info@suwar-magazine.org

الدستور ومفاتيح التغيير

الدستور ومفاتيح التغيير
Whatsapp
Facebook Share

 

 

مع انطلاق أعمال اللجنة الدستورية السورية برعاية أممية يتساءل الكثيرون عن شرعية اللجنة، وعن استقلاليتها وآلية اختيار الأسماء وخاصة قائمة المجتمع المدني، ويذهب الكثيرون إلى أنه لا يمكن نجاح هذه اللجنة، لأسباب كثيرة منها سياق تشكليها وتوغل مجموعة الآستانا "روسيا، تركيا، إيران" في شأنها، وعدم رصد تصريحات أو سلوكيات تشير إلى وجود إرادة للتغير لدى النظام السوري الذي يعيش نشوة الانتصار، ويحاول استثمار هذه اللحظة في التسويق لنفسه لدى جمهوره وخاصة في الداخل السوري.

 

وبالتالي فإن كل ما يقال يبدو صحيحا؛ً فالقضية الدستورية أصبحت حمّالة أوجُه نتيجة للسياق الذي تسير فيه، وإذا افترضنا أن جميع الأسباب السابقة وغيرها لن تشكل عائقاً أمام إنتاج دستور جديد سيبرز السؤال الأهم (ما هو الشيء الذي يمكن أن يتغير؟).

 

وهنا يجدر بنا النظر إلى بنية الأنظمة الاستبدادية ليس في الشرق فقط بل في العالم، وسنلاحظ عدة عوامل مشتركة بين هذه الأنظمة - مع اختلافات طفيفة بينها – وأبرز هذه العوامل تتمثل في "عدم حيادية الدولة، غياب التداول السلمي للسلطة، هيمنة القبضة الأمنية، التحكم بشكل منفرد بالموارد الاقتصادية، وأخيراً غياب التنوع الثقافي والتعددية السياسية، وانعدام مساحات التعبير"، فقبل الخوض في مسألة الهوية الوطنية؛ على الدستور أن يضمن مبدأ العدالة للجميع بدون تمييز بين الضحايا بغض النظر عن الانتماء العقائدي أو السياسي أو العرقي، ففي ذلك تأسيس للعدالة بدون تمييز بين ضحية وأخرى.

 

 وبالنظر إلى سياق الصراع السوري نجد أن الامتيازات على الصعيد السياسي والاجتماعي كانت تعطى لأنصار القوى العسكرية والسياسية وقبلها للموالين للنظام السوري، وبالتالي فإن أي تمييز فيها سوف لن يضعف من فكرة العدالة فقط، بل سيصيب مبدأ المساواة بين الجميع في مقتل.

 

اقرأ المزيد:

 

 

 اللجنة الدستورية: ماذا يقول عنها السوريون في الداخل

 

 ومن المعروف لدى الجميع أن النظام الحاكم في سوريا هو من الأنظمة التي يغيب فيها التنوع على جميع الأصعدة، فالهوية السورية ذات صبغة عرقية (عربية) مع استحواذ اجتماعي سني نتيجة أن غالبية المجتمع السوري من العرب السنة، يضاف إلى ذلك استخدام النظام السوري للدين كما في المادة التي تنص على تحديد دين رئيس الدولة بالإسلامي. هذه الهوية الأحادية حرمت الكثير من السوريين من حقوقهم كما أنها أضعفت الشعور الجمعي بالانتماء إلى سوريا ككيان سياسي - والذي يعتبر كياناً حديثاً انسلخ من الدولة العثمانية - لذلك على الدستور أن يكون قادراً على إدارة التنوع السوري بشكل إيجابي للوصول الى مواطنة حقيقة ومتوازنة ومتكافئة لإعادة إنتاج هوية سورية تتمتع بالشمول والتضمين لجميع السورين. وهذا لن يتم إلا من خلال إلغاء أي صفة في اسم الدولة، وتعريف الشعب سواء كانت عرقية أو دينية، كما يجب تغيير العلم والنشيد الوطني، ففي ذلك مدخل للتأسيس لهوية سورية جديدة وشاملة فلا يمكن لغير العربي الافتخار بالنشيد الوطني الحالي " عرين العروبة بيتٌ حرام"، ومن غير الممكن الشعور بالانتماء الجغرافي للوطن، وهم يسمعون "ربوع الشام بروج العلا" علماً أن الجغرافية هي السبب الرئيسي والأساسي لكل هذه الصراعات.

 

يجب أن يضع الدستور اللبنات الأساسية لبناء دولة ذات مؤسسات حيادية تجاه مواطنيها بغض النظر عن انتماءاتهم المتعددة من خلال فصل السلطات الثلاثة عن بعضها من حيث الدور الوظيفي، وخاصة في تقديم الخدمات، كما يجب أن تكون الدولة حيادية تجاه الأديان، وأن يكون الدستور الحامي الرئيسي لفصل الدين عن الدولة. فالسلطات الثلاث "التشريعية، القضائية، التنفيذية" هي سلطات ذات أبعاد وظيفية لخدمة مواطني الدولة أي ملكية عامة للشعب.

 

ولترسيخ الانتقال السلمي للسلطة لا يكفي إجراء انتخابات دورية، أو بناء هوية وطنية جديدة أو مؤسسات حيادية فهي بحاجة إلى تأسيس نظام سياسي عادل قائم على ضمان الحقوق والحريات المتساوية للجميع بدون تمييز، وأن يتمتع هذه النظام السياسي بالقدرة على تضمين، وتمثيل جميع المكونات والفئات السورية. بحيث لا يؤدي أي انتقال للسلطة من طرف إلى آخر إلى عرقلة مصالح المواطنين. كما أنه في إطار الحقوق فيجب إعطاء حقوق متساوية للنساء مع الرجل على المستوين السياسي والاقتصادي، فبدونها ستكون الديمقراطية عرجاء.

 

لا يخفى على أحد أن الأنظمة المستبدة هي أنظمة موغلة بالفساد، ودائماً ما تعمل على شراء الولاءات من الموارد الاقتصادية الوطنية، وتحيط نفسها بطبقة من الفاسدين الاقتصاديين، وتربط الاقتصاد ببقائها في السلطة، وبالتالي تقوم بحرمان فئات واسعة من مواطنيها من الموارد الاقتصادية. لذلك من الضروري أن يتم التأسيس لنظام اقتصادي عادل يبدأ من التأكيد على ملكية السوريين لمواردهم الاقتصادية، وضمان العدالة في التوزيع، وتطبيق اللامركزية على المستوى الاقتصادي، وليس فقط على المستويين السياسي والاجتماعي.

 

إن كل هذه البنود الموجودة في الدستور لا تكفي في سوريا  للتأسيس لمرحلة جديدة، فخلال العقود الماضية عانى السوريون من تغوّل الأجهزة الأمنية في مؤسسات الدولة حتى الخدمية والتعليمية منها. كما أن المجتمع السوري لم ينجُ من هذا التغوّل الأمني الذي عمل على ترسيخ أركان النظام والحزب. لذلك يجب أن تخضع الأجهزة الأمنية بدون استثناء للمساءلة، وسيادة القانون.

 

إن  إنجاز دستور كما يتمناه السوريون هو أمر يحتاج  إلى توفر عوامل أخرى. منها: أن يتم سَنّ  قوانين ووضع إجراءات ترسخ بنود الدستور في الحياة العامة، كما يجب أن تتوفر الإرادة السياسية لدى النُّخَب السورية.

 

إن معالجة هذه القضايا تحتاج إلى سنوات، وربما إلى عقود إذا ما توفرت الإرادة السياسية مع استراتيجية واضحة للتخلص من الاستبداد بالوسائل السلمية، وبالتأكيد فإن عملية وضع دستور لا تكفي وحدها لمعالجتها، ولكن قد تكون بداية لتغيير عميق واستراتيجي إذا ما تم وضع دستور ينتمي الى المستقبل لا الماضي، ويهدف إلى معالجة هذه القضايا، وغيرها بشكل حقيقي.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard