info@suwar-magazine.org

كيف مرّت كورونا على السّوريين؟

كيف مرّت كورونا على السّوريين؟
Whatsapp
Facebook Share

 

 

لا مبالاةٌ..."وتنكيتٌ" ينغّصه ارتفاعٌ غير مسبوقٍ في الأسعار

صاحب محلٍّ: الحكومة تعاملت مع الموضوع "بطريقةٍ أمنيّةٍ أكثر منها صحيّةٍ

خبيرٌ اقتصاديٌّ: الحجر ضررٌ مطلقٌ لم يكن له داعٍ بهذه الطّريقة

ارتفاع سعر الدّولار خلال فترة الحجر بين 200- 300 ليرةٍ

 الكورونا تسبّبت بتوقّف التّدفقات النّقديّة للدولة والأفراد

 

يسرى يونس

 

ربّما يختلف وقع الحياة مع "كورونا" في سوريا عن كثيرٍ من دول العالم، فهنا بلادٌ خسرت كثيراً من ناسها ومن مقومات اقتصادها، وعرفت كلّ أنواع الموت خلال حربٍ دخلت عامها العاشر؛ وهي تزداد تعقيداً، وهو ما جعل "كورونا" وقصصها مثار تندّرٍ ولا مبالاةٍ لدى غالبية السّوريّين، وحتّى مع الإجراءات القسريّة المترافقة مع عقوباتٍ رادعةٍ بقي الحجر يعني لدى كثيرين فرصةً للراحة أو التّنزّه، خاصّةً سكّان الأرياف الّذين لم يشعروا بوطأة الحجز وكان وقع الإجراءات "الكورونية" خفيفاً عليهم، على عكس أهل المدن.

 

 ولكنّ الجميع تشاركوا عِبء ارتفاع الأسعار غير المسبوق، وسوء الخدمات والمنتجات بدءاً من مادّةٍ أساسيّةٍ كرغيف الخبز الّذي تغيّرت طريقة إعداده في محاولة لتخفيف الازدحام عن الأفران، ومنع البيع المباشر منها، فكانت النتيجة سوء نوعية الرّغيف من جهةٍ ونقل الازدحام من كوّات الأفران الصّغيرة إلى نوافذ المعتمدين، كما هو الحال أيضاً مع مؤسّسات "السّوريّة للتجارة" الّتي تبيع الموادّ بأسعارٍ "مدعومةٍ"، ما جعلها في حالة اكتظاظٍ دائمٍ.

 

منذ البداية كان لسان حال الحكومة يقول: إنّ انتشار المرض هو المشكلة الكبيرة، إذ أنّ الواقع الصّحيّ لا يحتمل أيّ ضغطٍ، وأعداد المؤسّسات الصّحيّة تراجعت إلى حدودٍ أقلّ من الدّنيا، كما تراجعت أعداد الأطباء والتّجهيزات فيما تبقى منها.

 

واقعٌ فرض تصاعداً متسارعاً في قرارات الحجر، فالواقع الصّحيّ شبه المدمّر يتطلّب إجراءاتٍ صارمةٍ تحول دون انتشار وباءٍ لا طاقة للدول الكبرى على التّعامل معه، فكيف الحال مع بلدٍ تدمّرت بنيته الصّحيّة أو كادت؟

 

قرارات الحجر الّتي أدّت إلى منع دوران عجلة الاقتصاد تزامنت مع مشاكلٍ اقتصاديّةٍ كبيرةٍ لاقتصادٍ منهكٍ حتّى دون قرارات إرغامه على التّوقّف، فخلال شهر الحجر لم يبق من أنشطة الحياة في سوريا سوى ما يتعلّق بالأكل والشّرب، وتأمين حاجيات الطّعام، وهذا بالتّزامن مع ارتفاع أسعارٍ غير مسبوقٍ (ارتفع سعر صحن البيض خلال أيامٍ إلى أكثر من ألف ليرةٍ، ليصل إلى أعلى سعرٍ في تاريخه) وتوقّفت المواصلات بكافّة أشكالها، إلّا لمن يملك وسيلة نقلٍ خاصّةٍ يُسمح لها بالحركة ضمن القوانين المعمول بها، الأمر الّذي تسبّب بارتفاع أسعار الموادّ، وانخفاض كميات المنتج الزّراعيّ ضمن كلّ محافظة بسبب عدم تسويقه.

 

"الجمل بليرةٍ"

 

من القصص اللافتة الّتي رواها صاحب محلّ ألبسةٍ في مدينة جبلة، محمّد عيسى، هو أنّه عندما فتح محلّه بعد نحو شهرٍ من الإغلاق كانت المشكلة أنّ أغلب زبائنه في اليوم الأول يريدون التّسوق، ولكنّهم لا يملكون سعر القطعة نقداً، وهو يجب أن يبيع بعد كلّ هذا التّوقف عن العمل، وحالة زبائنه، كما يقول، تفرض عليه تسهيل أمورهم وتخفيض أرباحه حتّى تصل إلى سعر التّكلفة المرتفع أصلاً بالنّسبة لأغلب زبائنه، ويؤكّد أنّه في مرّاتٍ كثيرةٍ يبيع بأقلّ من التّكلفة.

 

يقدّر محمّدٌ خسائره الشّهريّة بسبب إغلاق محلّه بنحو 700 ألف ليرةٍ سوريّةٍ، تتوزع بين أجور عمالٍ ليس بمقدوره أن يتركهم دون دخلٍ، وبين تكاليف إيجار المحلّ، إضافةً إلى كساد البضائع الّتي تقدّر أسعارها بملايين الليرات لأنّ عليه أن يحفظها للشتاء القادم ويجمّد قيمتها، والخشية الكبيرة لمحمّدٍ وجميع أصحاب الحرف الحرّة هو استمرار الحظر خلال فترة عيد الفطر الّتي تعدّ موسماً رئيسيّاً بالنّسبة لأصحاب المحلاّت الّذين يعتمدون على هذه الفترة فهي ذروة أوقات العمل.

 

ويبدي محمّدٌ استغرابه من تلك الإجراءات الّتي فرضت حظراً على بعض المهن بينما ما زال عمال الإنتاج في القطاع العامّ يعملون كالمعتاد رغم المخاطر الّتي يمكن أن تنجم عن اكتظاظهم في المعمل، في حين يتمّ التّشدد والمنع حيال أصحاب المعامل والورش الخاصّة!

صورة تعبيرية

 

وهو ما يؤكّده يوسف علي وهو عاملٌ بصفة مساعد مهندسٍ في معمل للغزل، إذ يؤكّد أنّ عوامل الوقاية في المعمل ضعيفةٌ، ويضيف صاحب الخبرة الّتي تمتدّ لنحو 25 عاماً في المعمل أنّ الدّوام يسير بشكلٍ طبيعيٍّ ولم يطرأ أيّ جديدٍ باستثناء إجراءين جديدين هما: تعقيم غرفة تبديل الملابس؛ الّتي تسمى (المشالح)، وكذلك الباص الّذي يقلّ العمال بعد مغادرتهم إلى أماكن العمل.

 

يعتقد الأربعينيّ محمّدٌ أنّ مهنة النّسيج هي من أكثر المهن المتضرّرة، ويشاركه الرأي صاحب محلّ ألبسةٍ في ريف دمشق، سامي إسحاق، الّذي وصف تبعات "كورونا" بالكارثية على بائعي الألبسة، لأنّ الضّرائب المفروضة عليهم لا تعرف كورونا كما يقول، ومصاريف المنازل ارتفعت كثيراً ووصلت في حدّها الأدنى إلى مبلغ يفوق 300 ألف ليرةٍ، بينما تبخّرت السّيولة الموجودة بين أيديهم خاصّةً أصحاب الرّأسمال المحدود منهم. ويرى إسحاق أنّ الحال سيكون مأساوياً على البائع والشّاري في الأيام القادمة إذا استمرّ الحظر، والمشكلة كما يقول: إنّه لا يتأمّل أيّ دعمٍ حكوميٍّ، "فحتّى الحصول على ربطة الخبز بشكلٍ آمنٍ من الكورونا لم تنجح به الحكومة"!

 

يرى رامي ديب وهو صاحب محلٍّ لبيع الأحذية في اللاذقية أنّ مهنته من بين المهن المتضرّرة أيضاً، لأن بضائعها تختلف باختلاف الفصول، وإيقاف العمل تسبّب بخسائر في تسويق بضائع الموسم الشّتويّ، ويقدّر ديب خسائره الشّهريّة بأكثر من 100 ألف ليرةٍ خلال هذا الشّهر.

 

يعتقد رامي أنّ طريقة تعامل الحكومة مع قصة كورونا مبالغٌ فيها، ويعتقد أنّه  لا مبرّر لكلّ هذا التّشدّد، لأن "الوضع العامّ في البلاد لا يستدعي، خاصّةً أنّ الأماكن الّتي يحصل فيها الازدحام ظلّت تعمل كالمعتاد كالأفران ومؤسّسات السّوريّة للتجارة الّتي تشهد يوميّاً حالات ازدحامٍ لا تتناسب مع إجراءات الوقاية من كورونا، بينما المحلاّت الخاصّة لا يوجد فيها التّجمع الّذي يستدعي  الحجر"، ويرى أن الحكومة تعاملت مع الموضوع "بطريقةٍ أمنيّةٍ أكثر منها صحيّةٍ" أيّ من مبدأ أصدروا قراراً ويجب التّنفيذ والالتزام بصرف النّظر عن مضمونه، ويرى أنّه كان بإمكانهم منذ البداية تطبيق القرار الّذي اتّخذوه مؤخّراً، والقاضي بالسّماح لهم بالدّوام الجزئيّ يومين في الأسبوع، أو تخفيض ساعات العمل "عندها تبقى الحياة مستمرّةً، وبهدوءٍ".

 

اقرأ أيضاً:

 

6 إصابات جديدة بفيروس كورونا في سوريا

 

ليس أفضل

 

لم يتمّ تطبيق الحظر على كلّ المهن، فبقيت الصّيدليّات تعمل، ولكن كانت مشكلة أصحابها في منع الحركة الّذي أوقف عملهم، تقول الصّيدلانيّة سميرة أحمد: إن مبيعاتها تكاد تقتصر على بيع المعقّمات والكمامات والكفوف، وأن إلزامهم بالعمل مع شبه انعدام الحركة في الشّوارع لم يحقّق لهم قيمةً مضافةً من هذا العمل.

 

أمين سرّ غرفة تجارة دمشق محمّد الحلاّق يقول: إنّه لا يمكن حصر الأضرار ومنعكسات أزمة كورونا على أيّ اقتصادٍ أو الاقتصاد السّوريّ، بشكلٍ إجماليٍّ، وأنّه يجب التّفريق بداية بين المؤسّسات الكبيرة والمتوسطة والصّغيرة والمتناهية الصّغر، كما يتوجّب التّفريق بين كلّ قطاعٍ بشكلٍ منفصلٍ: الصّناعة أو التّجارة أو الزّراعة أو السّياحة، وفي ذات الوقت هناك فارقٌ بين القطاعات الّتي تسبّبت الأزمة بتوقّفها بشكلٍ كاملٍ، وبين القطاعات الّتي لم تتوقّف واستمرّت بالعمل ولكن بوتيرةٍ مختلفةٍ (نشطةٍ.. أو متوسطةٍ.. أو ضعيفةٍ).

 

 وأضاف الحلاّق أنّه ممّا يتوجّب التّوقّف عنده أيضاً بالإضافة إلى ماهية القطاعات هو مدى وجود التزاماتٍ مادّيةٍ على هذه القطاعات، وهل هي مملوكةٌ بالكامل أو عليها قروضٌ إنشائيّةٌ أو قروضٌ تشغيليّةٌ، الخ، وهل هي قادرةٌ على التّوقّف لفترةٍ قصيرةٍ أو طويلةٍ، دون وجود التزاماتٍ تشغيليّةٍ عليها أم لا، وإنّ الضّرر أصاب الجميع بصرف النّظر عن القطاع، و لكن بنسبٍ متفاوتةٍ، فحتّى القطاعات الّتي استمرّت بالعمل واجهت مشاكلاً وأعباءً لم تكن متوقّعة، بموضوع العمالة أو تأمين مستلزمات العمل أو ارتفاع أسعارٍ غير متوقّعٍ نتيجة وجود التزاماتٍ سابقةٍ لم تكتمل أو لاحقةٍ.

 

ويشير الحلاّق إلى أنّ الأزمة الرّاهنة تسبّبت بتوقّف التّدفقات النّقدية للدولة والأفراد على حدٍّ سواء، و بالتّالي أوجدت عجزاً باستكمال مشاريعٍ مدروسةٍ جاهزةٍ للتنفيذ أو مشاريعٍ نصف منفّذةٍ، وقال إنّ كلّ تلك التّشابكات جعلت الجميع بحالةٍ استثنائيّةٍ تتوجّب ضخّ سيولةٍ مدّخرةٍ لتأمين احتياجات هذه المرحلة، كما جعلت قطاعاتٍ تلجأ إلى قطاعاتٍ أخرى من أجل دعمها، وأن توقّف الأعمال سيؤدّي إلى انخفاض الدّخل لدى الدّولة أيضاً من عائداتٍ جمركيّةٍ أو ضرائب على الدّخل ممّا سيؤدّي إلى انخفاضٍ في الإنفاق العامّ الجاري والتّشغيليّ، ويرى أن "تلك التّشابكات ستؤدّي إلى ركودٍ اقتصاديٍّ عالميٍّ وداخليٍّ ولن نتمكّن من تجاوز هذه المحنة بسهولةٍ ولكن يمكننا تخفيف آثارها في حال تمّ وجود تشاركيةٍ حقيقيةٍ بين قطاع الأعمال والحكومة الاقتصاديّة في حال استطعنا بناء ثقةٍ متبادلةٍ بين الطّرفين".

 

 

ما لم تفعله الحرب

 

يقول رئيس الجمعية الحرفيّة للمنتجات الشّرقيّة فؤاد عربش إنّهم لم يغلقوا ورشاتهم الّتي تعمل في مجال الحرف التّراثيّة طيلة سنوات الحرب رغم كلّ المخاطر الّتي يمكن أن يتعرّضوا لها وذلك لاستمرار هذه الحرف الّتي تحمي التّراث وتحافظ عليه، ولكن مع هذه "الكورونا" كان عليهم إغلاق ورشاتهم أيضاً لحماية المهن التّراثيّة والعاملين فيها من هذا الوباء الّذي لم يكن بالحسبان، وأكّد عربش أنّ أضرار  إغلاق محلاّتهم كبيرةٌ، فلم يعدّ هنالك بيعٌ أو تصديرٌ إلى لبنان، ولكنّه أكّد أنّهم سيتحملون الوضع "خشية انتشار هذا المرض".

 

جمودٌ غير مسبوقٍ

 

وعن الأضرار الاقتصاديّة يقول الخبير الاقتصاديّ الدّكتور عمار يوسف: إن البنى الماليّة والاقتصاديّة في سورية شبه مدمّرةٍ تقريباً بعد حربٍ استمرّت تسع سنواتٍ، تسبّبت بتوقّف عجلة الاقتصاد وكلّ حركةٍ ماليّةٍ وعمليّةٍ ومهنيّةٍ، ويرى أن "كورونا" تسبّبت بصدمةٍ اقتصاديّةٍ، نجم عنها جمودٌ غير مسبوقٍ يضاف إلى الجمود الموجود سابقاً، ويعتقد أنّه كان يجب أن تتعالج الأمور بغير الطّريقة الّتي عولجت بها من الحجر المطلق وتوقّف العجلة الاقتصاديّة، ويرى أنهم الآن بدؤوا بمعالجة "هذا الخلل" والسّماح  بالعمل الجزئيّ.

 

يضيف د. يوسف أن الحجر تسبّب أيضاً بزيادة المصروف وزيادة الطّلب على الموادّ الغذائيّة والتّموينيّة الأمر الّذي دفع أصحاب المحلاّت لاستغلال حاجة النّاس ورفع الأسعار بشكلٍ غير مسبوقٍ خاصّةً الموادّ الاستهلاكيّة، كالمعكرونة والرّز، وتضاعفت الأسعار لأكثر من مرّةٍ، وذكر مؤشراً آخر أيضاً وهو ارتفاع سعر الدّولار نتيجة توقّف الأعمال التّجارية والمضاربة، وهو ما تسبّب بخللٍ ورفع سعر الدّولار خلال فترة الحجر بين 200- 300 ليرةٍ.

 

أضاف يوسف أن اجتماع هذه العوامل إضافةً إلى خوف النّاس دفعهم لشراء المعقّمات والموادّ الطّبّيّة وهذا أيضاً تسبّب برفع أسعارها، وختم يوسف حديثه بوصف الحجر بالضّرر المطلق الّذي لم يكن له داعٍ بهذه الطّريقة.

 

مؤشراتٌ:

 

ـ مركز دمشق للأبحاث والدّراسات (مداد) أعدّ دراسةً عن تأثير إجراءات مواجهة كورونا على الاقتصاد السّوريّ، تقول: إنّ مفاعيل وباء كورونا والإجراءات الوقائيّة المتّخذة، جاءت "لتصبّ الزّيت على النّار، إذ أسهمت في توقّف العمل لمعظم الشّرائح والمكوّنات الاجتماعيّة، لكنّ الأكثر تأثراً هم العمال المياومون".

 

وأضافت الدّراسة أن "استمرار توقّف عجلة النّشاط الاقتصاديّ سيدخل الاقتصاد السّوريّ في حلقة انكماشٍ اقتصاديٍّ حادٍ قد تترتّب عليها نتائجٌ سياسيّةٌ واقتصاديّةٌ واجتماعيّةٌ مربكةٌ، وقد تنفتح على احتمالاتٍ لا يمكن ضبط مفاعيلها".

 

ـ أوردت الباحثة الاقتصاديّة الدّكتورة رشا سيروب بعض الإحصاءات الصّحيّة المتعلّقة بالوباء، ومنها:

 

ـ هناك طبيبٌ واحدٌ، وسريرٌ واحدٌ لكلّ ألف مواطنٍ.

36% من الأطباء غير متخصّصين (ممارسٍ عامٍّ).

39% من الأطباء المتخصّصين تنحصر اختصاصاتهم في (الجراحة، والأطفال، والنّسائيّة، والجلديّة).

وبناءً على تلك الإحصاءات تعلن سيروب التّخوف من "العودة الجزئيّة، وتقليص ساعات الحظر"، خلال شهر رمضان، وهي الإجراءات الّتي أعلنتها الحكومة السّوريّة مؤخراً)

 

ـ قدّر الاستشاريّ الدّكتور سعد بساطة في إحدى تصريحاته الصّحفيّة الخسائر المباشرة لشهر التّوقف عن العمل بمبلغ يصل إلى مليار دولارٍ، وأنّ هذا المبلغ قابلٌ للتضاعف إذا استمرّ التّوقّف عن العمل والحظر لشهرٍ آخر.

 

 - - - - - - - - - -

 

               كورونا يهدّد الاقتصاد المحليّ في كوباني

 

 

         المنشآت الصّغيرة والعمال المياومة الأكثر تضرّراً

       قد ننجو من المرض ولكن سيفتك بنا الجوع إذا استمرّ الحظر

      توقّفت 46 شركةً تجاريّةً، كما توقّف نشاط نحو 500 تاجرٍ

 

 رضوان بيزار

 

يجلس أبو وليد مع عائلته المؤلّفة من 9 أفرادٍ أمام منزله الكائن في المنطقة الجنوبيّة من مدينة كوباني، بينما زوجته تحضّر طعام الإفطار على "الليزر الكهربائيّ" وهو جهازٌ لطهي الطّعام، يُستخدم بدلاً من الغاز داخل مطبخها الصّغير الّذي يخلو من الأثاث وحتّى من الباب.

 

قبل شهرٍ ونصف كان أبو وليد يعمل في ورشة صناعة البلاط والرّخام في أطراف المدينة، بأجرٍ يوميٍّ ما يعادل 4 دولاراتٍ، يكفيه وعائلته تأمين حاجياتهم اليوميّة، لكنّه يعاني اليوم بسبب توقّفه عن العمل من تأمين تلك الحاجيات الأساسيّة لأسرته من مأكلٍ ومشربٍ، فهو يحاول فقط أن يحافظ على ما تبقى من مدّخراته لشراء الخبز والبرغل والرّز، يقول أبو وليد " الخضار واللّحوم بات من المستحيل إدخالها إلى المنزل".

