info@suwar-magazine.org

تزوير الشهادات الجامعيّة السوريّة.. مستقبل للبيع وفق أخلاق المزوّر

تزوير الشهادات الجامعيّة السوريّة.. مستقبل للبيع وفق أخلاق المزوّر
Whatsapp
Facebook Share

 

 

*سامر القطريب

 

 

 

استثمار جديد باشره أبو أحمد إضافة لاستثماره بناء سكنيّاً في أحد أحياء مدينة غازي عينتاب في تركيا، وهو التصوير الشعاعي للمرضى مقابل 30 ليرة تركيّة، ولا تحتاج العمليّة برأيه سوى لمعرفة كيفيّة تشغيل جهاز التصوير، الذي حصل عليه بعد اضطرار طبيب للهجرة إلى أوروبا، ويرى بعض المرضى الزائرين لعيادة أبي أحمد السرّية، أن الموضوع يحتاج لتراكم في الممارسة ليكون عمله مماثلاً لعمل الطبيب، وفي الحالة السورية يكفي حصول أبي أحمد على شهادة مزوّرة يعلّقها في إطار على الحائط ليكون طبيباً !.

 

المزوّر و أخلاقيّات المهنة..

 

لا تحتاج عمليّة تزوير الشهادات الجامعيّة السورية إلى رأس مال كبير، شبكة من العلاقات الواسعة ضمن ثنائيّة (نظام - معارضة) تفي بالغرض، و صفحات للترويج على موقع التواصل الاجتماعيّ فيسبوك. تصطاد هذه الصفحات الزبائن إمّا بشكل علنيّ على صفحتها الرسمية، والتي تدلّ على طبيعة عملها من عنوانها، أو بمشاركة المزوّر بالمجموعات السورية المغلقة والمفتوحة في مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصّة المجموعات التي ينشِئها السوريّون في دول اللجوء، والتي تُعتبر السوق الرئيسة للمزوّر، فيما تُعدّ تركيا سوقاً ومركزاً لعمليّات التزوير.

 

يعلو صوت المزوّر على أصوات الموسيقى الدائرة في شارع تقسيم بمدينة إسطنبول، واصفاً طلب الحصول على شهادة في الطبّ أو الصيدلة بالثقيل. بدأ الحديث عن الأسعار والاختصاصات المتوافرة، وبالطبع يعرض المزوّر قدراته على تزوير أيّ شهادة دون أن يتمّ كشفها، وعندما طلبتُ شهادة في الطبّ ارتفع السعر إلى 500دولار، وطلب المزوّر بطاقة جامعية من كلّية الطبّ أو وثيقة دوام تثبت موضوع الدراسة ، حاولت إقناعه أنني لم أستطع إكمال تعليمي في الجامعة ولا أملك إثباتاً، لكنني متابع للتطوّرات في مجال الطبّ والأدوية، ولا أريد أن أكون (صيدلانياً) أو طبيباً إنما أحتاج الشهادة للعمل في إحدى المنظّمات الإغاثية، رغم ذلك يرفض المزوّر طلبي مصرّاً على وجود ما يثبت إنهائي ولو للسنة الجامعيّة الأولى في كلّية الصيدلة أو الطبّ، معلّقاً:" هي أوراح عالم مو لعبة"، ولكن هل يُعتبر إنهائي لإحدى السنوات الجامعية في كلّية الطبّ أو الصيدلة، يؤهّلني لممارسة المهنة؟ يصرّ المزوّر على أن مهنته ليست عملاً تجارياً مربحاً، كما يتجنّب لفظ كلمتي (تزوير وشهادة مزوّرة)، فهو يصدر شهادة طبق الأصل بحرفة عالية كما يقول، وبعد حسم الموضوع بالرفض، نصحني بتزوير شهادة إمّا في الإعلام أو بإدارة الأعمال، بمبلغ 200 دولار فهاتان الشهادتان مطلوبتان للعمل في المنظّمات الدوليّة والمحلّية السوريّة، كما هو معروف.

 

 

 تزوير الشهادة حقّ من حقوق الطالب ! تعقّد وتردّي الأوضاع الأمنيّة والاقتصادية في سوريا، واستمرار وتيرة الحرب والتعبئة لها، وخوف الطلاب من الملاحقات الأمنية، دفع عديداً منهم لترك جامعاتهم قبل التخرّج أو دون الحصول على الشهادة الجامعيّة والأوراق الرسمية، التي تثبت دراستهم في الجامعة.  يعتبر بعض الطلاب السوريين الحصول على شهادة مزوّرة حقّاً حُرموا منه، بعد أن ضاعت سنوات من الدراسة جرّاء ظروف الحرب السورية، كما أن البداية من الصفر في عملية التحصيل العلميّ تبدو صعبة للكثيرين. إلا أن لكل قاعدة استثناء، مهند الاسم المستعار لخرّيج حقوق سوريّ يقيم في مدينة غازي عينتاب في تركيا، أنهى دراسته في كلية الحقوق سنة 2011 من جامعة الفرات في مدينة دير الزور الخاضعة حالياً لسيطرة تنظيم (داعش). حصل مهند على شهادته وغادر إلى تركيا، غير أنه فضّل تزوير شهادة جامعية جديدة، والسبب كما يقول الحصول على وظيفة وعمل يحفظ كرامته، لأن المحامين السوريين في تركيا لايجدون عملاً في اختصاصهم. ويعمل مهند 8 ساعات في معمل تركي للنسيج بمدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا، براتب شهري لا يتجاوز 900ليرة تركية، ما يعادل 300دولار أمريكي. ويتابع مهند أنه حصل على شهادة مزوّرة في اختصاص التربية (معلم صف)، وهو الآن ينتظر فرصة عمل في إحدى المدارس السورية التركية، بعد أن قدّم أوراقه لمديرية التعليم التركية، ويضيف أنه يمتلك خبرة في التعليم بعد أن عمل كمدرس "وكيل" في مدينة دير الزور قبل اندلاع الحرب وسيطرة تنظيم (داعش) عليها، مثله مثل كثير من طلاب الجامعات السوريين الذين يعيشون ظروفاً مادّية صعبة، ويحتاجون إلى عمل أثناء دراستهم. امتلك مهند شهادة جامعية باختصاص جديد دون أيّ عناء بمبلغ 100 دولار أمريكي فقط ، من مزوّر سوري يقيم في مدينة مرسين الساحلية.

 

مزوّرون يبيعون المستقبل

 

         يرى الطلاب المحرومون من شهاداتهم و من إكمال دراستهم، أن الشهادة المزوّرة أداة لتغيير حياتهم وتحقيق مستقبل أفضل، فهي تخوّلهم التسجيل في الجامعات التركية، ومتابعة دراستهم في دول اللجوء، لكن هذا ليس رأيهم فقط، بل هو موقف ثابت من المزوّر.  بالحديث مع أحدهم عبر فيسبوك، والذي أبقى اسمه مجهولاً، أكّد المزوّر أن الشهادة تحمل ختم وزارة التعليم العالي السورية، و ختماً من وزارة الخارجية السورية وطبعاً ختم الجامعة التي تطلب منها الشهادة، ويضيف المزوّر أن الشهادات غير مقيّدة بسجل في الجامعة، ومن الممكن استخدامها في جميع الدول باستثناء سوريا، وتصدر هذه "الشبكة" شهادة كرتونية و كشف علامات للطالب ومصدّقة تخرّج من كافة الاختصاصات العلميّة والأدبيّة.

 

وفي مجادلة حول غلاء أسعار الشهادات، يقول المزوّر:" أنا أبيعك مستقبلاً كاملاً بـ "700دولار" الموضوع يستحقّ أن تدفع من أجله"، وبرأي العاملين في هذه المهنة فهم يقدّمون خدمة تحلّ بعض مشاكل السوريين، إضافة لكونها عملاً مربحاً رغم رفضهم لهذا الرأي، فعلى حدّ قول بعضهم" نحن لاجئون مثلكم ونخدمكم بتكاليف العيش". بالتوسّع في الحديث أكثر مع المزوّر، اتّضح أنه يقيم في الداخل السوري، وطلب التواصل مع شخص في تركيا إذا كنتُ مقيماً هناك، أمّا إن كنتُ مقيماً في الخارج فبالإمكان إرسال الشهادة عبر(DHL) إلى أيّ مكان في العالم، بعد دفع نصف المبلغ المتّفق عليه كـ(رعبون).

 

وزارة التعليم العالي السورية تتفاجأ!

 

الحديث عن أختام أصليّة لوزارة التعليم العالي السورية و وزارة المالية و وزارة الخارجية، يصل بطرف الخيط إلى دمشق، وفي حديث مقتضب مع مصدر مسؤول في وزارة التعليم العالي (رفض الكشف عن اسمه)، قال إن الوزارة شدّدت إجراءاتها لمنع عملية التزوير، مسجّلاً تفاجؤه من استمرار عمليّات التزوير، وتتمثّل الإجراءات المتّخذة في إصدار لصاقات أمنيّة خاصة بالشهادات. عملية التزوير ممكنة رغم الإجراءات المشدّدة، ولكن هل من الممكن كشفها؟ سؤال يحاول الإجابة عنه مدير الامتحانات في وزارة التربية والتعليم بالحكومة السورية المؤقّتة (المعارِضة) في غازي عينتاب محمد صالح أحمدو،الذي يؤكّد أنه تمّ كشف العديد من عمليّات التزوير أثناء إجراء مديرية التعليم الوطني التركية؛ مقابلات مع المدرّسين المتقدّمين للتعيين في المدراس السورية التركية، بوجود أعضاء من نقابة المعلّمين السوريين الحرّة ووزارة التعليم، ويضيف أحمدو أن "الشهادات تكشف من الملمس أو التاريخ أو التوقيع ومن أسئلتنا للشخص"، كما تعرض الشهادة وصاحبها "بعد القبول الجامعي" على لجنة من الوزارة بإشراف الأستاذ يحيى العبدلله للاختبار، ويوضح "أحمدو" أن الحكومة التركية أصدرت قراراً بعدم قبول الشهادة، إلا بعد التأكّد من سلامتها وإرسالها عبر البريد لمديرية التربية التركية. ويضيف" أحمدو" أنه لاتوجد بين أيديهم طريقة تقنيّة لكشف الشهادات المزوّرة ، ويبقى الطريق الأسهل لكشف التزوير التواصل مع اليونسكو التي تملك بيانات مقيّدة عن خرّيجي الجامعات ومنها السورية، إلا أن الأخيرة لم تتجاوب بحسب "أحمدو". ويروي"أحمدو" قصّةً فريدة من نوعها عن كشف شهادة مزوّرة، عبر الاتّصال بجيران أحد ( الخرّيجين) من مدينة حمص، والسؤال عن تحصيله العلميّ؛ ليتبيّن لاحقاً أنه لم يتجاوز السنة الجامعيّة الأولى.

 

 

 في إحدى وسائل الإعلام السوري البديل، يعمل قتيبة في مجال الصحافة وتحرير الأخبار، يبدو قتيبة جيداً في عمله إلا أن الإعلام لم يكن اختصاصه الجامعي، درس قتيبة في جامعة حلب بكلية الهندسة المعلوماتية وكان من المتفوّقين، وبعد إنهاء السنة الدراسية الخامسة و الأخيرة، لم يتمكّن من الحصول على أيّ إثبات جامعي، بسبب ظروف الحرب كما يقول. فكّر قتيبة مليّاً بالعروض المتاحة على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن الخوف من كشف التزوير وإمكانية فشله في عمله أثنياه عن ذلك رغم الصراع الداخليّ الذي يعيشه، ومعرفته بعدد من الطلاب حصلوا على وظائف و أكملوا دراستهم الجامعية في تركيا، اعتماداً على الشهادات المزوّرة. فضّل قتيبة أن يبدأ دراسته من جديد، وهو الآن يحضّر نفسه لتقديم الامتحانات في السنة الأولى ضمن اختصاصه، في إحدى الجامعات الأمريكية الافتراضية، رغم تكلفتها المادّية المرتفعة.

 

اللاجئون السوريّون في دائرة الشبهات

 

         في ولاية هانوفر الألمانية يحاول كريم إكمال دراسته في جامعة غوتنغن بكلّية الإعلام، رغم الحدِّ من التسهيلات السابقة للاجئين السوريين، والسبب كما يقول التزوير، حيث يتوجّب عليه الحصول على كشف بالعلامات خلال سنوات دراسته الأربع، وهو أمر يحتاج إلى توكيل أحد أقربائه لتقديم الطلب، ويغدو ذلك صعباً لوجوده خارج البلاد. وفي حال الاعتماد على مزوّري الشهادات فمن الممكن الحصول على كشف بالعلامات بشكل أكثر يسراً، بما أن سجلّه الدراسي مقيّد في جامعة دمشق. ويرى كريم أن تزوير الشهادات الجامعية، أثّر بشكل سلبيّ على الخريجين، وباتت الشهادة الأصليّة معرّضة للرفض لصعوبة كشف التزوير، ويضيف أن الجامعات الألمانية باتت تتواصل بشكل مباشر مع الجامعة السورية للتأكّد من الوثائق الصادرة عنها.

.

.

اقرأ المزيد للكاتب..

 

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard