info@suwar-magazine.org

ما الذي قدَّمته الدراما التلفزيونيّة للمجتمعات العربيّة

ما الذي قدَّمته الدراما التلفزيونيّة للمجتمعات العربيّة
Whatsapp
Facebook Share

 

 

أطلقتْ الثورات العلمية والتكنولوجية العنان للنقد الأدبيّ والفنيّ لدى القارئ والقارئة، وذلك من خلال المنصات الإلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي وغيرها، فبات العمل بين أيديهم وأيديهنّ بعد أيام من صدوره. وقد أضافت تلك الثورات على مستخدميها ثقافة جديدة، وانفتاح على الثقافات العالمية، وباعتبار الدراما أحد منتجات الثقافة منذ القديم؛ بوصفها أحد أشكال الفن والإبداع، وأهمها شمولية بين المسرح والسينما والتلفزيون، كما أن الكلمة تعني باللغة الإنكليزية "المسرحية". ولا أحد يشك أن الدراما مرتبطةً ارتباطاً وثيقاً بالأدب، كالرواية والقصة والشعر، فقد باتت محطّ أنظار الجميع وقابلة للنقد المباشر على غير العادة التقليدية التي اعتدنا عليها منذ زمن طويل.

 

للدراما التلفزيونية في سوريا وغيرها مكانٍ من العالم؛ أثراً كبيراً ومهماً في تجسيد الثقافة الحديثة والقيم الحديثة، ونقد الثقافة التقليدية المتوارَثة عبر التاريخ، وعلى وجه الخصوص في غياب دور السينما والمسرح من بعض المحافظات السورية، أو تمركزها في العاصمة دمشق، لكنها وظّفت هذا الأثر في اتجاهها المعاكس، أي في  إعادة إنتاج الثقافة التقليدية والقيم التقليدية، وخاصة ثقافة العنف، التي أصبحت هي الرائجة والمألوفة والمحبوبة في بعض المجتمعات العربية.

 

عرضت القنوات الفضائية العربية في شهر رمضان الماضي، العديد من المسلسلات السورية، والمسلسلات المشتركة بين الممثلين والممثلات السوريين/ــات والممثلين/ــات اللبنانيين/ــات، وشركات الإنتاج المشتركة أيضاً، وباعتبار أن التلفزيون هو الوسيلة الوحيدة لمشاهدة الأعمال الدرامية؛ فقد أصبح أي (التلفزيون) ورقة رابحة في يد المنتجين والممثلين لإيصال المفاهيم والرؤى التي تريدها شركات الإنتاج وإلى أية جهة من أطراف النزاع على الأرض السورية تتبع، فلا يخفى على المشاهد السوري أو العربي، الانحيازات السياسية التي قدمتها الدراما السورية على مدار ثمان سنوات مضت، فلكلٍ أيديولوجيته ورؤيته الخاصة، وعلى المُشاهد أن يتحمل ويشاهد بصمت لاعتبار التلفزيون صلة وصل أحادية القطب، فلا دور للمتلقي أن يقبل أو يرفض هذا العمل أو ذاك، لكنه يستطيع نقده مباشرةً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويستطيع أيضاً إيصال نقده إلى القائمين/ــات عليه، وإلاّ ما الذي يُجبر الفنان "خالد القيش" أن يُصرِّح عبر القنوات التلفزيونية بأن "الممثل مجرد أداة يؤدي دوره فقط، وليس بالضرورة أن يكون حاملاً للاتجاه السياسي التي تلعبه الشخصية"، وذلك بعد الهجوم الذي تلقَّاه على شبكات التواصل الاجتماعي لقيامه بدور " العميد عصام" في مسلسل "دقيقة صمت" الشخصية التي تُعِّبر عن فساد الأجهزة الأمنية في سوريا.

 

اقرأ المزيد:

 

هل نحن بحاجة لمنتحرين أيديولوجيّين؟

 

هذا وقد اخترقت الدراما السورية في هذا العام جدار الحصار الاقتصادي المفروض على سوريا، ودخلت السوق الرأسمالية بالتعاون مع دول الخليج، بعد دعمها المادي لشركات مقابل التصوير في المناطق السياحية في الإمارات العربية في مسلسل "سلاسل ذهب"، وقد سجلت الدراما السورية لهذا العام امتيازاً فنياً ينافس الدراما المصرية في القنوات الفضائية العربية، بإبداعٍ فنيّ يَشهد له المتلقي، فكانت غزيرة الإنتاج بما يعادل ثلاثين مسلسلاً تربَّع فيها العديد من الممثلين والممثلات على مقاعد البطولة بأداء مميز ومُبدع. يبقى السؤال هل الإبداع الفنيّ هو التعبير الأمثل، أو المعيار الأساسي لنجاح الدراما التلفزيونية؟