 

حال منطقة كوباني ليس أفضل من باقي المناطق الّتي تديرها الإدارة الذّاتيّة، في شمال شرقي سوريا، فخلال شهرٍ من حظر التّجوال وإغلاق المداخل والمخارج وتوقّف الحركة الاقتصاديّة، وصل الحال بالسّكّان إلى انهيار القدرة الشّرائيّة لديها، وخاصّةً لدى طبقة العمالة اليوميّة والمهن البسيطة الّتي يكون دخلها يوميّ.

 

 

يشتكي أبو وليد حظر التّجوال المفروض في المنطقة خوفاً من انتشار مرض كورونا كحال أغلب العمال الّذين يعملون خارج المدن حيث حواجز قوى الأمن الدّاخليّ في مداخل ومخارج المدينة، تمنع الخروج والدّخول، من صعوبات الوصول إلى أماكن العمل مع الإغلاق المصاحب للحظر، ويقول أبو وليد: "ربّما تتصرّف الإدارة بعقلانيّةٍ فهي تحارب من أجل الوقاية من المرض، ولكن إن استمرّ الحال هكذا دون إيجاد حلولٍ، بالتأكيد سننجو من المرض ولكن سيفتك بنا الجوع".

 

بادرت الإدارة الذّاتيّة في شمال شرق سوريا بإرسال 1000 سلّةٍ غذائيّةٍ للتوزيع على سكّان إقليم الفرات الّتي تضمّ منطقة كوباني، ناحية صرين، ناحية قناية، ناحية جلبية، ناحية شيران، ناحية عين عيسى بالإضافة إلى ريف منطقة تلّ أبيض، وأضافت عليها هيئة الشّؤون الاجتماعيّة والعمل 700 سلّةٍ، وتمّ توزيعها على جميع المناطق على الأسر الأكثر فقراً وحاجةً، بحسب ما أكّدت هيلين حاجم رئيسة الهيئة المذكورة.

 

يقول الخبير الاقتصاديّ جلنك عمر لـ مجلّة صورٍ "إنّ اتّخاذ الإدارة قراراً بتقديم المساعدة والسّلل الغذائيّة للفئات الفقيرة والمحتاجة في المنطقة هو إجراءٌ غير كافٍ رغم أهمّيّته" ويعتقد عمر، إن ذلك سيشكّل عبئاً على الإدارة نفسها في حال استمرّ هذا الحظر، نتيجة محدوديّة مواردها، ويضيف عمر" يمكن اللّجوء إلى الإجراءات والحلول البديلة إضافة إلى تقديم هذه المساعدات المباشرة، وتقديم الدّعم غير المباشر من أجل تخفيف هذا العبء والآثار الاقتصاديّة السّلبيّة".

 

ويوضّح عمر، إن زيادة الرّقابة على الموادّ التّموينيّة من أجل كبح ارتفاع الأسعار ومنع الاحتكار من قبل بعض التّجار خاصّة الموادّ التّموينيّة الأساسيّة، بالإضافة إلى منح إعفاءات من الضّرائب والرّسوم لهذه السّلع، سيساعد على خفض أسعارها وبالتّالي يستفيد منها عموم المجتمع، وليس فقط هذه الفئات الفقيرة أو المحتاجة.

 

يشير عمر وفي إطار الحلول الإضافية من أجل تخفيف العبء الاقتصاديّ إلى أن المنطقة غنيّةٌ وتحتوي على المحروقات والبيئة الخصبة للزراعة، وموارد المياه واليد العاملة، هذه الموارد كلّها تمكّن المنطقة من "القيام بأعباء وتأمين حالة من الاكتفاء الذّاتيّ كي لا تضطّر من الاستيراد من الخارج لا سيّما مع انخفاض اللّيرة السّوريّة، ونتيجة القيود المفروضة على الحركة التّجاريّة والتّنقل وربّما في الفترة القادمة سيكون من الصّعب استيراد هذه الموادّ من الخارج".

 

يرى عمر إنّه من الواجب على الإدارة الذّاتيّة، والمجتمع المدنيّ في هذه المنطقة العمل على تقوية حالة الاكتفاء الذّاتيّ كي لا يضطّروا إلى الاستيراد من الخارج وبطبيعة الحال عندما يكون الإنتاج محليّاً يكون بتكاليف منخفضةٍ، "هذا الإجراء سيمكّن من تشغيل اليد العاملة والمنطقة في حالة حمايةٍ إذا لم يصلنا الفيروس من الخارج،  واتّخاذ إجراءاتٍ وقائيّةٍ أكثر كالتّباعد الاجتماعيّ، ويمكن البدء بفتحٍ تدريجيٍّ للمشروعات الزّراعيّة وتشجيع العمل الرّيفيّ وتوجيه العمال نتيجة إغلاق العمل في الأرياف في المشاريع الزّراعيّة فسيستطيعون تأمين قوت يومهم وبالتّالي يساعدون في تنشيط الزّراعة ليس فقط المحصول الاستراتيجي (القمح) إنما كلّ محاصيل الخضار الموسميّة الّتي تحتاجها الأسواق في هذه المنطقة وسيكون له أثرٌ إيجابيٌّ من ناحيتين خفض الأسعار وتأمين احتياجات المنطقة داخليّاً.

 

بلغ عدد الفقراء والمحتاجين في مدينة كوباني وريفها بحسب إحصائيّة لهيئة العمل والشّؤون الاجتماعيّة في أقليم الفرات في العام الماضي 5000 عائلةٍ، ومع توقّف العمل وحركة النّشاط الاقتصاديّ، من المتوقّع أن يتضاعف عدد المحتاجين، ولكن بالرّغم من محاولة معدّ التّحقيق معرفة عدد العمالة اليوميّة في المنطقة، إلّا أنّنا لم نتمكّن من ذلك بسبب إغلاق المؤسّسة المعنيّة، والّتي يطلق عليها اسم "اتّحاد الكادحين" وهي مؤسّسةٌ مدنيّةٌ تتبع لحركة المجتمع الدّيمقراطي تفّ - دم.

 

بسبب إجراءات الحظر المفروضة على المنطقة توقّفت 46 شركةً تجاريّةً، كما توقّف نشاط نحو 500 تاجرٍ مسجّلٍ لدى غرفة الصّناعة والتّجارة في إقليم الفرات، بالإضافة إلى خمسة معاملٍ للبلاستيك ومصنعٍ للحديد ومعملٍ لصناعة التّيل والشّباك الحديديّة، بالإضافة إلى 10 ورشاتٍ ومعاملٍ لصناعة الألبسة، بينما استمرّت معامل الألبان والأجبان في العمل مع التّأكيد على استخدام وسائل الوقاية من المرض، بحسب ما أكّده رئيس غرفة الصّناعة والتّجارة في أقليم الفرات عثمان فرج.

 

ويبيّن فرج لـ مجلّة صورٍ أن عدد العمال في هذه المصانع والمعامل نحو 1000 عاملٍ وموظفٍ، وبتوقّفهم عن العمل بات هؤلاء العمال دون دخلٍ، ناهيك عن توقّف الإنتاج والاستيراد والتّصدير.

 

شيرو ميرال وهو صاحب ماركة ميرال لصناعة الألبسة، يعمل لديه نحو 45 عاملاً، في ورشته في قبو بنايةٍ بالطّرف الغربيّ من مدينة كوباني، يوضّح لـ "صور" إنه تعرّض لخسارةٍ كبيرةٍ في هذا الموسم، ونتيجة إغلاق طريق الاستيراد والتّصدير توقّف إنتاجه بشكلٍ كلّيٍ، فالملبوسات الّتي صنعها لفصل الصّيف خلال الشّتاء، لم يتمكّن من إرسالها إلى زبائنه في مناطق الدّاخل السّوريّ.

 

 

يقول شيرو " معملي أولاً خسر زبائنه، لأن الزّبائن توجّهت إلى ماركاتٍ أخرى لسدّ احتياجاتها من الألبسة الصّيفيّة، ثانياً بقي الإنتاج مكّدساً في المستودع، ولأن الطّرق مغلقة لن أتمكن من استيراد الأقمشة لصناعة ألبسةٍ شتويّةٍ".

 

شيرو أوضح إنه إلى الآن يحاول أن يبقي على عماله وموظفيه بدفع مبلغٍ زهيدٍ لهم كلّ أسبوعٍ، ولكن إن استمرّ الحظر ولم يجد أيّ حلولٍ سيضطّر إلى إغلاق معمله وتسريح الموظفين والعمال.

 

عثمان فرج رئيس غرفة التّجارة والصّناعة في إقليم الفرات، وضّح لـ مجلّة صورٍ إنّهم في محاولة لتسيير بعض الأعمال والتّقليل من الضّرر، قرّروا إعطاء بعض الصّناعيين والمحلاّت الصّناعيّة، من أجل تصليح الآليات الزّراعيّة والحصادات، وللحدّ من خطر كورونا سمحوا لمحلاّت الصّناعة أن يعملوا من السّاعة السّادسة مساءً إلى الخامسة صباحاً.. "إغلاق الشّركات والمصانع أضرّ كثيراً بالاقتصاد المحليّ، وإن توقّفت الزّراعة ستحلّ كارثةٌ اقتصاديّةٌ بالتّأكيد، فالمنطقة تعتاش على الزّراعة بالدّرجة الأولى".

 

فرج أكّد على أنه سيسمح في الأيام القادمة لكافّة الحرفيين والمهنيين والصّناعيين بمزاولة مهنهم، ولكن ستبقى التّجارة مع الدّاخل السّوريّ وإقليم الجزيرة مغلقاً إلى أن تخلو المنطقة من المرض، وسيتمكّن التّجار والمعامل من استيراد بضاعةٍ من مدينتي منبج والرّقة فقط.

 

مصطفى خليل وهو صاحب شركة سوز للعقارات والتّعهدات العامّة، وحاصلٌ على إجازةٍ في الاقتصاد من جامعة حلب، ويغطي نشاطه مدينة كوباني وحلب، أشار إلى أن توقّفهم عن الأنشطة التّجاريّة والعمرانيّة سبّب لهم خساراتٍ ضخمةٍ حتّى في الرّأسمال، وتأخرٍ في إنجاز بعض الأعمال وتسليمه للزبائن في الوقت المحدّد بسبب إغلاق الطّرقات والنّقص في الموادّ.

 

ويقول خليل " مدينة كوباني تعتمد في اقتصادها على المشاريع الصّغيرة والمتوسطة ولا توجد في المدينة معاملٌ كبيرةٌ، وأغلب العمال يعملون في قطاع البناء، إذ إنه يعمل في بناء كلّ بنايةٍ نحو 50 عاملاً، وهذا العمل هو مصدر دخل لـ 50 عائلةً، فمع توقّف قطاع البناء على سبيل المثال توقّف معه عن العمل الآلاف من العمال والمهندسين والفنيين.

 

وأشار خليل إنّ كلّ القطاعات الاقتصاديّة مرتبطةٌ ببعضها البعض، فتوقّف قطاع البناء يؤثّر على قطاع التّجارة، فالصّناعة، فالزّراعة، لأنّ ذلك يقلّل من دخل الفرد والعائلة، والاقتصاد يدور في فلكٍ واحدٍ وكلّ المجالاتٍ مرتبطةٌ ببعضها ضمن سلسلةٍ واحدةٍ وكلّ القطاعات تدعم بعضها، فالصّناعيّ لا يمكنه شراء بيتٍ إن توقّف عمله وهكذا...

 

يتوقّع خليل في حال استمرار أزمة كورونا في المنطقة، وبقي الحظر مستمرّاً، ستنتشر المجاعة بين عشرات الآلاف من عمال اليوميات، وستختفي الطّبقة المتوسطة في المجتمع.

 

 ويرى خليل إنه يجب على الإدارة إيجاد حلّ للأزمة الاقتصاديّة، مع الاستمرار في الوقاية من كوفيد 19، ويتّفق مع زميله جلنك عمر على أن تخفّف الإدارة من الضّرائب، ويضيف يجب أن يعيد النّشاط الاقتصاديّ للمنطقة وتفتح الشّركات والمصانع وتساهم الإدارة في فتح طرقاتٍ لجلب الموادّ الأساسيّة للصناعة والبناء، بالإضافة إلى تشجيع قطاع الزّراعة من خلال رفع سعر شراء المحاصيل الزّراعيّة ومنح المزارعين السّماد والبذار بسعرٍ أخفض ممّا عليه الآن.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard