info@suwar-magazine.org

عن حساسية النظام والمعارضة تجاه المجتمع المدنيّ!؟

عن حساسية النظام والمعارضة تجاه المجتمع المدنيّ!؟
Whatsapp
Facebook Share

 

فاروق حجّي مصطفى

 

سيبقى مفهوم "المجتمع المدنيّ"، إلى أجلٍ غير مسمّى، ملتبساً مرّةً، وفضفاضاً مرّةً أخرى، لدى شريحةٍ واسعةٍ من السوريين. ليس لأن المجتمع المدنيّ ولد بالأساس كمفهومٍ غامضٍ، أو لأنّ الفلاسفة لم يحدّدوه بشكلٍ واضحٍ في كتاباتهم، بل تحدّثوا عن المدنيّة أو تناولوا المفهوم في إطاره العام؛ إنّما لأننا نحن السوريين لا نريد ذلك، أو نهرب من المجتمع المدنيّ فقط لأنه أمرٌ مخيف. فالنظام يحاربه لأنه، أي "المجتمع المدنيّ"، يهدّد العرش ويفكّ سرّ الاستبداد من خلال لعبه دوراً مهمّاً في إيقاظ وعي الناس، ويشير إلى مكامن القمع، ويحدّد ماهيّة سلطة القهر وأدواتها.

 

وبالمقابل، نلمس ادّعاء المعارضة عدمَ وضوح المجتمع المدنيّ، لأنها تراه إطاراً مزاحماً لحضورها. مع أنّ المجتمع المدنيّ لصالح المعارضات مهما تكن نوعيّتها.

 

لهذا لم يكن مستغرباً إذاً أنْ يصرَّ البعض، وخاصّةً عند من تُناقض مصالحهم المجتمع المدنيّ، أي لدى المستبدّين (ولا بد من القول إنَّ المستبدين ليسوا دائماً سلطاتٍ، فهناك في المعارضة أيضا شطحاتٌ مستبدّة، ولعلها أكثر استبداداً وتأثيراً من استبدادية السلطات) على أن المفهوم ملتبسٌ وغير واضحٍ، أو أنّه فضفاض. ولقد شاهدنا، أثناء ربيع دمشق، كيف أنّ مدرِّسي علم الاجتماع والفلسفة، الذين يشكّلون رديفاً للنظام ولحزب البعث، قدّموا تنظيراتٍ من كلّ حدبٍ وصوبٍ، وأرادوا تشويه صورة المجتمع المدنيّ عند المعارضة، وأوحوا للنظام بأن بلورة المجتمع المدنيّ تعني نهايته، مع أنه لم يكن للمجتمع المدنيّ السوريّ الإجرائيّ (أي كمنظماتٍ) حضورٌ وقتذاك، بل كانت هناك شخصيّاتٌ مطّلعةٌ على المفهوم، ومهتمةٌ بتطوّر الفكرة، وكيف أنّه علاجٌ ناجع.

 

ملخص القول، ولأننا نمرّ بأزمةٍ فظيعةٍ، وهناك محاولاتٌ جمّةٌ لمحو آثار الثورة من أرضها وتقديم المشهد كما لو أنه حربٌ أهليةٌ بالتمام والكمال؛ فإنّ فتح نوافذ للمجتمع المدنيّ واحدٌ من الخيارات المتاحة لتطوير المشهد السوريّ إيجابيّاً -بالرغم من عدم اعتراف المعارضة السوريّة بدور المجتمع المدنيّ- وأنه يدعم المشهد، وأن المجتمع المدنيّ عموماً لم يأت ليكون مسانداً للسلطات بل وجوده فقط لأجل بناء الدول والمجتمعات عبر خلق آلياتٍ، من خلال الحيّز الوسط الذي يعمل فيه، والقدرة على كبح بطش السلطات وتنظيم الحوار المجتمعيّ عن ما هو صالحٌ وما هو غير صالح!

 

بيد أن هناك من يصرّ على النظر إلى المجتمع المدنيّ السوريّ على أنه قريبٌ من بيئة الاستبداد (النظام السوريّ)، وأنّ المجتمع المدنيّ السوريّ -الذي شارك بعضه في مشاوراتٍ مع ديمستورا- لم تتّضح صورته بعد، خاصّةً مع صدور خارطة الطريق لبناء السلام والحلّ السياسيّ من قبل الموفد الخاصّ، وبعد أن ظهر أنّ الحضور التفاوضيّ سيكون مقسّماً على ثلاث كتلٍ، النظام والمعارضة والمجتمع المدنيّ. ومع أنّ المبادرة تخصّ المجتمع المدنيّ، وهو أفضل من يمكنه التماشي معها ودعمها، لأنه يؤسّس خطابه من لبّ الناس، فإن بعض المعارضين، وبحساسيّةٍ مقيتةٍ، يرون في ذلك دوراً منافساً يمكن أن يلعبه المجتمع المدنيّ مستقبلاً!!

 

وقد يكون ذلك بسبب الحديث عن "المجتمع المدنيّ" بوصفه فضفاضاً في نظر البعض، خصوصاً عند الذين يرون في الحداثة أمراً ثقيلاً على صدورهم، ويتعذر تأقلمهم معها...!!!

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard