info@suwar-magazine.org

الطريق .. للسينمائيّ الحالم فيلليني

الطريق .. للسينمائيّ الحالم فيلليني
Whatsapp
Facebook Share

 

 

مسوخ فيللني الهائمون في دروب الحياة

 

عمار عكاش

 

لم يعرف تاريخ السينما مخرجاً ملهماً عبقرياً مثل فيلليني، فنّانون قلائل مثله كانوا مولعين بالركض وراء عالمهم الحالم حتى اللهاث. ويمثل فيلم الطريق في مسيرته الفنية الجسر بين عالمين لم يكونا منفصلين أبداً، وهما عالم الواقع وعالم أحلامه.

 

حين سادت الواقعيّة الجديدة في السينما الإيطالية، بعد الحرب العالمية الثانية، تجرّأ فيلليني بعناد الحالم ونزقه على الخروج على النص الماركسيّ السائد بفيلمه هذا، ووصفه بأنه الكتالوج الكامل عن عالمه الأسطوريّ، فالفيلم يزخر بكلّ الصور التي ستبقى ثيماته الأثيرة حتى آخر أفلامه: المهرج البهلوان الذي يمشي على حبلٍ معلّقٍ في الهواء (سيتكرّر هذا المشهد بتمثال المسيح المعلّق من طائرة هيلوكوبتر في فيلم الحياة الحلوة)، والمرأة المكتنزة التي تعيش في كوخٍٍ على الشاطئ، والحقل الكئيب بعد رحيل السيرك، والثنائيّة الدائمة بين ربات بيوتٍ فاضلاتٍ وعذراوتٍ بريئاتٍ مقابل العاهرات والشهوانيّات، والمواكب الجماهيريّة التي تسير احتفالاً بطقسٍ دينيٍّ أو وراء قائدٍ فاشيٍّ مثل موسوليني في فيلم (سأتذكر)، والمرأة المشرّدة، وأشخاصٌ مهووسون وغريبو الأطوار، وهي أساساً تنويعاتٌ على مقامات طفولة فيلليني.

 

تدور قصة الفيلم حول زامبانو (أنتوني كوين)، وهو رجلٌ فحوليٌّ قاسٍ يعتاشُ من استعراضات القوّة في السيرك بكسر السلسة الحديديّة بنفخ عضلات صدره. في بداية الفيلم يشتري زامبانو امرأةً هي جيلسومينا (جولييتا ماسينا) من أمها كي تساعده في عمله. امرأةٌ بها شيءٌ من العته، بريئة الوجه، تهوى اللعب مع الأطفال والطبيعة، وهي النسخة الأنثويّة عن تشارلي تشابلن بمشيتها المتمايلة وقبعتها السوداء ونظراتها الذاهلة. يعيش زامبانو في عربةٍ مغلقةٍ تجرّها دراجةٌ نارية. يتّخذ جيلسومينا خليلةً له، ويدرّبها مثلما يدرّب الحيوانات كي ترافقه على الطبلة أثناء استعراضاته. يشترك زامبانو لاحقاً في سيركٍ متجوّل، وهناك يتعرّف إلى المهرّج الملقب بالأحمق (ريتشارد بييس هارت)، الذي لا يكفّ عن السخريّة من زامبانو وإغاظته، ويعلّم جيلسومينا العزف على الترومبت فتشعر بسعادةٍ غامرة، لكنه يدرك بعد تقرّبه منها أنها متعلقةٌ بزامبانو برابطٍ غريب. يقتل زامبانو الأحمقَ عن غير قصدٍ في نوبة غضب، فتدخل جيلسومينا في حالةٍ هيستيريّةٍ من البكاء والحزن تصيب زامبانو بالألم، فيتركها نائمةً في إحدى الجنباتِ ويغادر. بعد بضع سنواتٍ يسمع زامبانو خبر موتها فيجتاحه الندم، وينتهي به المطاف قرب البحر (في مشهدٍ يتكرّر في أفلام فيلليني)، باكياً متألماً وقد أحسّ بخوائه ووحدته وعزلته، يواجه شكّه الأبديّ أبديّةَ البحر.

 

هكذا هم رجال فيلليني؛ ملعونون يهربون من حضن الأنثى التي تفهمهم وتهواهم على عِلاتهم، ويبقون هائمين على وجوههم. يبدو زامبانو الرجل القويّ الفحل لكنه ضعيف، وتمثل جيلسومينا الروح البريئة، أما المهرج فهو الرجل الحرّ من كلّ شيء، المطابق لذاته مثل الأرنب البريّ الذي يمضي وينتظر طلقة الصياد، فهو قد يموت في أيّ لحظةٍ بوقوعه عن الحبل.

تمثل هذه الشخصيّات الثلاث الموضوعة الفرويدية عن الصراع الدائم بين الإنسان وغريزته وقيم الحضارة، وتستلهم أطروحات الوجوديّة عن غربة الإنسان المعاصر، وهي تكسر فكرة الواقع الموضوعيّ الماركسيّة صوب فكرة الحقيقة النفسيّة والميتافيزيقية والحقيقة الفردية.

 

فلطالما أغوت فيلليني الجوانب العبثية واللاعقلانية في الحياة، وفي هذا الفيلم تحديداً خرج من الواقعية الجديدة نحو الفيللينية، وبدمجٍٍ مدهشٍ بين الكاريكاتير والفانتازيا والميلانكوليا والسرياليّة الحالمة، بهذا المزيج الفريد يعبّر فيلليني عن العالم كما يراه. وهو، بقدر ما يخلق عالمه الخاصّ، يلامس ذواتاً فرديةً مبعثرةً وراء حجب الحياة الحديثة، فبعد مضيّ ما يقارب ستين عاماً ما زال غرباء ومسوخ فيلليني هائمين على وجوههم في طريقٍ لا ينتهي.

.

.

.

المزيد للكاتب ..

 

***

 

شاهد الفيلم؛

الترجمة غير متوفرة بالعربية

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard