info@suwar-magazine.org

حروب النفط ونيران الحرّاقات في دير الزور

حروب النفط ونيران الحرّاقات في دير الزور
Whatsapp
Facebook Share

 

حروب النفط ونيران الحرّاقات في دير الزور
- صراع مستعر بين النصرة وداعش والعشائر للسيطرة على الموارد النفطية

-حقول نفطية هامة تحت سيطرة مراهق يديرها وفق هواه!
- اتفاقات سرية بين المعارضة المسلحة والنظام لبيع النفط وتكريره



تحقيق: كمال أوسكان


 

"أصبحت ملامح الناس شاحبة ومختنقة وكأنهم مرضى جراء دخان الحرّاقات التي تغطي سماء ريف دير الزور بسحب سوداء، كما تغطي بسوادها صوف المواشي"، بهذه الكلمات يصف محمد أحد أبناء مدينة دير الزور  حالة منطقته التي تحولت حسب وصفه إلى جحيم  نتيجة حروب النفط وتجاره من أصحاب الحرّاقات، بعد أن فقدت القوات الحكومية السيطرة على معظم حقول النفط في ريف دير الزور.

 

دخل الصراع على النفط ساحة الأزمة السورية ليصبح أحد أوجه الحرب المعقدة الدائرة على الأراضي السورية، وذلك لما توفره هذه الخامة من موارد مالية تمكّن الأطراف من الاستمرارية في حربها وحرمان الأطراف الأخرى من هذه الموارد، ولم يقتصر الصراع  على حقول النفط في محافظة دير الزور على الاشتباكات بين النظام والمعارضة المسلحة، حيث انحسر وجود النظام في المحافظة ليشمل أجزاء محدودة من مدينة دير الزور فقط، وفقد معظم الحقول التي تقع في الريف، ليصبح الصراع بين المجموعات المسلحة نفسها أكثر ضراوة حول الطرف الذي سيفرض سيطرته على تلك الحقول المترامية ويتحكم بمواردها.

 

 

شكل إنتاج النفط السوري البالغ 385 ألف برميل يومياً مورداً أساسياً للحكومة السورية قدر بما يزيد على 3 مليارات دولار  قبل اندلاع النزاع في البلاد، حيث كان يصدّر في غالبيته إلى أوروبا، إلا أن وزير النفط والثروة المعدنية سليمان العباس أعلن أن إنتاج سوريا من النفط تراجع بنسبة 96 بالمائة منذ منتصف مارس 2011. بحيث وصل إلى 14 ألف برميل يومياً .وعزا الوزير هذا التراجع في الإنتاج إلى زيادة الهجمات المسلحة على البنى التحتية لإنتاج ونقل النفط, وإلى العقوبات الغربية على قطاع النفط وتعليق الشركات الأجنبية عملها في مجال الاستكشاف والتنقيب مما أدى إلى مصاعب فنية ومالية في تأمين مستلزمات العمل والإنتاج.

 

حقول محافظة دير الزور التي تعتبر المصدر الأكبر لهذا الإنتاج باتت اليوم تحت سيطرة عدة أطراف مسلحة وأخرى عشائرية في حالة نزاع دائم لاحتكار السيطرة على الموارد النفطية.

 

توزع السيطرة والانتاج

 

كانت ثلاث شركات تدير حقول دير الزور النفطية، أكبرها شركة الفرات الحكومية التي كانت تستثمر كل من الحقول التالية: (حقل العمر - حقل التنك - حقل الورد - حقل التيم - حقل العزبة) . يبلغ إنتاج حقول العمر والعزبة التي تضم قرابة 50 بئراً حوالي  20 – 25 ألف برميل يومياً، بينما كان إنتاج حقل التنك الذي يضم150 بئراً تقريباً 40 ألف برميل يومياً، وحقلي التيم والورد ينتجان 50 ألف برميلاً من 20 بئراً تقريباً. وتدير شركة دير الزور  حقلي القهار والجفرة، بينما تدير الشركة السورية للنفط حقلي ديرو ومحطة الكشمة. غير أن الإنتاج تراجع إلى 30% وفق أحد المهندسين العاملين في تلك الحقول، وذلك بعد سيطرة المجموعات المسلحة عليها. حيث تسيطر الآن جبهة النصرة على حقل الورد كما تسيطر الهيئة الشرعية المركزية بالتشارك مع جبهة النصرة على حقل العمر، وما يزال حقل التيم منطقة اشتباك بين المعارضة المسلحة والقوات الحكومية، حيث يبعد هذا الحقل عن مدينة ديرالزور 20 كلم على طريق دمشق.

 

يتم ضخ قسم من إنتاج هذه الحقول إلى مصفاتي حمص وبانياس مقابل مبالغ مالية تدفع لجبهة النصرة بموجب اتفاق موقع بين النظام والجبهة وفق بعض المصادر من داخل تلك الحقول رفضت الكشف عن اسمها، كما توجد اتفاقية بيع أو حماية بين الحكومة والهيئة الشرعية المركزية في ما يخص خط الغاز بقيمة 50 مليوناً يومياً وفق المصدر ذاته، و يتم بيع القسم الآخر من الإنتاج بشكل خام حيث يتم تكريره عبر الحراقات أو يتم نقله إلى ريف حلب وإدلب من خلال التجار لبيعها هناك.

 

كيف يحصل المواطن على مشتقات الطاقة

 

 بات المواطن اليوم في محافظة دير الزور هو من يدفع الثمن في مثل هذه الظروف، فقد ينتظر لساعات أمام محطات الوقود، في حين ينقطع التيار الكهربائي بشكل يومي بسبب صعوبة تزويد محطات الطاقة بالوقود، وذلك كلما خطر على بال من يسيطر على الحقول قطع الوقود للحصول على مزيد من الأموال.

 

يتم توفير الطاقة في دير الزور من مصدرين: الأول إنتاج محلي أو تكرير عن طريق ما يعرف محلياً بالحراقات، وهي طريقة بدائية يتم فيها وضع خزان النفط الخام على النار إلى حين غليه فيخرج مشتقات النفط من مازوت وبنزين وكاز ، وهي منتشرة بشكل كبير في معظم ريف دير الزور ، أما المصدر الآخر فيقوم على جلب مشتقات النفط من مصفاة بانياس من قبل أصحاب محطات الوقود لكن بأسعار مضاعفة وذلك لمخاطر الطريق، بالإضافة إلى استخدام "المرافقة" وهي عبارة عن  كتائب مكونة من 30-40 مسلح يستخدمون لغرض توصيل الصهاريج الوقود بشكل آمن ضمن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة مقابل مبالغ مالية قد تتجاوز 120 ألف ليرة للصهريج الواحد، مما فرض عدم الاستقرار في أـسعار مشتقات النفط بين الصعود والهبوط وفق الوضع الأمني والاشتباكات التي تحدث في تلك الحقول .

 

جدول باسعار مشتقات النفط:

 

حروب النفط بين مجموعات المعارضة المسلحة

بعد خروج النظام من الحقول النفطية نتيجة الاشتباكات بينه وبين المعارضة المسلحة أخذت المعارك في تلك المنطقة من محافظة دير الزور طابعاً مختلفاً يظهر في الانقسام الحاد بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة، رغم الأيديولوجيا الواحدة التي تجمعهما، يعود هذا الانقسام إلى محاولة كل جهة السيطرة على حقول النفط والغاز الموجودة في المنطقة نظراً للعوائد المادية التي تجنيها من السيطرة على تلك الحقول، أول تلك المعارك حدثت للسيطرة على حقل الغاز "كونيكو" الواقع على بعد 15 كلم من مدينة دير الزور بين الهيئة الشرعية وبعض الكتائب التابعة للعشائر .

 

جوجو يدير الحقول ويفرض الضرائب

 

استولى "جوجو" البالغ من العمر 19 سنة من قرية الخشام  على حقل الغاز "كونيكو" والآبار النفطية القريبة أثناء الاشتباكات مع القوات الحكومية ، يقود جوجو مجموعة مسلحة تسمى بـ"جيش جوجو " تضم حوالي 250 مقاتلاً من أبناء عشيرة البكارة التي ينتمي إليها،و يملك 4 دبابات و23 مضاد طيران. اشتبك مع الكتائب التابعة للهيئة الشرعية المركزية عندما حاولت تلك الكتائب انتزاع هذا الحقل منه للأهمية الاقتصادية التي يتمتع بها، حيث تبلغ إيراداته اليومية قرابة 200 مليون ليرة، بحسب ما صرح به جوجو لأحد الإعلاميين، كما يزود حقلا كونيكو والعمر  مدينة حمص بالغاز، التي تعتبر مصدر التيار الكهربائي في دير الزور عبر خط الجندلي أو ما يعرف باسم خط الـ400.  تم اعتقال جوجو في تلك الاشتباكات غير أن الموالين له من أبناء عشيرته قطعوا الغاز عن محطات توليد الكهرباء مما اضطر الهيئة إلى التفاوض معهم وإطلاق سراحه.

 

واعتاد جوجو الذي دُعم من قبل تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام على قطع الغاز بشكل شهري عن محطة الجندلي التي تزود محافظة دير الزور بالكهرباء، مما يضطر كل من المعارضة والحكومة إلى دفع أتاوات له لإعادة ضخ الغاز.

 

جبهة النصرة وتنظيم الدولة

 

الاشتباكات المتكررة بين تنظيم الدولة (ISIS) والهيئة الشرعية المركزية التي تضم كل من جبهة النصرة وحركة أحرار الشام وبعض الكتائب المحلية  الصغيرة أدت إلى إضعاف نفوذ جوجو مما اضطره إلى التخلي عن حقل كونيكو لصالح جبهة النصرة مع الاحتفاظ بالآبار النفطية القريبة.

 

لكن "والي" تنظيم الدولة في دير الزور طالب بحصته في حقل كونيكو بعد ان أصبح تحت سيطرة الجبهة  معلِّلاً ذلك بأنه كان ينوي تحريره من قبل، مما اضطر جبهة النصرة أن تخصِّص نسبة من ناتج الحقل لجماعة الدولة، مع ذلك استمر التوتر بين الطرفين حيث اتهمت جبهة النصرة والي تنظيم الدولة في دير الزور بسرقة ما يقارب 5 ملايين دولار بحسب بيان أصدرته الجبهة.

 

 

واندلعت اشتباكات بين الطرفين بعد هجوم للجبهة على مقرات تنظيم الدولة بمنطقة المعامل وحقل الجفرة في دير الزور، مما اضطر عناصر تنظيم الدولة إلى الانسحاب من محافظة دير الزور الغنية بالنفط وانفراد الهيئة الشرعية المركزية بحقول النفط والغاز إلى جانب قوت العشائر في بعض المناطق.

 

الهيئة الشرعية المركزية لمواجة تنظيم الدولة

 

الهيئة الشرعية المركزية هي عبارة عن تجمع فصائل محلية في مدينة الميادين تضم كل من جبهة النصرة وحركة أحرار الشام وبعض تشكيلات محلية الصغيرة حاولت خلال الفترة الماضية أن تكتسب نوعاً من الشرعية من خلال تنظيم بعض الجوانب الإدارية والخدمية في المحافظة، تتضمن القضاء ولجان خاصة بالبلدية والنظافة، بالإضافة إلى التشكيلات العسكرية التابعة لها والتي تحاول من خلالها فرض سيطرتها كل كامل الحقول النفطية الموجودة وفق آخر بيان أصدرته والذي تهدر فيه دم كل من يرفض تسليم آبار النفط، غير أن رغبة الهيئة الشرعية  تصطدم بطموح بعض القوى العشائرية التي تسيطر بدورها على قسم من تلك الحقول الواقعة ضمن مناطق نفوذها وتحاول الاستفادة منها لمصلحة أفرادها.

 

تبعات حرب حقول النفط على المواطنين

 

نتيجة الفوضى في ريف دير الزور يعاني المواطنون وضعاً صعباً على خلفية اقتتال الأطراف المسلحة للسيطرة على حقول النفط، كما أن بيع النفط الخام للتجار وتكريره بطرق بدائية من خلال الحراقات المنتشرة بشكل كبير في تلك المناطق، وما تخلفه من حروق للعاملين فيها فضلاً عن الأبخرة والغازات التي تنبعث منها، تنعكس على صحة أبناء المنطقة وتسبب لهم الأمراض السرطانية.

 

  وفي هذا الصدد يقول أحد المواطنين من أبناء مدينة الميادين: "ما الفرق بين تجار الدم وتجار النفط؟ الاثنان يقتلان، أصحاب الحراقات يلوثون الهواء ويقتلون ببطء أطفالنا، لماذا لا يتم القبض عليهم ومحاسبتهم؟"  لكنه يستدرك:  "من سيحاسبهم إذا كان من يحكم المنطقة ويسيطر على الحقول هم نفسهم من يزودون أصحاب الحراقات بالخام النفطي؟!"

 

 هكذا يعيش أهالي ريف دير الزور بين نارين: نار الحرب المندلعة بين فصائل المعارضة المسلحة ونار الحراقات التي يستثمرها تجار النفط والتي تقتل أطفالهم ببطء.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard