info@suwar-magazine.org
هي الأزمنة
Whatsapp
Facebook Share

 

 

 

نبيل الملحم

 

 

أخاف من وصف "نحن رجال الأزمنة البائدة"، بما يعني أولئك البشر الذين لم يلعبوا على حوافّ السفارات وعلى عتباتها، أو أولئك الواهمين بأنهم خارج "لعبة الأمم".

 

غير أن وصفاً كهذا لن يصحّ، لسببين:

 

  • أولهما أنه لم يكن من زمنٍ خارج بوّابات السفارات وعتباتها. فثورة الشريف حسين لم تكن خارج هذا المعنى، لم تكن على بوّابة الروح بالقدر الذي كانت فيه خيولها ممسوكةً وبشغف لورانس العرب (مجنون الفلسفة ومفتاح الصناديق السوداء). ولم يصل البعث إلى السلطة في بلدين كـسوريا والعراق بـ"الخبز الحاف"، بالقدر الذي وصل مجبولاً بالتقارير التي كتبت بالحبر السريّ، ولا بدّ أن الإنكليز قد أفرجوا عن بعضها. وحتى الثورة الفلسطينية لم تخلُ من لعنة السفارة، وكذا كلّ الثورات. وهذا ف. إ. لينين يحكيها دون ريبٍ، فقد لعب الإنكليز بالقيصر، وكان الثائر الأمميّ على مائدتهم (يلعب).
  •  
  • وثانيها أن الزمن لم يتغيّر كما يحلو لعشّاق الأقراص المدمجة أن يعتقدوا.. كلّ ما في الأمر أن الزمن أحدث انزياحاتٍ.. أعاد ترتيب نفسه، ولم يلتهم هويته. وما دام الأمر كذلك فقد حلّت الولايات المتحدة محلّ بريطانيا العظمى، وباتت الشمس التي لا تغيب عنها غائبةً، ممسوكةً في القارّة الوليدة التي جمعت ألعاب والت ديزني في ذات المخازن التي تنطلق منها الحرب النووية. وحين نقترب أكثر فما الاتحاد السوفييتي الغارق سوى عتبتنا حين كنّا ننشد نشيد الثورة الأممية الرابعة، وقد غرق نشيدنا حين حلّت الفودكا في رأس بوريس يلتسين ليُسقِط شعارنا المُحبّب "يا عمال العالم اتحدوا" وتكون السيادة اللاحقة لـ"دعه يعمل دعه يمرّ".
  •  

لعبة الأمم هي هي، بفارق أن ثمة أمماً صاعدةً وأمماً تغرق، لتستعاد اللعبة معكوسة. وفي كلّ مرّةٍ يكون العرب من الغرقى، حتى وهم ينشدون "فتح الأندلس"، تعويضاً عن المصطلح الحقيقيّ، الفعليّ، المُشخّص، ليحلّ التهذيب اللفظيّ مكان السيف، ويكون "الفاتح" بدل "المغتصب".

 

وها نحن اليوم، وأعني "العرب" بالمعنى الجغرافيّ (لا القوميّ وحده)، في اللعبة، والسوريون مثالها. فما بين السوريّ والسوريّ لم يعد الخبز، أو الحريّة، أو التنمية المستدامة، أو تداول السلطة، أو ذاك المصطلح الفضفاض: "الكرامة".

 

ما بيننا بات "السفارة"، والسفارة وحدها، فإما أن تختار أنقرة أو تختار طهران. وكلاهما (أنقرة وطهران)، لاعبان احتياطيان في اللعبة الأكبر، وإن كانتا تلعبان تحت مظلة العقيدة، وتدفعان بكلٍّ من يزيد والحسين إلى واجهة الصراع، أقله لإخفاء الوجه القبيح لخطوط الغاز، والوجه الأكثر قباحةً ونعني به الإبادة الممنهجة لشعوب المنطقة. حتى غدت كلمة شعب مجرّد مصطلحٍ لا يقلّ غموضاً عن كلمة "الكرامة" وقد أغمضت عينيها عن الموت جوعاً في مضايا، والموت سبياً في القامشلي، والموت في كلّ مكانٍ من سوريا، حيث توهج الحلم، واجتثه السيف، وباتت رؤوس (ممثلي الشعب) محشوّةً بمالٍ من هنا وفندقٍ من هناك. ولم يكن برنار هنري ليفي سوى واحدٍ من مرجعيات دمارنا، ولا بدّ وأن تعثر على من يصرخ: "ليفي يمثلني".

 

وعلى الجانب المقابل سيكون للإمام الفقيه في طهران لاعبوه الذين يلعبون مع "القضاء والقدر"، ليحلّوا قدراً جديداً فوق أكتافنا، وما على رؤوسنا سوى أن تتدحرج، وما سواها غير المظهر الفولكلوريّ لكل شيءٍ من صورتنا:

 

على الواجهة ما ليس في الأروقة الخلفية، فوراء الضوء من يلعب بالدمى.

 

في ليبيا كان الشعار إزالة القذافي، وأزيل الرجل بما له من عمقٍ فلسفيٍّ قد تكون خلاصاته: "الأنثى ليست ذكراً". وفي اليمن أزيل علي عبد الله صالح، واحترقت أصابعه ليستنبت على يد الإيرانيّ مرّةً أخرى. وفي مصر انتقل مبارك من العربات المصفحة إلى الكرسي المدولب، بنظارتين سوداوين وغشاءٍ يغطّي وجهه في قاعة محكمةٍ ومطرقة، ثم عاد المباركيون من خلف القفص ليستلموا زمام مصر ثانيةً. وفي سوريا ما زال الشعار: إسقاط الأسد، ومعه تقسّمت البلد، ومعه بات الأسد قضاءً وقدراً في حربٍ مفتوحةٍ ضحاياها جيشٌ، وناسٌ، وزيتونٌ، وشبابٌ يحلمون، ومدن.

 

هي التراجيديا الشكسبيرية بكلّ ما للكلمة من معنى.

 

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard