info@suwar-magazine.org

إدلب والمسار الثالث

إدلب والمسار الثالث
Whatsapp
Facebook Share

 

 

يسـألني الكثير من أبناء الشمال السوري، وخاصة من إدلب، بعد الحملة الشرسة التي بدأتها قوات النظام بغطاء جوّي روسي، وهي الأعنف منذ بداية الأزمة السوريّة، عن غياب حملات المناصرة لحماية المدنيّين، وتقديم الدعم الإنسانيّ للنازحين الذين يفترشون الأرض في حقول الزيتون.

 

هذا صحيح لا توجد تغطية إعلامية أو تفاعل بحجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان تلك المناطق، كما كان يحدث سابقاً، وقد يكون لذلك أسبابه، حيث التغييرات العميقة التي طرأت على الواقع السياسي والعسكري في المشهد السوريّ، واختلال موازين القوى منذ سقوط حلب، والتي كان أحد تداعياتها إغلاق عدد كبير من منظمات المجتمع المدنيّ والمؤسّسات الإعلامية، التي كانت تساهم في تحريك الرأي العام المحلّيّ والدوليّ، و تكرّر ذلك مع سقوط كل مدينة إلى أن فقد السوريّون القوى الفاعلة والمؤثّرة من مختلف القطاعات، دون أن ننسى أثر تغيير نوعية التمويل في تقليص مساحة المشاريع الحقوقية والمدنية لتلبية الاحتياجات الإنسانية أثناء الأزمات، والتي ساهمت بدورها في انخفاض عدد حملات المناصرة.

 

كما أن وجود جبهة النصرة المصنّفة ضمن قوائم الإرهاب، بالإضافة إلى جماعة "الإيجور" والحزب التركستاني، المسيطِرين على تلك المناطق، يجعل من مهمّة المناصرة أمراً معقّداً للأطراف التي يتمّ استهدافها بالمناصرة، وخاصة القوى الدولية، وبطبيعة الحال وجود هذه التنظيمات الإرهابية لا يبرّر كلّ هذا القتل واستهداف المنشآت المدنيّة من مشافٍ ومدارس،  ولكننا نتكلّم عن نظام وحلفائه، تفنّنوا خلال السنوات الماضية بالقتل والعنف ضدّ السوريّين، وأخيراً يجب ألّا ننسى دور حكومة الإنقاذ في تقليص مساحات العمل المدنيّ، وعمل المجالس المحلّية في إدلب وريفها.

 

ما تمّ ذكره سابقاً أثّر بشكل كبير على الاستجابة الإنسانية للأزمة، وعلى الجهات المانحة التي لا تزال تقدّم الدعم وتوفّر الاحتياجات الإنسانية، كما أن قيام الحكومة التركية بإغلاق حدودها وفرض إجراءات على المنظمات الدولية، ساهمت بدورها في إضعاف جهود الإغاثة، وسرعة الاستجابة للحالات الإنسانية وفق أحد العاملين في الشأن الإنسانيّ إذ يصف الإجراءات التركية بقوله: " على سبيل المثال إذا تمّ تحويل أموال إلى تركيا فهي بحاجة إلى شهرين حتى يتمّ تحريرها من قِبَل البنوك في تركيا، ولم يعد بإمكاننا أن  نحوّل الأموال مباشرة إلى سوريا، فقد تمّ فرض التحويل عن طريق شركة البريد التركيّ( PTT)  الحكومية الموجودة في مناطق درع الفرات وإعزاز، بعدها يمكن سحب الأموال وإيصالها إلى إدلب، إذا نجونا من القصف أو حتى من عمليّات السطو".

 

ورغم كل هذه التعقيدات، فمازال هناك الكثير من المنظمات والنشطاء يعملون لساعات من أجل إيقاف القصف عن المدنيّين وإيصال المساعدات للنازحين، إلى جانب الحِراك السياسيّ، والمحلّيّ والدوليّ، لإيجاد مخرج لحماية المدنيّين، دون أن تغيب عنّا محاولات الدول الضامنة في الأستانا عقد صفقات جديدة تحفظ مصالحها، وترسم حدودها بالخطوط الحمراء من دماء المدنيّين السوريّين.

 

وهناك اقتناع شبه تامّ بين شريحة كبيرة من السوريّين في الشمال، بأنّ ما يحدث الآن هو عبارة عن اتّفاق جديد لرسم حدود نفوذ الدول الضامنة، كما حدث في السابق، وهي لم تكن يوماً في مصلحة السوريّين، لأن نتائجها على الأرض جليّ للعيان، إنها تخدم مصالح الأطراف المنخرطة فيها، ومن سخرية القدر اليوم أن نرى الموقف الأمريكي تجاه درعا أخلاقياً أكثر من مواقف دول الأستانا (( على الرغم من أن الكثيرين اعتبروه موقفاً متخاذلاً))، فعلى الأقلّ كان الأمريكيون  شفّافين وواضحين، وهو ما جعل وجهاء درعا المدنيّين يحتكمون إلى العقل وعقد اتّفاق مع روسيا، جنّبوا بموجبه المدنيّين في درعا القتل والتشرّد والدمار.

 

ومن الطبيعيّ أن يفقد السوريّون الثقة بجميع المسارات السياسية والمفاوضات التي تجري هنا وهناك باسم السوريّين، وبجميع الأطراف الدولية والإقليمية بعد كل ما عانوه جرّاء هذه الاتّفاقيات، لذلك يبدو أن الخيار الأفضل هو أن يقوم أهل إدلب خاصة والشمال عامّة ببناء مسارهم الخاصّ وقلب موازين القوى على مَن يتقاسمون مناطق النفوذ على أرضهم، من خلال إنهاء أو طرد التنظيمات ((جبهة النصرة، والإيجور والحزب التركستاني))؛ فهي المبرّرات لكل هذه الصفقات المشوّهة، والتي أصبحت حصان طروادة لتدخّل روسيا وإيران والنظام السوريّ.

 

 كما يمكنهم التخلّي كلّياً عن الخطاب الدينيّ السياسيّ، وتبنّي خطاب ديمقراطي أكثر انفتاحاً، وإعادة تفعيل المجالس المحلّية، وحلّ حكومة الإنقاذ الرجعيّة، فمن شأن ذلك أن يخلط الأوراق، والابتعاد عن الاتّفاقيات التي لا تعبّر عن إرادة الناس، والتي سيكون ثمن تطبيقها قتلاً وتهجيراً وتغييراً ديموغرافياً. إن إرادة الشعوب هي الوحيدة الكفيلة بقلب موازين القوى، فالسوريّون ثاروا من أجل استعادة السيادة من نظام مستبدّ، وليس من أجل أن يمنحوها لآخرين.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard