صغيرات ومطلّقات في مخيّم بكردستان العراق
*سامر القطريب
تجلس مروى بنت الستّة عشر عاماً أمام خيمتها في مخيّم للاجئين السوريين في كردستان العراق؛ تروي قصّة زواجها المبكر وطلاقها عندما كانت في سوريا خلال اندلاع الحرب.
تزوّجتْ مروى من رجل يكبرها بعشرين عاماً، وانتهى زواجها القصير بالطلاق بعد معاناة نفسيّة وجسديّة.
بدأت قصّتها منذ سنتين بريف حلب في حصّة للدروس الدينية، وكان "الشيخ" الذي تتلقّى تعاليم الدين على يديه هو العريس المنتظر، كما تقول.
جزء من الدروس الدينية التي كان يقدّمها الشيخ ركّز حول الزواج وأهمّيته في الإسلام؛ وواجبات المرأة اتّجاه زوجها وبيتها، وتضيف مروى أن الشيخ أكّد على ضرورة زواج البنت متى نضج جسدها، وهو أمر أباحه الدين على حدّ قول الزوج، لذلك وافقت دون تردّد عندما طلب يدها الشيخ للزواج لتلتحق برفيقاتها اللواتي سبقْنَها .
كان أمل مروى أن يعتني الشيخ بها في ظروف الفقر والنزوح، لكن الأمر كان مختلفاً بعد زواجها به، وتشير مروى إلى أنها أجهضت حملها مرتين؛ بسبب صغر سنّها وضعف جسدها على تحمل متاعب الحمل و آثاره السيّئة على صحّتها.
بعد زواج صعب لم يكمل السنتين وبسبب خلاف عائلي، اعتدى عليها زوجها بالضرب تقول مروى بصوت مرتجف، وتتابع قائلة " طلّقني وأعادني إلى بيت أهلي بعد أن سلبني طفولتي" .
تنتظر مروى الآن مصيراً مجهولاً، المعيشة الصعبة للعائلات اللاجئة في مخيّم كردستان العراق، ووضعها الاجتماعي كفتاة مطلّقة صغيرة في السنّ قد يدفع أهلها إلى تزويجها مرة أخرى كما تقول .
ليست مروى إلا مثالاً عن فتيات كثر تزوّجنَ في سنّ مبكر، وتعرّضنَ للعنف ومن ثم الطلاق، ظروف الحرب السورية وقسوة حياة اللجوء أدّت إلى تعزيز ظاهرة الزواج المبكر بين الفتيات السوريات اللاجئات.
سلام فتاة سورية من ريف دمشق تبلغ 20 عاماً، هي أيضاً مطلّقة ولها ابنتان، تقول سلام إنها آخر من علم بموضوع زواجها؛ كانت في زيارة لأحد قريباتها في مخيّم كردستان العراق حيث تقيم هي أيضاً، وجرى ترتيب صفقة الزواج أثناء غيابها على حدّ قولها.
تعود سلام بذاكرتها ثلاث سنين وتقول: إنها عادت من الزيارة لتتفاجأ بأنها لم تعد فتاة عزباء، بعد عقد والدها قرانها على رجل لاتعرفه، وتضيف أنها رفضت ذلك دون جدوى، فالقرار يعود لوالدها الذي قبض مهرها من الزوج مسبقاً.
أنجبت سلام ابنتين في فترة لم تتجاوز4 سنوات، تدهورت خلالها صحّتها بسبب عدم قدرة جسدها على تحمّل مضاعفات الحمل والولادة، والمسؤولية المترتّبة على الحياة الزوجية كتلبية احتياجات الزوج ورغباته الجنسية وتدبّر أمور المعيشة في المخيّم.
إثر مرضها كما تقول سلام قام الزوج بتطليقها وحرمانها من رؤية ابنتيها، فما كان من أهلها سوى أن قبلوا بخطوبتها لرجل عراقيّ من محافظة الأنبار، وتضيف أنها لم تقاوم ذلك لرغبتها بالهرب من الحياة الصعبة التي تعيشها مع أهلها في المخيّم .
أحلام سلام باتت صغيرة بحسب ما تسمح لها حياتها في المخيّم، فهي تتمنّى لو كانت الظروف مختلفة وتابعت دراستها لتصبح ممرّضة كما تحبّ؛ وربما كان حلمها يرتبط بما تمرّ به سوريا من حروب ومآس.
ظاهرة زواج القاصرات في سوريا ليست جديدة على المجتمع السوري، حيث كانت منتشرة قبل اندلاع الحرب، وتختلف أسبابها بين الفقر و إباحة الإسلام لها، وربما يكمن وراءها عامل نفسيّ أيضاً.
لا توجد إحصائيات رسمية عن زواج الفتيات القاصرات في سوريا قبل سنة 2011 وحتى الآن، لكن عدداً من الباحثين، يرى أن الحرب وظروف النزوح واللجوء أدّت إلى انتشار الظاهرة.
الزواج المبكر عادة نكوصيّة في المجتمع
شهدت نسب زواج القاصرات قبل سنة 2011 انخفاضاً ملحوظاً، نتيجة تحسّن الوضع الاقتصادي العام وتحسّن مؤشّرات التنمية البشرية، والتوسّع في التعليم الثانوي والجامعي وخاصة في الأرياف.
خلق ذلك ثقافة جديدة في المجتمع السوري، فما كان سائداً في التسعينات من ضرورة تزويج الفتاة الصغيرة من باب التخلّص من همّها الاقتصادي أو الاجتماعي تبدّل، حتى أصبح انتهاء الفتاة من دراستها الثانوية شرطاً حتى يوافق الأهل على زواجها.
إلا أن تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع السوري بعد عام 2011، أدّى لظهور عادات نكوصيّة تحفّز ظواهر قديمة كانت في انخفاض مستمرّ، من بينها تزويج القاصرات، من باب التخلّص من العار الاجتماعي أو من كلفة الفتاة الاقتصادية.
الاستناد إلى النصّ الدينيّ لتبرير الظاهرة الاجتماعيّة
يورد الكاتب و الباحث أحمد الرمح الأصل الشرعيّ الذي يُستخدم كمبرّر في هذه الظاهرة الاجتماعية، وهو زواج النبي/ص/ من عائشة؛ حيث روى البخاري عن هشام بن عروة بخمس طرق عراقية، كما حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن عروة: تزوّج النبي عائشة وهي ابنة ستّ سنين وبنى بها وهي ابنة تسع ومكثت عنده تسعاً.([1])
ويرى الباحث أن أيّ سلوك اجتماعيّ يحتاج إلى فكرة تدعمه وتعزّزه، وحول ذلك يقول: إن تحوّل الظاهرة إلى عرف اجتماعي يشكّل خطراً على المجتمع، ويصف "الرمح" ظاهرة زواج القاصرات بالهروب إلى الأمام في ظلّ الحرب السورية، من خلال تزويج الفتاة بأمير حرب يحميها ويحمي عائلتها.
وعن لجوء المجتمع إلى النصّ الدينيّ لتبرير الظاهرة، يطرح"الرمح" ضرورة البحث العلميّ في هذا النصّ لإثبات صحّته من عدمها والتحقّق منه، ويتناول البحث في النصّ جانبين في حال إثباته أونفيه، مشيراً إلى ضرورة معالجة نتائج الفعل على المجتمع في حالة صحّة النصّ، هل يؤدّي إلى ضرر؟ وهنا يرى الباحث أن الفعل و إن ثبت نصّه يجب أن يُمنع لضرره.
ويؤكّد "الرمح" في دراسة أعدها عن الظاهرة وإسنادها إلى الفقه الشرعي وإلى واقعة زواج النبي، أن الرسول (ص) تزوّج عائشة عندما كان يتراوح عمرها بين ال 19 و21 عاماً.
الشيخ علي والذي رفض ذكر اسمه كاملاً، يتحدّث من مدينة أعزاز في ريف حلب الجنوبي عن الموضوع، ويرى أن الزواج المبكر من الناحية الشرعية مباح، بمجرّد أن تصل الفتاة إلى مرحلة البلوغ يجوز تزويجها، ويضيف الشيخ أن الظاهرة ازدادت نتيجة لظروف الحرب والنزوح والفقر الذي تعانيه العائلة في الداخل السوري، إضافة إلى الخوف من حدوث انتهاكات من قبل أحد أطراف الصراع، في ظلّ غياب القانون وانتشارالفوضى.
.
.
[1]ـ (البخاري: 4863)( مسلم:1422).