info@suwar-magazine.org

إعادة إعمار سوريا..(طبخة) سياسيّة روسيّة

إعادة إعمار سوريا..(طبخة) سياسيّة روسيّة
Whatsapp
Facebook Share

           

أوروبا متردّدة.. الخليج العربي محروم.. روسيا وايران بيديهما المفاتيح..

النظام يعطي الحقّ الحصري لحلفائه  ولبنان العرّاب

الإسكوا: مئة مليار دولار تعيد إعمار سوريا و227 ملياراً تكاليف الدمار

 

لن يكون بمقدور سورية الدولة إعادة إعمار نفسها، هذا ضرب من المستحيل. التجارب المشابهة تؤكّد أن ثمة من ينتظر صمت المدافع، وسكوت الرصاص، وتوقّف هدير الطائرات الحربية، وصوت الصواريخ وخمود المدافع، ليحمل حقيبته الاستثمارية ويتقدّم بمشاريعه. واذا افترضنا، رغم يقيننا، أن الحروب ليست مجّانية، بل هي الوجه الخفيّ للاقتصاد، فإن إعادة الإعمار هو الوجه  الجديد للحرب في سوريا، وتقاسُم النفوذ فيها. فمن هي الدول والشركات المسموح لها المشاركة في إعادة الإعمار؟ وكيف ستوزّع الكعكة على هذه الشركات والدول؟ وما القطاعات الدسمة والمربحة التي ستكون من نصيب الدول القوية؟ وهل سترمى الفتات لدول كجوائز ترضية؟

 

مجرّد دراسات

 

منذ ثلاث سنوات يتحدّث النظام السوري عن مرحلة إعادة الإعمار، وتحضّر حكومته مشاريع معيّنة لحلفائها، تستعدّ لإطلاقها لحظة توقّف الحرب. ورغم أن البنى الأساسية والشروط الموضوعية لإعادة إعمار سوريا، مازالت غير متوفّرة، تتسابق المراكز البحثية، والمنظمات الدولية، والأكاديميون، في إعداد دراسات مرتكزها الأساسي تقديرات إعادة الإعمار وكلفته. وبين تضارب الأرقام والتقديرات، تلتقي كل هذه الدراسات على نقطة وحيدة، وهي أن كلفة إعادة الإعمار الحقيقية، لن يُتفَّق عليها قبل توقّف الحرب.

نحن أمام تساؤل واحد: كم تحتاج سوريا لإعادة إعمارها وبنائها من جديد؟ هنا نحتاج رقماً غير قابل للقياس والتأويل ووجهات النظر، وهنا هي الصعوبة. ما التهمته الحرب، قد يكون من الصعب إحصاؤه، لسبب بسيط، أن أكثر من 40% من الاقتصاد السوري قُبيل الحرب، هو اقتصاد ظلّ غير منظّم، ما يعقّد المشكلة، ويسهم أكثر في خلق صعوبة وضع دراسة قادرة على الانطلاق من واقع، وليس من افتراضات.

 

خسائر حرب

 

إلا أن الدراسة التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) بعنوان " برنامج الأجندة الوطنية لمستقبل سورياوأطلقتها مطلع العام الجاري في بيروت، قد تكون أقرب إلى الدقّة والموضوعية.

تقدّر الإسكوا في دراستها كلفة الحرب في سوريا ب 327.5 مليار دولار. هذا الرقم لا يقترب من تقديرات البنك الدولي، الذي أكّد في تقرير له، نُشر في تموز الماضي بعنوان: "خسائر الحرب: التبعات الاقتصادية والاجتماعية للصراع في سوريا"، أن الاقتصاد السوري خسر 226 مليار دولار جرّاء الحرب.

اللافت للانتباه أن كل التقديرات لكلفة الحرب، وتالياً كلفة إعادة الإعمار، حتى تلك التي تقدّمها حكومة النظام، ترسم صورة سوداوية جداً، ومأساوية إلى حدّ كبير عن سوريا.  ويرى الباحث الاقتصادي شادي إبراهيم أنه من المبكر الحديث على نطاق واسع عن إعادة إعمار سوريا ككلفة مالية، وكل ما يجري الحديث عنه الآن، يندرج في إطار التسويق السياسي، الذي بدأه النظام في تحديد الجهات التي ستُعطى لها كعكة إعادة الإعمار، ومن سيُحرم منها؟

الأكثر عرضة للدمار

 

تقسم الإسكوا في دراستها كلفة الحرب في سوريا إلى 227 مليار دولار بسبب الفرص الضائعة، و100 مليار قيمة الدمار الفيزيائي. وحدّدت الدراسة حجم الدمار في كل قطاع، إذ تصدّر قطاع السكن بقية القطاعات باعتباره الأكثر عرضة للدمار بنسبة 30 في المائة، أي بنحو 30 مليار دولار أميركي. وجاء على التوالي قطاع الكهرباء والمياه والمناجم بنسبة 9 في المائة، ومن ثم الزراعة بنسبة  7 في المائة. لكن ذهبت دراسات أخرى لتقديرات أكبر، منطلقة من الكتلة المالية التي تحتاجها إعادة إعمار كل قطاع وفقاً للخسائر، وصلت إلى 111 مليار دولار في العقارات،  و 75 مليار دولار في الصناعة، و 45 ملياراً  بقطاع الخدمات، يُضاف إليها 24 مليار دولار في الخدمات العامة، و 18 ملياراً في مجال النقل والاتّصالات، و 15 ملياراً في الزراعة، و 12 ملياراً في الخدمات المالية.

إلا أن تقدير حجم الخسائر، وفقاً لرأي عديد من الباحثين، لايعني إطلاقاً أن هذه هي كلفة إعادة الإعمار، وأن التناقض في تقدير كلفة اعادة الاعمار، بحسب الدكتور واثق الحلبي، يعود إلى الدراسات التي مصدرها عواصم أجنبية، ومؤسسات تتحفز للمشاركة في وليمة إعادة الإعمار، لجني أرباح وفيرة ومجزية.

وكان لافتاً أن يقول نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق جواد العناني، في تصريحات صحفية تناقلتها وكالات الأنباء الشهر المنصرم، بأن جهات غربية تروّج لكلف مبالغ فيها، لإعادة الإعمار في سوريا، لكن التقديرات الأولية للبنك الدولي، تشير إلى 100 مليار دولار، لإعادة البنية التحتية إلى طبيعتها، تتبعها 80 مليار دولار أخرى لتشغيل مشروعات تنموية.

 

اتّجاهات وسيناريوهات

 

       ستبقى كلفة إعادة الإعمار كنهر غزير التدفّق، مادامت الحرب مستمرّة، والسؤال المهمّ الآن، في معرض بدء التحضير لمرحلة إعادة الإعمار، محلّياً وعربياً ودولياً، من سيشارك بهذه المهمّة؟

ثمّة سيناريوهات مختلفة في هذا الشأن، حاولت (صُوَر) تقسيمها، وفقاً لاتّجاهات سياسية، وذلك لأن عملية إعادة إعمار سوريا، ليست قضية مالية بحتة، أو شأن اقتصادي مجرّد، بل إنها عملية سياسية بامتياز. وسيحظى المُنتصر عقب نهاية الحرب، الذي سيعلن بيان وقف العمليات القتالية في البلاد، الحقّ في تحديد الجهات والأطراف التي يحقّ لها المشاركة في إعادة الإعمار، وهؤلاء سيحدّدون شكل إعادة الإعمار، وطرائق تمويله، ومن البديهيات أن تُدرس من جديد احتياجات الاقتصاد السوري في المرحلة القادمة.

يشترط النظام السوري، وفقاً لتصريحات مسؤوليه، أن يكون حلفاؤه هم أصحاب الحقّ الحصري في إعادة الإعمار. هذا يعني روسيا وايران والصين وشركات الحلفاء اللبنانيين.

