info@suwar-magazine.org

( بوكيمون في تركيا )

( بوكيمون في تركيا )
Whatsapp
Facebook Share

 

*ريناس سينو

 


انتشار بعض قطع الجيش التركي في شوارع بعض المدن التركية  إثر الانقلاب العسكري الفاشل الذي قامت به مجموعة من الضباط ، ونزول المواطنين وعناصر الأمن والشرطة واعتقالهم للانقلابيين،  نقلت إلينا  الصورة التي تركتها اللعبة الافتراضية "بوكيمون" التي انتشرت في الآونة الأخيرة  وجعلت الناس تصاب بحالة هيستيريا وهي تلاحق البوكيمونات لاصطيادها.


وبالعودة إلى محاولة الانقلاب في تركيا خلال الـ 24 ساعة الماضية وبغض النظر عن صحة  الروايتين المتضاربتين الأولى التي ترى أنها محاولة للانقلاب من قبل مجموعة صغيرة من الضباط الصغار، والثانية التي ترى أنها لعبة  افتعلها الحزب الحاكم يهدف من ورائها التحكم في مسار ما ستشهده الأيام المقبلة من تغييرات كبيرة داخل تركيا والتي يرجح أن يكون المستفيد الأكبر منها هو أردوغان وحزبه؛  فهذا الانقلاب سيمهد الطريق أمام أردوغان من أجل تحقيق حلمه في تغيير الدستور وجعل نظام الحكم في تركيا رئاسي، وبذلك سوف يتمكن من فرض هيمنته وسيطرته  أكثر على مؤسسات الدولة. وما بين الرواتين ولحين اكتشاف الخيوط الخفية للانقلاب فهناك الكثير من الدروس التي تستحق الإشارة اليها.


1- حنكة الحكومة التركية في إدارة الأزمة وقوة الشخصية التي تحلت بها قياداتها رغم فقدانهم السيطرة على الإذاعة الرسمية للدولة واستخدامها شبكة التواصل الاجتماع بفعالية لمخاطبة الشعب التركي والتي لعبت دوراً كبيراً في تحريك الشارع التركي.


2-  قوة إرادة الشعب التركي من المؤيدين والمعارضين الذين قرروا  النزول إلى الشوارع ليس دعماً لأردوغان، إنما للمحافظة على مكتسباتهم الشرعية الديمقراطية حيث لم ترفع أي لافتة للرئيس أو قيادي آخر، فقط رفع العلم التركي دلالة على الروح الوطنية للشعب التركي ووعيه ونضجه السياسي.


3- الوعي السياسي للمعارضة التركية التي رفضت هذا الانقلاب وإدراكها لمخاطر حكم العسكر وتلمسها للحظة التاريخية من خلال وضع خلافاتها الجوهرية العميقة مع الحزب الحاكم جانباً وتركيزها على مكتسبات الشعب التركي في الديمقراطية. وخاصة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي رفض الانقلاب وحشد أنصاره لإجهاض الانقلاب رغم محاولات الحزب الحاكم بإخراجهم من البرلمان وهو موقف سيحسب لهم وقد يكون له تأثير في تحسين العلاقة بينهم وبين الحزب الحاكم.

 


4-  دور منظمات المجتمع المدني في الحشد وقيادة القوة المدنية والتي أشار إليها رئيس الوزراء التركي "بن علي يلدريم" من خلال كلمته اليوم موجهاً الشكر أكثر من مرة لهم  ولعل هذا الموضوع بحاجة إلى دراسة أعمق.


5- الخدمات المدنية التي لم تتأثر بالأزمة  مثل الماء والكهرباء والاتصالات وهذا مؤشر يدل على تحيد مؤسسات الدولة عن الصراعات السياسية.


6-  لم يستخدم الانقلابيون  القوة المفرطة في مواجهة المواطنين لمنعهم من الخروج إلى الشوارع وكسر حظر التجول، هذا ساهم  بشكل كبير في أبعاد البلاد عن وقوع حرب أهلية طاحنة.


ورغم كل هده النقاط الإيجابية الأولية التي رأيناه خلال ال 24 ساعة الماضية، هناك بعض المؤشرات المقلقة التي يجب الإشارة إليها.


1- من المنطقي أن تكون القوة العسكرية خاضعة للقوة المدنية، ولكن ما فعلته القوة المدنية خلال الأعوام الماضية من تغيرات جوهرية في هيكلية المؤسسة العسكرية ومحاولتها تغيير الدستور، جعلت من هده المؤسسة تشعر بنوع من الخطر عليها، مما دفعها إلى محاولة للانقلاب وهناك يبرز الدور المهم لإيجاد توازن جيد بين المؤسسات المدنية والعسكرية، لأن فقط التوازن قد يؤدي إلى أن تأكل إحداها الأخرى.


2- صور الشرطة والأمن وهي تعتقل عناصر من الجيش تعكس مؤشراً خطيراً على تعاظم دور هاتين المؤسستين في تركيا، لدرجة تفوقت في سلطتها على سلطة الجيش وهو مؤشر يدل على تحول النظام إلى نظام أمني، قد يكون له تأثيرات كبيرة على الحياة السياسية المستقبلية.


3- رغم فشل الانقلاب فآثاره سوف تستمر في خلق انشقاقات داخل الجيش التركي وقد نشهد محاولات أخرى في المستقبل القريب وأيضاً أن هذا الانقلاب سيفقد الجيش ثقة المواطنين الأتراك الذين ينظرون إليه بعين الشك، وهذا أخطر ما في الموضوع.


 4-  حدوث ثغرات أمنية كبيرة داخل تركيا مما سيشجع المنظمات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) باستهداف تركيا بالإضافة إلى انتهاء أسطورة الجيش التركي الذي كان يدعي التدخل لحماية العلمانية والديمقراطية التي كرسها "أتاتورك" مؤسس الجمهورية التركية.


ورغم كل ذلك، فإن تركيا قبل الانقلاب لن تكون هي ذاتها بعد الانقلاب؛ ومن غير المتوقع حدوث أي تغيير  في الموقف التركي تجاه  القضية السورية، وإن بدأت بتغيير سياساتها الخارجية  قبل الانقلاب، كما لا نتوقع حدوث أي تأثيرات كبيرة على اللاجئين السوريين في تركيا.

.

.

اقرأ المزيد للكاتب .. 

 

 


 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard