شهادات وأرقام عن (تجنيد الأطفال) في سوريا
قامت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بجمع معلومات وشهادات حول حالات جديدة لأطفال تمّ تجنيدهم في مناطق سورية مختلفة، وأصدرتها في تقرير حيث اعتمد التقرير على 14 شهادة ومقابلة لذوي الأطفال الذين تم تجنيدهم. ويذكر التقرير:
حالات التجنيد في قوات سوريا الديمقراطية "قسد":
وثق التقرير ما لا يقل عن 6 حالات جديدة لأطفال تم تجنيدهم في صفوف قوات سوريا الديمقراطية "قسد" شمال شرقي سوريا، ويشير التقرير إلى أنّ "هذه القوات لم تُظهر الالتزام الكامل بعد بمنع تجنيد الأطفال رغم توقيعها خطة عمل من أجل إنهاء، ومنع تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة بتاريخ 29 حزيران/يونيو 2019، في مقر الأمم المتحدة في جنيف"، ويضيف أن تلك القوات وتحديداً في أواخر العام 2019 ومطلع العام 2020- قامت بتجنيد (6) أطفال على الأقل ضمن صفوفها في حي "الشيخ مقصود" في حلب ومنطقة "الشهباء" في ريف حلب الشمالي، بينهم الطفل "أ. حسن" (16) عاماً والطفلتين "س. عيسى" (16) عاماً و "ر. عثمان" (16) عاماً، الذين تم تسريحهم خلال أوقات متفرقة من مطلع العام 2020 بعد مناشدة ذويهم عبر وسائل الإعلام مطالبين قوات سوريا الديمقراطية بتسريحهم لأنهم ليسوا بالغين، بحسب ما روى ذوي هؤلاء الأطفال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة. فيما لا يزال ثلاثة آخرين مجندين ضمن صفوفها حتى لحظة إعداد التقرير منتصف شهر نيسان/أبريل 2020.
حالات تجنيد الأطفال من قبل الجيش الوطني المدعوم من تركيا والحكومة المؤقتة:
ذكر التقرير أن فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، والتابع للحكومة السوريّة المؤقتة/ الائتلاف السوري المعارض، كانت قد عمدت هي الأخرى إلى تجنيد الأطفال ضمن صفوفها في منطقة رأس العين/ سري كانييه، وذلك عقب عملية (نبع السلام) التي شنتها تركيا بدعم من الجيش الوطني السوري، خلال تشرين الأول/أكتوبر 2019، ضدّ قوات سوريا الديمقراطية/ قسد وسيطرت من خلالها على مناطق واسعة من شمال شرقي سوريا بطول نحو (120) كيلو متراً بين مدينتي رأس العين/سري كانييه شمالي الحسكة وتل أبيض شمالي الرقة، حيث تمّ توثيق 3 حالات على الأقل لأطفال تمّ تجنيدهم من قبل فصائل "أحرار الشرقية" ولواء "السلطان مراد" في أواخر العام 2019 وبداية العام 2020، حيث ما زالوا مجندين حتى اللحظة.
كان تجنيد الأطفال قد ظهر في منطقة رأس العين/سري كانييه من قبل فصائل الجيش الوطني السوري المتمثلة بجماعات (لواء السلطان مراد وفرقة الحمزة/الحمزات وتجمّع أحرار الشرقية) التي هي من أكثر الفصائل التي قامت بتجنيد القاصرين في رأس العين/سري كانييه، خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أي بعد أقل من شهر من خضوع المنطقة لسيطرة تلك القوات، وتزايد تدريجياً، إضافة إلى أنّ حالات تجنيد الأطفال المسجّلة في صفوف جماعات الجيش الوطني السوري في ريف رأس العين/سري كانيه، تفوق تلك التي تُسجل ضمن المدينة بحسب التقرير.
ووفق مقاتلين من فصائل الجيش الوطني السوري ومدنيين أدلوا بشهادتهم لمنظمة سوريون فإن تلك الفصائل قامت بتجنيد أطفال من أبناء ريف حلب الشمالي المهجرين/الوافدين إليها من محافظات أخرى، كي يتم نقل هؤلاء إلى جبهات القتال في ليبيا مقابل مبالغ مالية شهرية.
وفي تصريح لأحد الناشطين الإعلاميين من رأس العين/سري كانييه، لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة فإن " ذوي الأطفال الذين تمّ تجنيدهم لا يجرؤون على مطالبة الفصائل المسلّحة بتسريح أطفالهم غير البالغين، خوفاً من سلوك وممارسات تلك الجماعات، أمّا الأسباب التي دفعت الأطفال للانخراط ضمن صفوفها، فهي إمّا مادية، بسبب قلة توفر فرص العمل في المنطقة عقب عملية (نبع السلام)، أو لحماية عائلاتهم من بطش مسلّحي تلك الجماعات والانتهاكات التي ترتكبها من قتل واعتقال وتعذيب وسرقة وغيرها، أو ربما أيضاً بهدف الحصول على نفوذ وسلطة لتحقيق مآرب ما".
كان لواء "الوقاص" أحد فصائل الجيش الوطني السوري، قد نشر على حسابه الرسمي على التلغرام، صوراً لبعض المقاتلين الذين قال أنهم قُتلوا خلال عملية "نبع السلام" في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، منهم "عمار راتب اللكه" من مواليد ريف دمشق-دوما 2001، بالإضافة إلى "عبد المنعم خالد العبد الله"، من مواليد مدينة حلب-مارع 2001، والذي قُتل للسبب ذاته، ما يشير إلى أنّ "عمار وعبد المنعم" كانا قد انضمّا لصفوف هذا اللواء قبيل أن يبلغا سنّ الـ18 عاماً، وخاصةً أن الانضمام إلى الفصيل يتطلب الخضوع لمعسكر تدريبي قد يستمر أشهراً.
اقرأ أيضاً:
عن "عسكرة الثورة" وتبريرها
وكانت المنظمة قد شددّت من خلال تقريرها، على أن الجيش الوطني السوري المعارض يقوم بتجنيد الأطفال عبر استخدام أو قبوله استخدام الأطفال وذويهم لأوراق ثبوتية دون التحققّ من صحتها أو الجهة التي أصدرتها، حيث أنه يقبل تسجيل الشخص الذي يحمل بطاقة تعريفية/ هوية سواء كانت صادرة عن الحكومة السورية أو عن سجلات النفوس التي تديرها تركيا في منطقة "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، وتكمن الخطورة في كون هذه البطاقات أو الأوراق الثبوتية من السهل تزويرها أو التلاعب بالبيانات الواردة فيها لاسيّما خانة العمر/التولد، حيث أكد الباحثون الميدانيون سهولة إصدار هوية مزورة في مدينة إعزاز على سبيل المثال مقابل مبلغ 10 آلاف ليرة سورية فقط.
حملات لتجنيد الأطفال ضمن صفوف هيئة تحرير الشام وتنظيمات جهادية أخرى:
قال باحثو المنظمة بأنّ هيئة تحرير الشام في شمال غربي سوريا في محافظة إدلب، قامت بتجنيد عشرات (وربّما مئات) الأطفال ما دون سن الثامنة عشرة، وذلك من خلال حملات تجنيد أطلقتها بالتزامن مع الحملة العسكرية التي شنتها القوات النظام السوري، وحلفاؤه على محافظة إدلب في أواخر العام 2019 وبدايات العام 2020، وبشكل أساسي حملتي "جاهد بنفسك" و "انفروا خفافاً وثقالاً"، حيث استهدفت هذه الحملات بالدرجة الأولى سكان مخيمات النازحين داخلياً بالقرب من الحدود التركية السورية وخاصةً الأطفال منهم من خلال تقديم المغريات المادية لهم تحت إشراف مجلس الشورى العام (وهي مؤسسة تابعة لهيئة تحرير الشام، وتعدّ المظلة التشريعية لحكومة الإنقاذ)، حيث تنوّعت أنشطة الحملة ما بين توزيع المنشورات، وإقامة فعاليات عديدة في الأماكن العامة، وخاصة المساجد، أو منحهم مسكن مجاني والتكفل بإيجاره، ولعلّ سوء الأحوال المادية للعديد من الأطفال، هو ما دفعهم لقبول هذا التجنيد. واستهدفت الحملات سكان المخيمات بشكل أساسي، بالإضافة إلى استهدافهم مناطق (ريف حلب وريف حماة)، حيث كان الهدف منها حثّ الناس على القتال، و"الجهاد في سبيل الله".
ضمن صفوف الميليشيات الموالية للنظام السوري في دمشق وريفها:
في المناطق الخاضعة للنظام السوري والميليشيات الموالية له ذكر التقرير أن قوات الدفاع الوطني التابعة للنظام السوري ، بالإضافة إلى الميلشيات الإيرانية الموالية لها، بقيت مستمرة في عمليات التجنيد، حيث بدأت عمليات التجنيد في العام 2018، عقب سيطرة الأخير على مدينة دمشق وريفها بشكل كامل، حيث عملت ميليشيات كقوات الدفاع الوطني، وحركة النجباء، وحزب الله اللبناني على تجنيد الأطفال ضمن صفوفهم.
ويذكر التقرير ازدياد نسبة تجنيد الأطفال في هذه المناطق بصورة ملحوظة في العام 2019، حيث استغلت تلك الميليشيات سوء الأحوال المادية للعديد من العائلات وخاصةً النازحين، حيث قدرّ ناشطون محليون أعداد الأطفال الذين تمّ تجنيدهم ضمن صفوف هذه المليشيات بالعشرات، ولوحظ أنّ التجنيد استهدف فئة الأطفال الأكثر ضعفاً من خلال تقديم الإغراءات المادية والمنصب والقوة.
ومن خلال ذوي الأطفال المجندين فإن تلك الميلشيات تستغل النزوح وغياب المعيل، وسوء الأحوال المادية للأسر، ويتم تهديد الأهل في حال المطالبة بأبنائهم.
وفي إحدى الشهادات لأبي أحد الأطفال الذين تم تجنيدهم في صفوف الميليشيات الإيرانية يقول إنّ ابنه قد تغير كثيراً عقب تجنيده ضمن صفوف هذه الميليشيات، حيث تحول إلى شخص سريع الغضب، وكان يرفض الإدلاء لهم بأي معلومات عن مهامه، حتى أنه قام بتهديدهم في إحدى المرات حين حاولوا الوقوف في وجهه وإقناعه بالعدول عن رأيه، حيث قال لهم بأنه سيترك أمر محاسبتهم للمليشيات المجنّد ضمن صفوفها.