 

ليس ثمة عملٍ فنيّ من غير تطور وإبداع، وإلاّ أصبح عملاً عادياً كأي عمل يقوم به الإنسان العادي، لكن عندما تنأى الدراما السورية عن مناقشة الواقع كما هو، وتكتفي بالنقد للسياق الاجتماعي فقط، يصبح الإبداع رُكناً واحداً فقط من أركان الدراما، وعندما تتجه الأعمال المشترَكة بين الدراما السورية والدراما اللبنانية، تارة إلى العنف الممنهج، والقائم على الشروط الاجتماعية والنظام الاجتماعي الذي يقوم على المصالح الشخصية، كـمسلسل "الهيبة"، الذي يكرّس العنف والتخلف الاجتماعي والثقافي، من ثم يكرّس الفساد وعدم احترام القانون مما أدى إلى غيابه وتهميشه في المسلسل، حتى لو كان غائباً على أرض الوقع، فيجب على الدراما أن تنقل فكراً جديداً للمتلقي، كي يستطيع هو الآخر أن يفكِّر ويجدِّد نمط تفكيره.

 

أما الوجه الآخر للدراما المشترَكة؛ فهو التركيز على القضايا المتعلقة بالوضع اللبناني، من دون أي حساب لما يعانيه المواطن السوري من فقر وتهميش وفقدان الإنسانية في ظلِّ الحرب، كمسلسل "خمسة ونص" الذي لعب دور البطولة فيه الفنان السوري "قصي خولي" مع الفنانة اللبنانية "نادين نجيم". وهو صراع بين الحب والسلطة لتنتصر السلطة أخيراً، وصراع بين الرجل والمرأة فينتصر الرجل، وعلى ضوئه أي (المسلسل) يترتب على المرأة أن تبقى في منزلتها النمطية في المجتمع مهما بلغت من المراتب الاجتماعية والسياسية.

 

 

بيان "نادين نجيم" الطبيبة والنائبة في البرلمان اللبناني، لم تستطع أن تحصل على حضانة ابنها إلاّ بعد جهد جهيد، وبعد أن أجبرت القانون ليتغلب على سلطة زوجها غمار "قصي خولي"، فدبَّر لها حادث سير وأرداها قتيلة. أما اللعبة السياسية، فهي ذاتها التي تدور على أرض الواقع اللبناني، فلا جديد يكشف أسرار ما يجري، ولا حلول لمشكلات مستعصية في المجتمع والسياسة.

 

أما مسلسل "سلاسل ذهب" الذي اعتمد على أفكار قديمة أو حكايات شامية تجدَّدت بفعل العمل، فقد كان يتجه إلى المتعة والتشويق لا غير. فما الذي يدفع المشاهد العربي وعلى وجه التحديد إلى التسّمر أمام التلفاز لساعات طويلة؟ هل هو انتظاره لبارقة أمل جديدة تتجاوز النقل والوصف للواقع السوري، أم للمتعة والترويح عن النفس والانعتاق من محنته القائمة عليه منذ سنوات؟

 

بعد أن رفعت الرقابة السورية جزءاً من يدها عن الدراما، أخفضت الأخيرة من مستوى نقدها للأحداث الجارية على الأرض السورية، فأبقت على ما هو مسموح بتداوله لدى الرقابة، ألا وهو النقد الاجتماعي والمتعة بعيداً عن الحلول والفائدة الفكرية، وكأنها تقول للمتلقي العربي: ابقَ كما أنت، راوح في مكانك كي لا تتعب من التفكير في المسير إلى الأمام.

 

فمن تجاوز من الممثلين والممثلات الحدّ الذي سمحت به الرقابة؛ أنزلت بحقه العقوبة القصوى حسب قوانينها الأيديولوجية، كعدم ظهورهم/ـــن على شاشات التلفزيون السوري، كالممثل "عابد فهد" والممثلة "أمل عرفة". فكيف ستنهض المجتمعات كالمجتمع السوري، وما يشبهه من المجتمعات الأخرى، ما دام الإبداع الفني والثقافي تحت قبضة الرقابة والسلطة الأمنية، على الرغم من كل تلك الثورات العلمية التي يتمتع بها العالم؟.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard