب وباقي المحافظات الأخرى عن المجيء إلى المنطقة بسبب الأوضاع الأمنية.

 

ويؤكّد بعض المُزارعين أن أسعار بيع تلك المحاصيل تراجعت بعد توجّه أغلب الفلاحين إلى زراعة النباتات العطرية بدلاً من القمح والشعير، ما جعل التّجار، على قلّتهم، يتحكّمون في الأسعار، في ظل رفض الحكومة شراء هذه المحاصيل.

 

إقبال الفلاحين على زراعة النباتات العطريّة سبّب مشكلةً في نسبة المحصول الاستراتيجيّ:

 

تناول البعض مشكلةً أخرى، من منطلق دقّ ناقوس الخطر في مناطق الجزيرة، بعد ارتفاع نسبة زراعة المحاصيل العطرية على حساب تراجع زراعة القمح الذي يُعدّ محصولاً استراتيجياً ومصدراً للقطع الأجنبيّ بالنسبة إلى الحكومة السورية التي حقّقت الاكتفاء الذاتيّ من هذا المحصول في ثمانينيات القرن الماضي، وصارت مُصدِّرةً للقمح منذ عام 1994، قبل أن تعود إلى استيراده عام 2008.

 

 

غير أن هيئة الزراعة والريّ في مقاطعة الجزيرة أوضحت، على لسان رئيسها "الزوبع"، أن هناك خطّةً لزراعة 50% من الأراضي الصالحة للزراعة بمحصول القمح، وهي نسبةٌ لا يمكن التنازل عنها حفاظاً على الأمن الغذائيّ. أما نسبة 50% الأخرى فتمكن الاستفادة منها في زراعة محاصيل صيفيةٍ أو أية محاصيل أخرى.

 

وحسب رئيس الهيئة، تفيد آخر إحصائيةٍ أن المساحة المزروعة عام 2015 بالقمح بجميع أصنافه بلغت 466 ألف هكتارٍ، بلغ إنتاجها 700 ألف طنٍّ. فيما وصلت المساحة المزروعة بالشعير إلى 333 ألف هكتارٍ، بإنتاج 400 ألف طنٍّ في العام الحاليّ. بينما كانت حصّة المحاصيل العطرية (الكزبرة والكمّون والحلبة وحبة البركة) 58 ألف هكتارٍ، أي 7.5% فقط، وهي نسبةٌ ضئيلةٌ مقارنةً بمحصولي القمح والشعير.

 

 

تتراوح حاجة سوريا السنوية من القمح بين 2- 2.5 مليون طنٍّ. وتشير تقارير رسميةٌ إلى أنه لدى مؤسّسة الحبوب حالياً مخزونٌ جيدٌ يكفي، مع إنتاج الموسم الحاليّ، لأكثر من عامين.

 

وفي الوقت الذي يستمرّ فيه السّجال خلف الأبواب المُغلقة، سواءٌ لدى الحكومة السورية أو لدى الإدارة الذاتية بمقاطعة الجزيرة، حول تأمين كلٍّ منهما حصّته من مخزون مادة القمح، يبقى مصير محصول "شيخموس" ومئات الفلاحين الآخرين مُعلّقاً بين جشع التّجار من جهةٍ، ولا مبالاة الجهات الرسمية من جهةٍ أخرى.

 

***

 

القمح السوريّ يحترق، والمدنيّون يستنفرون لإنقاذه

 

(2)

 

ليليا نحاس

 

يمرّ موسم حصاد القمح في سوريا هذا العام بأيامٍ حرجةٍ، إذ أطلق مزارعون ومعنيّون بالأمن الغذائيّ نداءات تحذيرٍ بعد التهام الحرائق لآلاف الدونمات المزروعة، والتي تشكّل الضامن الوحيد للمزارعين في تأمين معيشتهم طوال العام القادم، ومصدراً لـ50% على الأقلّ من الاستهلاك المحليّ من القمح.

 

 

النظام يستهدف ريفَيْ إدلب وحماة

 

تشهد محافظة إدلب قصفاً مكثفاً من طيران النظام على مختلف القرى والبلدات. ويتّهمه المزارعون بتكثيف هجماته على المنطقة متعمّداً إحراق محصول القمح.

يقول الناشط الإعلاميّ غزوان الإدلبي لمجلة "صوَر": "تعمّد النظام إحراق جميع الأراضي المحيطة بمطار أبو الضهور العسكريّ، آخر معاقله في إدلب".

 

فيما أكّد المركز الإعلاميّ في أبو الضهور، على صفحته على موقع فايسبوك، أنّ طيران النظام قام بأكثر من 125 غارةً جوّيةً خلال أيامٍ على القرى المحيطة بالمطار.

وعن الأسباب وراء ذلك يقول غزوان: "إن الهدف الأساسيّ هو منع اختباء مقاتلي المعارضة في هذه الحقول، إذ إن إحراقها يجعلها أرضاً مكشوفةً يسهل استهدافها".

 

 

ويضيف: "يريد النظام أيضاً أن يحرم أهالي المحافظة من مصادر الحياة، بعدما فقد السيطرة عليها. فالخبز هو الغذاء الأساسيّ للمواطن السوريّ، وإحراق الحقول سوف يرفع أسعاره، ويجبر سكّان المناطق على استيراده من الخارج، ما يفقدهم حالة الأمن الغذائيّ المتردّية في الأصل".

 

وفي سياقٍ آخر ذكرت مصادر إعلاميةٌ أن النظام أحرق جميع الأراضي الزراعية المحيطة بحواجزه في مدن مورك وحلفايا وطيبة الإمام، إضافةً إلى جميع الحقول التي تشكّل نقاط تماسٍّ مع قوّات المعارضة.

 

يقول أحمد العمر، من مدينة مورك، لمجلة "صوَر": "بعدما هدم النظام بيوت الأهالي، يريد أن يحرق مصدرهم الاقتصاديّ الوحيد، بعدما توقفت التجارة والصناعة".

 

مشاركةٌ لداعش وقوّات الحماية والتحالف

 

يشهد ريف حلب معارك عنيفةً بين قوّات المعارضة وتنظيم داعش، إضافةً إلى معارك بين قوّات الحماية الكردية وداعش في ريف عين العرب (كوباني) شرقيّ حلب.

وذكر نشطاء من ريف كوباني لمجلة "صوَر": "يقوم طيران التحالف الدوليّ بإشعال الحرائق في الأراضي الزراعية، من أجل تفجير الألغام التي زرعها التنظيم قبيل انسحابه منها".

كما اتهم نشطاء من مدينة مارع تنظيم الدولة الإسلامية بتعمّد قصف الحقول بالرصاص الخطّاط والمدفعية الثقيلة من أجل حرمان الأهالي من موسم الحصاد.

 

حلولٌ وقائيةٌ

 

يوضح المهندس الزراعيّ سراج طعمة لمجلة "صوَر": "تفاءلنا خيراً بموجة الأمطار والثلوج غير المسبوقة التي شهدتها سوريا، لكن هجمة الحرّ الشديدة جعلت الأراضي في حالة جفافٍ شديدٍ، إلى درجة أن رصاصةً طائشةً أو شعلة نارٍ صغيرةً كفيلةٌ بالقضاء على آلاف الدونمات".

 

ويقترح طعمة: "في ظلّ الأحوال الميدانية السيئة، وضعف تجهيزات فرق الدفاع المدنيّ، أنصح المزارعين بزراعة صادّاتٍ للرياح، كشجر السرو أو أيّ نوعٍ سريع النموّ، توضع مع اتجاه الرياح. حتى لو تمّ نقلها من أماكن أخرى".

 

ويضيف: "وأنصح بفصل الحقول عن بعضها بحفرٍ عميقةٍ لتجنّب انتقال عدوى النيران. إضافةً إلى مراقبة الأراضي بشكلٍ يوميٍّ، وعلى مدار الساعة، من أجل السيطرة على أيّ حريقٍ يشبّ في بداياته".

 

الدفاع المدنيّ في حالة استنفارٍ

 

أعلن الدفاع المدنيّ في مناطق سيطرة المعارضة عن قيامه باستعداداتٍ لحماية مواسم القمح. وأوضح مدير الدفاع المدنيّ في محافظة حمص، عبد المنعم سطيف، أنهم قاموا "بحملة توعيةٍ تحت عنوان (معاً لحماية محصول القمح)، من خلال توزيع مناشير وملصقاتٍ، تحذّر الناس من إشعال النار بالقرب من الأراضي الزراعية". وأضاف في حديثٍ مع المجلة أنهم وزّعوا "صهاريج الإطفاء في نقاط متفرّقةٍ في محيط الأراضي الزراعية، وبالقرب من مناطق الاشتباك، تحسّباً لأيّ حريقٍ قد ينشب هناك".

 

 

ولكن الحال أكثر سوءاً في مناطق إدلب وحلب، حيث تعجز فرق الدفاع المدنيّ، نتيجة قلّة الآليات، عن القيام بالمهامّ الموكلة إليها. يقول صلاح، أحد عناصر الدفاع المدنيّ بريف حلب الغربيّ: "ليست لدينا سيارات إطفاءٍ تسدّ حاجة إطفاء الحرائق الناجمة عن قصف البراميل المتفجّرة، وإطفاء حرائق الحقول. كما أن هناك نقصاً في الكوادر البشرية".

 

ويزداد الوضع سوءاً في أرياف الحسكة ودير الزور والرقة، حيث ينعدم وجود سيارات الإطفاء، ويلجأ الأهالي إلى إطفاء الحرائق بأدواتٍ بسيطة.

 

سباقٌ بين الحكومتين على الشراء

 

أعلنت المؤسّسة العامة للحبوب في الحكومة السورية المؤقتة أنها أرسلت 4500 طنٍّ من القمح الطريّ المخصّص لصناعة الخبز إلى محافظتي حلب وإدلب من أجل حفظه في مستودعات المؤسّسة. كما أكد مدير المؤسّسة، المهندس حسان المحمد، أنهم بصدد إرسال 4000 آلاف طنٍّ إلى محافظة درعا.

 

 

وتحاول الحكومة السورية المؤقتة، رغم إمكانياتها المادية الضعيفة، أن تشتري المواسم من الفلاحين بأسعارٍ مناسبةٍ، محاولةً منها لدفع العجلة الاقتصادية في المناطق المحرّرة، لتجنّب استيراد كمياتٍ كبيرةٍ بالقطع الأجنبيّ.

 

وبالتوازي مع ذلك، تحاول حكومة النظام دفع مبالغ أكبر من أجل الحصول على مواسم القمح من المناطق الخارجة عن سيطرتها، عبر وسطاء. إذ يؤكّد نشطاء محليون في الرقة ودير الزور أن النظام يتفاوض مع داعش من أجل شراء القمح عبر تجار السوق السوداء.

 

يقول الخبير الاقتصاديّ أحمد الحسن لمجلة "صوَر": "يحاول النظام شراء القمح من أجل تجنّب استيراده ودفع المزيد من الأموال بالقطع الأجنبيّ، الذي يعاني بنكه المركزيّ من نقصٍ كبيرٍ فيه. كما أن المعارضة، بمختلف تشكيلاتها، تحاول شراء القمح والتخفيف من الاستيراد، بسبب نقص التمويل الدوليّ الذي تحصل عليه".

 

برنامج الغذاء العالميّ يدعو إلى وقف القتال

 

دعت منظمة الأغذية العالمية "فاو" إلى وقف القتال في سوريا، حتى يتسنّى للمزارعين حصاد محصول هذا العام ونقله إلى داخل البلاد بأمانٍ، ليصل إلى جميع السوريين المحتاجين.

 

وأشارت المديرة التنفيذية للبرنامج "إرثارين كازين" إلى أن "حصاد العام قد يتجاوز حصاد العامين السابقين، إلا أن السوريين لن يستفيدوا منه ما لم يتسنَّ للمزارعين حصادُه ونقله إلى الأسواق وتوزيعه بأمانٍ ودون عوائق بين المناطق السورية".

 

وأضافت المسؤولة، التي أيّدها في دعوتها المبعوث الأمميّ إلى سوريا "ستيفان ديمستورا"، أنّه "بدون هدنةٍ إنسانيةٍ يلتزم بها كافة الأطراف، وتوفّر وصول الغذاء بدون عقباتٍ وممرّاتٍ لنقله، سيعاني الناس من الجوع على الرغم من موسم حصادٍ جيّدٍ، وستبقى الأسعار مرتفعةً".

 

ويتوقع خبراء زراعيون أن إنتاج القمح سوف يرتفع إلى 3 مليون طنٍّ، بزيادةٍ ملحوظةٍ عن إنتاج العام الماضي، والذي قدّر بحوالي 1,7 مليون طنٍّ، بسبب موجة الأمطار والثلوج الغزيرة التي لم تشهدها سوريا منذ عقودٍ مضت.

 

***

 

مواسم الجنوب السوريّ هدف المعارك الدائرة بين المعارضة والنظام

 

(3)

 

عمار خصاونة

 

كان يطلق عليها اسم "أهراء روما"، لما لها من أهميةٍ عظيمةٍ في الزراعة، خصوصاً القمح. حوران.. تلك المنطقة الخضراء السهلية ذات التربة الحمراء. ليست حوران حديثة العهد بأهميتها وميزاتها وخصائصها، بل كان لها الدور الكبير عبر كلّ الحضارات المتعاقبة على أرض سوريا. تتميّز بالإنتاج الزراعيّ، إذ إن طبيعة المنطقة وتربتها، وما تحويه من معادن ومياهٍ جوفيةٍ، تجعل الأرض خصبةً صالحةً لمعظم أصناف المزروعات.

 

 

ولا يمكن نسيان ما تمثله درعا بالنسبة إلى النظام السوريّ. فبصفتها منطقةً خصبةً فإن نسبةً كبيرةً من أهلها يعملون في الزراعة، التي يبلغ عدد المشتغلين بها 26750 عاملاً، إضافةً إلى مهنهم الأساسية. وبسبب اتساع المساحات الزراعية في المحافظة، إذ تبلغ مساحة الأراضي المستثمرة 232 ألف هكتارٍ؛ كان لها دورٌ كبيرٌ في نظرية الاكتفاء الذاتيّ، كما أنها أسهمت بشكلٍ كبيرٍ في الناتج السنويّ والدخل القوميّ.

 

مع بداية الأحداث في سوريا، عام 2011، لم تتأثر المحاصيل الزراعية والمزارع كثيراً. ليبدأ التأثر الفعليّ في عامي 2013-2014، حين تعرّضت الزراعة لعدّة عوامل أثرت على إنتاجها السنويّ وعلى المزارع وعلى الأهالي. فارتفاع أسعار المحروقات، وارتفاع أجور اليد العاملة، وصعوبة التنقل والتسويق، وصعوبة الحصول على السماد المناسب والمبيدات الحشرية؛ كلها عوامل أدّت إلى تقلص الإنتاج السنويّ، وإلى أن يكون سعر المنتوج الحاصل مرتفعاً إلى درجة أنه يصعب على الكثيرين شراؤه، رغم ضرورته في الحياة اليومية.

 

برزت المشكلة في الموسم الحاليّ، بعد أن تدخلت المعارضة السورية بإنشاء مؤسّساتٍ تحاول من خلالها إدارة شؤون المدنيين في المناطق التي خرجت عن سيطرة الحكومة. عمدت لجان الزراعة، والمكتب الزراعيّ التابع لمجلس محافظة درعا، إلى تكثيف زراعة القمح لجودته. إذ يمتاز قمح درعا بنوعه الذي يسمّى "القاسي"، ويدخل في صناعة المعجنات والمعكرونة، كما يصلح لصناعة الخبز. بدأت المعارضة تروّج لفكرة أن الفلاحين لن يبيعوا الحكومة السورية أيّ شيءٍ من المحصول، الذي ستقوم المعارضة بشرائه من المزارع بسعرٍ أعلى من الذي حدّدته الحكومة.

 

هذا ما دفع بقوّات الجيش السوريّ إلى القصف بشكلٍ عشوائيٍّ، أثناء الاشتباكات مع المعارضة المسلحة، على حقول القمح بدرعا في مواسم الحصاد، مما يؤدّي إلى اشتعال مساحاتٍ شاسعةٍ، بطريقةٍ وسرعةٍ تعجز طواقم الدفاع المدنيّ عن إخمادها.

 

أبو نعيم من أهالي مدينة درعا، يعمل فلاحاً منذ 16 عاماً، يوضح لمجلة "صوَر": "كانت تجهيزاتنا الزراعية ومستلزماتنا متوفرةً قبل الأزمة. لكن بعدها أصبحت الحكومة تحاول التضييق علينا، بسبب رفضنا بيع القمح لها. قاموا بقصف محاصيلنا وإحراقها بشكلٍ كاملٍ. تمّ قصف محصولي، وأصبحت أموالي رماداً لأنني وضعتها كلها في هذه الأرض، التي لم يبقَ لنا سواها لنعيش منها".

 

 

ليس أبو نعيم الوحيدَ الذي أحرقت مزرعته بسبب قصف الجيش السوريّ للمنطقة، بل يشترك معه أبو بلال، من مزارعي الجنوب، في الكارثة، إذ كان نصيب محصوله الاحتراق بالطريقة نفسها. يقول: "من الصعب عليك أن تستوعب الأمر. نحن أناسٌ بسطاء، نضع جهدنا على مدار السنة في زراعة الأرض لكي نحصل في نهاية الموسم على بعض النقود. ثم، فجأةً، يتحوّل الموسم إلى رماد! هذا أمرٌ لن يستطيع أحدٌ فهمه إلا المزارعون أمثالنا".

 

ربما لا يعبّر الكلام عن الواقع الذي يعانيه الفلاحون والمزارعون في محافظة درعا جرّاء احتراق محاصيلهم، وفقدان مصدر رزقهم وقوت أطفالهم، بقصف الجيش لتلك المزارع، بحجّة وجود عناصر المعارضة المسلحة.

 

غير أن احتراق المحاصيل في تلك المنطقة لم يكن دوماً بفعل قوّات الجيش السوريّ، بل تشترك في المسؤولية عن ذلك بعض كتائب المعارضة المسلحة نتيجة الاشتباكات التي تحدث بينها من وقتٍ إلى آخر. فقد احترقت المحاصيل، بحسب شهودٍ، على مساحة أكثر من 400 دونمٍ، نتيجة المعارك الدائرة والقصف المتبادل في ريف درعا الغربيّ بين جبهة النصرة ولواء شهداء اليرموك المُتَّهم بمبايعة تنظيم الدولة الإسلامية. ونتيجة اتساع رقعة الأراضي الزراعية في تلك المنطقة فإن أية قذيفةٍ تسقط في أرضٍ زراعيةٍ تؤدّي إلى اشتعالها فوراً، خصوصاً أن غالبية الأراضي مزروعةٌ بالقمح، وأنها في موسم الحصاد.

 

كان كلٌّ من طرفي الصراع في المنطقة الجنوبية يبني مشاريع على الموسم الحاليّ، غير أن نيران المعارك المندلعة هناك أكلت الأخضر واليابس.

يشرح المهندس نزيه قدّاح –مدير المكتب الزراعيّ في مجلس محافظة درعا– لمجلة "صوَر" مشروع المكتب لهذا العام، والذي تضمّن زراعة 200 ألف دونمٍ لتعطي إنتاجيةً متوقعةً تصل إلى أكثر من 88 ألف طنٍّ من القمح. وبحسب الخبراء فإن هذه الكمية تنتج ما يقارب الـ70 ألف طنٍّ من الطحين. وقد أشار قدّاح إلى أن الأمطار الغزيرة توزّعت على المنطقة طوال العام الماضي، ومن المتوقع أن ينتج الدونم الواحد 500-600 كغ من القمح.

 

وأوضح قدّاح أن الحكومة السورية المؤقتة، التابعة للائتلاف الوطنيّ السوريّ، قد خذلتهم ولم تفِ بوعدها بإرسال الأسمدة وتأمين بعض المستلزمات، ولا بدّ لهذا أن يضرّ بالناتج المتوقع والنتيجة النهائية للمشروع. مركّزاً على أنهم يسعون إلى تحقيق اكتفاءٍ ذاتيٍّ من القمح تحديداً في المحافظة.

 

فيما يصرّح الأستاذ رياض الربداوي –مسؤول مديرية الحبوب التابعة للمؤسّسة العامة للحبوب في الحكومة المؤقتة– أن الحكومة فشلت في دعم مشروع شراء القمح من المزارعين. ولذا قامت المؤسّسة، بضمان مجلس محافظة درعا، بطلب قرضٍ من المهندس وليد الزعبي بقيمة 500 ألف دولار. تمّت الموافقة على القرض، والمال الآن في الأردن، بانتظار الحصول على موافقةٍ لدخوله إلى سوريا كي نبدأ الشراء.

 

 

وقال الربداوي: "سنشتري طنّ القمح بـ220 دولاراً، أي أننا سنشتري بالقرض ما يقارب 2200 طنٍّ. وقد وقّعنا عقداً مع مؤسّسة إعمار سوريا للحصول على مطحنةٍ خاصّةٍ لدرعا، بطاقةٍ إنتاجيةٍ تبلغ 50 طنٍّ يومياً. والمطحنة الآن في انتظار إنهاء إجراءات الشحن التي كان من المتوقع أن تنجز قبل نهاية شهر رمضان، وعندها سنتمكّن من طحن القمح الذي نشتريه وبيعه للمجالس المحلية. ستقوم مؤسّستنا بتحمّل 20% من التكلفة، وتبيع الطحين بسعرٍ أقلّ من التكلفة. وبالنقود التي نحصل عليها سنقوم بشراء القمح من باقي المزارعين".

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard