info@suwar-magazine.org

فيلم "كفر قاسم"

فيلم "كفر قاسم"
Whatsapp
Facebook Share

فيلم "كفر قاسم"

 

صورة الفلسطيني كما لم نرها سابقاً

علي سفر

 

مساء يوم الإثنين 29 أكتوبر، من عام 1956، عشية العدوان الثلاثي، وبينما كان العالم يترقّب الوضع في مصر جمال عبد الناصر، قامت إسرائيل بارتكاب مذبحة بمن تأخّر على قرار حظر التجوّل، من عمال قرية فلسطينية مسالمة، هي قرية «كفر قاسم».

 

أصداء ما حدث بقيت لعدة عقود ماثلةً أمام عيون العرب والفلسطينيين على حدّ سواء، لتجد التعبير عنها سردياً عبر قصةٍ كتبها السوري عاصم الجندي، قام اللبناني عصام محفوظ بكتابة الحوار لها، بعد أن صنع مواطنه برهان علوية منها سيناريو فيلم سينمائي ليخرجه، تولّت المؤسسة العامة للسينما في سوريا إنتاجه، مع شركاء آخرين، في العام 1974.

 

يستطيع المُشاهد المتابع للسينما العربية، التي عالجت القضية الفلسطينية، تلمّس الفارق الذي أحدثه فيلم «كفر قاسم»، في مسارها، فقد شاءت هذه السينما سابقاً ألا تقترب من المسألة الفلسطينية، إلا من خلال كونها بؤرة ميلودرامية، تنبض في تفاصيل حكاياتها أوجاع الشعب الفلسطيني. وعلى رغم أن الإصرار على هذا المنحى كان مبعثه واقع الشعب الفلسطيني ذاته، إلا أن رسم صورة الفلسطيني وفقاً لهذا الشكل، خلق حالةً نمطيةً قلّما نجت منها السينما العربية.

 

وعلى رغم أن تجارب مهمة قُدّمت سابقاً حاولت تجاوز الصورة النمطية، مثل أفلام ثلاثية «رجال تحت الشمس» للمخرجين مروان مؤذن ونبيل المالح ومحمد شاهين، في العام 1970، وأيضاً فيلم «المخدوعون» للمخرج توفيق صالح في العام 1974، إلا أن الرؤية التي قدّمها فيلم «كفر قاسم» وضعت هذه الصورة في حالة مختلفة، إذ يبدو برهان علوية مهجوساً بخلق بيئة سردية، تتماسك فيها العناصر الوثائقية (الأمكنة، الأزمنة، الشخصيات)، مع المنحى الإنساني الذي يبرز حيوات الفلسطينيين، بوصفهم جماعة تحاول الثبات على ما تبقى من أرضها.

 

ودون استغراق في صناعة مشهدية تتطابق مع الأصل الواقعي للمكان، أو الشخوص، يذهب المخرج إلى الاشتغال على الجزئيات، وليس الكليات، إذ لا حياة مكتملة التفاصيل لدى أيّ من شخصيات الفيلم، ولا حكاية ذات سيرورة، على شكل بداية ووسط ونهاية، بل ثمة نتف من حيوات كانت تعيش في المكان، تتقاطع في مصير نهائي. لكنها وقبل أن تنتهي بفعل المجزرة، إنما ترمّم وجودها عبر الوثيقة التي يضيفها المخرج عبر وسائل مونتاجية، مثل الانتقال من السياق الفيلمي إلى السياق الفوتوغرافي، المُزوّد بمعلومات مكتوبة على الشاشة.

 

 

اشتغال علوية على تفاصيل القصة بهذا الشكل، استطاع أن يرسّخ في عقل المشاهد، ليس التفاصيل البيئية التي رأيناها في أفلام الآخرين، والتي تحوّلت إلى عناصر شبه مُستهلكة، وليس الحالة المعنوية المليئة بالشعارات التي تدعو إلى تحرير الأرض، بل صورة الفلسطيني كنايةً عن جماعة بشرية تحاول البقاء في وجه الاحتلال الاستيطاني.

 

هنا، ومن خلال التأكيد على الوجود، بوصفه «حيث» مثبت تاريخياً، يضع علوية الراهن الفلسطيني، في عام 1956، بشكلٍ مختلفٍ عما سبق، فلا بكائيات مُطوّلة تستحثّ المشاهدين على التماهي مع الفلسطيني الضحية، ولا صور لمناضلين مقاومين يعيش المتفرجون معهم بطولات مختلقة، لإشباع العطش للانتصارات..، بل حيوات لبشرٍ يقضون جلّ أوقاتهم في محاولات الاستمرار على قيد الحياة والأمل.

 

وبينما ذهبت الأفلام السابقة، إلى خلق صورة الأعداء بوصفهم ذلك الآخر المحتل، نرى هنا كيف يقوم فلسطينيٌ ما باضطهاد فلسطينيّ آخر، في معالجة شبه نادرة للصراع الطبقي، المكتنف في تحالف أصحاب المصالح مع المحتلين!..

 

لقد جمع الفيلم عبر العاملين فيه طاقاتٍ غير قليلة، لعدد من الطاقات الإبداعية، التي وُظّفت في تجربة مهمة، أثرت المشهد السينمائي العربي بشكل عام. وفضلاً عن الجوائز العديدة التي نالها الفيلم، فإن المعادلة الإبداعية التي قدّمها برهان علوية فيه، أبقته عبر سنوات طويلة أنموذجاً للمعالجة المختلفة، التي تذهب في تجريبيتها عميقاً، دون أن تنسى أولوية الخطاب الذي يعبّر عن القضية الراهنة.

 

شاهد الفيلم كاملاً

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard