info@suwar-magazine.org

رزان طبّاخة.. انتحار بالنيابة

رزان طبّاخة.. انتحار بالنيابة
Whatsapp
Facebook Share

لم لاتنتحر؟ ألا نبدو جميعاً على حافته، هامشه، او في متنه، وأعني الانتحار؟

حتى الأكثر تفاؤلاً فينا يغرق في القول  أننا على الحائط.. رقابنا على الحائط، وظهورنا إلى الحائط، وكذلك أحلامنا المعلّقة على الحائط لم تعد تحتمل الحائط، وبالأصح لم يعد الحائط يحملها، فيسقطها، ولا مرد عن السقوط سوى بتدخل مباشر من الله.. الله وحده، وليس هذا قولنا نحن المعلقين على المشاجب، لا، لقد قالها ميخائيل غورباتشيف دون ان ينسى التشكيك أو التصريح بأن الله أدار ظهره لنا، مللاً، او يأساً، أو فقدان حيلة.

لم لاتنتحر الوردة؟ أقول الوردة، وانا لا أعرفها.. لم أقرأ بقلمها، ولم اتصفح دفاتر قلبها، ولم يتسن لي أن أصغي إلى ضحكتها الطيبة، وكثر ممن يعرفونها في غازي عنتاب، يؤكدون، ان لها ضحكة لا تشبه ضحكات الموتى.

لم لا تنتحر، وقد:

- باتت البلاد بعيدة، والشواطئ غارقة، واللقمة كنصل السكين.

- لم لا تنتحر، وقد ارتفعت تراجيديا الدم، إلى ذروة الكوميديا، حتى بات الموت، قضية منسية، تتخطى الذاكرة مع كل موت، ليتولد موت جديد؟

ولم لا تنتحر، إذا كانت الضباع تدوس النعناع وهي تقوم بـ :"مهمة انتشالنا من القاع"، مرة باسم آخر الأنبياء، ومرة بانتاج أنبياء، وفي كل مرة في نزاع على السلطة ما بين متشابهين يشتبكان ومن خندقين متعاكسين مع أنه من الفضيلة القول أنهما التؤأمان.

لم لا تنتحر البنت الوردة، وقد صار لداعري المال، سلطة السلطة فيما مضى من زمان، وسلطة (الثورة) فيما جاء بعد زمان؟

لا أعرف رزان طبّاخة، أعرف أنها صبيّة، ربما بجديلة او جديلتين.. ربما بملقط شعر، وربما بحبّتي نمش تحت عينيها، تتكاثران تحت أشعة فضة شمسها، وربما لها ذكاء وقّاد (بالتاكيد المنتحرون متوقدو القلب والدماغ)، لا أعرف إذا ما كانت تحب الطبخ، نشر الغسيل، اقتناء الفساتين، ولا أعرف إذا ما كانت ترغب في إضافة أحمر الشفاه إلى حزنها الأخضر الذي ترتديه.. كل ما أعرفه، أننا منتحرين مؤجلين، وذات يوم، جاءني معروف عيدو، ذاك الرجل الأشبه بأنتوني كوين، وقف على الباب مسنداً ذراعيه إلى الله، ثم حكى جملتين:

أشعر بأنني أراوح في مكاني.

وبعدها غاب معروف، وانتحر بثلاثين طلقة.. هل تصدّقون، ان ثمة رجل ينتحر بثلاثين طلقة؟

صدّقوا ذلك، فالسيد ميخائيل كلاشينكوف، وقد أورث للبشرية بندقيته الشهيرة، اعطى فسحتين لمستخدمها: فسحة رشّاً، وفسحة دراكاً.

ولم يكن لمعروف قابلية الـ "دراكاً"، فانتحر بمخزن مجهّز بروائع الخلاص، ومات بثلاثين طلقة وجملة متروكة على علبة سجائره:

أشعر بأنني أراوح في المكان.

وأي مراوحة في المكان، تساوي المراوحة في المكان السوري؟ قتل يعقبه القتل، وقبر يحفر قبراً للقبر، وبشر يتكاثرون بلا هدى ليموتون بلا هدى، وثمة فيهم من ينتظر المهدي، وثمة من ينتظر العدم، وفي الانتظارين إعدام.

لم لا تتحر البنت؟ ما الذي يعيقها عن الانتحار، وقد بات المكان مرسوماً على لوحة، كلما جاء لص أو عابر طريق، رسم فوق الرسمة، وباللون إياه، اللون القاتم، الكالح، حتى باتت اللوحة بألف طبقة وطبقة، وكل يوقّع على هواه.

لم لا تنتحر، إذا لم يكن لك أجمل وأروع ما في الكوكب من أحلام؟

أحلام؟

نحكي عن الأحلام، أيّة أحلام في كرنفالات الضباع؟

انتحرت البنت.. لِم لا، وليس لها أب كما نيلسون مانديلا، وليس من بين الصقور تشي غيفارا، وما بين الصفعة والصفعة، ما من متنفس للجبين.

خلاصك بين أنياب الضباع .. حتفك بين أنياب الضباع، وسادتك متروكة للضباع، وصوتك ممنوع عليك.. مرة بالقهر البوليسي حيث جنازير الطغيان تطاردك في الأحلام، وثانية بالقهر المعنوي / الأخلاقي، حين تحوّلت "الثورة" إلى محكمة تفتيش، قاضيها فاسد أو محتال أو امّعة، ووقودها شباب بين متاهة الحلم، وزواريب الحياة.. في المتاهة لغة الورد، وفي الأزقة رقصة السكاكين.

وتتساءلون لم انتحرت رزان؟

ذات يوم، وكان الإسرائيليون يطرقون بوابات بيروت، انتحر خليل حاوي برشقة جفت الصيد، فعل ذلك ليقول نشيده:

أين من يفني و يحيي و يعيد
يتولّى خلق فرخ النسر
من نسل العبيد؟

رزان قتيلتنا، بلا قصيدة، بلا جفت صيد.. بنت كتبت على جبينها:

ممنوع متابعة الضحك مع الأغبياء.

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard