القتل والتشويه والاغتصاب أبرز الانتهاكات ضد أطفال سوريا
"أخذ الضابط فتاتين، ووضع وجهيهما على المكتب واغتصبهما واحدةً تلو الأخرى. حاولت الاثنتان المقاومة ولكن لم يكن بوسعهما فعل أي شيءٍ. بعد ذلك حدثني الضابط قائلاً:” أنت ترى ما أفعل بهما، وسوف أفعل ذلك بزوجتك وابنتك." هكذا يصف أحد المحتجزين لدى فرع الأمن السياسي في دمشق سنة 2014 ما حدث بالضبط في شهادته للجنة التحقيق الدولية المعنية بالتحقيق في الانتهاكات المرتكبة في سوريا.
أصدرت لجنة التحقيق الدولية في السادس عشر من شهر يناير/كانون الثاني، تقريراً بعنوان "لقد محوا أحلام أطفالي" حول ما خلفته سنوات الحرب الثماني من انتهاكاتٍ صارخةٍ لحقوق الأطفال الأساسية، من بينها القتل والتشويه والجروح والتيّتم والحرمان من التعليم وتحمّل وطأة العنف الذي ترتكبه الأطراف المتنازعة، بالإضافة إلى تشريد أكثر من خمسة ملايين طفل داخل سوريا وخارجها.
الاغتصاب ..اللحظة العصيّة على النسيان
عُقد مؤتمرٌ في جنيف يوم الخميس، أكد فيه باولو بينيرو، رئيس لجنة التحقيق، أن هذه الانتهاكات تؤثر على أجيالٍ كثيرةٍ في المستقبل، محمّلاً الحكومة السورية المسؤولية الرئيسية لحماية الأطفال، إلا أنه قال إن على جميع الأطراف الفاعلة في النزاع بذل الجهود لحماية الأطفال، وأضاف "هالني تجاهل جميع الأطراف المتورطة في النزاع لقوانين الحرب واتفاقية حقوق الطفل بشكلٍ صارخٍ."
تستند المعلومات التي أوردها التقرير المكون من 25 صفحة إلى نحو خمسة آلاف مقابلةٍ أجريت في الفترة الواقعة بين عام 2011 وتشرين الأول/أكتوبر من عام 2019 مع أطفالٍ سوريين وشهود عيان وناجين وأقارب ناجين ومهنيين طبيين ومنشقين وأعضاء من المجموعات المسلحة والعاملين في مجال الرعاية الصحية والمحامين وأعضاء المجتمعات المتأثرة.
أبرز الاستنتاجات
كشف التقرير عن استخدام قواتٍ مواليةٍ للحكومة الذخائر العنقودية، والقنابل الحرارية، والأسلحة الكيميائية التي تسببت بسقوط عشرات الضحايا من الأطفال. كما استُخدم الاغتصاب، والعنف الجنسي مراراً وتكراراً، ضد الرجال والنساء والأولاد والفتيات، كوسيلةٍ للعقاب والإذلال وبثّ الخوف بين المجتمعات.
وثَّقت اللجنة هجماتٍ قامت بها القوات الحكومية والقوات الموالية لها، في مناطق مكتظةٍ بالسكان دون هدفٍ عسكريٍ واضحٍ، كما تسببت في وقوع عشرات الضحايا من الأطفال. وتبلغ هذه الهجمات حدّ جريمة الحرب المتمثلة في شن هجماتٍ عشوائيةٍ تؤدي إلى وفاة أو إصابة المدنيين.
كما وثّقت اللجنة حالات تعمّدت فيها القوات الحكومية الهجوم على المدارس، وبذلك ارتكبت جريمة حرب، كما قامت القوات الحكومية والميليشيات المرتبطة بها بحملات اعتقالٍ واحتجاز مدنيين من مؤيدي المعارضة واحتجاز أطفالٍ وإخضاعهم للتعذيب وسوء المعاملة. إن ارتكاب هذه الأفعال بعد بداية النزاع المسلح تبلغ حدّ جرائم الحرب المتمثلة في القتل والمعاملة السيئة، والاعتداء على الكرامة الشخصية.
وجدت اللجنة أن المجموعات المسلحة غير التابعة للدولة، أثناء احتجازها للأطفال مسؤولةٌ عن التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، وعند ارتكاب هذه الأعمال في سياق نزاعٍ مسلحٍ غير دوليٍ فإنها تشكل جرائم حربٍ تتمثل في الاختطاف والمعاملة القاسية والتعذيب.
في الفترة الواقعة بين عامي 2016 و2019، أعدم إرهابيون من تنظيم داعش أطفالاً في الساحات العامة وبذلك ارتكبوا جرائم حربٍ متمثلةٍ في القتل. وأجبروا فتياتٍ في سنّ لا يزيد عن أربعة عشر عاماً على الزواج من مقاتلي المجموعة، ويشكل الزواج القسري عنفاً جنسياً ويبلغ حد جرائم الحرب.
التعليم في سوريا
سلط التقرير الضوء على الوضع "المروّع" للتعليم في سوريا، والذي يبعث على القلق. وجد التقرير أن آلاف المدارس دُمرت أو استُخدمت لأغراض عسكرية منذ بداية النزاع. وتوقف أكثر من 2,1 مليون فتاةٍ وصبيٍ عن ارتياد المدرسة على أساسٍ منتظمٍ بأي شكل من الأشكال. وطالبت المفوضة كارين أبو زيد الحكومة السورية ببذل جهودٍ عاجلةٍ لدعم أكبر عدد ممكن من الأطفال للعودة إلى مقاعد الدراسة، وقالت: "يجب على الجماعات المسلحة التي تسيطر على الأراضي أن تتصرف على عجلٍ لتسهيل الوصول إلى التعليم."
أكد التقرير إن المجموعات المسلحة استخدمت المدارس لأغراضٍ عسكريةٍ. وتعرض الأطفال للاحتجاز واستُخدموا كورقة مساومةٍ في عمليات تبادل الأسرى أو الحصول على الفدية.
توصيات
من التوصيات التي قدمتها اللجنة للحكومة السورية، ضرورة احترام الحماية الخاصة التي يتمتع بها الأطفال بموجب القانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وضمان المساءلة عن الانتهاكات التي حدثت، والتوقف عن استهداف المدارس والمرافق التعليمية، وإطلاق سراح جميع الأطفال المحتجزين، وتصميم وتنفيذ برامج للتعافي الجسدي والنفسي.
وحثّت اللجنة، المكونة من ثلاثة مفوضين، على ضمان حماية الأطفال المشردين داخلياً، ولا سيّما فيما يتعلق بالتزامات جميع الدول بإعادة الأطفال الذين تربطهم صلاتٍ عائليةٍ بمقاتلي تنظيم داعش إلى أوطانهم.