ولا يتوانى الرئيس بشار الأسد، في كل لقاءاته عن الحديث عن إعادة الإعمار التي ستكون للحلفاء، وفي لقائه مع وفد اقتصادي روسي، لفت إلى أنه "من الطبيعي أن تكون المشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا للدول التي وقفت إلى جانب الشعب السوري في حربه ضد الإرهاب". وفي اجتماعات اللجنة الحكومية السورية- الروسية المشتركة للتعاون الاقتصادي التجاري والعلمي الفني التي انعقدت في سوتشي مطلع تشرين الأول 2017، خاطب وزير خارجية النظام وليد المعلم الروس بالقول "من الطبيعي أن نخوض معاً معركة بناء الاقتصاد السوري، وأن يشعر المواطن في روسيا الاتّحادية بأن الأعمال التي قامت بها روسيا في سورية هي مجزية أيضاً". ليردّ على هذه الدعوة نائب رئيس الوزراء الروسي دميتري روغوزين، إن الشركات الروسية "ستباشر" عملها في إعادة إعمار سوريا، إذ أن "الوقت حان لإحياء" الاقتصاد السوري. مشيراً إلى  الاستعداد لتنفيذ "مهمّة أكثر تعقيداً" في مرحلة ما بعد الحرب وهي إعادة إعمار سوريا.

 

بوصلة إعادة الإعمار

 

تشترط العواصم الأجنبية، بخاصة الأوروبية وواشنطن، التي تقف ضد النظام السوري، رحيل هذا النظام وتحقيق الانتقال السياسي المطلوب، للمشاركة بعملية إعادة الإعمار. كما تتّفق عديد عواصم عربية لا سيّما الخليجية منها، مع هذا الموقف. لكن النظام السوري الرافض لمناقشة أي قضية قُبيل "القضاء على الإرهاب"، يحاول أن يسجّل الانتصار، ليوقّع ـ بصفته المنتصر الوحيد ـ على عقود إعادة الإعمار. وتمكّنت روسيا في هذا المجال، وفقا للباحث شادي إبراهيم، من إحداث تعديل جوهري في بوصلة إعادة الإعمار، فبعد اتّفاقها مع تركيا على كثير من القضايا، خفّضت حدّة الاحتقان بين الرئيسين التركي طيب رجب أردوغان والسوري بشار الأسد، وبالتالي سيسحب أردوغان شرطه بتنحّي الأسد، وسيكون الثمن مشاركة تركية بإعادة إعمار سوريا. ويضيف إبراهيم، بالمسطرة ذاتها نقيس على المواقف العربية، والقراءة الواقعية تبيّن أن رياح التصريحات العربية الهجومية ضد النظام السوري، تحوّلت من عواصف رافضة للأسد، إلى مجرّد رياح هادئة. مبيّناً أن رفع الغطاء الأمريكي الداعم للجيش الحرّ، ومواقف تركيا بعد اتّفاقها مع روسيا بشأن إدلب، وتهديدات الأردن للمعارضة بتسليم معبر نصيب جنوب سوريا للنظام، ومواقف السعودية من الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات، تجسّد بما لا يدعُ مجالاً للشكّ، أن روسيا تحضّر قائمة الدول المرغوب بها في إعادة الإعمار.

 

معارضة بلا قوة اقتصادية

 

وفي الوقت الذي يتحدّث فيه النظام السوري، عن إعادة الإعمار، مازالت المعارضة غارقة في تمزّقها، وتشرذمها. وكما أن النظام بدعم من حلفائه، يحقّق انتصارات واضحة، ويستعدّ الجميع لإطلاق إعادة الإعمار، كشكل من أشكال إعلان الانتصار، ولو جزئياً، ما زالت القوى المعارضة حبيسة مموّليها وداعميها، الذين تغيّرت مزاجياتهم، وأهواؤهم، ما خلق ظروفاً جديدة أكثر تعقيداً، لجهة رحيل النظام، وفي أحسن الأحوال لدى أكثر المتفائلين، تقتصر المسألة على عملية انتقال سياسي، ضمن شروط سيشارك بوضعها النظام ذاته. كما أن المعارضة السورية، لاتمتلك قوة اقتصادية نافذة، يمكن أن تضغط في اتّجاه مشاركتها بإعادة الإعمار، إن لم يتحقّق ذلك ضمن عملية سياسية. ويرى الباحث إبراهيم، أن النظام الذي رفض إعطاء المعارضة بكل أشكالها، أي دور، ورفض تقديم تنازلات لها، وهو في أسوأ حالاته اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وشعبياً في الفترة 2012 لغاية 2014، لن يقدّم تنازلات الآن، أو في لحظة التوافق على وقف الحرب. ويؤكّد أن الخرق الوحيد الذي يمكن أن يحدث هنا، سيكون بضغوط روسية إيرانية، التي لا ترى في المعارضة قوة يمكن الاستجابة إلى مطالبها. ويتوقّع إبراهيم أنه في أفضل الحالات يمكن اندماج المعارضة بالنظام السوري الجديد بعد توقّف الحرب.

تهميش أوروبي

 

تؤكّد التطوّرات السياسية الحالية، أن روسيا وأمريكا، تسعيان لتحييد الدول الأوربية عن مرحلة إعادة الإعمار في سوريا، بحسب الخبير عبدالرحمن تقي الدين، الذي تحدّث لـ (صُوَر) عن مواقف موسكو وواشنطن التاريخية الرافضة لحضور أوروبي قوي وأساسي في أي منطقة للنزاع، مع ترحيبهما بهذا الحضور شريطة تبعيّته للعاصمتين الأقوى في العالم. ويرى تقي الدين، أن مواقف دونالد ترامب تؤكّد أنه ينظر إلى الاتّحاد الأوروبي بنظرة تهميش، ومحاولات تحييد، وهذا يتطابق مع رغبة فلاديمير بوتين في أن يكون اللاعب القوي في أوروبا.

وينطلق تقي الدين من تعقيدات الحرب في سوريا، ومشاركة عشرات الدول فيها، لتحديد من هي الدول التي ستشارك بعملية إعادة الإعمار، فضلاً عن تحديد دور كل دولة. ويبيّن أن هناك دولاً سترسل شركاتها، كما في الحالة الأمريكية والأوربية والروسية والتركية، ودول أخرى ستشارك حكوماتها بالإعمار مثل إيران، ودول أخرى سيكون لها حصة كبيرة انطلاقاً من التمويل الذي ستقدّمه.

 

شركات روسية تحضّر الملفّات

 

ثبّتت روسيا وإيران نفسيهما في سوريا، بعقود مختلفة اقتصادية وعسكرية، وبالتالي لن يكون لقوة على ضوء المعطيات الجيوإستراتيجية المتوفّرة، أن تزحزحهما من التواجد باختلاف أشكاله على الأراضي السورية. وهناك أكثر من 65 شركة روسية مهتمّة بإعادة الإعمار وتملك تجارب واسعة في هذا الشأن، تسلّمت، وفقاً لمصدر حكومي سوري كشف لـ (صُوَر)، أن هذه الشركات تسلّمت المشاريع المُزمَع الاتّفاق عليها كأولويّة في إعادة الإعمار لدراستها، وتجهيز ملفّاتها. أمّا الكعكة المتبقّية فستكون من نصيب من يرغب بإعادة الإعمار.

       لكن ثمّة ما يتجاهله الباحثون في إعادة إعمار سوريا، ويرتبط بدور رجال الأعمال السوريين، في هذه المسألة. لن يتخلّى رجال الأعمال المرتبطين بالنظام، عن حصّتهم في مشاريع إعادة الإعمار، وعدد كبير منهم ينتظر الفرصة المناسبة ليقبض ثمن مواقفه، على شكل مشروع أو استيراد معدّات ومواد لإعادة الإعمار وغيرها. ويؤكّد الدكتور واثق الحلبي أن النظام السوري اعتاد على مكافأة داعميه ومؤيّديه بطرق مختلفة، ولا بدّ أنه سيخصّص جزءاً من المشاريع لرجال الأعمال الذين ساندوه أثناء الحرب. متوقّعاً أن يكون نصيب هؤلاء مجرّد الفتات من مشاريع إعادة الإعمار، لأن المتنافسين على هذه المشاريع هم الدول والشركات العملاقة.

 

منصّة لإعادة الإعمار

 

يسعى لبنان ليستقطب الراغبين بإعادة إعمار سوريا، فهذا البلد المنقسم بين مؤيّد للثورة السورية وآخر محارب ضدّها، يقف على طرفي نقيض، لكن لغة المال ستكون حاسمة. أشعل رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بتصريح له نيران إعادة الإعمار في سوريا. الحريري وعقب لقائه في واشنطن الرئيس ترامب، في تموز الماضي، طلب أن يكون لبنان منصّة لإعادة الإعمار في سوريا. كما أن اجتماعات لبنانية روسية مشتركة عقدت خلال الفترة الماضية، وناقشت هذه المسألة، وذلك لإدراك لبنان أن روسيا ستكون بيضة القبان في إقرار مَن سيشارك بإعادة إعمار سوريا.

ومن المتوقّع أن يكون لبنان عرّاب إعادة الإعمار في سوريا، إذ تسعى قياداته لحجز دوره في هذه العملية، مقدّماً دوراً لوجستياً فيما يتعلّق به كموقع جغرافي لا بدّ من الرضوخ له، لاسيّما أن النظام السوري سيتشدّد إلى أبعد الحدود من جاره الشمالي أي تركيا، وسيحاول تخفيف التعاون مع الأردن الذي كان داعماً للثورة في مواجهة النظام. كما يعتمد لبنان على خبرته في إعادة الإعمار التي جرت في تسعينيات القرن الماضي بعد توقيع اتّفاق الطائف، الذي شكّل مخرجاً للقوى اللبنانية المتقاتلة. فضلاً عن قدراته الكبيرة في مجال الاستيراد والتصدير والخدمات، والبنوك .  لكنّ الدور المهمّ الذي يتخوّف منه النظام هو أن لبنان سيكون واجهة لشركات عربية وأجنبية، وقفت ضدّه خلال سنوات الحرب، وتريد أن تكسب فرصة إعادة الإعمار. ما يعني أن هذه الدول ستؤسّس شركات في لبنان للدخول في هذه العملية، وعلى مايبدو أن اللبنانيين على استعداد لتوفير هذا الغطاء. لكن في المقلب الآخر، فإن الاتّحاد الأوروبي، الرافض للمشاركة بعملية إعادة الإعمار مشترطاً الانتقال السياسي، سيفتح الباب الخلفي لمشاركته، وبالتأكيد لبنان هو النافذة التي تسمح لدول الاتّحاد الأوروبي النفاذ إلى سوريا.

الانقسام اللبناني سياسياً، له شقّ توافقي، يعمل أنصاره خلف الكواليس، إذ يتّفق طرفا الانقسام، على دور لبناني في إعادة إعمار سوريا، ويتحدّثون على أن يكون لبنان" محطة إلزامية" لكل الراغبين بإعادة الإعمار في سوريا. وليس سرّاً أن الصحافة اللبنانية تتحدث عن إبرام صفقات  بين شركات خليجية ودولية من جهة ولبنانيين لتسجيل شركات جديدة في لبنان تكون النافذة الخلفية لهم للدخول في إعادة الإعمار في سوريا، وأبرز هذه الشركات هي شركات المقاولات.

 

النسخة المحلّية

 

يتساءل كثيرون ضمن الوسطين السياسي والاقتصادي، هل سوريا بحاجة إلى حريري بنسخة سوريّة؟ هذا سؤال منطقي سيحدّد جوهر إعادة الإعمار وشكله، وطرائق تمويله، والثمن السياسي والاقتصادي الذي ستدفعه سوريا من أجل إعادة الإعمار كما دفعته بشكل مرير خلال الحرب.

فإعادة الإعمار تعني نفوذاً، وربحاً، وسيطرة. وليست مجرّد شركات تأتي للبناء مقابل مال وربح وفير، إذاً ثمّة ما هو تحت الطاولة. رفيق الحريري أسّس سوليدير لإعادة إعمار بيروت مقابل رئاسة الحكومة. هذه تجربة تاريخية، لايمكن نكرانها، ومازالت مفاعيلها قائمة. فهل يوجد رجل أعمال سوري قادر على القيام بهذه المهمّة؟ وماهي الضمانات الدولية التي تسمح لاسم ما بأن يأخذ الحصة الأكبر في هذه العملية؟

كل المؤشّرات تؤكّد، أن تجربة لبنان في إعادة الإعمار، ممثّلة برفيق الحريري، غير قابلة للتطبيق في سوريا. لأن حلفاء النظام الذين يحجزون المشاريع ذات الصلة بهدوء، وبتقاسم واضح، لن يسمحوا لمثل هذه التجربة. كما أن الخلافات الجوهرية بين حلفاء النظام (الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية) مع المحور الآخر الذي تمثّله أمريكا وتركيا والاتّحاد الأوروبي وعديد الدول العربية بخاصة الخليجية،  يقف حائلاً أمام التوافق على شخصية من هذا القبيل، لخلاف عميق في الولاء. ويرى تقي الدين: أن تركيبة النظام السوري، التي ترجّح أغلبية السيناريوهات المتداولة بقاؤه، لاتسمح بمثل هذه الحالة. وقال: لايمكن أن يعطي النظام فرصة لشخص معيّن يُطلق عليه فيما بعد أنه باني سوريا، فهذا من اختصاص رئيس النظام. وأشار إلى أنه لايمكن لشخص أن يجازف بهذه المهمّة، حتى وإن حصل على ضمانات دولية، فالعملية سياسية بحتة، ولن يتجرّأ أحد على المجازفة، والتجارب السابقة في لبنان وغيره، حيث يد النظام السوري طولى، أتت بكوارث.

بقليل من التفاؤل

 

ستصحو سوريا يوماً ما، بعد توقّف الحرب فيها، وتجد أن الراغبين كثر بإعادة إعمارها، من شركات ودول. لن تجد صعوبة في إيجاد التمويل، أو مَن يقوم بإعادة الإعمار، لكن الصعوبة الحتمية التي ستواجهها، تتعلّق بأي ثمن ستقبل سوريا المُدمّرة، إعادة إعمار ما تهدّم فيها؟ وكيف سيكون مشروع (مارشال) سوريا؟ ومقابل ماذا؟

يؤكّد الدكتور الحلبي أن إعادة الإعمار عملية ضخمة، وثمّة كتلة مالية هائلة تنتظر وقف الحرب، حتى تُضَخّ، وطرائق التمويل لن تكون مشكلة، مرجِّحاً أن رضوخ سوريا للديون، كشرط موضوعي لدخول الشركات في مشاريع إعادة الإعمار، والمس بقرارها السيادي هو شرط الدول التي ستفرض نفسها في هذه العملية. ويخلص الدكتور الحلبي إلى أن السوريين الذين يتطلّعون بتوق للخلاص من الحرب سيكونون مع موعد  جديد من حرب الديون واستنزاف الثروات، فالدول التي أعيد إعمارها عقب حروب مماثلة، رازحة تحت ديون كبيرة، وفي أحيان كثيرة ثرواتها لا تستطيع خدمة الدين العام كلبنان، دون أن تتحقّق إعادة الإعمار، أو التنمية المنشودة. في حين ينحو الباحث إبراهيم باتّجاه التفاؤل قليلاً، مبيّناً أن وقف الحرب، يعني وقف الخسائر والقتل، وعقب ذلك يمكن القبول بأي خسارة أخرى، كونها ستكون الأقل حتماً من استمرار الحرب.

 

بلع الموسى

 

  ملفّ إعادة الإعمار في سوريا، لا يقلّ خطورة عن الحرب بعينها، لأنه يتضمّن سياسة مستقبلية ستُرسم للدولة السوريّة، لايمكنها أن تحيد عنها. وإذا كان المنتصر عادة يوزّع الدعوات للمشاركة بإعادة الإعمار، فهذا يعني أنه لن تُقدّم الدعوات المجانية، وستكون هناك عناية فائقة باختيار الدول والشركات المشاركة في توزيع المشاريع. وستبلع سوريا الموسى مرة ثانية في إعادة الإعمار، كما ابتلعته في الحرب.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard